مونت-لا-جولي.. مغاربة فرنسا يحتفلون في أجواء من البهجة بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    لفتيت يشرف على تنصيب امحمد العطفاوي واليا لجهة الشرق    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    طقس الأحد: كتل ضبابية بعدد من الجهات    طقس الأحد: ضباب وسحب منخفضة بعدة مناطق بالمملكة    الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    بنكيران: النظام الملكي في المغرب هو الأفضل في العالم العربي    تقرير: سباق تطوير الذكاء الاصطناعي في 2025 يصطدم بغياب "مقياس ذكاء" موثوق    لماذا تصرّ قناة الجزيرة القطرية على الإساءة إلى المغرب رغم اعتراف العالم بوحدته الترابية؟    بطولة ألمانيا لكرة القدم.. فريق أونيون برلين يتعادل مع بايرن ميونيخ (2-2)    كوريا الشمالية تتوج ب"مونديال الناشئات"    البطولة: النادي المكناسي يرتقي إلى المركز الخامس بانتصاره على اتحاد يعقوب المنصور    مدرب مارسيليا: أكرد قد يغيب عن "الكان"    موقف حازم من برلمان باراغواي: الأمم المتحدة أنصفت المغرب ومبادرته للحكم الذاتي هي الحل الواقعي الوحيد    نبيل باها: "قادرون على تقديم أداء أفضل من المباراتين السابقتين"    عائلة سيون أسيدون تقرر جنازة عائلية وتدعو إلى احترام خصوصية التشييع    ألعاب التضامن الإسلامي (الرياض 2025).. البطلة المغربية سمية إيراوي تحرز الميدالية البرونزية في الجيدو وزن أقل من 52 كلغ    طنجة.. وفاة شاب صدمته سيارة على محج محمد السادس والسائق يلوذ بالفرار    "جيل زد" توجه نداء لجمع الأدلة حول "أحداث القليعة" لكشف الحقيقة    بحضور الوالي التازي والوزير زيدان.. حفل تسليم السلط بين المرزوقي والخلفاوي    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    الرباط وتل أبيب تبحثان استئناف الرحلات الجوية المباشرة بعد توقف دام عاماً    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    شبهة الابتزاز والرشوة توقف مفتش شرطة عن العمل بأولاد تايمة    لقاء تشاوري بعمالة المضيق-الفنيدق حول إعداد الجيل الجديد من برنامج التنمية الترابية المندمجة    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    تشريح أسيدون يرجح "فرضية السقوط"    تتويج مغربي في اختتام المسابقة الدولية للصيد السياحي والرياضي بالداخلة    دكاترة متضررون من تأخير نتائج مباراة توظيف أساتذة التعليم العالي يطالبون بالإفراج عن نتائج مباراة توظيف عمرت لأربع سنوات    قطاع غزة يستقبل جثامين فلسطينيين    فضيحة كروية في تركيا.. إيقاف 17 حكما متهما بالمراهنة    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    كاتبة الدولة الإسبانية المكلفة بالهجرة: المبادرة الأطلسية التي أطلقها الملك محمد السادس تشكل نموذجا للتنمية المشتركة والتضامن البين إفريقي    حمد الله يواصل برنامجا تأهيليا خاصا    العرائش.. البنية الفندقية تتعزز بإطلاق مشروع فندق فاخر "ريكسوس لكسوس" باستثمار ضخم يفوق 100 مليار سنتيم    "صوت الرمل" يكرس مغربية الصحراء ويخلد "خمسينية المسيرة الخضراء"    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    عيد الوحدة والمسيرة الخضراء… حين نادت الصحراء فلبّينا النداء    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    أشرف حكيمي.. بين عين الحسد وضريبة النجاح    انطلاق فعاليات معرض الشارقة للكتاب    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شباب من آخر الزمن.. والحب
نشر في ناظور سيتي يوم 30 - 03 - 2010

نظرا لِمَا تمّ من تأويلات خاطئة وخطيرة في نفس الوقت لكلمة "الحب"، ونظرا للانتهاكات التي مورست ولا زالت تمارس في حقها،ونظرا للفهم الخاطئ والزائف والمقلوب والمغلوط الذي تمّ به أخذ واستيعاب كلمة عظيمة كهاته،ونظرا للاحتقار البشع والنظرة الدونية من البعض إليها وكذا عدم إعطائها واستيفاء حقها من المنزلة والقدر والشرف،كان من اللاّزم أن أساهم ولو بالشيء القليل من خلال هذا المقال وفي هذا المقام بالتحديد في تصحيح عديد من المفاهيم الخاطئة والمغلوطة حول كلمة "الحب" والتي أضحى يتداولها عديد من الأشخاص بالشكل الخاطئ والمقلوب بسبب بسيط، ألا وهو اختلاط المفاهيم عليهم وعدم فرز صحيحها من خطئها
وقبل أن أفكر أو أشرع في كتابة هذا المقال، دارَ حوار مقتضب بيني وبين صديق لي في مكالمة هاتفية قصيرة كانت بمثابة السبب المباشر الذي دفعني إلى الخوض في موضوع حسّاس كهذا، والحوار بقدر ما كان مختصرا في كلماته وشكله بقدر ما كان خطيرا في فحواه ومحتواه وبقدر ما كان يوحي بما لا يحمد عقباه:
أهلا سي عماد
أهلا وسهلا
إوا مامش ثادجيد أخويا عماد..مليح..؟
مليح الحمد لله على كل حال..إشك مامش ثادجيد..مليح؟
آودّي ويشك غايجّن مليح
ياك لاباس..ميندين..!؟
آودّي أمشوم ني ن"الحب" واها..وايجي حد مليح
آه! نَشْ تغيراي ميشيوغين أصاحبي
إوا..إشَكْ ما تاڭاد شان "الحب" نيغ والوا..؟
إوا..بالسّيف..الحياة مارا ذ الحب
آه! يعني رادْ شَكْ غاك شان ميغامزان..!؟
(قلت ضاحكا) واه غاري..ولكن ماشي ذ ميغامزان
إوا..ما تاڭاد أكيس شا نيغ والوا..!؟
(قلت مستغربا) مين كيس غاڭاغ آيَمشوم..!!!؟؟
إوا..مينتاڭان مارا عباد الله
آه! ياك ما أمّو إثفاهماذ شَكْ "الحب" آحمّو..؟؟
طز خاك..! مَغارْ مامش تفاهماذ شَك؟؟!!..لا لا..شَك باين إلاّ أقاشك مازال ذي دار غفلون..نيغ عمّاس ما ثاڭيذ الحب
ما لفت انتباهي في هذا الحوار كلّه، سؤالين خطيرين هما بمثابة بيت القصيد، لأنهما يوحيان عن فهم خاطئ ومغلوط ل"الحب" من طرف مجموعة ليست بالقليلة من شباب هذا اليوم، والذين هم نسخة بالكربون وطبق الأصل لصاحبنا هذا،والسؤالين هما:
ما تاڭاذ شان "الحب" نيغ والوا..!؟
ما تاڭاد أكيس شا نيغ والوا..!؟
ولكي يتّضح الغلط في فهم الأغلبية الساحقة من شباب هذا اليوم للحب، لا بأس من إعادة صياغة السؤالين أعلاه باللغة العربية الفصحى، ليتضح المقال،وليظهر معه الغلط والخطأ جليا وبارزا بروز الشمس المشرقة
أَ تفعل الحب..؟؟
وهل تقوم بسلوكات أو ممارسات معينة مع من تحب..؟؟
لعلّ أن هذا هو أكبر خطأ اقترفه صاحبنا وكل من يسير في فلكه، بعد أن تمّ إخراج هذه الكلمة وتجريدها من مغزاها ومعناها الحقيقي الذي هو "شعور جميل وأحاسيس رهيفة" وإلباسها لباسا لا يليق بها وهو لباس "الفعل" الشنيع والممارسات الذميمة واللاأخلاقية
ومن هذا المنطلق، سيظهر لنا جليا أن الأغلبية العظمى من شباب هذا اليوم قد فهم قضية "الحب" فهما خاطئا، بل منهم من تجاوز فهمه الخطأ فَفَهِمَها فهما جهليا نابعا عن جهله، كما منهم من تعدّى فهمه هذا وذاك، فَفَهم القضية فهما بشعا، بحيث لم يكتف بالخطأ أو الجهل في ذلك فقط، بل الأكثر من ذلك أنه تعدّى إلى البشاعة في فهمها. فتمخّض عن هذه الفكرة الخاطئة والبشعة التي تم أخذها وتصورها عن الحب تفعيلا وتطبيقا وكذا تجريبا خاطئا وبشعا هو الآخر، وكذا نتائج غير مثمرة ولا مرجوة في النهاية، لأن ذلك لن يكون سوى تحصيل لحاصل حصل مسبقا ألا وهو الفهم الخاطئ والمقلوب من البداية
إذن فما هو "الحب" يا ترى..؟؟
وهل مازال الحب بمعناه الحقيقي موجودا بهذا الزمن..؟؟
وهل هناك من أدرك حقيقة الحب وماهيته ، فأصبح يحب حقا..؟
وفي المقابل، من منّا لايزال جاهلا للحب، وباعتقاده أن الذي يفعله هو الحب أو بدافع الحب مع أنه ليس بحب أصلا..؟؟
لو سألت أيّاً كان من شباب وفتيات هذا الزمن عن الحب وماهيته أو فلسفته، لقال لك باستغراب وتعجب: ومن منّا لا يعرف الحب ولا يدرك فلسفته!؟
أقف هنا وقفة المصحّح والمبيّن لأقول أن الكثير منّا من لا يعرفه أبدا، ولم يجرّبه قطعا، وباعتقاده أن الذي يفعله هو الحب أو بدافع الحب مع أنه ليس بحب بتاتا، لأن ذلك لا يمت لهذا الأخير بأية صلة، بل ما هو إلا فعل آخر بعيد كل البعد عمّا نسمّيه "الحب" ، والأجدر أن نسمّيه أيّ شيء ونطلق عليه ما نشاء إلاّ مصطلحا من قبيل "الحب" فلا وألف لا
وإذا ما أردنا وضع تعريف مبسّط للحب، لقلنا أن الحب في اللغة هو لفظ أو كلمة شاملة وجامعة لكلّ ما فيه خير وحسن وجمال وطيبوبة وصلاح، وبذلك فهي تدل على كل شيء إيجابي،فهي مثال للطهارة والقدسية والشرف والطيبوبة والاحترام والعفة والصدق والوفاء والإخلاص والرحمة والود والعطف والحنان والخير والصّلاح . . ويكفي أن تضعها في مقابل نقيضها الذي هو الكره أو البغض ليظهر لك جمال معناها
هذا لغويا،أما معنويا واصطلاحا فالحب علاقة قوية ومتينة بين طرفين أحدهما هو المحب والثاني هو المحبوب، يطغى ويغلب عليها طابع الطهارة والعفة والصدق والوفاء والإخلاص
أما عن أنواع الحب ودرجاته، فالكل يعلم أن حب الله يأتي في الدرجة الأولى وحب رسوله صلى الله عليه وسلم في الدرجة الثانية وكذا حب الوالدين وحب المؤمنين...وكذا كل من يُحْبِبْهُ القلب ويجعله محبوبا له بعد أن يقع اختيار العقل عليه
لكن الذي أريد أن أقتصر عليه في معرض كلامي هنا، هو ذلك النوع من الحب الذي يكون طرفاه الشاب من جهة والفتاة من جهة أخرى، لأنه ظاهرة هذا الزمن من جهة، ولأنه مكمن الخطورة والفهم الخاطئ وبالتالي التطبيق والتجريب المغلوط من جهة أخرى
الحقيقة المؤسفة والمخزية والتي يندى لها الجبين هي ما نراه من تحريف عشوائي من البعض ومقصود من البعض الآخر لمفهوم الحب ومقصوده، وكذا تجريده وتعريته من أدنى معانيه وصوره ومقاصده وأهدافه، بعد أن اتخذ منحى مغايرا تماما لمنحاه العادي وسار في اتجاه غير اتجاهه، كمن يسير في عكس اتجاهه ويريد أن يصل مبتغاه، في وقت جهل أنه كلّما زاد سيرا زاد بُعدا عن مبتغاه وكلّما زاد سيرا زاد رجوعا وتخَبُّطاً وتيها
فعلاً، فهذه هي صورة الحب في هذا الزمن عند شبابه وفتياته، فلم يبق الحب يقتصر معناه أو يتجسد مغزاه في أنه شعور جميل أو أحاسيس رهيفة وخالصة، ولم يبق الحب من أجل الحب فقط، ولم يبق الحب هو الذي يرسم تلك الصورة الجميلة والفاتنة والناصعة لمعاشرة الشخص المحب للشخص المحبوب بإخلاص ووفاء ونزاهة وفي السّراء والضرّاء
كما لم يبق الحب هو ذلك المعنى الجميل الذي يناقض المعنى القبيح للكره والبغض، بحيث هو المعيار والمقياس الذي نميز به بين الشخص الطيب والشرير، فإذا كنت تحب فأنت طيب وإن كنت تبغض فأنت حقا شخص سيء.لا، بل انقلبت الآية وانقلبت معها الحقيقة فصار الآن من يحب هو الذي يشار إليه ببنان السوء وأنمل الشر وأصبع الخزي والعار
ولم يبق الحب هو الأساس والقاعدة والعمود الذي تقوم عليه حياة كل فرد، إذ لولاه ولولا حب الواحد منا الآخر وحب الغير لوجدنا هذه الحياة غابة ومن يحيى فيها وحوش مفترسة تأكل بعضها بعضا لأنها لا تحب بعضها بعضا، أو حربا شرسة يبيد بعضها بعضا ويقتل بعضها بعضا ويزيل بعضها بعضا إلى أن يزول الكل من جرّاء عدم وجود أس الحياة وقاعدته الذي هو"الحب" طبعا
لأنه وببساطة، لم يدرك الكثير أن الحب هو سبب الوجود، فليس فقط أن تفكر إذن فأنت موجود، بل أن تحب إذن فأنت حقا موجود، لأن الفلسفة الوجودية الحقيقية ليست أنا أفكر إذن فأنا موجود الأفلاطونية،بل هي أنا أحب إذن فأنا موجود
هذا ولم يبق الحب يحتفظ بصورته المشرقة والمشرفة في نفس الوقت، كحب القدماء أمثال قيس وليلى أو جميل وبثينة...أسماء خالدة بذاكرة التاريخ وأرشيفه، لها من الكتب ما يشهد على الحب "النموذج" لعفته وإخلاصه وبرائته
أخيرا وليس آخرا، لم يبق الحب ذلك المرادف للطهارة والقدسية والشرف والطيبوبة والاحترام والمودة والرحمة والعطف والحنان والعفة والصدق والوفاء والإخلاص والخير والصلاح..بل أصبح شيئا آخر بمعنى آخرا
في الحقيقة، سيذرف الواحد منا الدم بدل الدموع، وسيشعر بالانزعاج والضيق والحرج عوض الامتنان والاطمئنان والارتياح من جرّاء ما آلت إليه هذه الكلمة في هذا الزمن ومن جرّاء ما أصبحت فيه من ظلم وما يمارس في حقها من انتهاك من طرف فتية وفتيات لا يعرفون موضع رأسهم من قدمهم، فأخذوا "الحب" على محمل الهزل وجعلوا منه لعب أطفال وتمضية وقت ليس إلا، فلطّخوا شرف الحب بدماء نتنة هي دماء الخزي والعار، ومرّغوا عفته في وحل القبح والحقارة، وأزالوا عنه قناع الجمال والحسن والخير واستبدلوه بقناع الشر والسوء والمهزلة
أضحى عندنا الحب في هذا الزمن مرادفا للمصلحة والماديات والخيانة والنكران والجحود والتمثيلية والمكر والخداع
كم منّا يحسب نفسه محبا أو باعتقاده أن الذي يفعله بدافع الحب، وهو يجسد حب المصلحة لا أقل ولا أكثر، إذ لا يرى في "المحبوب" سوى حاجة يقضيها أو مصلحة يجنيها، فبمجرد أن تقضى الحاجة أو تجنى المصلحة والغاية تنقضي معها تلك العلاقة التي تعتبر تسميتها بالحب أكبر إجحاف في حق هذا الأخير، مادام أن ذلك لم يكن سوى بدافع المصلحة والحاجة
كم منّا أيضا، اعتقد نفسه يحب أو ما يفعله بدافع الحب وهو يجسد حبا غلبت وطغت عليه الماديات، ونسي أن الحب كشعور وإحساس داخلي والمادة كمادة حسية وملموسة لا يلتقيان أبدا
كم منّا أيضا، حسب نفسه بطلا في الحب وما هو في الأخير سوى بطل في الخيانة والمكر والخداع والثعلبية، لأنه كان أكبر خائن للحب وأكبر ماكر وخادع للمحبوب وأكبر ثعلب آدمي ماكر عرفته الحياة بأسرها، بل وأكبر مجرم في عالم الإجرام لأنه ارتكب جريمة في حق براءة الحب
كما ليس بحب بتاتا ذلك الذي يُسَوِّقُ له الغرب، هذا الأخير الذي كذب علينا بشأن الحب فصدّقناه، فباع لنا مفهوما زائفا ومغلوطا و تضليليا للحب وذلك بمقابلٍ لا مقابل يضاهيه وبثمن لا نظير له. وطالما أن كل شيء في هذه الدنيا له ثمن حتى الكفن، كان الثمن الذي دفعناه لهم في مقابل ما استوردناه عنهم من مفهوم خاطئ للحب، أن سلبت منا أخلاقنا وكرامتنا وشيمنا، ففازوا هم وتقدموا وساروا إلى الأمام، بينما خسرنا وتخلفنا وتراجعنا إلى الوراء نحن
فالحب ليس علاقة حميمية ومؤقتة وعابرة في نفس الوقت، وليس أن تكون هناك علاقة حب بمعنى أن يكون هناك حبيبان أو ما يسمى ب "البوي فريند" و"الڭورل فريند" عند الغرب، لأن هذا هو أكبر خطأ اقترفناه في حق مفهوم الحب الحقيقي والأصح
كما ليس بحب قطعا، ما يتم من ممارسات شنيعة وأفعال ذميمة ولا أخلاقية باسم الحب أو تحت ذريعة أنها علاقة حب، في حين أنها لا تمت لهذه الأخيرة بأية صلة وما الحب إلّا بعيد عنها بُعد السماء عن الأرض
فكم من اغتصاب حدث كان باسم الحب، وكم من تحرّش جنسي واعتداء أخلاقي كان باسم الحب، وكم من شارع ومدرسة أو جامعة أو قسم فيها كان مسرحا لإثنين يعانقان أو يقبّلان أو حتى يضاجعان بعضهما البعض كمن يشاهد مشهدا أو فيلما ل"البورنو" فكان ذلك باسم الحب..وكم من فيلم أو مسلسل إباحي ومخل للآداب يبث على شاشات التلفزيون باسم الرومنسية والحب..وكم من شخص انتحر وزهق روحه ووضع نهاية لحياته سواء شنقا أو قفزا من بناية شاهقة فسمّى نفسه أو سمّاه الناس بطلا وشهيدا في الحب..وكم من ممارسات وسلوكات افتعلها أشخاص يدّعون أن لديهم كبتاً عاطفيا أو أنهم يخرجون مكبوتاتهم من خلال هذه الأفعال اللاأخلاقية والتي في نظرهم أن سببها هو الحب..في حين أنهم في الحقيقة إما مريضون عقليا أو نفسيا أو أيّ شيء آخر إلا أن يكونوا محبين فلا..هذا وكم من شاب أهمل نفسه وأضاع وقته ونسي ربّه فكرّس حياته كلّها للمحبوب، فأحب بجنون و بلا حدود ولم يَعِ أنه إذا زاد الشيء عن حده انقلب إلى ضدّه
لكن يبقى الحب الحقيقي والأصيل أزكى وأطهر وأشرف من ذلك بكثير، مادام أنه بريء من ذلك كله براءة الذئب من سفك دم يوسف
إذن فما هو الحب الحقيقي يا ترى..وما هي شروط تحققه..؟؟
لن تستغرق الإجابة على هذا السؤال سوى التمعن في كلمة الحب نفسها، أخذا بعين الاعتبار حرفيها المتواضعين وعدم احتقارهما لأنهما يشكلان الشرطين الضروريين لتحقق الحب الحقيقي والصحيح
فالحرف الأول الذي هو "الحاء": يشير إلى شرط واجب وضروري في علاقة الحب، إذ بانعدامه تصبح العلاقة فاسدة من جذورها، ألا وهو "الحلال". وطالما أن الحلال بيّن والحرام بيّن، فالحب الحلال كذلك بيّن والحب الحرام بيّن. إذ يستوجب الحب الحلال مبدأي "الاحترام" و"الأخلاق"، مع الأخذ بعين الاعتبار القاعدتين العامتين "لا إفراط ولا تفريط" و "إذا زاد الشيء عن حدّه انقلب إلى ضده وعكسه"
أما الحرف الثاني من هذه الكلمة فهو حرف "الباء": وهو الآخر يشير إلى شرط ضروري في علاقة الحب، إذ بهذا الشرط تصبح العلاقة صحيحة من أعماقها، وهو شرط "البراءة". وأن يكون الحب بريئا بمعنى أن يغلب عليه طابع العفة والطهارة والقدسية والصدق والوفاء والإخلاص لا طابع المصلحة والمادة والخيانة والمكر والخداع
وبتوفر هذين الشرطين المستخلصان من كلمة الحب نفسها، واللذان هما "الحلال" و "البراءة" ستستعيد هذه الكلمة شرفها وقدرها ومنزلتها في قاموس
الكلمات الأكثر جمالا، وستستردّ زخرفها وصورتها البرّاقة والناصعة، كما لن يكون النطق بها بين الوالدين والأهل والأسرة عيبا ولا عارا ولا حشومة
وقبل الختام، لا بأس أن أنصح كلّ من قرأ مقالي هذا بمسألتين اثنتين، أولهما أن الحب هو سيل من الأحاسيس تمطره غمامة المحب في أرض حبيبه..فربما يجني من ورائه وردا أي خيرا وربما يجني من ورائه شوكا أي شرّا
وثانيهما، أن العبرة ليست في قليل الحب أو كثيره بل العبرة بما قاله الشاعر العربي:
إن قليل الحب بالعقل صالح *** وإن كثير الحب بالجهل لَفاسد
ختاما، يبقى السؤال مفتوحا على مصراعيه: من منّا يا ترى قد أحب حبّا حلالا وبريئا..؟؟ ومن منّا على العكس والنقيض من ذلك تماما قد أحب حبا حراما وبذيئا..؟؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.