زوما يدافع عن زيارته للمغرب: العلم الجنوب أفريقي ملك للشعب وليس للحكومة    قانون مالية 2026.. مواصلة تنزيل الإصلاحات الهيكلية والحفاظ على التوازنات المالية    أسود البطولة يرفعون التحدي قبل مواجهة كينيا    أوغندا تكتسح غينيا بثلاثية في "الشان"    شيخ الطريقة القادرية البودشيشية في ذمة الله    واشنطن توضح سياسة "رسوم الذهب"    وقفات مغربية تواصل مناصرة غزة    موجة حر مع درجات حرارة تصل الى 48 بعدد من مناطق المغرب    مشروع قانون المالية 2026.. تعزيز استدامة المالية العمومية ودعم النمو المستدام ضمن رؤية ملكية شاملة    الحضري: بونو يستحق الأفضل في العالم    تداولات بورصة البيضاء تنتهي بالأخضر    "أولمبياد تيفيناغ" .. احتفاء بالهوية عبر منافسات تربوية في الحرف واللغة    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    المغرب يحتفي بأبنائه في المهجر ببرامج صيفية تعزز الانتماء للوطن وتواكب ورش الرقمنة (صور)        قادة دول ورجال أعمال يلتمسون ود ترامب بالذهب والهدايا والمديح    المعرض الوطني للطوابع والمسكوكات يتوج نسخته الثانية في مدينة خنيفرة بندوة علمية حول تاريخ النقود والبريد    عيطة الحال ... صرخة فنية من قلب البرنوصي ضد الاستبداد والعبث    الرباط تحتضن النسخة الأولى من «سهرة الجالية» بمناسبة اليوم الوطني للمهاجر    وفاة طفل غرقاً داخل حوض مائي بإقليم الحسيمة    ارتفاع صاروخي في صادرات الطماطم المغربية نحو إسبانيا بنسبة 40%    الشرطة توقف طبيبا متلبسا بتلقي رشوة 3000 درهم مقابل تسريع خبرة طبية    موجة حر تصل إلى 48 درجة وزخات رعدية مرتقبة في عدد من مناطق المملكة    قتيل ومصاب في انهيار بمنجم إميضر    رحيل الفنان المصري سيد صادق عن عمر 80 عاما في وفاة مفاجئة    الجمارك المغربية تجدد إجراءات الرقابة على المعدات العسكرية والأمنية    بطولة إسبانيا.. مهاجم برشلونة ليفاندوفسكي يتعرض للإصابة    مدافع برشلونة إينيغو مارتينيز في طريقه إلى النصر السعودي    المغرب في قائمة الوجهات الأكثر تفضيلا لدى الإسبان في 2025    بلدية إسبانية تتخذ قرارا مثيرا للجدل بحق المسلمين    بطولة أمم إفريقيا للمحليين.. بوابة اللاعبين المحليين صوب العالمية    مقاييس الأمطار المسجَّلة بطنجة ومناطق أخرى خلال ال24 ساعة الماضية    وفاة الفنان المصري سيد صادق    المغرب يصدّر أول شحنة من القنب الهندي الطبي نحو أستراليا        قتيل بضربة اسرائيلية على جنوب لبنان    لطيفة رأفت تعلق على "إلغاء حفلين"    النجم الحساني سعيد الشرادي يغرد بمغربية الصحراء في مهرجان "راب افريكا"    السلطات تحجز بالفنيدق طنا من البطاطس مجهولة المصدر وغير صالحة للاستهلاك    العربيّ المسّاري فى ذكرىَ رحيله العاشرة    واشنطن تعلن عن جائزة 50 مليون دولار مقابل معلومات للقبض على الرئيس الفنزويلي    سان جرمان يتوصل الى اتفاق مع ليل لضم حارسه لوكا شوفالييه    مدرب الرجاء يمنح فرصة لأبريغوف    "أوبن إيه آي" تقوي الذكاء الاصطناعي التوليدي    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    مسؤول أممي يرفض "احتلال غزة"    المغرب على رادار البنتاغون... قرار أمريكي قد يغيّر خريطة الأمن في إفريقيا    أطروحات يوليوز    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    عمليتا توظيف مالي لفائض الخزينة    المغرب يواجه ضغوطا لتعقيم الكلاب الضالة بدل قتلها    تسجيل 4 وفيات بداء السعار في المغرب خلال أشهر قليلة    "دراسة": تعرض الأطفال طويلا للشاشات يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب    من هم الأكثر عرضة للنقص في "فيتامين B"؟        الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    من الزاويت إلى الطائف .. مسار علمي فريد للفقيه الراحل لحسن وكاك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد علي رباوي:ليست هناك سياسة واضحة للاهتمام بالشأن الثقافي في المغرب
نشر في الوجدية يوم 10 - 03 - 2012

أكد الشاعر محمد علي رباوي أن المشهد الثقافي بالمغرب تتقاسم إنتاجه الدولة التي تهتم بالثقافة التي تخدمها والأحزاب التي تلمع الثقافة التي تستجيب لهواها، والمجتمع المدني الذي لا يحظى بنفس الإمكانيات التي تساعده على الترويج. وأرجع رباوي سبب العزوف عن القراءة إلى المناهج التعليمية التي اعتمدت على التبسيط وعطلت قدرة الذاكرة لدى الأطفال، بعد أن توغل المستعمر في المناهج المعتمدة في التعليم لما توغل الاستقلال في بلادنا. وقال المتحدث إنه ليس هناك ركود ثقافي في المغرب كما ليس هناك سياسة واضحة للاهتمام الثقافي، وأضاف أن الأمة لو عادت إلى ذاتها وحكمت بما يرضي الله فإنها ستنتبه إلى أهمية الثقافي وستوليه اهتماما.
وحول الربيع العربي شدد رباوي، على أن الربيع العربي غير مؤطر ثقافيا، مبرزا أن الشباب بعد أن ثاروا على الظلم والفساد وملؤوا الشارع صراخا واحتجاجا تسرب إليهم الساسة ووجهوا صراخهم الوجهة التي تخدم أحزابهم، وأشار أن هذا ما كان ليحدث لو أن فعل الشباب الثائر كان من صنع ثقافة ما.
تم تكريمكم مؤخرا من طرف محترف الكتاب في مدينة فاس بحضور شعراء ومثقفين، كيف تلقيتم هذا التكريم؟
تلقيت هذا التكريم بسعادة كبيرة؛ لأن الجهة التي كرمتني هي جمعية تمثل المجتمع المدني، هذا يعني أن التكريم ليس مرتبطا بالسلطة، لا بالسلطة الحاكمة ، ولا بالسلطة الحزبية، مما يجعل التكريم فعلا وجدانيا يجمع المُكَرِّم بالْمُكَرَّم، وهذا سر سعادتي
بصفة عامة، كيف تنظرون إلى المشهد الثقافي المغربي من حيث الإنتاج والجودة؟
المشهد الثقافي بالمغرب تمارس فعله الدولة والأحزاب والجمعيات غير المرتبطة بهما. فالدولة تهتم بالثقافة التي تخدمها، والحزب يلمع الثقافة التي تستجيب لهواه، وبما أن الثقافة تمردت على الدولة وعلى الأحزاب فإنها ارتبطت بالمجتمع المدني، وهذا الارتباط حرمها الإمكانيات التي تساعد على الترويج، ورغم ذلك فإن الجمعيات الجادة استمرت في نشر الثقافة المغربية ودعمها. ولكي أعطي حكما معياريا عن الثقافة بالمغرب لا بد أن أنظر إليها في علاقتها بالثقافة العربية. والثقافة المغربية متميزة، فالمغرب هو البلد الوحيد الذي حافظ على استقلاله يوم كانت الدول العربية خاضعة للدولة العثمانية، هذا الاستقلال عمق التميز في الإنجاز الثقافي.
كشفت تقارير دولية عن عزوف الموطن المغربي على القراءة والكتاب، آخرها تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي وضع المغربي في المرتبة 162 عالميا من حيث القراءة والكتابة، ما هي أسباب هذا العزوف في نظركم؟
أسباب العزف عالجها أكثر من باحث متخصص، لكن أغلب هذه المعالجات ظلت محكومة بالفلسفة الغربية، وهذا سر فشلها. في اعتقادي فإن التعليم هو المسؤول الرئيس في هذه الأزمة. مثلا، المناهج التعليمية التي تربى فيها جيلي كل ما فيها يدعو إلى الارتباط بالكتاب، تعرفنا على أعلام الشعر العربي والفرنسي في المدرسة الابتدائية: عرفنا عنترة والمتنبي وشوقي وحافظ و...وفكتور هوجو ولامرتين ولافونتين وأنطول فرنس و.. وسمعنا وقرأنا عن العقد الفريد وصاحبه ابن عبد ربه ونهج البلاغة ولامية العرب. وفي الإعدادي تعمقنا في دراسة هذه المعارف. كانت المدرسة بالفعل ترعى المواهب، وكنا حين تقترب العطلة نبقي في أقسامنا إلى آخر يوم من أيام الدراسة، لأن المعلم كان يشدنا بالأنشطة الفنية كالتمثيل والإنشاد، أتذكر أنه في المستوى الثاني ابتدائي تعرفنا على شوقي شاعرا مسرحيا ومثلنا بعض مسرحياته، كان المعلم يجعلنا نتنافس في إنشاء رسائل في موضوعات معينة، والإنشاء الفائز يقرأ أمام التلاميذ . كان كل تلميذ يحلم أن يكون إنشاؤه من المختارات، وليتحقق حلمه عليه أن يعود إلى المنفلوطي وجبران والرافعي، كنا تنمنى أن تتأخر العطلة؛ لأن المدرسة بهجة.
وحين توغل الاستقلال فينا توغل معه المستعمر فانسل إلى المناهج، وهنا بدأ التبسيط وتعالت أصوات تقول إن الطفل ينبغي أن يأخذ إلا ما يناسب عقله وعطلنا فيه كنزا مهما هو كنز الذاكرة. المناهج التعليمية المستوردة جيدة وصالحة لكن حين تطبق في الغرب، لأنه لم يلجأ إليها إلا لأن مجتمعاته في أمس الحاجة إليها، أما مجتمعنا العربي الأمازيغي المسلم فحضارته تتطلب منهجا مخالفا كان ينبغي أن يعتمد على مناهج الأسلاف. تصور أن كتاب المفضليات وهو مختارات من عيون الشعر الجاهلي هو في الحقيقة ديوان شعر للأطفال! كيف سيكون مستوى الطفل الذي يحفظ القرآن الكريم ويحفظ المعلقات حين يباشر العلم؟
إذن أزمة القراءة ترجع إلى التعليم أساسا وبعد ذلك يمكن أن نتحدث عن الأسرة.
برأيك، هل يتحمل المثقف والأديب والشاعر قدرا من المسؤولية في هذا العزوف الملحوظ؟
المنجز الثقافي بالعالم العربي عامة وبالمغرب الأقصى خاصة نوعان، نوع حاول محاكاة المنجز الغربي، وفرضه الإعلام الرسمي وإعلام كثير من الأحزاب، ولكن المتلقي المغربي لم يستجب له؛ لأنه يحدثه بما يُحَدَّث به من يعيش في قلب باريس أو لندن، فأصبحت لغة المنجز الثقافي عربية الحروف غربية الأصوات، وضاع المعنى وضاع التواصل.. وهذا المنجز ساهم في خلق الأزمة.
لكن ثمة نوعا آخر ارتبط بالذات، دون أن يمنعه من فتح النوافذ والسماح بهبوب النسيم الوافد من الشمال، فساهم هذا النسيم في بناء الذات وفي تقويتها، هذا المنجز الجديد يلقى شيئا من التواصل لكن الإعلام لا يلتفتُ إليه، وهنا جاءت الجمعيات ففتحت لبعض هذا المنجز ذراعيها.
هناك شبه إجماع على نوع من الركود الثقافي تعيشه بلادنا، هل أنتم مع هذه الفكرة؟
ليس هناك ركود، بالمقابل ليس هناك سياسة واضحة للاهتمام بالثقافي، أقصد أن الثقافة منتوج يعرض كباقي المنتوجات في الأسواق، ولهذا يحتاج كالسلع إلى رأس مال، والجهات التي تملك هذا المال لاتريد الاستثمار فيه، لأنه يعكر صفوها، أليست الثقافة هي التي خلقت جيلا فرنسيا مرحبا بالثورة الفرنسية في القرن التاسع عشر؟ وفي اعتقادي أن الأمة لو عادت إلى ذاتها وحكمت بما يرضي الله، فإنها ستنتبه إلى أهمية الثقافي وستوليه اهتماما وستكتشف أنه حاضر لكن ينقصه الإعلام. هل تعلم أخي أن فرنسا قبل أن تهزمنا في معركة إسلي هزمتنا بمشروعها الثقافي، هل تعلم أن من يملك هوليود يحكم العالم، أمريكا تحكم العالم بهوليود و«كوكاكولا»و«الدجين».
اختتمت فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء مؤخرا، هل يمكن أن تساهم هذه التظاهرة الثقافية في تجاوز حالة الركود الثقافي؟
من حيث الشكل «نعم»، لكن على مستوى الواقع «لا». الدولة هي التي تشرف على هذا المعرض. والسؤال المطروح، ماذا حققت لكي يصبح الكتاب في متناول القارئ؟ كان ينبغي مثلا للكتاب الذي تطبعه الوزارة ألا يزيد ثمنه عن درهمين . ثم مَن يساهم في الأنشطة الثقافية المصاحبة للمعرض؟ هم أصحابُها من المنتمين إليها أو من المنتمين إلى أحزاب سياسية معينة. لو كانت هناك ديمقراطية حقيقية لاستطاع هذا المعرض بالفعل أن يساهم في خلق عرس ثقافي كل سنة، ولكن في غياب هذه الديمقراطية فإن الوضع سيبقى كما هو. قل بالله عليك، في الانتخابات السابقة، مَن مِن أحزابنا قدم مشروعا ثقافيا ؟ عندما كان بنكيران يتفاوض مع الأحزاب حول توزيع الحقائب كان هناك سباق إلى بعض الحقائب، لكن حقيبة وزارة الثقافة كانت خارج الصراع.
أفرزت الثورات العربية أو ما يسمى ب»الربيع العربي» تحولات سياسية عميقة، هل رافقه تحول ثقافي؟
الربيع العربي ربيع غير مؤطر ثقافيا. الثقافة كانت مبعدة، وحَرمها المسؤولون في الدولة وفي الأحزاب من أن تباشر حياتها الطبيعية، فأعطى هذا شبابا متعلما غير مؤطر ثقافيا، ثار على الظلم والفساد فملأ الشوارع صراخا واحتجاجا، وهو احتجاج مشروع ، لكن السياسيين تسربوا إليهم عبر الشوارع ووجهوا صراخهم الوِجهة التي تخدم أحزابهم، هذا ما كان ليحدث لو أن فعل الشباب الثائر كان من صنع ثقافة ما.
الشعر المصري الذي واكب الثورة المصرية أغلبه ضعيف؛ لأن أغلب من كتبه كان من أنصار الحكم السابق، فلما جاءت الثورة لبسوا لباسها. الثقافة تعرف تحولات قبل الثورة وهي التي تبشر بالثورة، وهذا لم يحدث في الربيع العربي.
كيف تنظرون إلى علاقة الشعر بالثورة؟ وما دور الشاعر في تغذية شعور الإنسان المطالب بالحرية؟
الشعر هو في ذاته ثورة، إذا لم يكن كذلك فهو محض كلام. لو عدتَ إلى قصائد كثيرة كتبتُها ما بين سنوات السبعين وسنوات التسعين ( وكذلك الأستاذ الشاعر حسن الأمراني )، ستكتشف أنها بَشَّرَتْ بِهذا الربيع . ولكن النصوص لم تنل ما تستحقه لأنها نصوص لا تخضع لا لسلطة الدولة ولا لسلطة الأحزاب، وعندي أن الشاعر لا ينبغي له أن يمارس السلطة ولا ينبغي له أن ينخرط في أي حزب؛ لأن في هذه الممارسة وفي هذا الانخراط حدا لحريته. هذا لا يعني أنه لا ينبغي له أن يتعاطف مع هذا الحزب أو ذاك، لكنه تعاطف لا يلغي حريته؛ لأن دوره أن يقدم للمتلقي ما يحلم به، ما ينبغي أن يكون وبهذا فهو مِلْك للإنسان في كل مكان، وفي كل زمان.
الشاعر السوري أدونيس يقول إن الشعر غير قادر على التغيير هل تتفقون مع هذه الفكرة؟
الشاعر أدونيس شاعر كبير ، اختار أسلوبا للكتابة خاصا به، شاعرٌ مثقف ثقافة عالية، طريقتُه في الكتابة أغرت كثيرا من الشعراء، حتى أن بعضهم تصوروا طريقته سهلة ولما قلدوه أفسدوا الشعر العربي. حين قال أدونيس هذا الرأي قاله وهو يفكر في مفهومه للشعر، فرأيه ومفهومه للشعر منسجمان، وهذه عظمته. أنا أحترم الشاعر الذي ينطلق من نسق فكري واضح. أما رأيي أنا فأقول: الشعر قادر على التغيير؛ لأن فهمي للشعر غيرُ فهم أدونيس. الشعر عندي مسؤولية ، والشاعر مسؤول. وبهذا الإحساس بالمسؤولية يتحقق التغيير.
أنتم عضو في رابطة الأدب الإسلامي، قيم لنا مسار الرابطة؟
الرابطة تواجه تحديات كبرى، فالكل «رافض» لكل عمل يُربط بحضارتنا. فالآخر نجح في إقناعنا بأن أي عمل مرتبط بالإسلام فهو إرهاب. ونحن في الرابطة لسنا دعاة ولا أيديولوجيين كما يزعم البعض، نحن نريد ربط الأدب بحضارتنا، وهذا الربط لا يعني الانغلاق بل يعني أن نسمح للرياح اللواقح أن تهب علينا، وأظن أن الرافضين لو قرؤوا ما نكتب لاكتشفوا أن أدبنا ليس غريبا عنهم. الرابطة تشكو من غياب الدعم لأن حضور الدعم يساعد على نشر الرسالة. أتمنى أن يلتفت المهتمون بهذا لتمكين رابطة الأدب الإسلامي بما يساعدها على تحقيق رسالتها.
كثير من المثقفين يرفضون تصنيف الأدب، لماذا تدافعون على أطروحة رابطة الأدب الإسلامي؟
أنا لا أدافع على أطروحة الفن الملتزم، لأني لست أيديولوجيا. أنا أربط الفن بالتعبير الصادق عن التجربة التي يعيشها الفنان، مع ربط هذا التعبير بحضارتنا، والفن بهذا يحقق ثوريته. الثورية لا تتحقق بالموضوعات وإنما تتحقق في خلق انسجام بين التجربة والشكل الفني. فقد أكون ثوريا وأنا أكتب ابتهالات أو وأنا أعبر عن حبي المرأةَ أو الوطنَ. التجارب الفنية التي أنجزها العرب في ظل الواقعية الاشتراكية سقطت فنيا منذ انجازها، أما التجارب التي ارتبطت بالإنسان فظلت حاضرة، هذا ما ندعو إليه. الفنان حين يعي أنه مسؤول أمام الله عما يُنجز فإن حرية إبداعه تتحقق من هذه المسؤولية.
ما هو مرجعك المباشر الذي يغذي شعرك ؟
الحياة .الحياة هي المرجع الحقيقي للشعر وكل شعر يُكتب من خارج هذا المرجع هو محض كلام. هذا المرجع هو ما يجعل العمل الشعري ذا طابع إنساني.
المتتبع لمسارك الشعري يجد اهتماما منكم بالقصيدة العمودية التقليدية، والقصيدة الحرة الحديثة، لم هذا التنوع الشكلي؟
قلت لك الشعر هو الحياة، ولأنه كذلك فهو تعبير عن تجربة حياتية يعيشها الشاعر، وبما أن التجارب التي يحياها الشاعر متعددة ومتنوعة، فإن كل تجربة تستعير الشكل الفني المناسب لها، هذا لا يحدث إلا في حضارتنا الإسلامية. فلهذا قد أعيش تجربة معينة تستدعي القصيدةَ كما أنجزها أسلافنا أو قد تستدعي القصيدةَ الحرة ، المهم أن يكون انسجام بين الشكل والتجربة. فقد تحتاج تجربة ما للتعبير عنها لغةً إيحائية أو قد تحتاج لغة عقلانية بل قد يجمع النص الواحد أشكالا شعرية عديدة ، بينما هذا لا يحدث في الإنجاز الشعري الغربي لتحكم الفلسفة في مكوناته الجمالية، وبما أن الفلسفة تتحول فإن الشكل الفني يتحول تبعا لتحول الفلسفة.
هناك بعض الشعراء من يغبن شعره، وذلك لأنه لا يجيد فن الإلقاء، كيف يمكن للإلقاء الجيد أن يعطي للقصيدة أبعادها الجمالية والإيقاعية؟
الشاعر حين ينطلق من تجربة عاشها فإن إلقاءه يكون إلقاء منسجما وحرارة التجربة. قد تكون القصيدة قديمة وحين يلقيها الشاعر يعيش تجربتها من جديد فينعكس هذا على الإلقاء . فالإلقاء جزء من الشكل . أنا شخصيا أتعب بعد إلقاء النص لأني أعيشه من جديد.أما الإلقاء المصطنع فإنه يبهر المتلقي لكن لا يستطيع أن يحرك قلبه.
يحاول الأدباء الصاعدون اكتشاف وتجربة أشكال جديدة، هل هي نتاج أزمة ثقافة أم يتعلق الأمر بولادة فنون جديدة؟
الأشكال الجديدة حين تُكتشف لِدَاعٍ تَتَطَلَّبُه الحياة فإن هذا الاكتشاف ينجح وينتشر. أما إذا كان الاكتشاف من خارج التجربة الحياتية فإن الشكل لا يجد له صدى طيبا عند المتلقي.
ما هي نصيحتك للجيل الصاعد من الأدباء والشعراء؟
أن يقرأ كثير، وألا تقتصر قراءاته على الإبداع. لا بد أن يكون للتاريخ وللفكر نصيب وافر في قراءاته..
ما هي آخر إصداراتك وإنتاجاتك الإبداعية والشعرية؟
آخر إصداراتي ما يلي، صدر لي هذا الأسبوع كتاب بعنوان «العروض دراسة في الإنجاز» وهو أصل الأطروحة التي أطرها الشاعر محمد السرغيني وناقشتها بجامعة محمد الأول بوجدة.
أغنية إلى أمِي
أُمِّي..
حِينَ تَصَدَّرَ أَوْرَاقِي
ذَاتَ خَرِيفٍ رَقْمُ التَّأْجِيرِ
وَأَمْسَى
-إِمَّا ?تَّسَقَ القَمَرُ العَاشِقُ
إِمَّا غَبِِشَ اللَّيْلُ الْمَعْشُوقُ-
يُزَاحِمُ كُلَّ حُرُوفِ ?سْمِي الْمَكْسُورِ
وَأَصْبَحْتُ أُنَاقِشُ جَهْراً
مَا تَحْمِلُهُ أَعْمِدَةُ الصُّحُفِ الْيَوْمِيَّةِ
قُلْتُ- وَلَوْ لَمْ يَكُ لِي
فِي الْبَنْكِ رَصِيدٌ-:
اَلآنَ كَبِرْتُ وَصِرْتُ أَنَا رَجُلاَ
أُمِّي..
حِينَ وَقَفْتُ أَمَامَ الطَّلَبَهْ
أَشْرَحُ أَبْيَاتَ مُعَلَّقَةٍ
وَقَّعَهَا بَيْتاً
بَيْتاً
خَلْفَ القُضْبَانِ مَسَاكِينُ بِلاَدِي الْمُغْتَصَبَهْ:
هَذَا يَسْمَعُ
ذَاكَ بِعَاطِفَةٍ غَامِضَةٍ
يَتَصَفَّحُ وَالْخَوْفُ يُمَزِّقُهُ
قَسَمَاتِ مُحَيَّايَ العَاشِقِ
يُرْسِلُ نَحْوِي نَظَرَاتٍ مُكْتَئِبَهْ
وَالآخَرُ تُشْعِلُهُ كَلِمَاتِي الْمُلْتَهِبَهْ
قُلْتُ: الآنَ كَبِرْتُ وَصِرْتُ أَنَا رَجُلاَ
حِينَ أَيَا أُمِّي
أَصْبَحَ لِي
بَيْتٌ/ أُلْقِي جَسَدِي فِي أَحْضَانِهْ
بِنْتٌ/ تَقْتُلُ مَا فِي جَوْفِي مِنْ أَصْدَاءْ
زَوْجٌ/ أَخْزِنُ فِي قَلْبَيْهَا تَعَبِي
تُخْفِي عَنْ عَيْنَيَّ جُنُونِي/
قُلْتُ: الآنَ كَبِرْتُ وَصِرْتُ أَنا رَجُلاَ
أُمِّي..
حِينَ صَبَاحَ اليَوْمِ حَمَلْتُ القُفَّهْ
وَخَرَجْتُ وَحِيداً يَا أُمِّ إِلَى السُّوقِ
أُصَارِعُ غَابَاتِ الأَسْعَارِ الْمُشْتَعِلَهْ
كَانَ حِصَانِي حِيناً يَكْبُو
حِيناً يَجْفِلُ ،
يَتَحَدَّى كُلَّ الأَنْهَارِ الْمَسْعُورَهْ
أُمِّي..
حِينَ إِلَى البَيْتِ رَجَعْتُ
عَلَى فَرَسٍ بَيْضَاءَ
وَفِي القُفَّةِ أَشْجَارُ التِّينِ
وَأَشْجَارُ الزَّيْتُونِ
وَأَشْجَارُ اللَّيْمُونِ
وَأَشْجَارُ التُّفَّاحْ
كانَتْ سَارَةُ بِنْتِي تَتَسَلَّقُنِي
وَالْفَرْحَةُ نَشْوَى تَتَدَفَّقُ
مِنْ عَيْنَيْهَا الصَّاحِيَتَيْنْ
كَانَتْ تَقْطِفُ مِنْ أَغْصَانِي
مَا طَابَ لَهَا مِنْ فَاكِهَةٍ رَطْبَهْ
وَتَقُولُ بِنَبْرَتِهَا العَذْبَهْ:
«اَلآنَ كَبِرْتَ وَصِرْتَ،أَبِي، رَجُلاَ»
حَقًّا أُمِّي
اَلآنَ كَبِرْتُ وَصِرْتُ أَنَا رَجُلاَ
أُمِّي
آهٍ يَا أُمِّي..آهْ
حِينَ دَخَلْتُ أَقَالِيمَ الغُرْبَةِ يَا أُمَّاهْ
حِينَ تَمَزَّقْتُ وَعِشْتُ بَعِيداً عَنْ عَيْنَيْكِ الْمُمْطِرَتَيْنْ
كَانَ قَلِيلاً زَادِي وَبَعِيداً سَفَرِي
وَطَرِيقِي غَطَّتْ جَنَبَاتِهْ
سِيقَانُ الْغِيلاَنِ وَأَغْصَانُ الْجِنِّ الْمُشْتَبِكَهْ
حِينَئِذٍ سَقَطَتْ مِنْ جَسَدِي عَضَلاَتِي الْمُرْتَبِكَهْ
سَقَطَتْ مِنْ وَجْهِي عَيْنَايَ.
وَمِنْ صَدْرِي رِئَتَايَ.
وَمِنْ رَأْسِي شَعْرِي
حِينَئِذٍ أَدْرَكْتُ بِأَنِّي
مَا زِلْتُ كَمَا عَهِدَتْنِي
عَيْنَاكِ أَيَا أُمِّي طِفْلاَ.
هَلْ يَقْدِرُ طِفْلٌ أَنْ يَحْيَا
فِي الْبَطْحَاءِ بِلاَ أُمِّ
فَمُرِي بِاللهِ عَلَيْكِ رِيَاحَ الْمَشْرِقِ
أَنْ تَحْمِلَ لِي مَعَ هَذَا الفَجْرِ الرَّقْرَاقِ
قَمِيصاً نَسَجَتْهُ يَدَاكِ
عَسَى بِحَدَائِقِهِ
تَتَحَوَّلُ عَيْنَايَ سِرَاجاً وَهَّاجَا
أُمِّي..
أَعْتَرِفُ الآنَ بِأَنِّي
لَمْ أَبْلُغْ بَعْدُ أَشُدِّي
لَمْ أَبْلُغْ بَعْدُ أَشُدِّي
فاس: 1983/11/06


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.