أخنوش: الحكومة تقوم بإصلاح تدريجي ولن يتم إلغاء صندوق المقاصة    أخنوش: تماسك الحكومة وجديتها مكننا من تنزيل الأوراش الاجتماعية الكبرى وبلوغ حصيلة مشرفة    طنجة تحتضن ندوة حول إزالة الكربون من التدفقات اللوجستية بين المغرب و أوروبا    هل دقت طبول الحرب الشاملة بين الجزائر والمغرب؟    تسليط الضوء بالدار البيضاء على مكانة الأطفال المتخلى عنهم والأيتام    نهضة بركان تطرح تذاكر "كأس الكاف"    البيرو..مشاركة مغربية في "معرض السفارات" بليما لإبراز الإشعاع الثقافي للمملكة    مؤتمر دولي بفاس يوصي بتشجيع الأبحاث المتعلقة بترجمة اللغات المحلية    أخنوش: لا وجود لإلغاء صندوق المقاصة .. والحكومة تنفذ عملية إصلاح تدريجية    الخريطة على القميص تثير سعار الجزائر من جديد    بطولة انجلترا لكرة القدم.. مانشستر سيتي يفوز على مضيفه برايتون برباعية    أخنوش يربط الزيادة في ثمن "البوطا" ب"نجاح نظام الدعم المباشر"    أخنوش: نشتغل على 4 ملفات كبرى ونعمل على تحسين دخل المواطنين بالقطاعين العام والخاص    المغرب يستنكر بشدة اقتحام متطرفين المسجد الأقصى    رئيس الحكومة يجري مباحثات مع وزير الاقتصاد والمالية والسيادة الصناعية والرقمية الفرنسي    3 سنوات سجنا لشقيق مسؤول بتنغير في قضية استغلال النفوذ للحصول على صفقات    الأمير مولاي رشيد يترأس مأدبة ملكية على شرف المشاركين بمعرض الفلاحة    نمو حركة النقل الجوي بمطار طنجة الدولي خلال بداية سنة 2024    ''اتصالات المغرب''.. النتيجة الصافية المعدلة لحصة المجموعة وصلات 1,52 مليار درهم فالفصل اللول من 2024    الاتحاد الجزائري يرفض اللعب في المغرب في حالة ارتداء نهضة بركان لقميصه الأصلي    الدفاع المدني في غزة يكشف تفاصيل "مرعبة" عن المقابر الجماعية    التحريض على الفسق يجر إعلامية مشهورة للسجن    مهنيو الإنتاج السمعي البصري يتهيؤون "بالكاد" لاستخدام الذكاء الاصطناعي    بعد فضائح فساد.. الحكومة الإسبانية تضع اتحاد الكرة "تحت الوصاية"    السلطات تمنح 2905 ترخيصا لزراعة القنب الهندي منذ مطلع هذا العام    بلاغ القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية    زنا المحارم... "طفلة" حامل بعد اغتصاب من طرف أبيها وخالها ضواحي الفنيدق    بشكل رسمي.. تشافي يواصل قيادة برشلونة    البطولة الوطنية (الدورة ال27)..الجيش الملكي من أجل توسيع الفارق في الصدارة ونقاط ثمينة في صراع البقاء    الأمثال العامية بتطوان... (582)    منصة "واتساب" تختبر خاصية لنقل الملفات دون الحاجة إلى اتصال بالإنترنت    تشجيعا لجهودهم.. تتويج منتجي أفضل المنتوجات المجالية بمعرض الفلاحة بمكناس    نظام الضمان الاجتماعي.. راتب الشيخوخة للمؤمن لهم اللي عندهومًهاد الشروط    حاول الهجرة إلى إسبانيا.. أمواج البحر تلفظ جثة جديدة    اتساع التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جديدة    الحكومة تراجع نسب احتساب رواتب الشيخوخة للمتقاعدين    3 مقترحات أمام المغرب بخصوص موعد كأس إفريقيا 2025    "مروكية حارة " بالقاعات السينمائية المغربية    عودة أمطار الخير إلى سماء المملكة ابتداء من يوم غد    في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشار المرض بسبب التغير المناخي    خبراء ومختصون يكشفون تفاصيل استراتيجية مواجهة المغرب للحصبة ولمنع ظهور أمراض أخرى    وفينكم يا الاسلاميين اللي طلعتو شعارات سياسية فالشارع وحرضتو المغاربة باش تحرجو الملكية بسباب التطبيع.. هاهي حماس بدات تعترف بالهزيمة وتنازلت على مبادئها: مستعدين نحطو السلاح بشرط تقبل اسرائيل بحل الدولتين    منصة "تيك توك" تعلق ميزة المكافآت في تطبيقها الجديد    وكالة : "القط الأنمر" من الأصناف المهددة بالانقراض    العلاقة ستظل "استراتيجية ومستقرة" مع المغرب بغض النظر عما تقرره محكمة العدل الأوروبية بشأن اتفاقية الصيد البحري    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    هذا الكتاب أنقذني من الموت!    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    حفل تقديم وتوقيع المجموعة القصصية "لا شيء يعجبني…" للقاصة فاطمة الزهراء المرابط بالقنيطرة    مهرجان فاس للثقافة الصوفية.. الفنان الفرنساوي باسكال سافر بالجمهور فرحلة روحية    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملف الإصلاح الجامعي بالمغرب
نشر في الوجدية يوم 15 - 12 - 2010


إضراب وطني لأساتذة التعليم العالي.
سؤال الجامعة المغربية .. إصلاح الإصلاح !
الإصلاح يقتضي قراءة رصينة و موضوعية.
المشروع الاستعجالي لاصلاح منظومة التعليم العالي الإكراهات و التحديات.
الجامعة المغربية والبحث العلمي.
السياقات السياسية لبناء منظومة التعليم العالي بالمغرب.
إضراب وطني لأساتذة التعليم العالي
قرر المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي خوض إضراب وطني بكل مؤسسات التعليم العالي ومراكز البحث، وذلك يومه الأربعاء وغدا الخميس، مع تنظيم وقفة احتجاجية أمام مبنى قطاع التعليم العالي حسان غدا الخميس من الساعة الثانية عشرة والنصف بعد الزوال إلى الواحدة والنصف بعد الزوال، والاتصال بالفرق البرلمانية بمجلس النواب بغرفتيه لشرح وتقديم قضايا التعليم العالي والبحث العلمي والملف المطلبي للأساتذة الباحثين مع دعوة اللجنة الإدارية للاجتماع يوم الأحد 26 دجنبر 2010 .
وكان المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي عقد اجتماعاً دورياً يوم الجمعة 3 دجنبر، خصص لدراسة مستجدات الأوضاع محلياً وجهوياً ووطنياً، تنظيمياً وملفات مطلبية، وجاء في بلاغ توصلنا بنسخة منه، خصص لتدارس وضعية القطاع، وللمعطيات الواردة على المكتب الوطني من الفروع المحلية والجهوية واللجنة الإدارية من مشاكل وأوضاع مؤسسات وجامعات والحياة الإدارية النظامية للأساتذة الباحثين، حيث دعا «إلى مزيد من التعبئة واليقظة والحذر دفاعاً عن تعليم عال يخدم المستقبل ويتجاوز الإكراهات ويستجيب للانتظارات» و«دفاعاً عن الملف المطلبي للنقابة الوطنية للتعليم العالي والمتعلقة أساساً بالحياة الإدارية والنظامية المادية والاعتبارية للسيدات والسادة الأساتذة الباحثين، وعن مستقبل التعليم العالي والبحث العلمي في المغرب الديمقراطي الحداثي المتطور»
سؤال الجامعة المغربية .. إصلاح الإصلاح !
مرت سنوات على الإصلاح الذي مس الجامعة المغربية..
هذه الفترة الزمنية تسمح اليوم لجميع الفاعلين و المتدخلين في الحقل الجامعي بتقييم مرتكزات و مداخل هذا الإصلاح.. و الوقوف على الجوانب المضيئة فيه ، كما الاختلالات و نقاط الضعف فيه .
أي إصلاح يستهدف سياسة ما أو قطاعا معينا .. لابد و أن تحكمه رؤية استراتيجية واعية و خارطة طريق توضح مسارات هذا الإصلاح و تسهل أجرأته و تنزيله .
السؤال الذي يتبادر إلى ذهن أي متتبع.. هل حقق هذا الإصلاح الجامعي المطلوب منه و نحن نقترب من إطفاء شمعته السابعة و إشعال الثامنة ..؟؟ .. هل توفرت له الإمكانيات المادية و البشرية الداعمة له..؟ .. و هل تحولت معه الجامعة إلى قاطرة دفع فكرية و ثقافية و مشتل حقيقي لصناعة النخب و تهييء الأجيال التي تحتاجها السياسات العمومية للبلاد ..؟.. هل أعطتنا نفس هذه الجامعة .. كما في سنوات السبعينات و الثمانينات الأطر و الكوادر و العقول التي تحتاجها أية أمة في نهضتها و تقوية مسارها الديمقراطي و عمقها الاجتماعي ..؟..
يبدو من خلال الاقتراب من أبنية الكليات و الجامعات في مغربنا والاطلاع عما يجري وسط الرئاسات و العمادات و الشعب و المسالك والفروع النقابية .. أن هذا الإصلاح تخترقه مناطق رمادية و عانى نوعا من «الإسهال البيداغوجي و الإداري» فرمل الآليات و كبل الإرادات .
هل يكفي اليوم ضخ الملايير من البرنامج الاستعجالي لسد ثقوب الإصلاح التي ظهرت من خلال الممارسة .. هل صاحبت تلك الميزانيات الضخمة التي وضعت رهن إشارة التعليم العالي في نفس هذا الاستعجالي استراتيجيات مواكبة و مدعمة له.. ؟ ..
هذه التساؤلات و غيرها قررنا وضعها على المحك الإعلامي و استدعينا لذلك كتابات أساتذة باحثين عاشوا و يعيشون وسط هذا الإصلاح، .. طلبنا رأي النقابة الوطنية للتعليم و تصوراتها في نفس الموضوع.. و كان كل هذا تجميعا لملف متكامل حول الإصلاح الجامعي نقدمه في جريدة الاتحاد الاشتراكي حضورا و إسهاما وإغناء للنقاش العمومي حول سؤال الجامعة بالمغرب ..
محمد دهنون منير الشرقي
الإصلاح يقتضي قراءة رصينة و موضوعية
مضت سنوات على الإصلاح الجامعي الذي انطلقت مراسيم تنزيله و أجراته موسم 2003 /2004 ، مرور هذه السنوات بات يستلزم قراءة رصينة و موضوعية في تفاصيل هذا الإصلاح ، إيجابياته ، معوقاته ، إكراهاته .. انطلاقا من هذه الزاوية اخترنا في جريدة الاتحاد الاشتراكي أن نقارب هذا السؤال.. و نشرك معنا المعنيين بالأمر أولا .. الوزارة .. الأساتذة حجر الزاوية في الإصلاح .. الإدارة الجامعية أيضا ..
ما في شك أن ملف التعليم شكل الرهان الحقيقي لربح أي تحد تنموي، وأكيد أن الدول الحديثة في ركب التقدم والتطور (كوريا الجنوبية، ماليزيا، تركيا ...) فهمت الرسالة جيدا وسارعت الى ادخال اصلاحات جدرية وعميقة على منظومتها التعليمية متجاوزة بذلك كل المزايدات السياسية ووحدت ونسقت جهود مختلف القوى السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية خدمة واستثمارا في القضية التعليمية.
ظل سؤال الاصلاح يراوح مكانه في النظام السياسي المغربي في مختلف المجالات وخاصة في مجال التعليم بمختلف مستوياته الأساسية والثانوية والجامعية حيث لا تكاد تمر خمس سنوات حتى يعاود طرح نفس السؤال: ماهي المنظومة التعليمية المثلى الصالحة للنظام المغربي؟.
أكيد أن ميثاق التربية والتكوين والذي تمت مأسسته من خلال مجموعة من القوانين أبرزها القانون 00.01 المتعلق بتنظيم التعليم العالي، حاول تكييف المنظومة التعليمية على المستوى الجامعي وملاءمتها مع المتطلبات والحاجيات الملحة للمجتمع المغربي من خلال اعتماد نظام المسالك والوحدات المرتكز على فلسفة ضرورة انفتاح الجامعة المغربية على محيطها السوسيو اقتصادي، لكن الاشكال العويص تمثل في هامش القدرة على التحكم في المخاطر وادارتها سواء من حيث الكم أو النوع.
تبقى مبادرة الإصلاح مهمة في حد ذاتها وجد ايجابية من حيث طموحاتها وتسطيرها للأهداف لكن الاشكال يكمن في الأجرأة والتطبيق !!!.
نميز في هذا السياق بين مستويين المستوى المتعلق بالمؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح والمؤسسات ذات الاستقطاب المحدد
طرح تطبيق الاصلاح في المؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح عدة عوائق أبرزها عدم كفاية وتكافؤ الامكانات اللوجستية والبشرية والتقنية مع عامل تدفق الطلبة الحاصلين على شهادة الباكالوريا، بالاضافة الى عدم تأهيل المؤسسات المستقبلة وجعلها مسايرة لتقبل تكوينات في مجموعة من التخصصات فمثلا درس الطلبة الاعلاميات في مدرجات تصل طاقتها الى حوالي ألف طالب ونفس الشيء بالنسبة لتدريس اللغة والتواصل، كما أن كثرة المواد صعبت مأمورية الطالب في التلقي وقاد الى خلق الجو المناسب للتوترات النفسية التي جعلت العلاقة متوترة خاصة خلال مرحلة اجتياز الامتحانات. كما أن الجهاز البيداغوجي لم يكن محضرا بالشكل الكافي حتى يتحقق التفاعل الايجابي مع النظام الجديد الذي أقره القانون 00.01، والمشكل معقد وبحدة في المؤسسات الجديدة المعتمدة والمعروفة باسم المراكز الجامعية أو الكليات متعددة التخصصات اذ تعاني فقرا كبيرا على مستوى أساتذة التعليم العالي وتهيمن عليها ظاهرة الأساتذة العرضيون الذين يتوفرون في أغلب الأحيان على شهادات لا تتعدى مستوى الاجازة مما نتج عنه خلل كبير في جودة التكوين.
بالنسبة للمؤسسات ذات الاستقطاب المحدد لا تختلف سوءا عن الصنف المذكور سابقا حيث قلة الامكانات المادية والبشرية تظل السمة الغالبة والمهيمنة.
ناهيك على أن مجموعة من التعيينات في مراكز المسؤولية على رأس هذه المؤسسات الجامعية لم تكن موفقة مما أدخلها في صراعات ونزاعات صدعت مكوناتها و أثر سلبا على السير العادي لها وقاد الى نتائج غير محمودة.
فالاعلان عن المخطط الاستعجالي 2009- 2012 ومن دون شك جاء بهدف ترميم ما يمكن ترميمه وبالتالي تدبير المخاطر والانزلاقات التي نتجت عن تطبيق القانون 00.01، لكن في اعتقادي ومن دون الدخول في لغة الجزم بأنه مادامت ذاتها الأسباب التي قادت الى الاعلان عن المخطط الاستعجالي 2009- 2012 قائمة فان نجاح المقاييس الاستعجالية يظل محفوفا بمجموعة من المخاطر التي تأكد المقولة الشهيرة بأن سؤال الاصلاح يظل قائما سواء حرثت الأرض بالمعول أو الجرافة !!؟؟
محمد الغالي
أستاذ العلوم السياسية
جامعة القاضي عياض
مراكش
المشروع الاستعجالي لاصلاح منظومة التعليم العالي
الإكراهات و التحديات
سبق لالفن توفلر (A.Toffler)، منذ 1970، في كتابه «صدمة المستقبل» أن أكد على أهمية التعليم قائلا: «لمساعدة الإنسان على تفادي صدمة المستقبل يجب أن نخلق نظام تعليم يناسب عصر ما فوق التصنيع وحتى نفعل، ينبغي أن نجد غاياتنا ووسائلنا في المستقبل لا أن نبحث عنها في الماضي»، وهذا يتطلب، حسب نفس الباحث، «ثورة تعليمية جديدة»، لأنه إذا لم تملك القدرة على التحكم في التطور التكنولوجي المتسارع، وهذا يظهر اليوم نادر الوقوع، فإن إنسان المستقبل عليه أن يتلاءم مع إيقاع مضطرب أكثر مما نعيشه اليوم. وفيما يخص التعليم الدرس واضح: يتعين أن يتركز حول هدف أول هو تقوية قدرات التكيف لدى الفرد حتى يمكنه أن يتكيف مع التجديد الدائم بشكل سريع وسهل، وكلما تسارع إيقاع التطور، وجب بدل الجهد لتوقع دورة الأحداث القادمة?.
هكذا، تحدت الفن توفلر في بداية السبعينيات، ولا زالت آراءه تفرض ذاتها وتبرهن عن آنيتها، خاصة في ظل التحولات الراهنة التي تتميز بأن « التعليم في خطر»- كما جاء في تقرير اليونسكو لسنة2010 تحث شعار: السبيل إلى إنصاف المحرومين وبأن « التعليم العالي للبيع» ? كما جاء في نشرة التربية اليوم الصادرة عن اليونسكو، عدد 3 أكتوبر دجنبر 2002 ، ص 4-7).
شعاران يعكسان ما تعيشه الانسانية من استشعار بخطورة حالة التعليم ، و يزداد الوقع حدة في دولة مثل المغرب، و هي حالة لا يتردد البعض حسب تقرير المؤتمر العالمي للتعليم العالي تحث شعار: التعليم العالي في القرن 21 : الرؤية و العمل( اليونسكو ، باريس 5-9 اكتوبر 1998)- في الحديث عن «أزمة»، بالمعنى الاشتقاقي للكلمة ( لفظة أزمة تعني في أصلها اليوناني ، «القرار الحاسم»)، و ذلك بمدلول مزدوج: فبحكم التغيرات الهيكلية و ما تنظوي عليه من رؤى تعيش فترة « حاسمة»، أي فترة تفضي إلى تحولات عميقة لا رجوع فيها ؛ و يعني هذا أننا نعيش بالتالي فترة تصبح فيها « القرارات» ضرورية لازمة».
هنا يطرح السؤال : هل «المشروع الاستعجالي» لإصلاح التعليم، كقرار حكومي، قادر على تقديم حلول ل»أزمة» التعليم ، عامة، و التعليم العالي، خاصة، أمام تقل الاكراهات و التحديات؟
سنحاول الاجابة عن هذه الاشكالية و فقا للخطاطة الاتية:
أولا: المشروع الاستعجالي و اكراهات التنفيد
ثانيا: إصلاح التعليم العالي : التحديات
أولا: المشروع الاستعجالي
واكراهات التنفيذ
حدد مشروع المخطط الوطني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية 2000 2004، باستفاضة، مجموع الصعوبات والمشاكل التي يعاني منها قطاع التعليم العالي، ومن جهتها حددت لجنة تنشيط وتنسيق وتتبع الإصلاح جملة من الإكراهات:
إكراهات ذات طابع اقتصادي واجتماعي؛
إكراهات ذات طابع مؤسساتي؛
إكراهات ذات طابع بيداغوجي.
مجموع هذه الإكراهات والصعوبات والمشاكل كانت مبررات للإصلاح الذي بدأ بالميثاق الوطني للتربية والتكوين (أكتوبر 1999)، ثم القانون المتعلق بتنظيم التعليم العالي (ماي 2000)، ولتبدأ في 28 فبراير 2001 الانطلاقة الرسمية لتفعيل الإصلاح .
في يونيو 2008 قدمت وزارة التربية الوطنية مشروع البرنامج الاستعجالي2009-2010 تحث شعار: «من أجل نفس جديد لإصلاح منظومة التربية و التكوين». وقد تزامن هذا مع إصدار المجلس الأعلى للتعليم، في نفس السنة، للتقرير الوطني الأول حول حالة المدرسة المغربية وآفاقها،والذي يعد وثيقة مرجعية.
و قد تضمن المشروع أربعة مجالات و 23 مشروعا و 29 هدفا و 89 تدبيرا، منطلقا من المبدأ الجوهري : جعل المتعلم في قلب منظومة التربية والتكوين، وجعل الدعامات الأخرى في خدمته. و فيما يخص التعليم العالي فقد أكد على : تحسين العرض التربوي في التعليم العالي ( المشروع 13) و تشجيع البحث العلمي ( المشروع 14)...
و إذا كان الجميع يتفق مع الأهداف السامية التي يتغبى المشروع بلوغها إلا أن طريقة تصريفه والايديولوجية الناظمة لبعض المشاريع تثير عدة انتقادات عبر عنها عدة فاعلين نقابيين و مجتمع مدني، و هي في نظرنا تشكل جوانب قصورتقتضي نقاشا و طنيا يساهم فيه الجميع ، و خاصة تلك المتعلقة ب:
- المقاربة: إن وضع المشروع من قبل الحكومة اعتمد مقاربة فوقية و دون مشاركة من طرف الفاعلين في العملية التربوية مما مس بمبدأ الديمقراطية التشاركية القائم على المقاربة التشاركية التي تستدعي مساهمة الفاعلين ( أساتذة، إداريون، طلبة...) في صناعة القرار، أخذا بالاعتبار ما ذهب إليه المهاتما غاندي:» ما تقومون به من أجلي و لمصلحتي من دوني فهو ضدي».
و من بين تجليات غياب المقاربة التشاركية:
- عدم إشراك النقابات ( النقابة الوطنية للتعليم العالي أنموذجا).
- عدم تعميم النص الأصلي ( 1000 صفحة) و الاقتصار على تقرير تركيبي ( 85 صفحة).
- الولوج: ففي المجال رقم 2 يؤكد المشروع على :» خلق روح المبادرة و التميز في المؤسسة الثانوية التأهيلية و الجامعة»، من خلال تشجيع التفوق عبر إنشاء» تانويات تأهيلية مرجعية «و «ثانويات التفوق التاهيلية» و الاقسام التحضيرية للمدارس العليا ، أما على مستوى الجامعة فستتم إعادة تحديد توجهات المسالك ذات الولوج المفتوح و الاتجاه نحو المهننة حيث ستتم عملية التقليص من قبول الاعداد الطلابية في المسالك ذات الولوج المفتوح بتبني مقاربة تحفيزية و بتوجيه حملة البكالوريا بصورة عملية نحو المسالك الاخرى.
هذه التدابير من شانها تشجيع الطابع النخبوي للمنظومة التربوية ( كما ذهبت إلى ذلك الفدرالية الوطنية لجمعيات اباء و أمهات وأولياء التلاميذ بالمغرب)، مما من شانه ? حسب ريكاردو بتريلا (R. PETRELLA - استعمال النظام التربوي كوسيلة لشرعنة الأشكال الجديدة للتقسيم الاجتماعي، وهذا سيجعل من المعرفة المادة الأساسية لبناء حائط جديد: «حائط المعرفة»، بين الموارد الإنسانية للنبلاء، والموارد البشرية للشعب، أو ما يسميه ب»البروليتاريا الجديدة للرأسمال البشري».
- التمويل:
يعد البحث عن الموارد المالية هاجسا بالنسبة لصانع القرار ، لذلك احتل هذا الموضوع حيزا مهما في المشروع و كذلك في مواقف الفاعلين ، و قد أكد المشروع فيما يتعلق بالتمويل على العناصر الاتية:
1. الرفع من موارد تمويل البحث العلمي، وتنويعها واستدامتها ( المشروع 14) عبر العديد من التدابير ، منها على الخصوص السعي إلى إقرار تسهيلات ضريبية لحفز المقاولات على الاستثمار في مجال البحث، والقيام باقتطاعات ضريبية حسب القطاعات النشيطة، بهدف تزويد صندوق الدعم المخصص للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي، على غرار الضريبة المفروضة في قطاع الاتصالات اللاسلكية.
فضلا عن ذلك، سيتم تشجيع الجامعات على تنويع موارد تمويلها من خلال إنشاء شركات، والمساهمة في المقاولات الحرة. وستبذل جهود خاصة للنهوض بالتعاون الدولي في مجال البحث العلمي باعتباره محفزا للتمويل والمنافسة.
2- تنمية العرض التربوي للتعليم الخصوصي( المشروع 22) عبر:
* إشراك المبادرة الخصوصية في تدبير المؤسسات المدرسية القائمة بغية المساهمة في تخفيف نفقات الوزارة في مجال التسيير.
* تطوير تعليم ذي جودة وخلق تنافس مع التعليم العمومي.
ولتحقيق هذه الأهداف سيتم تفعيل خطة مجددة ترتكز على ثلاثة محاور هي:
* إقرار تدابير تحفيزية تمكن من تسهيل استثمار الخواص في قطاع التعليم (آليات لاقتناء الأراضي بشروط تفضيلية، و لتمويل كلفة الاستثمار، تحمل جزء من تكاليف البناء...).
* تفويض تدبير مؤسسات عمومية قائمة: تفويت البنايات والتجهيزات وإلحاق الأطر التربوية بالتعليم الخاص وتقديم إعانات محتملة لتسيير مؤسساته حسب التعريفة المتبناة في كل مؤسسة مثلا.
* تطوير نموذج جديد ومتكامل للعرض التربوي الخاص ينتظم حول متدخلين خواص من حجم كبير باستطاعتهم تغطية مجموع التراب الوطني ويشتغلون في مجموعات مدرسية معترف بقيمتها.
إن من نتائج هذه التدابيرهيمنة المنطق المحاسباتي، الذي يغلب التوازن المالي، و تحلل الدولة من ألتزاماتها مستقبلا علما أن أهم دور للدولة فيما يتعلق بالتعليم يرتبط بالتمويل، ويقاس نجاح التعليم بحجم الإنفاق العام عليه. ولهذا تم التأكيد على أن زيادة الإنفاق العام على التعليم تعتبر ضرورة قصوى لجميع البلدان وبخاصة البلدان النامية، لأن الأمر يتعلق باستثمار جوهري للمستقبل. ولهذا لا ينبغي أن تقل حصة التعليم من الناتج الوطني الإجمالي عن نسبة 6 في المائة في البلدان التي لم تحقق بعد هذا الهدف، وذلك عبر تحويل جزء من الاعتمادات المخصصة للأغراض العسكرية( اللجنة الدولية المعنية بالتربية للقرن 21، في تقرير قدمته إلى اليونسكو تحت عنوان: «التعلم ذلك الكنز المكنون?
ص. 144) .
كما انه يجب» النظر إلى تمويل التعليم العالي كشكل من أشكال الاستثمار العام الذي يحقق معظم إيراداته بالضرورة على المدى البعيد، تبعا للاولويات الحكومية و العامة « (توصية بشأن أوضاع هيئات التدريس في التعليم العالي ? اليونسكو 1997).
- ترشيد الموارد البشرية : خصص المشروع لهدا الموضوع المشروع رقم 17 كما تناوله في المشروع رقم 22 عبر التأكيد على أهمية ما يسميه بترشيد الموارد البشرية باعتماد عدت تدابير:
* التوظيف الأمثل للمدرسين باستكمال الغلاف الزمني الأسبوعي بمجموعة من الإجراءات : توظيف المدرس المزدوج أو المتعدد الاختصاص، جهوية التوظيف، ترشيد التوزيع الزمني للبرامج.
* الاقتطاع من أجور المدرسين المتغيبين لإعادة تحويلها إلى الأكاديميات والنيابات والمؤسسات المعنية.
* توظيف مدرسين متعاقدين.
* التشجيع على الساعات الإضافية للحد من الحاجة إلى إحداث وظائف جديدة.
تثير هذه التدابير، إضافة إلى تلك المنصوص عليها في المشروع رقم 17 ، عدة ملاحظات :
-اللجوء إلى النظام التعاقدي في الوقت التي يعتبر فيها التدريس في التعليم العالي مهنة : فهو نوع من الخدمة العامة...( توصية اليونسكو بشأن أوضاع المشتغلين بالبحث العلمي1997)
- الاقتطاع من أجور المتغيبين من شانه الحد من الحق الدستوري في الاضراب.
- الحد من إحداث و ظائف جديدة و ما قد يسفر عنه من نتائج في ظل محدودية مساهمة القطاع الخاص.
من خلا ل ماسبق نتأذى إلى أن المشروع الاستعجالي للوصول إلى غاياته السامية لابد من أن ياخذ صانع القرارمواقف جميع الفاعلين ما دامت تلتقي على نفس الاهداف و الغايات ، و يتطلب كذلك ،حتى يكون إصلاح حققيقا، أن يواجه عدة تحديات ، فما هي؟
ثانيا - إصلاح التعليم العالي:
التحديات
سبق للمؤتمر الدولي للتعليم العالي أن وقف عند عدة تحديات تواجه التعليم العالي على المستوى العالمي مجملا إياها في:
- الملاءمة: بما تعنيه من تلاقي: مع السياسات، و مع عالم العمل، و مع المستويات الاخرى للنظام التعليمي بحيث تنشأ سلسلة تربوية حقيقية، و مع الجميع بهدف إتاحة التعليم مدى الحياة، و مع الطلاب و الأساتذة بحيث ينظر إليهم على أنهم أشخاص في حالة صيرورة و موارد يتعين إدارتها و فقا لمبدأي الإنصاف و الجدارة...
- الجودة: و تتوقف الجودة على ما يلي:
- جودة مستوى العاملين ، التي تفترض مكانة اجتماعية و مالية لا ئقة توفر لهم...
- جودة مستوى البرامج ...
- جودة مستوى الطلاب الذين يشكلون المادة الأولية للتعليم العالي...
- جودة البنى الأساسية و البيئة الداخلية و الخارجية...
- جودة مستوى إدارة المؤسسة ... لأن مؤسسة التعليم العالي لا يمكن أن تكون جزيرة منغلقة على ذاتها ...
- تعتمد جودة التعليم العالي على إشاعة ثقافة التقييم...
التمويل: التاكيد خاصة على التزامات الدولة من أجل ضمان الحق في التعليم وإتاحة فرص الالتحاق بالتعليم العالي أمام أكبر عدد ممكن في كل مكان و زمان تبعا لمبدأ الجدارة...
- التعاون على المستوى الدولي ... من اجل تكوين سلسلة تربوية حقيقية...
- الاستقلال الذاتي و المسؤولية و ضرورة الخضوع للمساءلة .
و في نظرنا فإن إصلاح التعليم العالي لا يمكن حصره فقط في الهاجس المالي و سعي الدولة إلى التحلل من التزاماتها و إنما يتعين «إجراء اختيارات قد تكون صعبة، خصوصا فيما يتعلق بالإنصاف والجودة في النظم التعليمية، وهذه الخيارات خيارات مجتمعية، تؤكد «اللجنة الدائمة المكلفة بالتعليم للقرن 21»، وفي ضوء هذه الخيارات يتضح دور السلطة السياسية، أو ما تسميه اللجنة ب»العامل السياسي».
ولهذا فإن الاصلاح يتطلب التدابير التالية:
1- التأكيد على مسؤولية الدولة عن توفير التعليم للجميع و فقا للمادة 26 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان ( 1948) ، و مسؤوليتها عن توفير التعليم العالي و فقا للفقرة( ج) من المادة 13 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية ( 1966).
2- توجيه الاهتمام من طرف الجامعات إلى تدريب الطلبة على البحث العلمي وعلى الابتكار والتجديد، والأخذ في الاعتبار في نفس الوقت أن البحث العلمي ليس مسؤولية الجامعات وحدها، وإنما هناك ضرورة قصوى لوجود ما يسميه أنطوان زحلان: «النسق العلمي والتقاني» أو «منظومة العلم والتقانة» أي شبكة المتدخلين في البحث العلمي، وتتمثل عناصر هذا النسق أو المنظومة في:
المنظمات التربوية (جميع المدارس أكاديمية ومهنية وتقنية)، الجامعات، الكليات، والتدريب وإكمال برامج التربية.
البحث والتنمية أو البحث والتطوير، باعتباره الضمان الوحيد بأن الجامعة تدرب طلابها لعالم اليوم.
الخدمات المالية، والمؤسسات المالية التي تمول وتدعم البحث العلمي.
المنظمات الاستشارية والهندسية المتخصصة وشركات المقاولات.
الخدمات الإحصائية المعلوماتية.
المؤسسات المتخصصة لوضع المعايير والاختيار والبحث في المعايير وتطبيقها.
النظام القانوني وفرض المقاييس والمعايير.
الجمعيات المهنية والاتحادات والجمعيات العلمية.
إن أهم مجالات نجاح الإصلاح، في نظرنا، هو خلق مثل هذا «النسق العلمي والتقاني»، والذي من شأنه أن يحدد مهام كل فاعل، خصوصا التأكيد على دور «الجامعة التنموية ( تعود فكرة الجامعة التنموية أي دور الجامعة في التنمية إلى مؤتمر اليونسكو حول تنمية التعليم في إفريقيا عام 1962 الذي انعقد في تاناناريف (مدغشقر) وجرى تحميل الجامعة مهمة أن تكون الأداة الرئيسية للتقدم الوطني (اليونسكو 1963)، كما جرى تأكيد هذه الفكرة في يونيو 1980 وذلك عبر لقاء عمل لمجموعة خبرة لمنظمة البلدان الأمريكية...)
و»المقاولة المبتكرة»و المقاولة المسؤولة اجتماعيا
3- المساهمة في تحسيس المجتمع بأهمية العلم ودفعه إلى «اعتناق القيم السياسية التي تعلي من قيمة الإنجاز والأداء وتبتعد كثيرا عن النسق القائم على الولاء والتبعية العائلية والمحسوبية»، على حد تعبير الخبير أنطوان زحلان، أو ما يعبر عنه أحمد زويل( جائزة نوبل في الكيمياء)ب: «وجود عقيدة وطنية تؤمن بالدور الهام للعلم وتنادي بضرورة بناء القاعدة العلمية والتكنولوجية، لأن استهلاك التكنولوجيا ليس هو اكتساب العلم».
4- بناء المجتمع العلمي والقاعدة العلمية الكفيلان بوضع المغرب على الخريطة العلمية العالمية، وهذا البناء يتطلب توفر ثلاثة عوامل يحددها أحمد زويل فيما يلي:
العامل الأول: توفر الأمانة العلمية: وهذا العامل يعني استحالة أن تقوم أية جماعة أو بلد أو أي جامعة بعمل علمي ذي قيمة يضعها على الخريطة العالمية، ويقدم إنجازا جديدا للإنسانية إذا لم تتوفر الأمانة العلمية في العمل.
العامل الثاني: توفر عمل الفريق أو روح الفريق، لأن الاكتشافات العلمية لها قواعد وهي نتيجة روح الفريق وتشترط روح الفريق.
العامل الثالث: توفر القاعدة العلمية، وهذه القاعدة ستكون نتيجة التفاعل العلمي الثري الذي يقوم بين العلماء وأجيال الشباب.
5- يتعين «معاملة الاعتمادات من الاموال العامة التي تخصص لمؤسسات التعليم العالي معاملة الاستتمار العام و إخضاعها لمحاسبة عامة فعلية... و إطلاع الرأي العام بصورة مستقلة على مبررات هذا الانفاق ( توصية اليونسكو بشأن أوضاع المشتغلين بالتعليم العالي 1997).
ابراهيم أولتيت
أستاذ التعليم العالي مساعد
الكلية المتعددة التخصصات
- اسفي
الجامعة المغربية والبحث العلمي
يجدر التذكير في البداية بالوظيفة التقليدية والأساسية للجامعة ، والمتمثلة في التكوين الذي يعد بمثابة العملية المنظمة والهادفة إلى صقل وتنمية قدرات الأفراد ومهاراتهم والزيادة فيها ، والعمل على تعميق الأداء وتقويم السلوك، وإعداد الطالب بالخصوص لتأهيله ليكون مواطنا صالحا لوطنه، مندمجا في محيط الشغل، ومنخرطا في عالم التنافسية، ومتكيفا مع رهانات العولمة . و لقد سبق للرئيس الأمريكي الأسبق أن اختزل الأهمية- والوظيفة المركزية للاستثمار في التكوين بقوله ذات مرة: « إذا كنتم تعتقدون أن التكوين مكلف فجربوا الجهل «.
ويؤطر التكوين في الجامعة ضمن خريطة وهندسة بيداغوجية (أسلاك-مسالك وفصول) ضمن وحدات إلزامية مشتركة بين جميع الجامعات، وأخرى إختيارية اعتمادا على جذوع مشتركة وجسور بين مختلف المؤسسات ، يتم تركيزها أو اختزالها في عدة عناصر ومستويات حسب الزمن أو اللغة أو الصنف أو الدبلوم. وهذا يعني أن طرق و تقنيات تلقين التكوين بالمؤسسات الجامعية يعتمد على منظومة تربوية و بيداغوجية تدمج عنصر الزمن في التكوين، وتحاول عقلنة استغلاله وتنويع أصناف التكوين ولغات تلقينه وتحسين جودة مضمونه، وتجسير التواصل بين مختلف المكونات الفاعلة في صقل المنظومة البيداغوجية التي تتدعم أكثر مع إقرار إستراتيجية البحث العلمي بالأساس.
البحث العلمي: الهيكلة والتمويل..
لا أحد ينكر في الوقت الراهن أهمية البحث العلمي وترابطه العضوي مع التعليم العالي والوظيفة البيداغوجية للجامعة ، ويطال البحث العلمي مختلف المواد المدرسة في الجامعة، وفي كل مجالات العلوم البحثة أو الإنسانية، وسواء كان هذا البحث نظريا أو ميدانيا أو تطبيقيا ، وبمعنى آخر فإن تلقين المناهج المعتمدة في الجامعة ومعالجة المواد المدرسة أو المبحوثة ،وخاصة في مجال العلوم الإنسانية يجب أن تخضع لأبجديات وطقوس البحث العلمي ذاته ، فنقطة قوة البحث الجامعي تتم في الجامعة، مما يفضي إلى تأكيد الاستنتاج الذي مفاده أن المادة الجامعية والبحث العلمي يعدان بمثابة توأمان لاينفصلان كما يقال.
وإذ يعد البحث العلمي رافعا لمشعل التقدم والتطور،و أحد المقومات الأساسية للحضارة، ورافعة أساسية للتنمية، فهو لايستقيم إلا بتوفر شروط وآليات موضوعية لذلك .
هيكلة البحث العلمي ..
يتهيكل البحث العلمي في إطار مؤسسات جامعية (كليات أو مدارس أو معاهد) ، كما يمكن للبحث أن يؤطر ضمن مراكز ومؤسسات للبحث ومجموعات للدراسات ومختبرات، وعبر إحداث محاضن بذلك داخل المؤسسات الجامعية، بهدف الحد من العوائق التنظيمية للبحث، لكن هذه» المجمعات البحثية» لن يكتب لها النجاح إلا بجدوى أعمالها، والالتزام بالجودة والنجاعة ، وإسهامها كقوة اقتراحية في وضع الخطط والمناهج لجودة التكوين والتأطير الجامعي، ومدى ملائمتها مع المحيط ونفعيتها للمجتمع وانخراطها في المنافسة، ورهانات التنافسية، وتحديات عالم اليوم والحاضر- المعلب بالعولمة والمحكوم بالحكامة الجيدة-.
وتحتم هذه الرهانات تفادي السقوط في التناسل-الإسهالي- الكمي للبحوث، وتجنب تعليب المقاربة الكمية على حساب الجودة : فمع تناسل أسلاك الماستر والدكتوراه، وفي مختلف المؤسسات الجامعية،وما رافق الانخراط في ذلك من اندفاح وحماسة في ظل عدم تحقق الشروط الموضوعية . و إذا لم يتم التسلح بالحيطة والحدر، فيخشى أن ينفلت حبل التوجيه والتأطير الناجع للبحث العلمي، والذي يمكن أن يتفاقم إذا انغمست هذه البحوث في التنظير والتجريد ، واغتربت داخل الخطاب وخطاب الخطاب، والنتيجة هو السقوط في الاستنساخ محل الاستشكال، والاجترار بدل الإنتاج، والابتذال والتمييع عوض النفعية المجتمعية ( ويغدو معها البحث العلمي مشلول الهدف والغائية الساعية لخدمة المجتمع) ، وقد يتفاقم الأمر مع البحوث الميدانية التي لا زالت تصطدم بعراقيل بيرقراطية بغيضة ،وبصعوبة استيفاء المعلومات، والاطلاع على الوثائق تحث ذريعة السر المهني، وكأننا نطبق ذلك المثل السائد في الثكنات العسكرية :»فك الحبال تغرق السفن».
فلا زالت هناك نظرة احتراسية من البحث العلمي والخوف منه من لدن البعض ،و مع استحضارهيمنة مناخ البراكماتية والهرولة نحو انتزاع فقط شواهد الماستر والدكتوراه، مما قد ينعكس سلبا على جودة البحث العلمي.
فالحاجة ماسة اذن لخلق خلايا محلية تحث إشراف الأساتذة لضبط عناوين الأطروحات والبحوث ( يلاحظ في بعض الأحيان عدم التحكم حثى في عناوين المادة أو المجزوءة المدرسة، فبالأحرى محاورها) على الأقل داخل نفس المؤسسة كخطوة أولى ثم هيأة تنسيقية في إطار الجامعة، فجهاز تنسيقي وطني. والالتزام بأبحاث ذات جودة عالية وذات قيمة اجتماعية لن تتأتى الا من خلال الحرص على توجيه البحث العلمي كمحرك للتنمية خاصة في إطار انفتاحه على التجارب الكونية،وبالتالي توظيف نتائجه استجابة لحاجيات المجتمع ومتطلباته (مواطنة ، حداثة ، تخليق الحياة العامة ، الإصلاح الشامل ، القيم الديمقراطية، تكنولوجيا... ).
وإن الجامعة بمؤسساتها المختلفة، وبتعبئة إمكانياتها وإرادة الفاعلين فيها وشركائها لمدعوة إلى التحسيس واعتبار التكوين والبحث هو جوهر وجودها ، وهو مرجعية التقدم ومصدر التنمية المجتمعية . دون إغفال انفتاح المحيط على البحث العلمي ، والعمل على إشراك الباحثين في المعطيات والمناهج والخطط والنتائج، والإيمان بالنقد والأفكار الجديدة. ودور الحرية في دعم البحث العلمي وتنمية الإبداع.
وإذ تظل كل أصناف البحث العلمي بشقيه- النظري والتطبيقي- ناجعة، فهي تبقى كعمل إنساني في حاجة إلى التقويم وقابلة للخضوع لمعايير إنتاجية وتثمين جهود الباحثين ورد الاعتبار إليهم ، واستفادتها بالتالي من التمويل والمساعدات حسب الاستحقاق-لا المحاباة- وفق معيار الشفافية وتكافؤ الفرص.
تشجيع البحث العلمي وآليات تمويله ..
تجدر الإشارة بداية إلى أن تشجيع البحث العلمي يتم عبر توفير الشروط المادية والبشرية، والتي تتمثل في تهييء الشروط الموضوعية للبحث من بنيات تحتية (خزانات ، مختبرات ، وسائل تكنولوجية ، خزانات التداريب...)، وتشجيع التأليف و نشر الانتاجات العلمية للأساتذة، والقيام بحملات إعلامية وتحسيسية للتعريف بأهمية الأعمال الجامعية المنجزة وتثمينها والمساهمة في تسويقها، مما سيخلق إشعاعا للجامعة.
وهذا لن يتأتى إلا من خلال تمويل البحث العلمي ، فقد آن الأوان لإقرار سياسة عمومية قائمة على تصور شمولي، واضح المعايير، ومقاييس دقيقة لتمويل وإقرار ميزانية خاصة بالبحث العلمي ، والتفكير في جلب موارد إضافية له، إما بواسطة إحداث صناديق خاصة لدعم البحث العلمي، أو عبر ناتج مشاريع الشراكة وعقود التعاون مع الفاعلين والشركاء المحليين أوالفاعلين الوطنيين والمتعاونين الأجانب الخ..
وإذ يراهن على المخطط الإستعجالي لإصلاح منظومة التربية والتكوين( 2009 2012 ) ، الذي يتغيأ تحسين جودة ومردودية منظومة التعليم العالي والبحث العلمي، والذي وفر إمكانيات مالية مهمة لكل جامعة للاهتمام بالبحث والإنتاج العلمي. فينبغي التذكير في هذا الجانب برهان الدول المتقدمة للاستثمار في قطاع البحث العلمي، والذي ترصد له اعتمادات مالية مهمة، فإذ تتجاوز نسبة الإنفاق في الدول المتقدمة، وخاصة إسرائيل نسبة 4.7 % من دخلها القومي الإجمالي ، فإنها لا تتراوح ما نسبته 0.3 % من الناتج القومي الإجمالي بالنسبة للدول النامية والعربية، ومن بينها المغرب.. (المصنف في الرتب المتأخرة حسب التقارير الدولية ).
وإن جودة التعليم وعقلانية المناهج ،وجدية البحوث والدراسات لن يكتب لها الاستمرار إلا بالتسلح بمقومات الأخلاقيات.
أخلاقيات البحث العلمي..
لا ينبغي أن يخجل المرء من إثارة هذا المحور، ولا يمكن إدراجه ضمن دائرة المزايدات، أو خندقته ضمن قوقعة الطابوهات، أو اعتباره دعوة إلى مكارم الأخلاق، بل إن الأخلاقيات هي المدخل الأساسي للعملية الإصلاحية، والشرط الضروري اللازم لكل مرجعية معرفية .ولقد تزايد الوعي بأهمية الأخلاقيات، فإذا كان هناك خطاب في المغرب حول « تخليق الحياة العامة?، فالجامعة لاينبغي أن تشذ عن ذلك ، خاصة وأنه من المفترض في الجامعة أن تتبوأ الصدارة في الإشعاع بالبحث العلمي، والنهوض بالمثل العليا والقيم المجتمعية. بل هي المؤسسة المؤهلة والنموذج الأمثل لحمل مشعل الأخلاقيات والتخليق ،وقدرتها بالتالي على القيام-وبكل جرأة- على نقد ذاتي لإنتاجها العلمي، وسلوك الفاعلين في هذا القطاع. والتصدي لكل أشكال الاستنساخ أو الانتحال، التي هي أخطر أنواع الاعتداء على الحقوق الفكرية والبحوث العلمية للآخرين ، ولهذا ينبغي تجنب سوء السلوك في البحث العلمي كعمل مشين ينتحل الملكية الفكرية للغير على نحو غير مشروع ، الشيء الذي يبررتعبئة الآليات التشريعية والمؤسساتية محليا ودوليا لحمايتها. (لقد كانت لإحدى المؤسسات الجامعية بالمغرب الجرأة لطرح موضوع أخلاقيات البحث و السرقة العلمية في مستهل هذه السنة، كما أن جريدة لوموند الفرنسية نشرت في العدد الصادر في 11 من الشهر الجاري ملفا حول السرقة العلمية في الجامعة الفرنسية ص 14-15).
فالسرقة العلمية أضحت ظاهرة متفشية، ولم تبق خاصة ببلد دون آخر،أو مقتصرة على الاعتداءات الإبداعية أو الفنية، بل أصبح لها جانبا سياسيا أو سياسويا وفي شقه الميكيافيلي-الإبليسي- ، وإلا كيف يمكن تفسير عملية انتحال نشر صور لشهداء الأطفال الفلسطنيين -ضحايا الغطرسة الصهيونية- من طرف وسائل الإعلام الاسبانية على أساس أنهم ضحايا أحدات العيون الأخيرة ؟
إن الانتحال والسرقة بكل أشكالها تعبر عن أزمة قيم، وبالتالي يجب التصدي لها. وان المنظومة التربوية بمقدورها ذلك،ولا يسع هنا إلا استحضار قولة مارتن لوثر :»إن سعادة الأمم لا تتوقف على كثرة دخلها ولا على حصونها أو جمال مبانيها العامة، ولكنها تتوقف على عدد المثقفين من أبنائها وعلى رجال التربية والعلم والأخلاق فيها».
ولهذا فالجامعة أصبحت مدعوة أكثر من أي وقت مضى للدفع بقاطرة التنمية الشاملة إلى الأمام، والارتقاء بمشعل العلم على مستوى النوع والجودة والعمل على تكوين مندمج، وإعداد الطلبة بالتالي للاندماج في الحياة العملية دون إغفال مسألة عقلنة البحث وتطويعه من أجل خدمة أهداف سلمية وقضايا وطنية تابثة وترسيخ مبادئ المواطنة الملتزمة،وان الانخراط في الورش المجتمعي والانشعاتات الوطنية يجب أن تندرج ضمن المخطط الجامعي كمنظومة بنيوية، وليست ظرفية هاجزها التموقع البراكماتي الضيق، والتسلح بروح الحوار البناء والاختلاف الديمقراطي الحضاري لاجتثاث كل أشكال التطرف، والانخراط في بناء عقد اجتماعي جديد (حسب صيغة الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى الخامسة لعيد العرش في 30 يوليوز 2004) أي مخطط مجتمعي مبني على أساس التماسك الاجتماعي وتكافؤ الفرص، وإذ لايختلف أحد على أن الجامعة هي رهان هذا الورش المجتمعي باعتبارها فضاء للحوار البناء المرتكز على مبادئ التسامح وحقوق الإنسان وحرية التفكير والخلق والإبداع مع مراعاة القواعد الأكاديمية والموضوعية، وكذا الأمانة العلمية والنزاهة الفكرية (قانون رقم 00-01) فلكي تظل الجامعة مقاولة لإنتاج المغامرة الفكرية والمواقف الريادية ، ومشتلا للتجديد والحداثة والقيم الديمقراطية، وفضاء لفرز النخب، وهذا لن يتأتى إلا باعتماد خريطة طريق لجامعة مغرب اليوم والغد، من خلال :
- تبني برامج لدعم البحث العلمي والتكوين تتميز بالجودة والاندماجية، باعتماد آليات جديدة تتماشى مع الرهانات العالمية في أفق مواجهة تحديات الألفية الثالثة، والانخراط في العشرية الأولى من هذا القرن والخاصة بالتعليم.
فالتعليم يمكن اعتباره بمثابة قلب الإنسان ، وإذا كان هذا القلب (المحرك) عليلا فباقي أعضاء الجسد تصاب بالمرض. فالاهتمام بالتعليم والبحث العلمي ليساهم -إن وظف إيجابيا- في تحقيق النمو والنهضة المجتمعية. وفي سبيل تحقيق هذه الغائية النبيلة والارتقاء بجودة التعليم والبحث العلمي ونوعية التكوين وخاصة التكوين المندمج لتأهيل طلبة اليوم إلى رجال ومواطنين صالحين للغد، فإن هذا يستدعي من الأساتذة رفع مشعل التحدي للنهوض بالأعمال المنوطة بهم وبشكل مسؤول وجدي . وهذا لن يكتمل إلا من خلال إبراز شخصية الأستاذ وإعطاء الطلبة المثال والقدوة في الاجتهاد والنقد البناء والفضول العلمي، وفي المظهر والسلوك. ذلك أن شخصية الأستاذ هي السلاح التقويمي حتى يكون للشأن الأكاديمي من معنى وللشئ الجامعي من مبنى.
-التركيز على الجانب المتعلق بمنهجية البحث العلمي أثناء السنوات الأولى للتكوين الأساسي و المعمق مع التحسيس بالموضوع أثناء الملتقيات الفكرية والثقافية (ندوات...) و عدم التعامل مع المادة المنهجية وأخلاقيات البحث العلمي كشيء عارض وغير ذي أهمية، بل الحاجة ماسة لمأسسة إطار من التفكير في أخلاقيات البحث العلمي . ولما لا إقرار مادة مستقلة للتدريس وتلقين مدونة للأخلاقيات، عسى أن يساهم هذا التلقين في استبطان وتسطير السلوك القويم لطالب اليوم الذي هو إطار الغد،
فالأخلاقيات مرتبطة بالسلوك الإنساني،وأداتها هو التسلح بالتحصين الذاتي والسلوك القويم لكل أطراف العملية البيداغوجية داخل الجامعة، ولكن دون إغفال إقرار بعض الآليات الموضوعية لضبط أخلاقيات البحث العلمي. عبر خلق أجهزة- أو تفعيلها- في الجامعة لاتخاذ تدابير صارمة ضد كل الأعمال المنافية للتخليق- فالانتحال والمجاملة نموذجان متقابلان للسلوك اللاأخلاقي . (ألا يعد إشراك أسماء الأساتذة المؤطرين ضمن أسماء طلبتهم في بعض المؤسسات أثناء نشر بعض الدراسات يعد استغلالا لجهود الطلبة ، وكدا المجاملة في التاطير و المحاباة في الارتقاء مسا بالأخلاقيات؟).
-اعتماد مدونة أو ميثاق لأخلاقيات البحث العلمي داخل الجامعة،وتبني «ميثاق الأطروحة» أو «ميثاق البحث» الذي يوقعه الأستاذ المؤطر والطالب الباحث، فهذه آلية و وسيلة للتقييم الذاتي والخارجي والمتبادل للأطراف الفاعلة في المعادلة البيداغوجية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى ليبقى الأستاذ هو المثل الأعلى والقدوة بالنسبة للطالب، وكما قال الفيلسوف كانط في هذا الإطار « تصرف حيث يكون تصرفك نموذجا يحتدى»..
وإذا كان الواجب يستدعي الحق، فإنه يجب العمل على تشجيع الجسم «الأستاذي» والاهتمام به ماديا ومعنويا. فعلى المستوى المادي فلا ينبغي الاستهانة بتحسين الوضعية المادية للأستاذ من خلال الإسراع بملفات الترقية وإقرار نظام الحوافز تشجيعا للبحث العلمي والكفاءات اعتمادا على معايير دقيقة وذات مصداقية وشفافة، حيث « يجب أن يكون التقدير حيثما يستحق، ولا يكون حيثما لا يستحق» كما يقال.
والاهتمام بالجانب الاجتماعي والإنساني للأستاذ على الأقل تأمين عمله ضد مخاطر التنقل وحوادث الشغل.
إن هذه التدابير وغيرها لمن شانها أن تساهم في تأسيس أسس البحث العلمي السليم. والتي تساءل كل أطراف العملية البيداغوجية تستدعي توفر الشروط المادية والموضوعية لضمان كرامة الأستاذ الباحث ومصداقية البحث العلمي .
أحمد حضراني
أستاذ بكلية الحقوق
بمكناس
السياقات السياسية لبناء منظومة التعليم العالي بالمغرب
بمجرد الإعلان عن الاستقلال سنة 1956 كان هناك حرص على بناء منظومة للتعليم العالي باعتبار ذلك مندرجا في إطار بناء هياكل الدولة في مغرب ما بعد الاستقلال. و تجسد هذا الحرص في إحداث اول جامعة مغربية بمفهومها العصري سنة 1957 وهي جامعة محمد الخامس بالعاصمة الرباط، و قد توالى بناء هذه المنظومة ليصل سنة 1964 إلى 13 مؤسسة جامعية.
منذ البداية كان تدبير منظومة التعليم العالي محكوما بالرغبة في إقامة سلطة مركزية تحتكر القرار كيفما كانت طبيعته بما فيما ذلك القرار التربوي من جهة و مراقبة كل شيء من جهة أخرى. هذا المنطق هو الذي كان وراء «مركزة» منظومة التعليم العالي حيث أقيمت اغلب المؤسسات الجامعية بالعاصمة الرباط رغم أن عدد الطلبة تضاعف بين 1957 و منتصف السبعينيات من القرن الماضي إلى 12 مرة.
إن رهان السلطة السياسية على منظومة التعليم العالي على مستوى تزويد الهياكل الجديدة للدولة بالأطر و الاديولوجيا الرسمية سرعان ما تبينت محدوديته و كانت والى مداخله الاعتقالات التي طالت صفوف المعارضة الاتحادية سنة 1963 و التي شملت قيادات طلابية بارزة، لقد انتبهت السلطة الحاكمة إلى حقيقة مفارقة تتمثل في كون منظومة التعليم العالي أضحت معقلا لإنتاج المعارضة السياسية للنظام القائم سواء في صيغتها الإصلاحية او في صيغتها الجذرية، هذه الحقيقة هي التي تفسر تلك السياسة المثيرة للاستغراب و المتجسدة في عدم إحداث أية مؤسسة جامعية جديدة بين سنوات 1964 و 1977 رغم تضاعف أعداد الطلبة بشكل كبير.
لقد اعتبرت السلطة الحاكمة منظومة التعليم العالي رافدا من الروافد المعارضة السياسية أكثر منها مشتلا لتكوين الأطر سواء تعلق الأمر ب»النقابة الوطنية للتعليم العالي» الممثلة لهيئة التدريس أو تعلق الأمر ب»الاتحاد الوطني لطلبة المغرب»، وهو ما يفسر تلك العلاقة المتشنجة بين السلطة و الهيئتين التمثيليتين المشار إليهما، و على سبيل المثال فإن السلطة السياسية سعت إلى استصدار حكم قضائي بحل «الاتحاد الوطني لطلبة المغرب» و هو ما لم يستجب له القضاء سنة 1964، قبل أن تقدم على منعه بتاريخ 24 يناير 1973.
إذا كانت مرحلة 1957 و 1975 بمثابة لحظة تأسيسية لمنظومة التعليم العالي، فإن تدبير هذه اللحظة أنتج العديد من المفارقات و افرز الكثير من السلبيات دفعت كل القوى السياسية و النقابية ذات الصلة برفع شعار «الإصلاح الجامعي» و إن كان تصور السلطة السياسية للإصلاح يختلف في العمق عن تصور المعارضة السياسية.
يمكن اعتبار ظهير 25 فبراير 1975 أول خطوة كبيرة في اتجاه الإصلاح الجامعي من منظور السلطة الحاكمة، فهو أول قانون منظم للجامعات بشكل شمولي، و رغم تشابه عديد من مقتضياته بقانون التوجيه الجامعي الذي اعتمدته فرنسا سنة 1986، غير أن رهاناته كانت مختلفة عن رهانات ذلك القانون ، فظهير 25 فبراير 1975 و باسم الإصلاح الجامعي كان يروم بلوغ رهاني المرحلة التأسيسية لمنظومة التعليم العالي و المتجسدين في جعل المؤسسات الجامعية آليات لتصريف الايدولوجيا الرسمية من جهة و تزويد الدولة بالأطر التي هي في حاجة إليها من جهة أخرى. فتكوين الأطر كان من المهام الأساسية التي أناطها ظهير 25 فبراير بالجامعة إضافة إلى مهام تلقين التعليم العالي و القيام بالبحث العلمي والمساهمة في نشر المعرفة و الثقافة .
يبدو ظهير 25 فبراير 1975 في ظاهره خطوة إصلاحية باعتماد خيار اللامركزية الجامعية حيث نص على تمتيع المؤسسات الجامعية بنوع من الاستقلالية. غير انه في جوهره كان إجراء للتحكم في منظومة التعليم العالي بأسلوب جديد حيث يرتكز على الضبط و التحكم؛ فهذه اللامركزية الجامعية التي اعتمدها ظهير 25 فبراير 1975 كانت محكومة بمنطق مركزي مبالغ فيه ؛ حيث يعين المسؤولون على المؤسسات الجامعية مباشرة من قبل السلطة الحكومية ذات الصلة و تكمن صلاحيتهم في تنفيذ توجهات هذه السلطة.
رغم الانتقادات الموجهة لظهير 25 فبراير منذ صدوره ، فقد وجدت السلطة الحكومية ذات الصلة صعوبات في تنزيله على ارض الواقع ، و لم يشرع في تجسيده عمليا إلا بعد مرور حوالي 12 سنة من صدوره .
إن تعثر تنزيل مقتضيات ظهير 25 فبراير يفسر بعديد من المتغيرات السياسية و السوسيو اقتصادية التي عاشها المغرب أواخر السبعينيات و خلال ثمانينيات القرن الماضي مما جعل ما اعتبر إصلاحا جامعيا سنة 1975 أمرا متجاوزا هو بدوره في حاجة إلى إصلاح و في هذا الإطار تندرج بعض مشاريع الإصلاح الجامعي التي ارتبطت بأسماء بعض الوزراء المشرفين على القطاع كمشروع الطيب الشكيلي الذي عبرت عنه بشكل جزئي مراسيم 18 يناير 1991 أو مشروع محمد الكنيدري الذي ترجمته جزئيا مراسيم 15 فبراير 1993.
إذا كانت المرحلة الممتدة مابين 1957 و 1975 لحظة تأسيسية لمنظومة التعليم العالي، و إذا كانت المرحلة الممتدة بين 1975 و بداية التسعينيات لحظة لقتل السياسية داخل المؤسسات الجامعية، فإن مرحلة جديدة( بدأت منذ مطلع التسعينيات و تستمر إلى الآن يراد من خلالها أن يخدم الإصلاح الجامعي هدفا سياسيا جديدا متمثلا في تكريس الخيار الليبيرالي أو تكريس اقتصاد السوق من خلال عديد من الآليات من بينها المؤسسات الجامعية. تجد هذه المرحلة أساسها الدستوري فيما نص عليه دستور 1992 حول حرية المبادرة الخاصة في فصله الثالث عشر، و في إطار هذا الخيار كان حرص السلطة السياسية على التعامل بشكل إيجابي مع تقرير البنك الدولي حول أوضاع التعليم العالي في المغرب سنة 1995. فالتقرير في عمقه كان يروم جعل المؤسسات الجامعية دعامة أساسية من دعامات بناء اقتصاد السوق، ومادام أن تقرير البنك الدولي يدعو إلى التوافق بين الأطراف المعنية بالعملية التربوية حول الأهداف، فقد سعت السلطة الحكومية ذا الصلة إلى فتح حوار مع «النقابة الوطنية للتعليم العالي» أفضى إلى «أرضية توافقية» تضمنت في «وثيقة المبادئ» من جملة ما تضمنت ضرورة ترسيخ التمثيلية الانتخابية للأساتذة و الطلبة.
إن رهان الدولة مع مطلع التسعينيات المتمثل في بناء أسس اقتصاد السوق بعد تنصيص دستور 1992 على حرية المبادرة الخاصة و صدور تقرير البنك الدولي سنة 1995 هو الذي حدد توجهات مشروع الإصلاح الجامعي الذي قدمه ادريس خليل و الذي ترجمته بشكل جزئي مراسيم 19 فبراير 1997 المتعلقة بإصلاح نظام الدراسات العليا و النظام الأساسي للأساتذة الباحثين و هو الرهان نفسه الذي حدد توجهات «الميثاق الوطني للتربية و التكوين» الذي شكل مرجعية قانون رقم00.01 أو ما يسمى بقانون الاصفار الثلاثة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.