الداخلية توقف قائدًا بتهمة الفساد وتفتح تحقيقًا    تحرير 4 سائقي شاحنات مغاربة بمالي    تحرير السائقين المغاربة من يد تنظيم داعش الإرهابي إنتصار إستخباراتي مغربي يعيد رسم معادلات الأمن في الساحل    منخرطو الوداد يطالبون أيت منا بعقد جمع عام لمناقشة وضعية الفريق عبر مفوض قضائي    ديون وادخار الأسر المغربية.. قروض ضمان السكن تتجاوز 32 مليار درهم    حادثة سير مروعة تخلف قتيلين على الطريق الوطنية الرابطة بين الحسيمة وتطوان    من قلب الجزائر.. كبير مستشاري ترامب للشؤون الأفريقية يكرّس الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء ويدعو لمفاوضات على أساس الحكم الذاتي    المندوبية السامية للتخطيط: جهة الشمال تسجل أدنى معدل في البطالة بالمغرب    مؤسسة محمد الخضير الحموتي تفضح مؤامرات النظام الجزائري.. وتؤكد: من يعبث بوحدة المغرب ستحرقه نار الانفصال    الانتخابات التشريعية في خطاب العرش: رؤية ملكية لاستكمال البناء الديمقراطي وترسيخ الثقة    منصة تيك توك تزيل أكثر من مليون فيديو لمغاربة خلال 2025    النقص الحاد في المياه يفاقم مآسي الجوع والنزوح في قطاع غزة    الانخفاض ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    غينيا تهزم النيجر بهدف في "الشان"    أولمبيك آسفي يتعاقد رسميا مع الإيفواري "أبو بكر سيلا"    قضية حكيمي تثير جدلًا حقوقيا وقانونيا.. ونشطاء فرنسيون يطالبون بإنصافه    شخصيات فلسطينية تشيد بالمبادرة الإنسانية التي أطلقها الملك محمد السادس    الممثلة الخاصة للأمم المتحدة في ليبيا تشيد بالتزام المغرب وتعرب عن تقديرها العميق للمملكة لتيسير الحوار الليبي-الليبي    رابطة الكتبيين بالمغرب تحذر من أساليب تجارية «مضلّلة» وتدعو لحوار وطني حول مستقبل الكتاب المدرسي    قارب "فانتوم" ينفذ ثالث عملية تهريب مهاجرين بين شمال المغرب وإسبانيا خلال أسابيع    توقيف مروجين للمخدرات والقرقوبي بأكادير    اختتام الدورة الثالثة لمهرجان "ولاد المدينة" بالعرائش    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    موجة حرّ قياسية تصل إلى 47 درجة وأمطار رعدية مرتقبة بعدد من مناطق المملكة هذا الأسبوع    "فدرالية ناشري الصحف" تدعو الحكومة لمراجعة موقفها من قانون مجلس الصحافة    بنكيران يدخل على خط مهاجمة الريسوني للتوفيق ويعتبر أنه من غير "اللائق أن ينعت وزارة الأوقاف بتشويه الإسلام"    الرئيس الأيرلندي يدعو غوتيريش لتفعيل الفصل السابع ضد إسرائيل    رد واضح لا غبار عليه من مستشار ترامب مسعد بولوس خاصة أنه موجّه لوسيلة إعلام جزائرية: الصحراء مغربية والحل أساسه الوحيد مبادرة المغرب للحكم الذاتي        كوندوري تلتقي بوفد من المستشارين    الدار البيضاء تستضيف الدورة الأولى من مهرجان "عيطة دْ بلادي"    باحث يناقش رسالة ماستر حول الحكامة المائية في ضوء التجارب الدولية بكلية الحقوق بالدار البيضاء    بجلد السمك.. طفل يُولد في حالة غريبة من نوعها    دعوات لاحتجاجات أمام ميناء الدار البيضاء رفضا لاستقبال "سفن الإبادة"    انخفاض أسعار النفط بعد اتفاق "أوبك+" على زيادة الإنتاج    فنادق أوروبا تلاحق "بوكينغ" قضائياً    إسبانيا تنفي إنزال علمها من جزيرتي الحسيمة    "الجايمة"..أشهر مطعم مغربي في ألميريا يُغلق أبوابه نهائيًا    من الزاويت إلى الطائف .. مسار علمي فريد للفقيه الراحل لحسن وكاك    حملة "التعمير والإسكان" تخدم الجالية    الأطعمة الحارة قد تسبب خفقان القلب المفاجئ    لا أنُوء بغزّة ومِنْهَا النُّشُوء    كأس أمم إفريقيا للاعبين للمحليين 2024.. المغرب مرشح قوي تترقبه أعين كل المنافسين على اللقب    إنتر ميامي يعلن غياب ميسي لأجل غير مسمى    مقاومة الأداء الإلكتروني بالمغرب تعرقل جهود الدولة نحو الشمول المالي    الدخول المكثف للجالية يدفع الدرهم المغربي للارتفاع أمام الأورو    ترتيب شباك التذاكر في سينما أميركا الشمالية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين        وفاة الممثلة الأميركية لوني أندرسون عن عمر ناهز 79 عاما    بطولة انجلترا: تشلسي يتعاقد مع الظهير الأيسر الهولندي هاتو    دراسة كندية: لا علاقة مباشرة بين الغلوتين وأعراض القولون العصبي    دراسة: الانضباط المالي اليومي مفتاح لتعزيز الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية    بنكيران يدعو شبيبة حزبه إلى الإكثار من "الذكر والدعاء" خلال عامين استعدادا للاستحقاقات المقبلة    حبس وغرامات ثقيلة تنتظر من يطعم الحيوانات الضالة أو يقتلها.. حكومة أخنوش تُحيل قانونًا مثيرًا على البرلمان    "العدل والإحسان" تناشد "علماء المغرب" لمغادرة مقاعد الصمت وتوضيح موقفهم مما يجري في غزة ومن التطبيع مع الصهاينة    التوفيق: كلفة الحج مرتبطة بالخدمات    في ذكرى عيد العرش: الصحراء المغربية وثلاثة ملوك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرؤية الإستراتيجية لإصلاح المدرسة المغربية :استمراية أم قطيعة؟
نشر في الأستاذ يوم 22 - 10 - 2015

توجد منظومة التربية والتكوين اليوم في مفترق الطرق . فبعد انصرام عشرية الإصلاح التي بصمها تطبيق مقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين وما تلاه من إنجاز مشاريع البرنامج الإستعجالي الذي اعتبرأنذاك كنفس جديد لتسريع وثيرة الإصلاح، مازالت المدرسة المغربية محط تساؤل من طرف الجميع .
فرغم المجهودات المهمة المبدولة ماليا و ماديا وبشريا ، فإن النتائج المحققة تبقى جد متواضعة بحيث أنها لم ترق بعد إلى الطموحات والآمال والتطلعات المعلقة على المدرسة المغربية باعتبارها مؤسسة للتنشئة الإجتماعية تسعى لإعداد مواطنات ومواطني المستقبل .
فالمنظومة التربوية مازالت تعاني من مجموعة من التعثرات والإختلالات، وقف عليها مؤخرا التقرير التحليلي الذي أعدته الهيئة الوطنية للتقييم سنة 2014 حول "تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين 2013 / 2000 :المكتسبات والمعيقات والتحديات" حيث رصد أوجه قصورعدة ترتبط بضعف تماسك وانسجام مكونات المنظومة التربوية، وبمستوى نجاعتها ومردوديتها الداخلية و الخارجية، وملائمة مناهجها وتكويناتها مع متطلبات المحيط. وذات صلة أيضا، بالنقص الشديد في إدماج بنيات مجتمع المعرفة وتكنلوجياته المتجددة، وبمحدودية مواكبتها لمستجدات البحث العلمي وعالم الإقتصاد ومجالات التنمية البشرية والبيئية و الثقافية.
في هذا السياق، جاءت الرؤية الإستراتيجية لإصلاح المدرسة المغربية التي أعدها المجلس الأعلى للتربية و التكوين و البحث العلمي، انطلاقا من المشاركة الموسعة لكافة الفاعلين والمتدخلين والشركاء، واستنادا على العمل المكثف للجنه الدائمة، تهدف بالأساس إلى" إرساء مدرسة جديدة قوامها: الإنصاف وتكافؤ الفرص؛ ترسيخ الجودة ؛ والعمل على الاندماج الفردي والارتقاء المجتمعي".
وتأسيسا على ذلك، وفي إطار المساهمة في إغناء و إثراء النقاش العمومي حول إصلاح المدرسة المغربية، سنحاول قراءة وثيقة الرؤية الإستراتيجية من خلال الإسترشاد بالتساؤلات التالية:
– ما هي سياقات هذه الرؤية الإستراتيجية؟ وما هي المنهجية والمقاربات المعتمدة في إعدادها؟ ما موقعها في سيرورة الإصلاحات المتعاقبة على منظومة التربية و التكوين؟ هل تشكل قطيعة مع الإصلاحات التربوية السابقة أم أنها تندرج في إطار الإستمرارية، تجسيدا لنهج التراكم والترصيد والبناء على المكتسبات ؟
– ما هي أبرز مضامين الرؤية الإستراتيجية ؟ وما الجديد التي أتت به هذه الرؤية الإستراتيجية ؟ وما هي أولوياتها في المرحلة الراهنة؟
– ثم ،هل نجحت رؤية المجلس الأعلى للتربية و التكوين والبحث العلمي في الإجابة الإستشرافية على الإشكاليات الكبرى لمنظومة التربية و التكوين والبحث العلمي؟
سياقات الرؤية الإستراتيجية
إن أول ما ينبغي الإشارة إليه هو أن الرؤية الإستراتيجية لإصلاح المدرسة المغربية جاءت كنتيجة حتمية للسياقات التالية:
– استجابة للتوجيهات الملكية السامية المتضمنة في خطب (20 غشت 2012 و20 غشت 2013 ) التي أفردت حيزا مهما لأزمة التربية والتكوين تشخيصا وإسشرافا ؛
– تنفيذا لمضامين الدعوة الملكية السامية الموجهة للمجلس الأعلى للتربية و التكوين والبحث العلمي في افتتاح الدورة البرلمانية الخريفية (أكتوبر 2014 ) التي أناطت بالمجلس مهمة وضع خارطة طريق لإصلاح المدرسة المغربية والرفع من مردوديتها ؛
– محدودية الإصلاحات المتعاقبة على منظومة التربية و التكوين والمتمثلة أساسا في الإختلالات والتعثرات المزمنة التي تعاني منها المدرسة المغربية والتي وقفت عليها جميع التشخيصات والتقييمات الدولية و الوطنية والتي كان أخرها التقرير التحليلي الذي أعدته الهيئة الوطنية للتقييم سنة 2014 حول "تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين 2013 / 2000 :المكتسبات والمعيقات والتحديات" ؛
– المطلب المجتمعي الملح لإصلاح المدرسة وتأهيلها وتجديدها باعتبارها مشتلا لتأهيل الرأسمال البشري و فضاء للارتقاء الفردي والمجتمعي في أفق ترسيخ بناء مجتمع المعرفة و المواطنة والديمقراطية والتنمية المستدامة.
المنهجية والمقاربات المعتمدة في إعدادها
عند قراءة وثيقة الرؤية الإستراتيجية لإصلاح المدرسة المغربية يمكن تسجيل مجموعة من الملاحظات، إن على مستوى الهندسة والبناء العام للوثيقة أو على مستوى المقاربات والمنهجية المعتمدة في إعدادها:
فعلى مستوى الهندسة والبناء العام للرؤية الإستراتيجية: فالوثيقة تضم: 23 رافعة للتغيير و134 فقرة وحوالي 1000 مستلزم. كما أن اللغة المستعملة في الوثيقة رصينة وفصيحة وسهلة القراءة. إلى جانب ذلك، فإن الرؤية تتشكل من تصدير يضم: السياقات ، المرجعيات، المدى الزمني للرؤية، ثم الأهداف والمرتكزات والمقومات والغايات المنشودة لمدرسة المستقبل ، ومن أربع فصول : تتوزع على رافعات للتغيير تعالج إشكاليات: الإنصاف والجودة والإندماج الفردي و الإرتقاء المجتمعي و الريادة الناجعة والتدبير الجديد للتغيير.
أما على مستوى المقاربات والمنهجية المعتمدة: فالرؤية الإستراتيجية تدخل في نطاق التفكير التحليلي التشخيصي والتخطيطي ، باستعمال مقاربة متعددة الأبعاد والمستويات، تنطلق من استقراء الماضي واستكناه الحاضر واستشراف المستقبل.
إلى جانب ذلك، فإنها تعتمد مقاربة التفكير الإستراتيجي الشمولي العرضاني/الأفقي متعدد الآماد (قريب، متوسط وطويل المدى) الذي يحدد القضايا التربوية الكبرى ويضع التوجهات العامة ويقترح الحلول الممكنة ، دون التطرق للتفاصيل والتدقيقات التي تبقى من اختصاص التفكير الإجرائي والتنفيذي الموكول إلى القطاعات المكلفة بتنفيذ السياسات التعليمية .
وبخصوص عملية الأجرأة ، أشارت الرؤية إلى ضرورة اعتماد منطق التدرج والمرونة والانفتاح على الملاءمات والإغناءات الممكنة في ضوء نتائج التقييمات المنجزة و المستجدات الطارئة، كما حددت الأفق الزمني الذي يمتد من 2015 إلى 2030 ، مع مراعاة الآماد: المدى القريب (3 سنوات) والمتوسط (6 سنوات) والبعيد ما يفوق 6 سنوات.
أبرزمضامين الرؤية الإستراتيجية
حاولت الرؤية الإستراتيجية من خلال 23 رافعة للتغيير و التجديد الإجابة على مجموعة من الإشكاليات التربوية المؤرقة ، غير أننا في هذه الورقة سنقتصر على أهمها:
فقد أكدت الرؤية على ضرورة إعادة الإعتبار للتعليم الأولي من خلال العمل على تعميمه وتجديد هيكلته وتنظيمه وجودته. كما تضمنت مبدأ التمييز الإيجابي للتعليم بالوسط القروي من خلال الإنتقال من منطق تشتت الفرعيات والمجموعات المدرسية التى تفتقد إلى أدنى مواصفات الجودة إلى إرساء نموذج المدرسة الجماعية .
إضافة إلى ذلك، أوصت الرؤية بتمكين المتعلمة والمتعلم من استدامة التعلم وبناء المشروع الشخصي، والاندماج الفردي عبر الاهتمام بتطوير المهارات الذهنية واليدوية والفنية، وتنمية الإبداع والابتكار في المناهج التعليمية من أجل الاكتشاف المبكر للميولات المهنية.
إلى جانب ذلك، تمت الإشارة وبإلحاح إلى مأسسة الممرات والجسور بين مختلف أطوار وأنواع التربية والتعليم والتكوين من أجل تحقيق مزيد من التنويع والتكامل والتنسيق في التكوين والتأهيل، ومن أجل تمكين المتعلمين من أكبر حركية في التوجيه وإعادة التوجيه والمتابعة المواظبة للمسار الدراسي والتكويني لأطول مدة ممكنة، وتكريس اختيار المشروع الشخصي، والرفع من مستوى التأهيل والإشهاد والقابلية للاندماج الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
وبخصوص الجانب البيداغوجي، قدمت الرؤية الإستراتيجية نموذج بيداغوجي وتكويني متكامل قوامه التنوع والانفتاح والملاءمة والابتكار عبر الاستناد إلى أطر مرجعية ومعرفية، ومن خلال مراجعة هندسة أطوار التربية والتكوين، وتنويع وملاءمة المقاربات البيداغوجية والمناهج والمضامين والتكوينات وتجديدها المستمر، ونجاعة الوسائط وطرائق التدريس والتعلم ، و تحسين العلاقات التربوية الفصلية و المؤسساتية.
كما وضعت الرؤية هندسة جديدة لتعلم اللغات والتدريس بها، مع الحرص تكييف الإيقاعات الدراسية، وإعطاء الامتحانات وتقييم التعلمات والتكوينات موقعا متميزا في المنظومة التربوية و التكوينية، مع التأكيد على تجديد وظائف وأدوار التوجيه التربوي والإرشاد الجامعي. وفي نفس السياق أكدت الرؤية على مجانية التعليم الإلزامي من أجل ألا يكون عوز الأسر عائقا اقتصاديا أمام تمدرس أبنائها.
وبخصوص التعليم الجامعي والتكوين المهني ، نصت الرؤية الإستراتيجية، من جهة ، على ضرورة النهوض بالبحث العلمي والتقني والابتكار من خلال الرفع التدريجي من نسبة الناتج الداخلي الخام المخصصة لتمويل البحث العلمي، لكي ترقى إلى نسبة 1% في المدى القريب، و 1,5 % في 2025 ، و 2 % سنة 2030 . ومن جهة أخرى ، الحرص على ملاءمة التعلمات والتكوينات مع حاجات البلاد ومهن المستقبل، والتمكين من الاندماج في النسيج الاقتصادي وسوق الشغل.
الرؤية الإستراتيجية : التغيير والتجديد في ظل الإستمرارية
عند الوقوف عند رافعات الرؤية الإستراتيجية التي أعدها المجلس الأعلى للتربية و التكوين والبحث العلمي، يتضح أنها حاولت الإجابة على الإشكاليات الأساسية والكبرى المتعلقة بمنظومة التربية و التكوين والبحث العلمي ( الإنصاف، الجودة، الحكامة…) بمنطق جديد وبمعالجة تطبعها الواقعية و الجرأة في التفكير والتدرج والمرونة في التنفيذ، حيث أنها قاربت المعضلات التربوية الكبرى في أبعادها الإستراتيجية ومستوياتها المتعددة. وهذا ما يظهر جليا من خلال المقتضيات والمستلزمات الواردة في رافعاتها الثلاثة والعشرون .
وفي هذا السياق ، لا يمكن اعتبار الرؤية الإستراتيجية في العمق قطيعة مع الإصلاحات التربوية السابقة وعلى رأسها "الميثاق الوطني للتربية والتكوين بوصفه لايزال يمثل الإطار المرجعي للإصلاح، مع ما يقتضيه من ملاءمات وتطوير،" بل هي امتداد له وإعادة إحياء لمجموعة من مقتضياته مع ما تتطلبه بعض مقتضياته من ملائمة ومراجعة وتنقيح استجابة للمستجدات والتغييرات الطارئة.
كما أنها تندرج في إطار استمرارية الإصلاح التربوي، تجسيدا لنهج التراكم والبناء على المكتسبات ، على اعتبار أن عملية الإصلاح التربوي تندرج في إطار سيرورة متجددة و ممتدة في الزمن.
إضافة إلى ذلك، فإن الرؤية الإستراتيجية تقوم على ترصيد ما تحقق من منجزات ونتائج، مع إعمال في نفس الوقت منطق التجديد والتغيير عبر "توطيد المكتسبات وتطويرها، وإحداث القطائع الضرورية وابتكار حلول جديدة بمقاربة للتغيير، قوامها الحسم في الإشكاليات العرضانية العالقة، والمزاوجة بين الطموح والواقعية، وبين تحديد الأولويات والتدرج في التنفيذ".
ما الجديد التي أتت به الرؤية الإستراتيجية لإصلاح المدرسة المغربية ؟
تسعى الرؤية الإستراتيجية إلى إرساء مدرسة مغربية جديدة تهدف إلى تحقيق مجموعة من الوظائف والأدوارالأساسية أبرزها : التنشئة الاجتماعية والتربية على القيم في بعديها الوطني والكوني، والتعليم والتعلم والتثقيف، وكذا التكوين والتأطير والبحث والابتكار والتأهيل، وتيسير الاندماج الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
وفي هذا الصدد، تضمنت الرؤية الإستراتيجية مجموعة من المستجدات التي يمكن رصدها على عدة مستويات: إن على مستوى المبادئ والمرتكزات ، أو على مستوى المدخلات والعمليات والمخرجات أو على مستوى الأهداف والمرامي الإستراتيجية لمنظومة التربية و التكوين.
على مستوى المبادئ والمرتكزات
تستند الرؤية الإستراتيجية إلى جملة من المبادئ والمرتكزات على رأسها :
– استهداف المكونات الأساسية للإصلاح من خلال "اعتبار الفصل الدراسي النواة الأساس للإصلاح، بإعطاء الأولوية للمتعلم والمدرس والتعلمات والفاعل التربوي وظروف التمدرس. وبتمكين مؤسسات التربية والتكوين ومجموعتها التربوية من الإمكانات الضرورية للاضطلاع بمهامها، وبإعادة بناء علاقة تربوية جديدة بين المتعلم والمدرس، وبينهما وبين فضاءات التعلم؛"
– الرهان على المدرسة التي يجب ان توجد في صلب المشروع المجتمعي لبلادنا،" اعتبارا للأدوار التي عليها النهوض بها في تكوين مواطنات ومواطني الغد، وفي تحقيق أهداف التنمية البشرية والمستدامة، وضمان الحق في التربية للجميع."
– تحديد مرتكزات التغيير المنشود عبر مدرسة جديدة قوامها :الإنصاف وتكافؤ الفرص؛الجودة؛ الاندماج الفردي والارتقاء المجتمعي.
على مستوى مدخلات وعمليات ومخرجات منظومة التربية و التكوين
– على صعيد المدخلات :
أوصت الرؤية الإستراتيجية بمجموعة من الإجراءات المفصلية ولا سيما : إعادة النظر في التكوين الأساس والمستمر للمدرسين والأطر الإدارية، إصلاح المناهج والبرامج، تحسين العرض المدرسي من خلال توفير جودة الفضاءات المدرسية والجامعية وتوفيرالتجهيزات والوسائل الديداكتيكية الضرورية ، توفير بيئة تربوية سليمة بمؤسسات التربية والتكوين تشمل الصحة والسلامة و الأمن…
– على صعيد العمليات :
استهداف الفصل الدراسي من خلال التركيز على العملية التعليمية التعلمية وعبر إعمال المقاربات الطرائق والأساليب التربوية الملائمة والمتجددة ، تحسين جودة الحياة المدرسية والجامعية ،ترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة في التدبير التربوي و الإداري والمالي ….
– على صعيد المخرجات :
تحقيق الأهداف والمرامي والغايات التربوية المنشودة، الحرص على امتلاك المتعلمات والمتعلمين الكفايات المرجوة، العمل على تمكين الخريجين من النجاح في الحياة والإندماج في النسيج الاقتصادي وسوق الشغل…
على مستوى الأهداف والمرامي الإستراتيجية لمنظومة التربية و التكوين
سطرت الرؤية مجموعة من الأهداف الإستراتيجية الجديدة وعلى رأسها:
– الانتقال بالتربية والتكوين والبحث العلمي، من منطق التلقين والشحن والإلقاء السلبي أحادي الجانب، إلى منطق التعلم والتعلم الذاتي، والتفاعل الخلاق بين المتعلم والمدرس، في إطار عملية تربوية قوامها التشبع بالمواطنة الفعالة، واكتساب اللغات والمعارف والكفايات والقيم، فردية وجماعية وكونية، وتنمية الحس النقدي وروح المبادرة، ورفع تحدي الفجوة الرقمية؛
– تمكين المتعلمات والمتعلمين من التحقيق المتدرج للموا صفات المستهدفة في كل مستوى دراسي وتكويني، طبقا لما ينص عليه الميثاق في دعامته الرابعة، مع ملاءمة هذه الموا صفات مع رافعات التغيير لهذه الر ؤية؛
– الارتقاء بالمجتمع المغربي من مجتمع مستهلك للمعرفة، إلى مجتمع لنشر المعرفة إونتاجها، عبر تطوير البحث العلمي والتقني والابتكار، في مجالات العلوم البحتة والتطبيقية، والتكنولوجيات الحديثة، وفي مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية، والفنون والأداب؛
– الإ سهام في تعزيز تموقع المغرب في مجتمع المعرفة وفي مصاف البلدان الصاعدة.
وإجمالا، وعلى الرغم من أن الرؤية الإستراتيجية لإصلاح المدرسة المغربية تحدد الإتجاهات العامة لمدرسة المستقبل وتركز على الخيارات والتوجهات الأساسية لمنظومة التربية و التكوين والبحث العلمي، وتشكل بهذا، الأساس النظري الذي يؤطر عملية وضع الإستراتيجيات والخطط الإجرائية، يبقى السؤال الجوهري المطروح هو كيف يمكن تحويل رافعاتها إلى خطط استراتيجية قطاعية؟ أو بعبارة أخرى، ما هي السبل الكفيلة بترجمتها إلى خطط استراتيجية وزارية تشكل العمق التنفيذي للسياسات العمومية وتقترح الحلول والبدائل الممكنة من خلال وضع خارطة طريق تحدد الرؤى والرسالة و الأهداف والمرامي الإستراتيجية لمدرسة المستقبل. ثم ما هي الشروط الضرورية و الضمانات المتوفرة والإمكانات المتاحة أمام تنزيل الرؤية الإستراتيجية من أجل عدم تكرار إخفاقات وتعثرات الإصلاحات التربوية السابقة؟
عبد الغفور العلام
مختص في التخطيط التربوي
الرؤية الإستراتيجية لإصلاح المدرسة المغربية :استمراية أم قطيعة؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.