بعض المرات لا أجد ما افعله فأخرج في نزهة في مدينتي، لا أقصد البولفار، ولا الكورنيش، ولا منتزه الرميلات، أو أشقار أو "لمنار" ....دائما تكون الوجهة الاحياء الشعبية والعشوائية وهوامش طنجة، حي بن ديبان وبير الشفاء، وحومة صدام، والعوامة وحومة الحداد، وحومة الشوك، ومسنانة ...الخ، هوامش طنجة مترامية الاطراف، كل حي يعود تاريخه الى سنوات محددة، تبدأ من نهاية الستينات وبداية السبعينات، وتنتهي بعقد التسعينات، وكل حي عشوائي دشنته قبيلة معينة من من قبائل جبالة، وفي السنوات الاخيرة سكنها بعض اهل الريف وكثير من الوافدين على طنجة للعمل في شركاتها الكثيرة.....لهذا لا أستغرب اذا سمعت اللهجة الجبلية أو الريفية، او السوسية، أو امازيغية الاطلس، او لهجة دكالة وعبدة والقصر الكبير، والمغرب الشرقي...الخ ...الهدف من التجوال بين دروب العشوائيات هو سبر أغوارها واكتشاف نمط عيش سكانها، هم بشر مثلنا طبعا في غالبيتهم، وتمثلاتنا عنهم في معظمها خاطئة، نعم توجد بعض معالم البداوة كما توجد الحداثة، يوجد الانحراف والصعلكة كما يوجد الانضباط الاخلاقي والتفوق الدراسي، التيار الديني الغالب في هذه الاحياء هو التيار السلفي ظاهريا، لكن لباقي الحركات الاسلامية وجود خفي لا تدركه العين ، الكثافة السكانية هي السمة البارزة لهذه الاحياء، وكذلك الاعمار المختلفة حاضرة بقوة وبشكل متوازن، تجد الدار الواحدة يسكنها الجد والابن والخفيد، كما تجد الدار ذات الطوابق التي لا تتعدى مساحتها 50 مترا او أقل تسكنها أكثر من أسرة، كما أن النشاط التجاري منتعش في اسواقها العشوائية بين الدروب، حتى قيل " حانوت ف حومة الشوك أفضل من قيسارية ف شارع مكسيك" الفتوة والشباب ظاهران للعيان، كما جمال نسائها وملاحتهن واناقتهن، لي أصدقاء في تلك الاحياء، وهو يؤدون ضريبة تهمة لم يرتكبوها، لي صديق موظف في إدارة مهمة ينتمي الى حي بن ديبان، اشتكى لي من النظرة السيئة لا بناء حيه من بعض سكان طنجة....لماذا ؟؟؟ مع العلم ان هذا الصديق قمة في الاخلاق والأدب والديبلوماسية . الاحياء الهامشية العشوائية خليط من السلبي والإيجابي، لكن تبقى الفوضى المعمارية هي النقطة السوداء في هذه الهوامش، ولا سبيل لإصلاحها إلا هدمها رغم صعوبة هذا الحل وتكلفته العالية..... لكن تبقى الجولة في الهوامش والعشوائيات في نظري أنا ابن الحي العصري مُتعة لا نظير لها، هي فرصة للتقرب من الأخر والتعرف عليه، بدل التقوقع في منطقة محدودة المعالم، أو التجول في اماكن يغلب عليها الكذب وتقمص الحداثة والعصرنة.