بين قرى كانت خارج الخريطة، ومدن نفضت عن اطرافها غبار الهشاشة، ترسم جهة طنجةتطوانالحسيمة اليوم ملامح عقدين من التحولات الاجتماعية والمجالية، بفضل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي يحتفل المغرب بذكراها العشرين، منذ اطلاقها من قبل الملك محمد السادس في 18 ماي 2005. وقد مكنت هذه المبادرة من تنزيل برامج متقدمة في مجالات الصحة، والتعليم الأولي، والبنيات التحتية القروية، والإدماج الاقتصادي، والتمكين الاجتماعي للفئات الهشة، بميزانيات فاقت 2.3 مليار درهم منذ 2019 فقط، وبلغ عدد المشاريع المنجزة على صعيد الجهة ما مجموعه 5376 مشروعا. في المجال الصحي، ساهمت المبادرة في إحداث وحدات متنقلة للصحة الإنجابية وتجويد خدمات المراكز الصحية الجهوية والاقليمية، خاصة في المناطق الجبلية. وفي اقليمتطوان وحده، تم تنفيذ 1081 مشروعا صحيا، منها 43 مشروعا خلال سنة 2024 بكلفة ناهزت 32.86 مليون درهم، توزعت بين تاهيل بنيات وتجهيزات وتجريب خدمات طبية جديدة موجهة للساكنة القروية. اما في قطاع التعليم الاولي، فقد ركزت المبادرة على فتح فصول تعليم أولي بجماعات قروية نائية، خصوصا في وزانوالحسيمة، حيث ساهمت في الرفع من نسب التمدرس في صفوف الاطفال، وانقاذ عدد من الجماعات من نسب هدر مدرسي مرتفعة كانت تسجل قبل 2010. وشهدت البنيات التحتية القروية دفعة نوعية، خاصة فيما يتعلق بالطرق والممرات والمسالك. ووفق ارقام رسمية، فقد تقلصت المسافة المتوسطة التي تفصل الأسر القروية عن اقرب طريق معبدة من 4.3 كيلومترات سنة 2014 الى 2.3 كيلومترات بحلول سنة 2024، كما بلغت نسبة انجاز مشاريع الطرق في اطار المبادرة حوالي 97 بالمئة في مختلف اقاليم الجهة. وفي سياق الادماج الاقتصادي، تم توجيه جزء مهم من ميزانية المرحلة الثالثة نحو دعم التعاونيات والمقاولين الذاتيين، خصوصا الشباب والنساء في وضعية هشاشة. وبحسب المعطيات الرسمية، فقد خصصت اكثر من 2.06 مليار درهم من مجموع الاستثمارات لدعم هذا المحور، شملت تمويل مشاريع مدرة للدخل، وتوفير فضاءات مهنية ومواكبة تسويقية لفائدة المبادرات المحلية. وشملت التدخلات ايضا الفئات الهشة، حيث انجز اكثر من 490 مشروعا استهدف مراكز ايواء، وخلايا استقبال، ومواكبة الاطفال المتخلى عنهم والنساء في وضعية صعبة، اضافة الى برامج لمواجهة الادمان والتشرد الحضري، خاصة في طنجةوتطوان والمضيق. من جهة اخرى، سجلت جهة طنجةتطوانالحسيمة تقدما في مؤشرات الولوج الى الخدمات الاساسية، اذ ارتفعت نسبة الربط بالكهرباء الى 97.4 بالمئة مقابل 93.5 بالمئة سنة 2014، وتحسنت نسبة الولوج الى الماء الصالح للشرب من 63.9 بالمئة الى 75.7 بالمئة في نفس الفترة، بحسب احصائيات رسمية. وتتوزع المشاريع المنجزة في الجهة بشكل متفاوت، حيث تتصدر شفشاون الحصيلة ب1023 مشروعا، تليها طنجةاصيلة ب1008، ثم وزان ب726، والحسيمة ب634، بينما سجلت الفحص انجرة ادنى حصة ب311 مشروعا. وتعكس هذه الارقام نماذج فقط من تدخلات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بجهة طنجةتطوانالحسيمة، دون ان تختزل حجم الاوراش المفتوحة ولا كثافة الانجازات التي شملت مختلف الاقاليم والمجالات. فعلى امتداد عشرين سنة، ظل هذا الورش الملكي يسير بوتيرة متصاعدة، موفرا اليات الدعم والتمكين لالاف المستفيدين، ومعيدا تشكيل المشهد التنموي في واحدة من اكثر جهات المملكة دينامية. وبين رصيد المشاريع المنجزة، والتحولات الملموسة في مؤشرات العيش الكريم، ترسخ المبادرة الوطنية للتنمية البشرية حضورها كرافعة اساسية للتنمية المجالية والاجتماعية، وتواصل اليوم تقدمها بخطى ثابتة نحو تعميق الاثر وتعزيز الاستدامة.