عادت بعض محاولات الهجرة الفردية الى الواجهة على امتداد السواحل الشمالية للمملكة، مستغلة تحسن الاحوال الجوية وارتفاع درجات الحرارة خلال الايام الاخيرة، وهي ظروف غالبا ما تشجع تحركات موسمية معزولة نحو مدينة سبتةالمحتلة عبر البحر. لكن، وعلى عكس ما قد توحي به صور انتقائية تتداول من الضفة المقابلة، فان واقع الميدان يظهر استمرار الغلبة العملياتية للمغرب، الذي نجح بفضل يقظته البحرية في الحد من فعالية اغلب هذه المحاولات، بل في احباطها وهي لا تزال في مهدها. وتفيد مصادر ميدانية بان وحدات البحرية الملكية قامت خلال الساعات الماضية بعدد من التدخلات الوقائية على مسافات بعيدة نسبيا عن الشريط الساحلي، وهو ما حال دون اقتراب العشرات من المهاجرين من النقاط الحدودية المعروفة. وقد أدت هذه الجاهزية المتواصلة بشكل تلقائي الى تغير في سلوك المهاجرين، الذين صاروا يتفادون المسارات الكلاسيكية المحاذية لمعبر تاراخال، ويلجؤون الى الانطلاق من مسافات اطول، في محاولة لتفادي طوق المراقبة المغربية. الا ان هذه المحاولات، كما تشير المعطيات، لا تفضي الا الى مزيد من الانهاك دون الوصول الى الهدف، في ظل استباق بحري مغربي يقطع الطريق قبل ان تتشكل اي بؤرة ضغط. وفي الوقت الذي تكثف فيه بعض الاجهزة الامنية في سبتة الدوريات وتفعل آليات الرد على الارض، يراهن المغرب على ادارة المشهد من منبعه، عبر مقاربة ميدانية صامتة، لا تقوم على الاستعراض الاعلامي، بل على تثبيت الفعالية في الميدان. ويرى مراقبون ان التحكم المغربي في المعابر البحرية لا يقتصر على منع الوصول فحسب، بل يمتد الى اعادة توجيه الواقع، عبر تقليص جاذبية هذا المسار، ودفع شبكات التهريب الى التخبط في خيارات اقل امانا واعلى كلفة، ما يضرب في العمق اي منطق تنظيمي وراء هذه التحركات. وتظهر التجربة المغربية في تدبير ملفات الهجرة غير النظامية ان من يتحكم في الارض هو من يحدد ايقاع الاحداث، لا من ينشغل باجراءات لاحقة لما يفترض انه فلت من المراقبة. وفي هذا الاطار، يقرأ الهدوء المغربي في مواجهة موجات العبور كرسالة سيادية ضمنية مفادها ان ضبط المجال لا يحتاج الى ردود ولا الى تبرير، بل الى حضور راسخ وقدرة على التحكم. هذا التحكم لا يتجلى فقط في الاعتراض البحري، بل في التحكم في المعطى البشري نفسه، عبر مبادرات اجتماعية وتنموية تستهدف الفئات المعنية، وتقدم بدائل للاندماج بدل الارتماء في المجهول. وفي المقابل، تحاول بعض الجهات الاعلامية في الضفة الشمالية اضفاء طابع استثنائي على حالات معزولة، وتصويرها كازمة او اختراق، بينما تتغافل عن كون الغالبية الساحقة من تلك المحاولات لا تبلغ حتى النقاط الحرجة. ويعتبر هذا التضخيم، بحسب عدد من المتابعين، شكلا من اشكال التعويض الرمزي عن غياب تحكم فعلي في السياق. فمن الواضح ان معادلة ضبط الهجرة لم تعد تقاس بعدد من تم اعتراضهم عند السياج، بل بمدى القدرة على تجنيب الميدان تلك الحالات اصلا. وفي هذا الميزان، لا يبدو ان الجهة المقابلة تملك اكثر من ردة فعل محدودة على واقع تعيد تشكيله الرباط بحنكة وصمت.