في زاوية مكشوفة من حديقة عمومية بمدينة طنجة، يتحلق عدد من الاشخاص في وضعية الشارع حول فوهة إسمنتية، منشغلين بتحضير جرعات مخدرة في وضح النهار. لا يلتفت هؤلاء لحركة السير الدؤوبة بمحاذاتهم، وقد بدت عليهم علامات الإنهاك الجسدي والنفسي، مشكلين مشهداً صادماً لمرتادي هذا الفضاء العام. ويعكس هذا التجمع الصغير ظاهرة أوسع تثير قلقا متناميا بين السكان، تتعلق باحتلال الفضاءات العمومية من قبل أشخاص في وضعية صعبة يمارسون الإدمان بشكل علني. غير أن الصورة تتجاوز مجرد "انحراف سلوكي" لتكشف عن أزمة اجتماعية مركبة تتداخل فيها الهشاشة بغياب المأوى. وتتدخل السلطات الأمنية بشكل دوري لتفريق هذه التجمعات، غير أن المقاربة الزجرية تصطدم بحدود القانون والواقع. وفي هذا الصدد، يؤكد مصدر أمني أن "العناصر الأمنية تقوم بين الفينة والأخرى بإحالة بعض أفراد هذه الفئة على المصالح الاجتماعية خلال حملات التوقيف، وينتهي دور الأمن عند هذا الحد". بيد أن هذه الإحالات غالبا ما تكون إجراء مؤقتا، إذ سرعان ما يعود هؤلاء إلى الشارع نتيجة غياب منظومة استقبال فعالة. وتظل حلقات الرعاية اللاحقة للتدخل الأمني الحلقة الأضعف في سلسلة المعالجة، مما يجعل جهود التطهير الظرفية عديمة الجدوى على المدى البعيد. ويرى الفاعل الجمعوي في مجال حماية الطفولة، إسماعيل العشيري، أن الخلل يكمن في غياب الرؤية الشمولية، موضحا أن "معالجة الظاهرة لا يمكن أن تعتمد فقط على التدخل الأمني، بل تحتاج إلى مسار اجتماعي متكامل يشمل الإيواء، والعلاج من الإدمان، والمواكبة النفسية، وإعادة الإدماج، وهي حلقات تعاني من نقص واضح في طنجة". ويواجه العمل الاجتماعي في المدينة تحديات هيكلية، تتمثل في ندرة المراكز المختصة في علاج الإدمان وإعادة التأهيل النفسي للمشردين البالغين، مما يترك الفضاء العام بديلاً وحيداً لهذه الفئة، ويحول الحدائق من متنفسات للساكنة إلى نقاط تجمع للمدمنين. تتزامن هذه المشاهد القاتمة مع انخراط طنجة في سباق مع الزمن لاستكمال تحضيراتها لاحتضان مباريات كأس إفريقيا للأمم بعد أيام. وفيما تكتسي الشوارع الرئيسية حلة جديدة وتتزين المعالم السياحية لاستقبال الزوار، تظل هذه المشاهد الهامشية تذكيرا صارخا بالفجوة بين واجهة المدينة اللامعة وواقعها الاجتماعي المعقد الذي لا يزال بانتظار حلول ناجعة.