موظفو المجلس الإقليمي بأزيلال يحتجون على "شطط" المدير العام للمصالح ويدعون إلى حوار عاجل    انتعاش نسبي في قطاعات الصناعة والبناء بالمغرب مع توقعات متباينة للفصل الثالث من 2025    الذهب يستقر قرب أعلى مستوياته وسط توقعات خفض الفائدة الأمريكية    29 قتيلا في غرق قارب بنيجيريا    المنتخب البرتغالي مرشح لمواجهة المكسيك في إعادة افتتاح ملعب "أزتيكا" (وسائل إعلام مكسيكية)    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس بالمغرب    مراكش.. احتجاجات بسبب "انهيار" شروط التمدرس بمؤسسة تعليمية بسعادة والجمعية المغربية لحقوق الإنسان تحمل المسؤولية للمديرية الإقليمية    الاستثمار الدولي... وضع صاف مدين ب 693,1 مليار درهم في 2024    الجديدة.. مطلب ملح لفتح شارع L وفك الخناق عن محاور حيوية بالمدينة    استعدادات تنظيم النسخة الرابعة من الملتقى الجهوي للمقاولة بالحسيمة    توديع "عزي أحمد" بمقبرة المجاهدين بأجدير وسط تعبير كبير للمغاربة عن الحزن والأسى    ترقب بناء وتجهيز داخلية لفائدة المتدربين بالمعهد المتخصص للتكنولوجيا التطبيقية بتارجيست        "ميتا" تطلق إصدارا جديدا من "إنستغرام" لأجهزة "آيباد"    "آبل" تتيح نموذجي ذكاء اصطناعي مجانا    لشبونة.. مصرع 15 شخصا وإصابة 20 آخرين إثر خروج عربة قطار سياحي عن مسارها    الدرك الملكي بأزلا يوقف مشتبها في سرقته لمحتويات سيارة إسعاف    رحيل "عيزي أحمد" يٌفجّر تسونامي من التعليقات وموجة حزن على المنصات الرقمية وعائلته تواريه الثرى بمقبرة المجاهدين بأجدير    القضاء يدين ابتسام لشكر بالسجن 30 شهرا بتهمة "الإساءة للدين"    "الأسود" يواصلون التحضير للقاء النيجر    ذكرى المولد النبوي .. نور محمد صلى الله عليه وسلم يُنير طريق الأمة في زمن العتمة    باحثة فرنسية تهاجم "لوموند" وتنتقد "أكاذيبها" حول الملك محمد السادس في رسالة لماكرون    بنسليمان.. انطلاق عملية انتقاء وإدماج مجندي التجريدة ال40 للخدمة العسكرية    تداولات بورصة البيضاء تتشح بالأخضر    "البام" يدعو إلى زيادة مقاعد النواب إلى 450 ولائحة وطنية للكفاءات            تحويلات الجالية المغربية تسجل رقما قياسيا ب119 مليار درهم سنة 2024    نتنياهو يصف رئيس وزراء بلجيكا "بالضعيف" عقب قرار الاعتراف بفلسطين    فيفا: سوق الانتقالات الصيفية يحطم رقماً قياسياً بأكثر من 9 مليارات دولار    دولة أوروبية تحظر بيع مشروبات الطاقة للأطفال دون 16 عاما    ميناء العرائش .. تراجع بنسبة 6 في المائة في مفرغات الصيد البحري مع متم يوليوز الماضي    جمعية ساحة الفنانين تطلق مخططها الاستعجالي لإنقاذ مايمكن إنقاذه    المهراوي يبدأ تجربة جديدة في روسيا    فرنسا تصدر مذكرة توقيف بحق بشار الأسد ومسؤولين سابقين لاتهامهم باستهداف صحفيين عام 2012    هدية غير متوقعة من عابر سبيل    عزل رئيسة جماعة بإقليم بنسليمان        ترامب يتهم الصين وكوريا الشمالية وروسيا بالتآمر ضد أمريكا        تصفيات مونديال 2026.. المنتخب المغربي يواصل تحضيراته بواقع حصتين في اليوم استعدادا لملاقاة النيجر    الألماني غوندوغان يلتحق بغلطة سراي    الرئيس الصيني: لا سلام عالمي دون اقتلاع جذور الحروب وبناء علاقات متوازنة    كيوسك الأربعاء | إطلاق 694 مشروعا جديدا لتعزيز خدمات الصرف الصحى    دراسة تكشف أهمية لقاح فيروس الجهاز التنفسي المخلوي لكبار السن    شرب كمية كافية من السوائل يساعد على تخفيف التوتر        تكهنات بانفصال لامين يامال عن نيكي نيكول بعد حذف الصور المشتركة    أمينوكس سعيد بالحفاوة الجماهيرية في مهرجان السويسي بالرباط    وجبات خفيفة بعد الرياضة تعزز تعافي العضلات.. الخيارات البسيطة أكثر فعالية    "الحر" يطلق جديده الفني "صرا لي صرا"    80 فنانًا من دول مختلفة يشاركون في المعرض الجماعي للفن التشكيلي بتطوان    اختصاصي في جراحة العظام يكشف فوائد المشي حافي القدمين        الإخوان المسلمون والحلم بالخلافة    الأوقاف تعلن موعد أداء مصاريف الحج للائحة الانتظار من 15 إلى 19 شتنبر    ليالي العام الهجري    جديد العلم في رحلة البحث عن الحق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تأسيس علم الاقتصاد
نشر في تطوان نيوز يوم 12 - 04 - 2013

تناولت أبحاث علماء الغرب الجانب الاجتماعي والتاريخي في مقدمة ابن خلدون، واعتبروه مؤسسا لعلم الاجتماع ولعلم التاريخ، ولم يظفر الجانب الاقتصادي من مؤلفه بما كان يستحقه من اهتمام.
كان ابن خلدون سباقا في ميدان علم الاقتصاد.
والواقع أنه كان صاحب المحاولة الجدية الأولى لتأسيس علم الاقتصاد، وأن كثيرا من آرائه يعد حتى اليوم تحفة رائعة في التفكير الاقتصادي السليم. ولا يقتصر الأمر على أنه لم يسبق إلى ملاحظة ظواهر اقتصادية معينة، بل إن قرونا وقرونا مضت من غير ان يبلغ الاقتصاديون اللاحقون مستوى تفكيره (فمثلا نراه في نظرية الإنتاج يبدي آراءه في تنظيم الحياة الاقتصادية، وأنها مبنية على تقسيم العمل والتضامن، وأن الإنتاج يسير من البسيط إلى المركب، ومن الضروري إلى الكمالي، مسترشدا بالطلب والأثمان).
وقد اهتم بالعمل من بين عناصر الإنتاج، وبين ما في الفلاحة من صفة فطرية، بخلاف الصنائع فهذه ملازمة للحضارة. وقد اعتبر ابن خلدون أن الخدمات منتجة، ففهم بذلك الإنتاج فهما أصح من فهم آدم سميث الذي قصر الصفة الإنتاجية على تلك الخدمات التي تترك وراءها إنتاجا ماديا ملموسا. (ودرس ابن خلدون ظاهرة التخصص في الصنائع، مبينا أثر المواهب الشخصية في التخصيص الفردي، وأثر عنصر الطلب في التخصص الإقليمي).
وفي نظرية القيمة أدرك ابن خلدون العوامل المؤثرة في القيمة من منفعة ونفقة إنتاج بأوسع معانيها. (وفي نظرية الأثمان أدرك ابن خلدون قانون العرض والطلب وتكوين الأسعار تبعا له. وقد اعترض ابن خلدون على النظم غير الطبيعية للأسعار: مثل فرض السلع فرضا، ونظام الاحتكار، وبين خضوع نظام الأجور للعرض والطلب) ونوه بثبات قيمة الذهب والفضة، وأنهما يتخذان لذلك أداة للمبادلة، وأداة للادخار، كما شرح صلة كمية النقود وتوزيعها بحالة العمران ورواج المعاملات.
(ولقد بين ابن خلدون أثر العوامل المعنوية عموما في العمران وخاصة أثر الحرية والعدالة في الرخاء، وأوضح أهمية ضرورة احترام شخصية الفرد ورعاية الحافز الشخصي، كما حمل على الظلم والإرهاق المالي).
ومن أهم ما تناوله في مؤلفه الكلام عن الترف واقتصادياته، وموضوع الترف من موضوعات الساعة التي يبحثها الاقتصاديون: ما أثر الترف على الإنتاج ؟ ما أثره على الاستهلاك؟ ما أثره على مالية الدولة ؟ وقد بين أثر تأصل الترف في المجتمع وما يؤدي إليه في النهاية من اختلال بالإنتاج والاستهلاك، وما يدفع إليه من الالتجاء إلى الطرق غير الطبيعية في المعاش. وبين كيف يصيب الترف الدولة في موضعين فاصلين، وهما: المال والعصبية، وكيف أنه عامل انحلال للعصبية وعامل تضخم في النفقات، وأنه في النهاية عامل حاسم في القضاء على قوة الدولة والحياة الاقتصادية فيها، بعد أن كان في أولها عامل قوة لها.
وله آراء واضحة في ضرورة توفر بيئة صالحة، لكي يبلغ العمران أحسنه من حيث الوسط السياسي والأمن والنظام.
ولقد كان بحق أستاذ المدرسة التاريخية الحديثة – ومن قبل هيجل Hegel ومن قبل ماركس Marx، ثم قبل فيكوVico. كان أول من أظهر أن التاريخ يسير في سياق معلوم، وفي شكل حلقات، وأن من أهم العوامل في ذلك التطور العامل الاقتصادي – فهو أستاذ مدرسة تفسير التاريخ تفسيرا اقتصاديا. ولقد حلل سياق التاريخ، ووضح كيف تسير المجتمعات من البداوة إلى العمران، إلى استحكام العمران أو الحضارة، ومن النمو إلى الوقوف، ثم إلى التراجع أو الهرم. وأيد ابن خلدون أثر العامل الاقتصادي في ذلك كله. فالترف بدلالته الاقتصادية خاصة عامل انحلال حاسم في تطور المجتمعات (ولكن ابن خلدون لا يفرد العامل الاقتصادي بتفسير التاريخ، فهناك العامل السياسي، والعامل الطبيعي، والعامل الديني).
وكان يرى أن الإنسان يدفع ثمنا للترف، هو خضوعه للقهر وفقدانه لحرية البداوة – فإما حرية مع خشونة البداوة، وإما أسر مع نعومة الترف، وكان يرى كما يرى باريتو Pareto "ان التنظيم الاجتماعي يبدأ مع رخاء، ولكنه ينتهي إلى انحلال وانتقاض" فاستفحال الحضارة مؤذن بانقراضها.
وليس معنى هذا أن ابن خلدون لم يكن له أمل في إصلاح حال الأمة، فهو يرى أن بعد الهرم تجددا في شباب المصر، وأن بعد انتقاض الحضارة الأولى حضارة مستأنفة، وأن بعد انهزام الدولة قيام دولة جديدة قوية. وكان ابن خلدون، يهيب بقومه : إن بعد العسر يسرا، بعد ملاحظته لسبعة قرون من التمدن الإسلامي، وأنه إذا كان قد لحق الأمة الهرم فما ذلك إلا سنة الطبيعة، وان بعد الهرم تجددا في القوى فلا معنى للقنوط ولا اليأس، وقد ألف مقدمته في زمن "كأنما نادى لسان الكون في العالم بالخمول وبالانقباض" فالعمران العربي في الأندلس كان يتراجع تحت ضغط الإسبان، لذلك رأينا ابن خلدون يسهب في بيان أسباب الانحلال، وأسباب الازدهار، لعل الأمة العربية تدرك ما هي عليه من الانحلال والضعف، وتتعاون على ما فيه استئناف نشاطها واسترداد قوتها، وأن أول ما يجب أن تفهمه هو أن هرمها ليس هرما دائما، فما من هرم في الأمم يدوم، إنما هو هرم "حتمي جلبه استفحال الحضارة، وأنه لابد من زواله، وتتجدد الدولة وتتجدد الحضارة، بعد فترة من الخمول هي فترة استجمام، وتنصل من أدران الترف، وتسوية للمظالم، وتقديم لما أعوج من الأمر.
لم يقل ابن خلدون بأن لابد أن نلقي بالحضارة جانبا، ونعود إلى البداوة، وإنما أشار ضمنا إلى وجوب إحاطة سير الحضارة بالعلاج السياسي، والعلاج الأخلاقي. فالعلاج السياسي يشمل العدالة والرفق المالي والأمن، والعلاج الأخلاقي يرمي إلى وضع حاجات الإنسان على أساس سليم أي صقل الطلب أو تهذيب الاختيار والاستهلاك.
فالإصلاح السياسي والإصلاح الأخلاقي يجب أن يصحبا الإصلاح الاقتصادي، وهذا ما يبدو أنه المغزى الأخير لكتابة ابن خلدون.
والعمران البشري يتهدده عاملان، الأول دواعي الترف وما يؤدى إليه من اختلال مالي، والآخر هو الفوضى السياسية وما يلازمها من إرهاق مالي، وهو في الحكم.
أما حيث يتحقق للعمران العدل السياسي والتقويم الأخلاقي فإننا نكون وقتئذ أمام مجتمع فاضل إذا ألقيت فيه حبة الخير أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء.
والله الموفق
12/10/2012


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.