مظاهرة حاشدة في مدريد لدعم رئيس الوزراء وحثه على البقاء    بدء أشغال المؤتمر السادس للبرلمان العربي بمشاركة المغرب بالقاهرة    منتوج العسل المغربي يطرق أبواب السوق الأوروبية    گاريدو مدرب اتحاد العاصمة: جينا نربحو بركان ونتأهلو للفينال ونديو الكاس    أمن طنجة يجهض مخطط لإغراق المدينة بالمخدرات والحبوب المهلوسة    توقعات أحوال الطقس غدا الأحد    هذا تاريخ عيد الأضحى لهذه السنة بالمملكة    رحلة الجاز بطنجة .. عودة للجذور الإفريقية واندماج مع موسيقى كناوة    فرنسا تعلن استعدادها تمويل خط كهرباء يربط الدار البيضاء بالداخلة    جلالة الملك يهنئ رئيس جمهورية الطوغو بمناسبة العيد الوطني لبلاده    بعد "بلوكاج" دام لساعات.. الاستقلال ينتخب فجر السبت لجنة ثلاثية لرئاسة مؤتمره    بلغت تذاكره 1500 درهم.. حفل مراون خوري بالبيضاء يتحول إلى فوضى عارمة    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون أخذ تصريح وآثم من فعل ذلك    تقنيات أوروبية متطورة تحاول إقناع مهنيي القطاعات الفلاحية في المغرب    مجلس الأمن .. حركة عدم الانحياز تشيد بجهود جلالة الملك لفائدة القضية الفلسطينية    مدير الثانوية اللي حصل ففي يو كيتحرش بتلميذة قاصر "هرب".. والنيابة العامة دارت عليه مذكرة بحث وسدات عليه الحدود    ارتفاع عدد شهداء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و388 شهيدا منذ بدء الحرب    الخارجية البريطانية: ملتازمين بتعزيز وحماية حقوق الإنسان فالصحرا وكنشجعو الأطراف باش يواصلوا جهودهم فهاد الصدد    الرباط: اختتام فعاليات "ليالي الفيلم السعودي"    المغرب يواجه واحدا من أكثر المواسم الفلاحية كارثية في تاريخه    ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء بالمغرب    مؤتمر الاستقلال يمرر تعديلات النظام الأساسي ويتجنب "تصدع" انتخاب القيادة    بنتايك ضمن التشكيلة المثالية للجولة ال34 من دوري الدرجة الثانية الفرنسي    تفاصيل وكواليس عمل فني بين لمجرد وعمور    الدكيك يكشف ل"الأيام24″ الحالة الصحية ليوسف جواد وإمكانية مشاركته بكأس العالم    تواصل حراك التضامن مع الشعب الفلسطيني في المغرب.. مظاهرات في 56 مدينة دعما لغزة    قناة عبرية: استقالة رئيس الأركان الإسرائيلي قريبا وجميع الضباط المسؤولين عن كارثة 7 أكتوبر سيعودون إلى ديارهم    زلزال بقوة 6.1 درجات يضرب هذه الدولة    مجلس أمناء الاتحاد العربي للثقافة الرياضية يجتمع بالدوحة لمناقشة خطة 2025    فرنسا مستعدة ل"تمويل البنية التحتية" لنقل الطاقة النظيفة من الصحراء إلى الدار البيضاء    "التكوين الأساس للمدرس ورهان المهننة" محور ندوة دولية بالداخلة    السعيدية.. افتتاح النسخة الثامنة من تظاهرة "أوريونتا منتجعات السعيدية – حكايات فنية"    خمسة فرق تشعل الصراع على بطاقة الصعود الثانية وأولمبيك خريبكة يهدد حلم "الكوديم"    سيناريوهات الكاف الثلاث لتنظيم كأس إفريقيا 2025 بالمغرب!    مغني راب إيراني يواجه حكماً بالإعدام وسط إدانات واسعة        زفاف العائلات الكبيرة.. زواج ابنة أخنوش من نجل الملياردير الصفريوي    هجوم روسي استهدف السكك بأوكرانيا لتعطيل الإمدادات د مريكان    سامسونغ تزيح آبل عن عرش صناعة الهواتف و شاومي تتقدم إلى المركز الثالث    حريق كبير قرب مستودع لقارورات غاز البوتان يستنفر سلطات طنجة    تطوير مبادرة "المثمر" ل6 نماذج تجريبية يَضمن مَكننة مستدامة لأنشطة فلاحين    الأكاديمية تغوص في الهندسة العمرانية المغربية الإسبانية عبر "قصر الحمراء"    زلزال بقوة 6 درجات يضرب دولة جديدة    ممثل تركي مشهور شرا مدرسة وريبها.. نتاقم من المعلمين لي كانو كيضربوه ملي كان صغير    الرابطة الرياضية البيضاوية يؤكد ان الوحدة الترابية قضيتنا الاولى    جمارك الجزائر تجهل قانون الجمارك    اكتشف أضرار الإفراط في تناول البطيخ    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    تتويج 9 صحفيين في النسخة الثامنة للجائزة الكبرى للصحافة الفلاحية والقروية    الأمثال العامية بتطوان... (583)    دراسة: التمارين منخفضة إلى متوسطة الشدة تحارب الاكتئاب    ‬غراسياس ‬بيدرو‮!‬    محمد عشاتي: سيرة فنان مغربي نسج لوحات مفعمة بالحلم وعطر الطفولة..    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    الأمثال العامية بتطوان... (582)    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد اللطيف أعمو: 8 خلاصات "مبدئية" بعد زلزال ثامن شتنبر
نشر في تيزبريس يوم 19 - 09 - 2023

يعقد مجلس جهة سوس ماسة يومه دورة استثنائية على إثر الزلزال الذي عرفته بلادنا ليلة الجمعة 8 شتنبر 2023، والذي شمل مناطق بعدد من جهات المملكة، وبالخصوص بجهة مراكش تانسيفت الحوز وبجهة بني ملال وبجهة سوس ماسة، وخلف خسائر بشرية ومادية كبيرة.
على مستوى جهة سوس ماسة، فالمنطقة التي تضررت بشكل كبير هي مناطق قروية جبلية أغلبها بتارودانت الشمالية تعاني الفقر والهشاشة. وأن الخسائر التي تعرضت لها المنطقة، هي بالخصوص إنسانية وبشرية واجتماعية، حيث فقدت عائلات أفرادها ومنازلها وممتلكاتها ومواشيها.
وربما المناسبة ليست لاستخلاص الدروس، ولكن، لا بأس من الوقوف عند بعض الخلاصات المبدئية التي أبان عنها زلزال الثامن من شتنبر:
الخلاصة الأولى: #حقائق_مجالية_وبشرية_صادمة :
لقد أفصحت الهزة الزلزالية، وعرت بشكل مفزع ومهول عن حقائق مجالية وبشرية صادمة، وأبانت عن هول الهوة التي تفصل مغربين: مغرب محظوظ ومغرب مهمش ومنسي ... ! واكتشفنا جهويا، واكتشف معنا العالم كله، بأن جهة سوس ماسة التي نعيش فيها لا يمكن اختزالها فقط في كورنيش أكادير، وليست فقط كليشيهات لشوارع كبرى مضاءة ليل نهار، وملاعب كرة القدم والكولف المعشوشبة، رغم أهميتها، ... بل هناك مرتفعات جبلية وعرة وجزء كبير منسي ومهمش.
جاء الزلزال، فاكتشفنا أسماء مناطق مثل: تيزي نتاست، أولوز، تاملوكت، تالكجونت، تافنكولت تيكوكة، تسراس، سيدي عبد الله وسعيد، أوزويوة، ... وغيرها. وهي تجمعات سكانية توجد خارج مسار قطار التنمية، فأدركنا أن خلف الجدران الطينية المنهارة كان يعيش الكثير من البسطاء، أدركنا ذلك متأخرين جدا.
فأدركنا متأخرين كذلك، بأن اِسْتِفَادَةُ مناطق جبال الأطلس (الكبير، والمتوسّط، والصّغير)، وجبال "الريف"، مِن مَجهودات «التنمية الاقتصادية»، المَبْذُولة من طرف الدولة، بَقِيَت هزيلة جدّا، أو شبه مُنْعَدِمَة.
رغم أن قائد البلاد، جلالة الملك، نبه إلى ذلك منذ مدة، فأقدم على إنزال إجراءات ذات طابع زجري، تحمل كثيرا من الرموز، عندما تدخل لإنصاف ساكنة الريف، وما تبع إنجاز مشروع "الحسيمة منارة المتوسط" من بطء. فأدرك مرة أخرى أن دار لقمان بقيت على حالها، في بقية المناطق الجبلية. مما جعله يبادر بقوة، إلى اتخاذ قرارات جريئة، دفاعا عن كرامة المغرب وسمعته ونخوته.
نحن اليوم نكتشف جماعات من أفقر الجماعات، ومن ضمنها جماعات معزولة، بدون طرق معبدة، والزلزال ساهم في تعقيد الأمور بشكل كبير.
لقد اكتشفنا بحرقة وألم شديدين الامتداد الجبلي والتركيبة السكانية والمجالية والتضاريس الصعبة لجهتنا:
فبإقليم تارودانت على سبيل المثال توجد 89 جماعة ترابية، وضمنها 83 جماعة قروية.
كما اكتشفنا التركيبة الجبلية للمراكز الرئيسية : فمثلا مركز تافنكولت، يحيط به ما يقارب 70 دوارا ، وهي دواوير فوق الجبال ، كما يحيط بمركز إيكيدي حوالي 120 دوارا. وكل دوار تسكنه قرابة 20 إلى 50 أسرة.
هذا الامتداد الجغرافي الكبير في جبال الاطلس الكبير بين اقليمي الحوز وتارودانت هو امتداد كبير، زاد من صعوبة الوضع وعقد من عمليات التدخل. والمنطقة جبلية وعرة والمجال القروي يتميز بصعوبة المسالك وبالمساحة المتضررة الشاسعة، التي ضربها الزلزال (فهي توازي مساحة بلجيكا وهولندا مجتمعتين).
وكلما اقتربنا من تيزي نتاست، تلكجونت، تونفيت ... إلا وارتفعت حدة الخسائر والأضرار البشرية والمادية.
لقد تغيرت المعالم المعمارية والتاريخية والمادية للمنطقة، كما تأثرت الذاكرة الجماعية، وفقدنا جزءا من ذاكرتنا ومن تراثنا.
فوجدت آلاف العائلات نفسها في العراء، وفي أقسى ظروف الحياة، بعضها افترش الأرصفة، والآخر حصل على خيم مؤقتة، إثر الزلزال المدمّر الذي دمر الحوز، وما حوله. وتحوّل أغلب سكان القرى والدواوير المتضررة، إلى لاجئين في مخيمات في الساحات المجاورة والقريبة من منازلهم المدمّرة.
الخلاصة الثانية: #أزمنة_عديدة_ومركبة_تحتاج_إلى_مقاربات_مختلفة:
إن زلزال الحوز بقدر ما كشف عن معاناة ما يسمى بالمغرب العميق، فقد عمّق جراح سكانه. فمنطقة تارودانت الشمالية، مثلها مثل منطقة الحوز، معروفة بهشاشتها الاجتماعية والاقتصادية وبهشاشة بنياتها العمرانية. وإذا أضفها إلى ذلك قساوة طقس المنطقة وقلة المياه الصالحة للشرب بسبب سنوات الجفاف ... فما بعد هذا الزلزال، سيستدعى حلولا عاجلة وآنية (خاصة فيما يتعلق بإيواء الساكنة المحلية المتضررة قبل دخول فصل الشتاء القارس)، وأخرى متوسطة وبعيدة المدى .
وأننا سنكون أمام أزمنة عديدة:
#الزمن الاول: هو زمن الاستعجال (البحث – الإنقاذ – الإسعاف – الإخلاء، ...) وزمن توفير الحاجيات للساكنة المنكوبة (الخيام- الاغطية- الحاجيات الاولية- التغذية...) بفضل التعبئة (الوقاية المدنية – السلطات المدنية والعسكرية – المجتمع المدني...)
وهو زمن مناسب لتقييم مدى استعدادنا لتدبير الكوارث ( الآليات الفعالة – التقنيات المفيدة – المعدات – اللوجيستيك – ...)
وفي مجال البحث والإنقاذ، يتعين تكوين مزيد من كوادر القيادة والتنسيق في زمن الأزمات (وخصوصا تكوين ضباط الاتصال، ...) وإشراك مراكز البحث الجامعية في إبراز معالم هذا التحدي، على المستوى الأكاديمي والتقني.
#الزمن الثاني: هو زمن التروي وإعادة البناء والإعمار، وتحقيق العدالة المجالية المنشودة.
ففي كل جائحة أو كارثة أو حدث استثنائي يلعب التنسيق دورا هاما، سواء على المستوى المركزي بين القطاعات الوزارية (وضع استراتيجيات وتوجهات كبرى) أو على المستوى الميداني والمحلي، والذي تلعب فيه الخبرة الميدانية والتجربة، التي تكون وليدة التكوين والتكوين المستمر والاحتكاك مع التجارب الدولية والعمل المشترك بين مختلف القطاعات والتكامل الجمعوي والمدني، دور أساسيا في خلق ديناميكية إيجابية ومحفزة وخلاقة.
وهو ما يعتبر ضمن صلاحيات المجلس الجهوي، يمارسها عن طريق هياكله بصفة دائمة.
وطيلة هذه الأزمنة كلها، لابد من المحافظة على استمرارية العمل وتثبيت وتيرته (الانضباط – التأطير – التنسيق المحكم – الحكامة – النجاعة – ...) خصوصا وأننا نعتقد بكثير من اليقين أن الأسوء لم يبدأ بعد، خاصة وأننا على مشارف فصل الشتاء. إضافة إلى ذلك، فالطبيعة تتغير، والحياة على الأرض تتغير، ولا بد من حلول استباقية ومستدامة لتفادى مثل هذه الكوارث مستقبلا.
الخلاصة الثالثة: #الهشاشة_والصمود
لقد تحركت الأرض، ومعها تحركت قلوب المغاربة. فبقدر ما اكتشفنا مذهولين علامات الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية والمجالية بجهتنا، بقدر ما اكتشفنا كذلك علامات القوة والتماسك ومظاهر الصمود والتلاحم. فبقدر ما اكتشف المغاربة جغرافية بلادهم، اكتشفوا في ذات الوقت المميزات الثقافية للسكان، من تنظيم ذاتي وإيثار وتعاون... "تيويزي " ... وقدرة على التدبير الذاتي للمخاطر.
فالمسيرة التضامنية الهائلة وحملة الدعم والمساندة التي عبر عنها المغاربة لصالح سكان القرى المنكوبة من خلال الوقوف في طوابير طويلة من أجل التبرع بالدم، أو من خلال المساهمة بشكل جماعي وتضامني في جمع التبرعات المادية، والتي خلفت صورها انطباعاً قوياً، يضعنا أمام حقيقة أن "المواطن للمواطن" كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، وأن المواطن المغربي إنسان عاطفي وصادق في التعبير عن مشاعره تجاه أخيه المواطن وبشكل عملي.
ومن مفاتيح نجاح تدبير الكارثة على المدى القصير والمتوسط والطويل، أنه في مواجهة كل مظاهر الهشاشة، هناك قوة الصمود والقابلية الكبيرة للتأقلم مع الوضع، لأن ساكنة الجبال متعودة على الاعتماد على الذات، والتنظيم الذاتي والتلاحم للصمود. وأنها تعرف جيدا بأن وراءها وبجانبها تقف الأمة المغربية.
مساعدات
فالقادم أصعب وأدق. ونخشى أنه بمجرد أن تتوارى الكاميرات وتخرج المناطق الجبلية المتضررة من زاوية الضوء، أن تعود هذه المناطق المنكوبة إلى سابق عهدها. فماذا سيكون مصير هذه المنطقة وأهاليها؟ وما العمل؟
والأمل معقود على الجيل الحالي من الشباب، وهو رهان كبير لبناء مغرب جديد تذوب فيه الفوارق المجالية، وينعم فيه الجميع بالكرامة، وتسود فيه روح المواطنة الحقة ويعلو فيه صوت القانون والعدالة الاجتماعية.
وعلينا أن نعتبر المواطن كفاعل أساسي ومحوري في تدبير الكارثة وفي تدبير الازمات، لا كمكون هامشي وثانوي في العملية، ونبذ كل مظاهر البيروقراطية التي تعطل عجلة التنمية.
فعلى مستوى ردود فعل القيادة الوطنية العليا، في مضمونها، هناك شعور بخيبة الأمل جراء ما وصلت إليه الأوضاع، فيما يخص اتساع الفوارق المجالية والاجتماعية وتوسع مظاهر الهشاشة والفقر.
الخلاصة الرابعة: #الصدمة_هي_أولا_فرصة_للتأهيل_وإعادة_البناء_المؤسساتي:
نتمنى صادقين أن تشكل هذه الكارثة الطبيعية فرصة لإعادة النظر في السياسات التنموية لجميع مناطق المغرب العميق. ولعلها فرصة للاهتمام بشكل أوفر بسكان هذه المناطق والالتفاتة لمعاناتهم وإيجاد حلول مستدامة لها. وبما أن المغرب بات مهددا بشكل أكبر بالزلازل، فهناك حاجة لضبط البناء في المناطق القروية والجبلية، وإلزام ساكنيها بالمعايير المرتبطة بالبناء المقاوم للزلازل.
وهنا لا بد من الإشارة إلى الإرادة السياسية الحقيقية كمحرك لكل الإرادات. فلدينا كمنتخبين وكفاعلين مساهمات في هذا المجال، لكنها للأسف لم تجد آذانا صاغية، فقد قدمنا منذ سنة 2009 مقترح قانون يتعلق بإحداث المجلس الوطني للمناطق الجبلية، وبقي حبيس الرفوف إلى يومنا هذا. وقدمنا العديد من المقترحات فيما يخص السياسات العمومية لمواجهة الفقر والهشاشة، خصوصا في العالم القروي... باعتبار أن هشاشة البنيات التحتية هو القاسم المشترك ، لكن، لا صوت لمن تنادي !
والأكيد اليوم هو أن زمن «الصَدَقَات المَوْسِمِيَة» المُوَزَّعَة على الفُقَرَاء والمُحْتَاجِين (في فصل الشِتَاء، أو أثناء كَارِثَة طَبِيعية اِسْتِثْنَائِيَة مثل الزِلْزَال) قد ولى.
وَأن معالجة الوضع والارتقاء إلى مُسْتَوَى مُعالجة مَشَاكِل سُكَّان المناطق المُهْمَلَة واحْتِيَاجَاتِهِم المُجْتَمَعِيَة الآنية والمستقبلية تحتاج إلى مقاربة شمولية ومندمجة، تحقق الكرامة، وتؤسس لبناء قواعدها، على مستوى التأهيل البشري والمجالي والاجتماعي، على قاعدة المساواة وتكافؤ الفرص بين كل المواطنين أينما وجدوا. وهناك حاجة إلى تنمية اِقْتصَادِيَة مُجْتَمَعِيَة شَامِلَة وَمُتَرَابِطَة، لِكَيْ يُصْبِحُ أهالي هذه المناطق المنكوبة قَادِرِين مستقبلا على الْاِعْتِمَاد على أنفسهم.
الخلاصة الخامسة: #احترام_خصوصيات_المنطقة_في_إعادة_الإعمار
هناك دعوة إلى إدخال المعايير المعاصرة في البناء والعمران والخروج من النمط العشوائي والتقليدي، ويرى آخرون أن الحَلُّ الوَحِيد هُو الدَّمْج بين مَزَايَا البناء بالتُرَاب، وَمَزَايَا البناء بِالْإِسْمَنْت والحَدِيد.
لكننا نرى أنه على مستوى جهة سوس ماسة، وبالنظر إلى مميزات وخصوصيات المنطقة المعمارية والبشرية، فمنطقة تارودانت المنكوبة مثلا تتميز بعناصر معمارية أساسية مرتبطة بكونها منطقة جبلية، تتميز بخصائص بحكم التضاريس والبنية الجغرافية والجيولوجية للمنطقة.
وساكنة المنطقة في طبيعتها مرتبطة عضويا بالجبل وبأنشطته الفلاحية المعيشية وبالرعي وبالسياحة الإيكولوجية. وهي عبارة عن تجمعات ومداشر ودواوير.
والدوار هو الوحدة الجغرافية والبشرية الاساسية وهو مكون للعمران المغربي الأصيل، ومصدر إلهام روحي لتقوية ذات الجماعة ولبناء شخصيتها المنفردة.
فلابد من احترام المعايير التقنية للاستدامة وللمتانة. ولدينا قوانين و تشريعات ترشدنا إلى المعايير المرتبطة بسلامة البناء المضاد للزلازل، مع اعتماد المواد الأولية المحلية، ولكن غالبا ما يتم تجاهلها ووضعها جانبا وإحلال أساليب ملتوية وغير ناجعة محلها.
ولدينا خبراء ومختصون مغاربة لديهم تجربة وممارسة ميدانية في هذا المجال وفي اختصاص تدبير المجال وإعداد التراب. ولابد من تثمين القدرات المحلية والجهوية بإعطاء الاولوية لمهنيي الجهة وللمقاولات المحلية في عمليات إعادة الإعمار وإشراك الهيئة المهنية والمدارس العليا للهندسة المعمارية في تصور مرحلة إعادة الإعمار.
فالمباني القديمة المبنية بالطين وبوسائل بسيطة، والتي كانت هشة أصلا ، هي التي تهالكت بشكل سريع، بسبب الهزة القوية التي أصابت البنيان.
والسبب راجع أصلا إلى الهشاشة الاجتماعية السائدة لدى أسر وساكنة المنطقة. والأكيد أننا بمعالجة الهشاشة الاجتماعية للمنطقة المنكوبة، سنكون مساهمين في معالجة الهشاشة المجالية.
ومن جملة ما فتئ جلالة الملك يذكر به، ما يتطلبه معالجة هاته الهشاشة من استحضار لعامل كرامة الإنسان المغربي واحترامها، حتى يكون الإنسان قادرا على نسج وإنتاج عوامل المقاومة والصمود والإبداع ورفض الحيف ونبذ الهشاشة.
وما فتئ صاحب الجلالة ينادي في مختلف خطبه وتوجيهاته إلى جعل كرامة الإنسان هي القاعدة الصلبة لانطلاق كل مشروع وكل برنامج تنموي.
لذلك، فالمقاربة التي نراها مجدية، لن تكون بالتأكيد تقنية محضة، بل يجب أن تكون مقاربة شمولية، تدمج الجوانب الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتاريخية والتراثية، وتدمج مواد البناء كعنصر مساهم في بناء الثروة المحلية، باعتبار إنتاج مواد البناء التقليدية والترويج لها وتجويدها وضمان متانتها، يمكن أن يولد سوقا جهوية ونشاطا ورواجا اقتصاديا هاما، ومن شأنه أن يخلق فرصا جديدة للبحث العلمي والتقني على مستوى الجهة.
كما أن إعادة إعمار مناطق الزلزال ستعطي دفعة إضافية لمستوى النمو في الجهة – إذا أحسننا توظيفها واستعمالها – حيث ستضخ أموالا هائلة في الاقتصاد الجهوي، من بناء وأشغال عمومية، وتجهيزات وغيرها.
والأكيد أنه بالإمكان تقوية وتجويد طرق البناء من جهة واعتماد الأساليب الإنشائية من جهة أخرى وذلك باعتماد المنظومات التقنية والقانونية الموجودة.
لقد تطورت أساليب وتقنيات ومواد وعمليات البناء في منطقتنا، مع مراعاة احترام مقتضيات البناء المضاد للزلازل والبناء الصلب، الذي يمكنه مقاومة التأثيرات المناخية، وغيرها... فالخصوصيات المحلية معروفة ومدروسة. وأهل الميدان أدرى بها. وهناك كذلك مزاوجة بين البناء الصلب الحديث وعناصر البناء والعمارة المحلية.
والكارثة التي شهدتها جهتنا منذ أسبوع، تحتم علينا، بشكل عام، إعادة النظر في مناهج المعمار والبناء في مناطقنا الجبلية. فالواقع يظهر تشتت المساكن وإقامة الدواوير والتجمعات السكنية في أماكن صعبة الولوج، والتي تكون مكلفة لربطها بشبكات الطرق والمياه والكهرباء والاتصالات، ولتزويدها بالتجهيزات والبنيات الأساسية، وتعيق إيصال الخدمة العمومية إلى كل المواطنين.
فتصاميم التهيئة لا يمكن أن تكون بنفس النمط في التجمعات الحضرية الكبرى وفي البوادي وفي المناطق الجبلية. وهنا لابد من مراعاة الخصوصيات المحلية والانصات للسكان.
وهو ما يحتم علينا، على مستوى إعداد التراب الوطني، إعادة النظر في مضمون وأشكال البناء في جبالنا، وفي طريقة تدبير مشاكل المناطق الجبلية ببلادنا، والتي تأوي ثلث (1/3) مجموع سكان الوطن، على مساحة إجمالية تساوي ربع (1/4) مساحة البلاد، بكثافة سكانية متوسطة تصل إلى 40 نسمة في الكيلومتر المربع، (تفوق المعدل الوطني العام)، وتضم أزيد من 700 جماعة قروية وحضرية، وتعتبر المصدر الأساسي للثروة المائية الوطنية، إذ تنطلق منها 45 مجرى مائيا، وتوجد بها 26 بحيرة. لكنها تعاني من تهميش مجحف وقاسي.
الخلاصةالسادسة: #ضرورة_الاهتمام_بالوضع_التعليمي_والتربوي
لقد سجلت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة وفاة سبعة أساتذة (أربعة أساتذة وثلاث أستاذات) ضمن ضحايا الهزة الأرضية التي ضربت إقليم الحوز والأقاليم المجاورة، وإصابة 39 من الأستاذات والأساتذة بإصابات متفاوتة، إضافة إلى تضرر 530 مؤسسة تعليمية و55 داخلية بدرجات متفاوتة تتراوح ما بين انهيار أو شقوق بالغة، وتتركز في أقاليم الحوز وشيشاوة وتارودانت.
وعلى مستوى جهة سوس ماسة، تم تسجيل وفاة 130 تلميذا وتلميذة و 4 أساتذة لقوا حتفهم إثر الزلزال الذي ضرب تارودانت.
وتقرر تعليق الدراسة في الجماعات القروية والدواوير الأكثر تضررا جراء الزلزال داخل أقاليم الحوز وشيشاوة وتارودانت (وعددها 42 جماعة موزعة بين هذه الأقاليم الثلاث، وذلك ابتداء من 11 شتنبر الجاري، واستمرارها في المناطق الأخرى.
ونحن مدعوون على مستوى المجلس الجهوي، وباستعجال لمضاعفة الجهود لتجاوز انعكاسات هذه الهزة الأرضية على المنظومة التربوية الجهوية وللمساعدة على إيجاد الصيغ التعليمية واللوجستيكية المحلية المناسبة لضمان الاستمرارية البيداغوجية للتلميذات والتلاميذ المعنيين، بتنسيق مع السلطات العمومية المختصة ومع الجماعات الترابية.
الخلاصة السابعة: #الرقمنة_ورهانات_التنمية_في_العالم_القروي
لقد ارتبطت صعوبة التواصل والوصول إلى المناطق النائية بصعوبة المسالك الطرقية، لكن كذلك، وبشكل كبير، بانعدام بدائل تواصلية، تعتمد وسائل التواصل الحديثة، بقصد تسهيل إيصال سبل الإغاثة وتقصي الأخبار بعين المكان.
ويتعين اليوم الاهتمام أكثر بإشكاليات الرقمنة في العالم القروي، من خلال "إبداع القرية الذكية"، على غرار "المدن الذكية" ، وذلك بالحرص الجاد والمسؤول على توفير (خدمات الهواتف عبر الاقمار الاصطناعية – توليد الكهرباء عبر نماذج وتقنيات مستقلة – اعتماد طرق حديثة لتصفية المياه – الطهي باعتماد الطاقات البديلة – إبداع نقط للاتصال سهلة الولوج لتدخل الطوارئ مستقبلا...)
الخلاصة الثامنة: #المغرب_سيخرج_قويا_من_هذه_التجربة. ف "رب ضارة نافعة" .. ولكن بأي ثمن؟
لا تزال المناطق التي أصابها زلزال الحوز تحصي خسائرها، وفي غياب تقديرات رسمية حول الخسائر الاقتصادية للزلزال وكلفة إعادة الإعمار، كشفت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، أن المغرب يواجه خسائر محتملة تصل إلى 8% من الناتج المحلي الإجمالي، ورجحت أن تتراوح الخسائر بين مليار إلى 10 مليارات دولار. ومن المرجح أن يكلف إعادة التأهيل العمراني للمنطقة كلها ما بين 10 و15 مليار دولار، لكون البنية التحتية الحالية غير ملائمة.
ولم تصدر بعد أي تقديرات رسمية تحصي حجم الأضرار بالكامل، لكن مشاهد الدمار تشير إلى أن هناك حاجة إلى الكثير من الوقت والجهد والمال لإيواء المتضررين، ولاحقاً، إعادة إعمار المنطقة.
ووفق تقديرات الأمم المتحدة، تضرّر أكثر من 300 ألف شخص، لكن تقديرات أخرى تشير إلى أن تكلفة إعادة إعمار المناطق المتضررة، بما يتطلبه من بناء المساكن وإصلاح الطرق وشبكات المياه والكهرباء، لن يتعدى ما بين 3 و 5% من الناتج المحلي الخام، وأن هذا الأمر سيستغرق مدة قد تتراوح بين 4 إلى 5 سنوات.
لكن وفق تجارب مماثلة، في المغرب وفي دول أخرى ضربها الزلزال، سيكون من الصعب أن نشهد عودة النازحين إلى منازلهم ومناطقهم المتضررة بحلول الشتاء القريب.
وعلينا بناء ثقافة المخاطر: وذلك بالاشتغال بشكل أساسي على المجال القروي وعلى المناطق الجبلية، وجعل محورية الاهتمام تنصب على هذه المجالات دون غيرها، حرصا على تحقيق العدالة المجالية في أسمى تجلياتها، مع الحرص على إشراك الجامعة المغربية وإدراج التخصصات الجديدة (وضمنها انتروبولوجيا الكوارث، ...)
والمهم والاساسي هو الحرص على احترام كرامة المواطنين في كل مراحل الانقاذ وإعادة البناء.
فهل يكون زلزال الحوز فرصة حقيقية لتأهيل المناطق المهمشة؟
نتمنى ذلك ... فإذا كان زلزال الحوز فاجعة إنسانية، خلّفت ندوبا في قمم جبال الأطلس ومرتفعاتها، فقد يكون فرصة اقتصادية وتنموية لبدء مرحلة جديدة في التعامل مع العالم القروي، الذي ظل خارج مدارات التنمية لعقود.
ونحن اليوم مدعوون لدراسة الإجراءات المستعجلة لتدبير الآثار المترتبة على الزلزال على صعيد الجهة.
نعم، نحن شعب يرضى بالقدر خيره وشره وحلوه ومره. ولكن، يجب أن نعتبر هذا الامتحان فرصة لتعزيز التزامنا بقضايا هذا الوطن. لذلك، يجب أن نحاسب أنفسنا على قصورنا وضعفنا، ونعيد بناء الثقة في مستقبل مؤسساتنا. وما ذلك على هذا الشعب الأبي بعزيز.
فتحية إجلال وتقدير لأبناء هذا الوطن المرابطين، منذ أول وهلة إلى يومنا هذا، من جنود القوات المسلحة الملكية والدرك الملكي وفرق الاسعاف والوقاية المدنية وأطر وزارة الصحة والسلطات المحلية، وفرق الإسعاف والشرطة والقوات المساعدة والمتطوعين وجمعيات المجتمع المدني، الذين جعلوا من التضحية بالغالي والنفيس سلوكا ومنهجا.
ونحن مقدمون على بناء ما خربه الزلزال، ننتهز الفرصة لنتقدم بالمناسبة بخالص التعازي وصادق المواساة لعائلات الضحايا المتوفين منهم والمصابين، الذين يعتبرون شهداء الوطن، ونقتسم مع الأسر المنكوبة صادق مشاعر الحزن، مع الدعاء للمولى عز وجل بالرحمة والغفران لكل الضحايا، وبالشفاء العاجل لكل الجرحى والمصابين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.