الصين تكشف عن مهام مهمة الفضاء المأهولة "شنتشو-18"    الولايات المتحدة.. أرباح "ميتا" تتجاوز التوقعات خلال الربع الأول    بطولة فرنسا: موناكو يفوز على ليل ويؤجل تتويج باريس سان جرمان    أخنوش: الربط بين التساقطات المطرية ونجاح السياسات العمومية "غير مقبول"    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    بني ملال…تعزيز البنية التحتية الرياضية ومواصلة تأهيل الطرقات والأحياء بالمدينة    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    نور الدين مفتاح يكتب: العمائم الإيرانية والغمائم العربية    ما هو سيناريو رون آراد الذي حذر منه أبو عبيدة؟    تعزيز التعاون الفلاحي محور مباحثات صديقي مع نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي    أخرباش تشيد بوجاهة القرار الأممي بشأن الذكاء الاصطناعي الذي جاء بمبادرة من المغرب والولايات المتحدة    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    المنتخب المغربي ينهزم أمام مصر – بطولة اتحاد شمال إفريقيا    المنتخب المغربي لأقل من 18 سنة يفوز على غواتيمالا بالضربات الترجيحية    رابطة للطفولة تعرب عن قلقها من التركيز المبالغ فيه على محور التربية الجنسية والصحة الإنجابية للمراهق في دورة تكوين الأطر    اتفاقية الصيد البحري..حجر ثقيل في حذاء علاقات إسبانيا والمغرب!    عاجل.. كأس إفريقيا 2025 بالمغرب سيتم تأجيلها    أخنوش يرد على خصومه: الدولة الاجتماعية ليست مشروعا ل"البوليميك" والحكومة أحسنت تنزيله    جنايات أكادير تصدر حكمها في ملف "تصفية أمين تشاريز"    الشاطئ البلدي لطنجة يلفظ جثة شاب فقد الأسبوع الماضي    لا تيتي لا حب لملوك: اتحاد العاصمة دارو ريوسهم فالكابرانات وتقصاو حتى من كأس الجزائر    سانشيز: أفكر في إمكانية تقديم الاستقالة بعد الإعلان عن فتح تحقيق ضد زوجتي بتهمة استغلال النفوذ والفساد    مكافأة مليون سنتيم لمن يعثر عليه.. هذه معطيات جديدة عن حيوان غريب ظهر في غابة    بالأرقام .. أخنوش يكشف تدابير حكومته لمساندة المقاولات المتضررة جراء الأزمة الصحية    هادي خبار زينة.. أسماء المدير مخرجة "كذب أبيض" فلجنة تحكيم مهرجان كان العالمي    قميصُ بركان    طقس الخميس.. أجواء حارة وقطرات مطرية بهذه المناطق    مطار مراكش المنارة الدولي: ارتفاع بنسبة 22 في المائة في حركة النقل الجوي خلال الربع الأول من 2024    المغرب ومنظمة "الفاو" يوقعان على وثيقة "مستقبل مرن للماء" بميزانية 31.5 مليون دولار    اللجنة الجهوية للتنمية البشرية بالشمال تصادق على برنامج عمل يضم 394 مشروعا برسم سنة 2024    تسريب فيديوهات لتصفية حسابات بين بارونات بتطوان    النصب على حالمين بالهجرة يقود سيدتين الى سجن الحسيمة    الجزائر تتوصل رسميا بقرار خسارة مباراة بركان و"الكاف" يهدد بعقوبات إضافية    بنكيران يهاجم أخنوش ويقول: الأموال حسمت الانتخابات الجزئية    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    أخنوش مقدما الحصيلة المرحلية: إجراءات الحكومة هدفها مناعة الأسرة التي هي "النواة الصلبة لكل التدخلات"    إستعدادُ إسرائيل لهجوم "قريب جداً" على رفح    خارجية أمريكا: التقارير عن مقابر جماعية في غزة مقلقة    سنطرال دانون تسلط الضوء على التقدم المحقق في برنامج "حليب بلادي" لفلاحة مستدامة ومتجددة    أيام قليلة على انتهاء إحصاء الأشخاص الذين يمكن استدعاؤهم لتشكيل فوج المجندين .. شباب أمام فرصة جديدة للاستفادة من تكوين متميز يفتح لهم آفاقا مهنية واعدة    برنامج دعم السكن.. معطيات رسمية: 8500 استفدو وشراو ديور وكثر من 65 ألف طلب للدعم منهم 38 فالمائة عيالات    الولايات المتحدة تنذر "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    الفوائد الصحية للبروكلي .. كنز من المعادن والفيتامينات    دراسة: النظام الغذائي المتوازن قد يساهم في تحسين صحة الدماغ    مدير المنظمة العالمية للملكية الفكرية : الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        كلمة : الأغلبية والمناصب أولا !    اختتام فعاليات الويكاند المسرحي الثالث بآيت ورير    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    الموت يفجع شيماء عبد العزيز    أسعار الذهب تواصل الانخفاض    صدور رواية "أحاسيس وصور" للكاتب المغربي مصطفى إسماعيلي    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" في ضيافة ثانوية الشريف الرضي الإعدادية بعرباوة    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    لقاء يستحضر مسار السوسيولوجي محمد جسوس من القرويين إلى "برينستون"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أخطاء كريستوفر روس في التعاطي مع قضية الصحراء
نشر في زابريس يوم 04 - 10 - 2010

ملاحظات حول الرسالة السرية التي بعثها إلى "مجموعة أصدقاء الصحراء"
عادت "جبهة البوليساريو" لتعزف من جديد على وثر قديم تطالب من خلاله بتنظيم استفتاء لتقرير المصير وبموازاة مع هذه الأطروحة المتجاوزة أقدم المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة مؤخرا على بعث رسالة إلى ما أسماه "مجموعة الدول الصديقة للصحراء" وقد كشفت هذه المراسلة عن "قصور في زاوية المعالجة" التي يعتمدها روس كقاعدة للقيام بدوره.ورغم أن روس حاول أن يحيط رسالته بسرية تامة،وهو يبعثها إلى إسبانيا وأربع دول أعضاء في مجلس الأمن هي الولايات المتحدة و انجلترا و فرنسا و روسيا مع استثناء الصين فإن الرسالة قد تسربت بسهولة إلى وسائل الإعلام الإسبانية التي وظفتها ضد المغرب في عز الأزمة بين الجارين.. تفضح رسالة روس من خلال مضمونها انحيازا واضحا لأطروحات متجاوزة،وعن جهل عميق لحقيقة كيان ما يسمى البوليساريو وعلاقاته مع الجزائر وخضوعه التام لأجندتها كما تعكس الرسالة المذكورة جحود الأمين العام للامم المتحدة لجدية المقترح المغربي المتمثل في مبادرة الحكم الذاتي الذي أشاد العالم كله بجدتها.ويتزامن هذا الجدل مع استمرار احتجاز المواطن مصطفى سلمة ولد سيدي مولود في ظروف لا إنسانية من طرف ميليشيات البوليساريو وما أثاره من جدل عالمي حول حقيقة انتهاكات حقوق الانسان بتيندوف مقابل صمت غير مبرر من لدن الإعلام الإسباني والجزائري،ومن يدور في فلك الانفصال عن حالة إنسانية تتعلق بانتهاك حق من حقوق الإنسان وهو حرية التعبير والرأي.. فيما يلي تنشر "النهار المغربية" مقالا تحليليا لمحمد حنين وهو أستاذ للقانون العام بجامعة محمد الخامس – أكدال- جمع فيه مجموعة " ملاحظات حول رسالة كريستو فر روس إلى مجموعة أصدقاء الصحراء".
بعد 17 شهرا على توليه مهمة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في الصحراء وجه الأمريكي كريستوفر روس رسالة إلى ما أسماه مجموعة الدول الصديقة للصحراء. وهي فضلا عن كونها تتسم بطابعها السري فإنها تكشف عن رأي روس حول وصول المفاوضات إلى الباب المسدود، æالتحذير من مخاطر استمرار الوضع الراهن للنزاع مع دعوة من وجهت إليهم هذه الرسالة إلى المبادرة بتقديم دعم خاص لتجاوز مرحلة التي تعرفها المفاوضات. و تثير هذه الرسالة مجموعة من الملاحظات ليس فقط بالنسبة لمضمونها و لكن كذلك بالنسبة لمقاربة روس في ممارسة مهام الإشراف على التفاوض بين الأطراف. فمنذ توليه مهمة المبعوث الخاص لم يتمكن روس سوى من التهييء لجولتين من المباحثات غير الرسمية بين الأطراف الأولى بالنمسا في غشت2009 و الثانية بويستشستر كونتي بالولايات المتحدة في فبراير 2010 . و انتظر منذ هذا التاريخ إلى يونيو الأخير ليوجه رسالته السالفة الذكر يفسر فيها أسباب تعثر المفاوضات بين الأطراف محاولا بذلك التحرر من المسؤولية¡و إلقائها من جهة على أطراف النزاع و من جهة أخرى على الدول التي وجهت لها الرسالة. لكنه رغم ذلك يستنتج تحمل روس مسؤولية هذا التعثر لكونه لم يتحلى بالحزم اللازم للقيام بمهامه ولم يستوعب بما يكفي خلفيات النزاع¡ولم يستفد من تجربة من سبقوه في ممارسة نفس المهام كما لم يبادر إلى تتبع تطورات الوضع في الميدان حتى يتمكن من توظيف المعطيات للدفع بعجلة التفاوض .
خلفيات تسريب رسالة روس
احتفظ روس لرسالته بطابعها السري، و اختار أن يوجها أواخر يونيو 2010 إلى اسبانيا وأربع دول أعضاء في مجلس الأمن هي الولايات المتحدة و انجلترا و فرنسا و روسيا دون الصين و هو استثناء غير مبرر مادامت هذه الأخيرة تعتبر فاعلا أساسيا في مجلس الأمن و تساهم بفعالية في الحفاظ على السلم و الأمن الدوليين كما تهتم هي كذلك بتتبع نزاع الصحراء و بمسألة السلم في شمال إفريقيا. و قد حاول روس من خلال السرية تفادي الكشف عن رأيه بكيفية علنية خاصة عبر التصريحات الصحفية التي أدت بسابقه فان والسوم إلى مغادرة منصبه. لكن هذه الرسالة لم تحافظ على طابعها السري طويلا إذ سرعان ما تم نشرها في جريدة الباييس الإسبانية الصادرة في 20غشت 2010 ، و هو ما خيب بدون شك آمال روس في تصريف أفكاره بعيدا عن الأضواء. فربما كان سيئ الحظ مع جريدة الباييس التي تمكنت من الحصول على الرسالة بسهولة و المبادرة إلى نشرها في خضم توتر العلاقات المغربية الاسبانية وفي تزامن مع تخليد المغرب للذكرى 57 لثورة الملك و الشعب ، و هو ما يعتبر نشرا غير بريء بل مدبرا من أجل توظيف الرسالة لأغراض سياسية للتشويش على المغرب من خلال تحويل الأنظار إلى قضية الصحراء عوض تداعيات توتر العلاقات المغربية الإسبانية.
غياب رؤيا واضحة
يتضح من خلال رسالة روس عدم توفره على رؤيا واضحة حول الكيفية الملائمة لتسوية النزاع، وهو ما يبرز من خلال تأكيده على ربط تعثر المفاوضات برفض دراسة و مناقشة الاقتراحات المقدمة من كل طرف معتبرا أن المناقشة لا تعني قبول المقترحات بقدرما تبرز احترام كل طرف للآخر. فهذا طرح سطحي لا يسمح باستنتاج أن كريستوفر روس يحمل تصورا محددا يمكن أن يساهم في دعم الخيارات المطروحة للتفاوض ، فحسب اعتقاده أن مجرد القبول بمناقشة مقترح البوليساريو حول تنظيم الاستفتاء في الصحراء كفيل بتفادي تعثر المفاوضات متجاهلا أن الأمر أكثر تعقيدا من ذلك . فجبهة البوليساريو لو علمت أن المغرب سيقبل مناقشة مقترحها لتخلت عنه و طرحت مقترحات أخرى من أجل عرقلة التفاوض . فما لا يستوعبه روس أن هذه الجبهة عبارة عن مصلحة تابعة للأجهزة الاستخباراتية الجزائرية و من تم فهي لا تتوفر على حرية اتخاذ القرار حتى تتفاوض بقناعة و تبصر حول ما يخدم المصالح الحقيقية للمقيمين في المخيمات. لذلك فإن تعميمه لفكرة عدم توفر الطرفين على الإرادة السياسية من أجل مفاوضات حقيقية يتسم بإجحاف كبير في حق المغرب باعتباره دولة ذات سيادة و تنخرط في المفاوضات بحرية و استقلالية بل إن المغرب بادر إلى كسر الجمود بطرح مبادرة جريئة و متميزة كأرضية للتفاوض وهي مبادرة اعتبرها مجلس الأمن بالجدية ، ومن المؤكد أن كل ذلك يؤكد على خلاف ادعاءات روس الإرادة السياسية للمغرب لإيجاد تسوية نهائية للنزاع،و تبعا لذلك لا يمكن مقارنته مع البوليساريو التي تفتقر إلى حرية المبادرة و لا تتحرك إلا بتعليمات من الأجهزة الجزائرية. إلى ذلك يضاف أن روس قد تخلى عن حياده عندما ألقى باللوم على المغرب لرفضه قبول مناقشة مقترح البوليساريو الشيء الذي استغلته وسائل الإعلام الجزائرية، و حددت حسب طريقتها الخاصة المسؤولية عن تعتر التفاوض. و تفاديا لمثل هذه التأويلات كان على روس التحلي بالتجرد و الحزم في تقديم استنتاجاته .
مقترح الاستفتاء مقاربة متجاوزة أمميا وواقعيا
يلاحظ من خلال طرح روس أنه لم يستخلص العبر من تطورات المعالجة الأممية لملف الصحراء ، لكون اقتراح البوليساريو تنظيم استفتاء في الصحراء ليس اقتراحا جديدا بل تداولته الأمم المتحدة قبل إحداث هذه الجبهة نفسها ، كما أنه شكل محورا أساسيا في مخطط التسوية الاممي الذي دخل حيز التنفيذ سنة 1991لكن ترتيبات تطبيقه واجهتها عراقيل متعددة خاصة تلك المتعلقة بتحديد هوية من لهم الحق في المشاركة في الاستفتاء الأمر الذي أدى إلى إيقاف أشغال لجن تحديد الهوية¡وبالتالي الإعلان الرسمي من طرف الأمم المتحدة عن فشل خيار الاستفتاء¡و الدعوة إلى البحث عن خيار بديل في إطار حل سياسي . فلماذا لم يتساءل روس عن سبب عودة البوليساريو إلى طرح مقاربة متقادمة و متجاوزة مع العلم أنها تتحمل مسؤولية تعتر لجن تحديد الهوية ؟ فما هي المستجدات التي تدفع اليوم إلى إحياء مقترح يعلم أصحابه أنه مستحيل التطبيق ؟ ثم كيف يسعى روس إلى العودة إلى الصفر و دفع المغرب إلى قبول مناقشة مقترح سبق للأمم المتحدة أن فشلت في وضع ترتيبات تطبيقه كما أنه سبق لمجلس الأمن أن دعا في عدد من قراراته إلى تجاوز خيار الاستفتاء و البحث عن خيارات بديلة لتسوية النزاع بكيفية متفاوض بشأنها ومتوافق عليها من لدن الأطراف . تناقض منهجية روس مع استنتاجات فان والسوم
سبق للهولندي فان والسوم الذي تولى مهام المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في الصحراء من 2005 إلى أن خلفه روس في يناير 2009 ¡وأشرف على أربع جولات للتفاوض بين الأطراف في » منهاست » ، أن اعتبر بعد تحليل عميق أن خيار استقلال الصحراء غير واقعي و يتعين تجاوزه ، و هي نفس القناعة التي عبر عنها سابقه اريك جونسن الذي ترأس لجنة تحديد الهوية منذ1993 ¡و تولى مهام الممثل الخاص للامين العام إلى غاية 1997 حيث اعتبر وهو يقدم شهادته أمام اللجنة الرابعة في أكتوبر 2008 أن المبادرة المغربية للحكم الذاتي في الصحراء تشكل خطوة مهمة نحو حلّ نزاع الصحراء وأنه يتعين على البوليساريو التخلي عن بعض طموحاته ، و للإشارة فقد أصدر كتابا أوضح فيه التعثرات التي عرفها مسلسل تحديد الهوية، في إطار مخطط التسوية، وبيّن فيه فشل هذا المسار مستنتجا ضرورة التوصل إلى حلّ سياسي للنزاع متفاوض بشأنه. لكن رغم هذه القناعات فإن روس يميل إلى قبول مناقشة اقتراح الاستفتاء ضمن الخيارات المطروحة يصرف النظر عن الاستنتاجات التي توصل إليها أصحابها بعد تجربة عميقة و تحليل موضوعي لملابسات النزاع و خلفياته ، فهل يتوفر على وسيلة سحرية لتفادي ما عجز عنه من سبقوه و سيوفر ضمانات إجراء الاستفتاء في حالة قبول مناقشته كخيار لتسوية النزاع ؟ فإذا كان يعتقد ذلك فما عليه إلا أن يراجع أرشيف الأمم المتحدة ليتعرف على العراقيل الحقيقية لاستحالة تطبيق الاستفتاء. و نتيجة لذلك فإنه كان على روس و هو يشرف على جولات التفاوض أن يستخلص العبرة من فشل مقاربة الاستفتاء،و يدرك أن طرحها من جديد لا يعدو أن يكون مناورة محكمة للهروب إلى الأمام،و تعقيد مسلسل التفاوض حتى يستمر الحال على ما هو عليه. فإدراك هذه الخلفيات كان من شأنها مساعدة روس،و هو يحرر رسالته تفادي تعويم مسؤولية تعتر التفاوض بل كان من شأن ذلك أن يوفر عليه الوقت أثناء جولات التفاوض و يطالب بالاكتفاء بمناقشة الاقتراحات الجديدة و الجادة من أجل الحفاظ على المصداقية التي تحدث عنها في رسالته.
مقاربة روس سطحية و غير واقعية
بنى روس استنتاجاته بصرف النظر عن تطور الأحداث على مستوى الواقع ¡وعدم أخذها بعين الاعتبار عند تحليل أسباب تعتر المفاوضات بل عدم توظيف هذا التطور في القيام بمهام الوساطة ، فروس لم يبرز من خلال رسالته تأثيرات ما تعرفه المخيمات من أحداث و تطورات على مقترح التسوية الملائم للنزاع¡ و هو ما جعل مقاربته تتسم بالسطحية و عدم الواقعية. فمنذ الإعلان عن مبادرة الحكم الذاتي تنامى تدفق أفواج العائدين إلى أرض الوطن خاصة الشباب رغم الحصار المفروض على المخيمات بكيفية تعتبر بمثابة استفتاء ضمني حول هذه المبادرة و الإعلان عن رفض الاستمرار في الخضوع لسيطرة قيادة قمعية تستمد قوتها من دعم قوي و مباشر للجزائر، و لها مصلحة في استمرار الوضع الراهن. فلو تابع روس هذه المعطيات و هو يقوم بمهمته لتمكن من معرفة الأسباب الحقيقية لتعثر المفاوضات.و ربما كانت مهمته ستكون سهلة لو علم أن البوليساريو في طاولة المفاوضات لا تقوم سوى بدور الناطق الرسمي بما تمليه عليها الجزائر من تعليمات ، وإذا علم ذلك سيدرك الأهداف الحقيقية للجزائر من خلق النزاع و تغذية استمراره ، و عندئذ سيتمكن من إدراك أن محاولاته للتوصل إلى نتائج عبر المفاوضات في شكلها الحالي ستبقى دون جدوى مادامت المفاوضات الحقيقية يجب أن تجرى بين المغرب و الجزائر ، وفي هذه الحالة سيكون اللجوء إلى طلب دعم ما أسماه مجموعة الأصدقاء مبررا وستكون له نتائج ملموسة ، و عندئذ تتاح له الإمكانية أكثر لتقريب المسافات لإيجاد التسوية المنشودة ، دون ذلك لن يتمكن لا روس و لا غيره بالظفر بوساطة جدية و فعالة لتسوية نزاع الصحراء ما دام الطرف الحقيقي يستمر في اللعب وراء الستار.
تلاشي خرافة تمثيل سكان الصحراء يطرح اليوم السؤال بكل جدية حول شرعية تمثيلية جبهة البوليساريو لسكان الصحراء بعدما التحق عدد كبير من مؤسسيها بالوطن الأم، و اندمجوا بإيجابية في المجتمع وفي الحياة العامة حيث يتقلد أغلبهم مناصب سامية في الدولة، فضلا عن انغلاق دائرة القيادة و احتكارها من طرف أشخاص مغمورين كان أغلبهم في الصف الثاني بعد عدد من المؤسسين العائدين إلى المغرب، مما يؤدي إلى سيطرة الفكر الوحيد و تصفية المعارضين¡و التنكيل بهم بكل وسائل القمع التعذيب . وفي ظل هذه الأوضاع تنعدم حرية الرأي و هو ما أصبح يعبر عنه قياديون في هذه الجبهة ممن أتيحت لهم الفرصة للتعبير عن آرائهم في تحد للأخطار التي تهددهم ، مع تأكيدهم على عدم إتاحة الفرصة لهم في المخيمات لتدارس مضمون المبادرة المغربية، فكيف يمكن لبضعة أشخاص أن يستمروا في الادعاء بأنهم الممثل الشرعي لسكان الصحراء و يتفاوضوا باسمهم ؟ فالتمثيل الشرعي يتطلب توفر عدة شروط لا شك أن روس على علم بها. فماذا سيكون رد روس إذا احتج المغرب عن حق على افتقار قيادة المخيمات للشرعية الحقيقية لتمثيل سكان الصحراء¡و رفض بالتالي الاستمرار في قبول التفاوض معها، أو إذا احتج هؤلاء السكان أنفسهم على هذه التمثيلية و عن القرارات التي تتخذها باسمهم فئة غريبة عنهم ؟ فمن المؤكد أنه من غير المقبول في منظور القانون الدولي أن تتحكم أقلية في تحديد مصير الإقليم ، ومن تم فإنه يتعين على الأمم المتحدة مراجعة معاييرها حول صفة الممثل الشرعي لسكان الصحراء ، كما يتعين على روس الذي يمثل أمينها العام أن يكون حريصا على الالتزام بالشرعية ، ويتفادى دعم مناقشة اقتراحات متجاوزة لقيادة تفتقر إلى مقومات الشرعية للتعبير عن إرادة الأغلبية المقيمة في الصحراء تحت السيادة المغربية .
عدم القبول باستمرار الوضع الراهنفي الوقت الذي يؤكد فيه روس على أن استمرار الوضع الراهن غير مقبول فإنه يؤكد على أن استمرار النزاع من شأنه أن تترتب عنه ثلاثة مخاطر : أولا أن يؤدي بالأطراف إلى مغامرة عسكرية أو شبه عسكرية ، و هذا الرأي ينطوي على مبالغة لكون المغرب سعى دائما إلى تسوية النزاع بالطرق السلمية ولم يسبق له أن هدد بالخيار العسكري ، ما عدا إذا كان روس يعلم نوايا الطرف الآخر وما تهيئ له الجزائر من دسائس خاصة أمام سباقها الجنوني نحو التسلح عن طريق صرف ملايير الدولارات على حساب العيش الكريم للمواطن الجزائري ، و حتى في هذه الحالة ستكون المغامرة العسكرية بمثابة انتحار. ثانيا : أن يتم دفع الشباب بالمخيمات إلى التطرف و الأعمال الإجرامية. لكن ما يتعين على روس إدراكه أن هذا الوضع ليس فقط خطرا محتملا بل واقعا معاشا في المخيمات بسبب انسداد الأفق و قمع الحريات و تدهور ظروف الكرامة الإنسانية. و ما غاب عنه أو تحاشى الخوض فيه هو أن المخيمات أصبحت مرتعا للإرهاب و التهريب و هو ما يشكل خطرا حقيقيا على الأمن و السلم الدوليين بالمنطقة برمتها . ثالثا : تفاقم خطورة إطالة أمد المعاناة الإنسانية ، و إذا كان هذا الاستنتاج يؤكد على ما تعرفه الأوضاع الإنسانية بالمخيمات من تدهور مستمر، فإن ما يتعين أن يعلمه روس أن المعاناة الحقيقية تنتج عن انغلاق تندوف، و تحويلها إلى سجن مفتوح يخضع لنظام عسكري صارم تحجز فيه مخلوقات بشرية ، لا إرادة لها أمام مصادرة حريتها في التنقل و التعرض للقمع و الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ، فحتى عدد هؤلاء المحتجزين غير معروف . فلا يمكن لروس أو غيره أن يتوفق في تدبير ملف التفاوض دون إدراك حقيقة الأوضاع في المخيمات، فما هو مؤكد أن رفع الحصار و السماح للمقيمين في المخيمات بالتنقل بحرية، على غرار ما ينعم به إخوانهم في الصحراء ، من شأنه أن يكون مفتاحا لحل عاجل للنزاع المفتعل . و بما أن ذلك يستحيل مادامت الأجهزة الجزائرية تفرض الخناق على المخيمات لوجودها فوق ترابها ، فلماذا لا تتم إعادة توطين المعنيين بالأمر في دولة أخرى من الدول المجاورة ؟ إن ذلك موضوعا بالغ الأهمية و يشكل مدخلا رئيسيا لتسوية النزاع ، فما على روس إلا أن يشتغل في هذا الاتجاه حتى تكون أمامه بدائل متعددة لتجاوز عقبات التفاوض بين الأطراف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.