بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية في لحظة إنسانية نادرة لكنها مفعمة بالدلالات السياسية والوطنية، أطلّ ناصر الزفزافي، قائد "حراك الريف"، مخاطبًا المعزين في وفاة والده أحمد الزفزافي، برسالة مقتضبة اختزلت كثيرًا من الجدل الذي طال حراك الريف لسنوات. هذه الكلمة، رغم قصرها، دفنت بشكل قاطع ومباشر الأطروحات الانفصالية التي حاولت أطراف خارجية، على رأسها بعض انفصاليي الخارج وراعيتهم الجزائر، أن تلصقها بالحراك الاجتماعي الذي شهده الريف سنة 2016. * رسائل قوية في جملة واحدة قال الزفزافي: "الوطن ليس فقط الريف، بل هو كل شبر من هذا البلد". عبارة قد تمرّ على البعض مرور الكرام، لكنها عند من واكبوا مسار الحراك ومآلاته، تشكّل إعلانًا وطنيًا صريحًا ينزع أي شرعية عن محاولات توظيف الحراك لأجندات انفصالية. لقد كان الرجل واضحًا: لا للانفصال، نعم للوحدة الوطنية. * الرد على أعداء الوطن هذا الموقف الوطني الجليّ يُعد صفعة قوية لأولئك الذين دأبوا على المتاجرة بآلام الريف، وركبوا على مطالب مشروعة للسكان من أجل الدفع بأطروحات مريضة، تسعى لتقسيم المغرب وتغذية الفتنة. فبينما كانت فئات من "الناشطين" في الخارج تحوّل ملف معتقلي الحراك إلى مادة للبروباغندا الانفصالية، خرج الزفزافي نفسه ليقطع الشك باليقين، مؤكدًا أن انتماءه للمغرب لا يقف عند حدود الحسيمة أو الناظور أو الريف، بل يمتد إلى الصحراء والرباط والبيضاء وكل جزء من هذا الوطن الموحد. * الحراك كان مطلبًا اجتماعيًا.. لا سياسيا ولا انفصاليا منذ انطلاقه، رفع حراك الريف شعارات اجتماعية واقتصادية واضحة: مستشفى، جامعة، فرص شغل، وكرامة. لم تُرفع راية الانفصال، ولا نُودي يومًا بالخروج عن الدولة أو المساس بوحدة المغرب الترابية. غير أن خصوم المغرب، كعادتهم، سارعوا إلى ركوب الموجة وتلويثها بخطابات انفصالية لا تمتّ بصلة إلى الواقع ولا إلى وعي ساكنة الريف الذين يعرفون تاريخهم النضالي في خدمة وحدة البلاد. * الجزائر.. راعٍ رسمي للتشويش لم يكن مستغربًا أن تجد الجزائر الرسمية والإعلامية فرصة في الحراك لمحاولة تصدير أزمتها الداخلية، واللعب على وتر "الريف المضطهد". لكن خرجات الزفزافي، والمواقف المسؤولة لعدد من الحقوقيين الوطنيين الذين واكبوا الملف، كانت كافية لفضح هذا الاستغلال المقيت. الجزائر لا يهمها الريف ولا مصلحة سكانه، بقدر ما يهمها التشويش على المغرب في ملفاته الوطنية، خصوصًا قضية الصحراء المغربية. * اللحظة الإنسانية التي أسقطت الأقنعة أن تأتي هذه الرسائل في لحظة إنسانية – لحظة وداع أب – يجعلها أصدق وأعمق وأكثر تأثيرًا. فالزفزافي لم يكن يخاطب منصة سياسية ولا يُلقي بيانًا معدًا سلفًا، بل كان يُعبّر عن موقف داخلي راسخ، عن وعي بالمسؤولية، وعن انتماء صادق لا يمكن التشكيك فيه. * لا خوف على المغرب.. ما دام أبناؤه يذودون عن وحدته لقد جاء هذا الموقف من ناصر الزفزافي ليؤكد ما يعرفه المغاربة جميعًا: أن حب الوطن لا يُقاس بالموقع الجغرافي، ولا يُلغى بالاختلافات، بل يتجلى في أوقات المحن، حين ترتفع الأصوات العاقلة في وجه دعاة التفرقة. واليوم، وقد سقطت ورقة التوت عن مدّعي دعم "قضية الريف"، يتأكد أن الحراك كان وما زال صرخة اجتماعية في وجه التهميش، وليس أداة من أدوات التقسيم. الريف مغربي، والمغرب واحد لا يتجزأ. شارك هذا المحتوى فيسبوك X واتساب تلغرام لينكدإن نسخ الرابط