يجد الكثير من الشباب أنفسهم في مأزق المشي وراء قناعاتهم واختياراتهم الشخصية التي بموجبها يختارون أصدقاءهم، وبين مراقبة آبائهم لهم وتدخلهم في اختياراتهم لنوعية الأشخاص الذين يجب أن يتعاملون معهم، مما يؤدي إلى خلق الكثير من الخصومات ويصعد الموقف بين الآباء وأبنائهم، بالرغم من علم الأبناء بصحة وجهة نظر آبائهم. هو شاب اجتماعي بطبعه، يحب التعرف إلى الناس وينجذب إلى تبادل الأفكار، وتجاذب أطراف الحديث مع الكثير من الفئات الاجتماعية. تثيره الاختلافات التي تطبع الأشخاص، ويحب التقرب من الكثير من الأصناف البشرية لتطوير نفسه وتكوين شخصيته التي تميزه وحده. يرفض تدخل والديه ابراهيم ذو السابعة عشر سنة الذي يمتلك كل هذه الصفات، يجد نفسه عاجزا عن تحقيق ذاته، ليس لكونه لا يستطيع التواصل مع الناس ولكن لأن والديه يخافان عليه ويرفضان منحه هامشا من الحرية، لاختيار أصدقائه حسب ما يراه مناسبا له ومتماشيا مع شخصيته. تدخل والدي ابراهيم كان نابعا من خوفهما عليه من رفاق السوء وما يمكن أن ينتج عن مرافقته لهم والتقرب إليهم من المشاكل التي قد تغير معالم مستقبله وحياته. لم يكن ابراهيم يتفهم موقف والديه من أصدقائه، بالرغم من كونهما لا يعرفانهم جيدا. حاول مرارا إقناعهما بوجهة نظره، لكن نقاشه معهما في كل مرة حول نفس الموضوع كان دائما ينتهي بالشجار والخصام. فوالدا ابراهيم كانا يريان أن سنه الصغيرة وقلة خبرته بالحياة لا تمكنه من معرفة مكنونات الناس، لكنه بالمقابل كان يعتبر أن والديه يضيقان عليه الخناق ولا يتركان له فرصة الاحتكاك مع الناس. كان ابراهيم، خوفا من رد فعل والديه وغضبهما منه، يكتفي بلقاءات المدرسة مع أصدقائه، ويحصر صداقاته داخل محيطها، وعندما يخرج من بابها يحاول عدم مرافقتهم إلى أي مكان. وجد ابراهيم نفسه مضطرا لمصادقة الشباب، الذين يرى أبواه أنهم الأنسب ليكونوا أصدقاءه. كان الشرط الأساسي هو أن يكونوا متفوقين دراسيا ولا خوف منهم عليه. كان والد ابراهيم يذهب إلى المؤسسة التعليمية التي يدرس بها ابنه ويلاحظ كيف يجرف الشباب بعضهم بعضا إلى الهاوية بتشجيع بعضهم على تناول المخدرات وشرب السجائر والإدمان عليها. لم يكن ابراهيم يتقبل الطريقة التي يتدخل بها والداه في اختيار أصدقائه، لأنه يعتبر الأمر تنقيصا من قدرته على الحكم على الناس وسلبا لحقه في اختيار أصدقائه وهو الأمر الذي كان يجعله على خلاف دائم معهما. يعرف ابراهيم أن ما يفعله والداه إنما يريدان من ورائه توجيهه ومساعدته على شق طريقه في الحياة دون مشاكل، وهو الأمر الذي لم يستوعبه الشاب لاعتقاده أن تجربته في الحياة ستتبلور من خلال تعرفه على أنواع مختلفة من الناس «المزيانين و الخايبين». يؤمن ابراهيم أن التربية السليمة هي التي توجه الشخص، وليس نوعية الناس الذين يرافقهم في مشوار حياته، لذلك فهو يثق أنه يستطيع التعامل مع جميع أنواع الناس والاستفادة من تجاربهم، دون الانجراف خلفهم وتتبع مسارهم. «كلشي يتعرف حتى لراس بنادم» كريم يختلف عن ابراهيم من حيث الطباع والميولات، فهو شاب انطوائي بحكم التربية التي تلقاها، ولا يحب كثرة من الأصدقاء. فبالنسبة له الصداقة ليست بالكم وإنما بالكيف. يعيش كريم في وسط عائلي محافظ ومنطو على نفسه، يتبع نمط الحياة الجديد الذي بدأ يأخذ طريقه للانتشار في المغرب، والذي جعل كل أسرة تنغلق على نفسها، في محاولة لإبعاد الجيران والأصدقاء عن خصوصيتها. تطبع كريم بطباع الوسط الذي كان ينتمي إليه، لكنه كان يرى أن والده يحاول في الكثير من الأحيان التدخل في انتقاء أصدقائه، فيحدد له من يجب أن يتعامل معه ومن يجب الابتعاد عنه، وهو الأمر الذي لم يكن يرقه كثيرا ويدفعه إلى الاعتراض. يعترف كريم أنه بالرغم من الرفض الذي يبديه أمام والده، إلا أنه يجده على حق في أغلب الأحكام والملاحظات، التي أصدرها في حق بعض من كان يعتبرهم أصدقاءه. سنوات من التعامل مع الأصدقاء، كانت كافية ليعلم كريم أن طباع الناس تختلف. واكتشف بنفسه غدر بعض الأصدقاء به واستغلالهم له خصوصا في أمور الدراسة بل لاحظ بنفسه كيف حاولوا تشجيعه على الاستهتار بدروسه و« السليت » من بعض الحصص الدراسية، بينما كان هو من المتميزين الذين يظفرون بأعلى المعدلات. قرر كريم الابتعاد قدر الإمكان عن الأصدقاء والاكتفاء بعدد قليل منهم، ليتمكن من التواصل معهم وسد الفراغ الذي قد ينتج عن قلة الأصدقاء. كما تعلم من والده عدم الثقة في الآخرين مهما كان الثمن، تطبيقا للمثل المغربي القائل كلشي تقدر تعرفوا حتى لراس بنادم». والد كريم لم يكن يفرض رآيه بالعنف، وإنما كان يلجأ للنقاش والحوار كوسيلة لإقناع كريم بوجهة نظره، أو لتنبيهه لأشياء تغيب عنه، وغالبا ما كان يجد نفسه مقتنعا برأي والده في كثير من الأحيان. كانت الصدفة وحدها من يقود كريم لمعرفة حقيقة أصدقائه المزعومين. يعتبر كريم نفسه اليوم محظوظا بوجود والده إلى جانبه، ليمنحه خلاصة سنوات طويلة من التجارب في هذه الحياة، يضيفها إلى تجاربه الخاصة التي سترسم معالم شخصيته المستقبلية. مجيدة أبوالخيرات