تعتبر المسيرة الخضراء المظفرة، التي أبدعها جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني، طيب الله ثراه، محطة مفصلية في تاريخ المغرب الحديث، إذ مكنت المملكة من استرجاع أقاليمها الجنوبية وترسيخ وحدتها الترابية، معلنة بداية مرحلة جديدة عنوانها البناء والتنمية الشاملة. واليوم، وبعد مرور خمسين سنة على ذلك اليوم الخالد، تقف الأقاليم الجنوبية شاهدة على تحول جذري غير مسبوق، لتصبح قطبًا اقتصاديًا وتنمويًا واعدًا، حيث باتت الصحراء المغربية نموذجًا تنمويًا متكامل الأركان، وأرضًا للفرص والاستثمار والانفتاح على إفريقيا والعالم. في 16 أكتوبر 1975، وبعد أن أقرت محكمة العدل الدولية بوجود روابط قانونية وروابط بيعة بين سلاطين المغرب والقبائل الصحراوية، أعلن جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني انطلاق المسيرة الخضراء المظفرة. وقد شارك فيها 350 ألف متطوع ومتطوعة في 6 نوفمبر 1975، في مسيرة سلمية فريدة جسدت إجماع الأمة على وحدة التراب الوطني، ورسخت الشرعية التاريخية والقانونية للمغرب على صحرائه. وفي سنة 1979، أطلق جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني دعوة للسلام وإنهاء النزاع بلا غالب ولا مغلوب، وقد توجت هذه المبادرة سنة 1988 بإعلان "الوطن غفور رحيم". وبين 1980 و1984، عملت المملكة على تعزيز الأمن والاستقرار في الأقاليم الجنوبية، إلى جانب تكثيف جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية، من خلال مشاريع البنية التحتية والطرقات والموانئ والمستشفيات والمدارس. وهكذا أصبحت المسيرة الخضراء مسيرة البناء والنماء، جاعلة الأقاليم الجنوبية في صلب الأولويات الوطنية. ومع منتصف الثمانينيات، عزز المغرب مكانته الميدانية، وفتحت تسعينيات القرن الماضي فصلاً جديدًا حين أعلن جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني مسيرة الجهات كآلية لترسيخ اللامركزية والحكامة والتنمية. وخلال الفترة ما بين 1995 و1998، واصل المغرب بثبات ووضوح تنفيذ رؤيته في خيار الجهوية، مع التركيز على جعل قضية الصحراء في صلب المخططات التنموية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ومنذ اعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس عرش أسلافه المنعمين سنة 1999، جعل جلالته حل ملف الوحدة الترابية أولوية وطنية كبرى، تجسيدًا للإجماع الوطني حول قدسية الوحدة الترابية، وللروابط التاريخية المتينة بين أبناء الأقاليم الجنوبية والعرش العلوي المجيد. وفي 2007، قدم المغرب أمام الأممالمتحدة مبادرة الحكم الذاتي في إطار سيادته الوطنية ووحدته الترابية، وهي المبادرة التي وصفها المجتمع الدولي بأنها "جدية وذات مصداقية"، وتشكل الحل السياسي الواقعي والعملي والتوافقي الوحيد القادر على إنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. وتواصلت مسيرة التنمية والازدهار، بإطلاق صاحب الجلالة الملك محمد السادس سنة 2015 بمدينة العيون النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، بميزانية ارتفعت من 77 إلى 85 مليار درهم. ويهدف هذا البرنامج الطموح إلى جعل هذه الأقاليم نموذجًا للتنمية المندمجة، من خلال مشاريع كبرى مثل الميناء الأطلسي بالداخلة، والطريق السريع تزنيت–الداخلة، ومشروع تحلية مياه البحر، إلى جانب إحداث مناطق صناعية ومحطات للطاقة الشمسية والريحية. وفي 2023، منح جلالته بُعدًا جديدًا للانتماء الإفريقي للمملكة عبر المبادرة الملكية الأطلسية، التي تهدف إلى تسهيل وصول دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، وجعل الواجهة الأطلسية قطبًا للتكامل الاقتصادي يربط إفريقيا وأوروبا والأمريكيتين، في إطار الرؤية الملكية لبناء إفريقيا موحدة ومزدهرة ومتضامنة. وخلال الفترة ما بين 2020 و2025، قطع المغرب مرحلة حاسمة على الصعيد الدولي، تميزت بتوالي الاعترافات بمغربية الصحراء من دول مهمة، بدءًا من الولاياتالمتحدةالأمريكية (2020)، مرورًا بإسبانيا (2022) وفرنسا (2024) وبريطانيا (2025)، مما كرس إجماعًا دوليًا واسعًا حول شرعية الموقف المغربي. كما تم افتتاح نحو ثلاثين قنصلية في كل من العيونوالداخلة تمثل دولًا إفريقية وعربية وأمريكية لاتينية، في تأكيد واضح على الدينامية الراسخة لدعم الوحدة الترابية للمملكة. وتظل المسيرة الخضراء المظفرة واحدة من أعظم ملاحم المغرب الحديث، تعكس التلاحم الدائم بين العرش والشعب، وتجسد روح التعبئة الوطنية خلف جلالة الملك، وتلهم بروحها مسيرات المملكة نحو التنمية والديمقراطية والوحدة، لأن قضية الصحراء المغربية ليست مجرد قضية حدود، بل قضية وجود.