أصدرت الهيئة الوطنية للتقييم لدى المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، بشراكة مع منظمة اليونيسيف، تقريرا حول تقييم التعليم الأولي بالمغرب، بهدف تحليل وضع هذا السلك في سياق التحولات الهيكلية التي يشهدها، من حيث جودة بيئات التعلم، وشروط الاستقبال، والممارسات التربوية، والمكتسبات النمائية والتعلمية للأطفال في نهاية مرحلة التعليم الأولي. كما يسعى إلى مقارنة التوجهات الاستراتيجية والسياسات العمومية الوطنية بالواقع الميداني، مع مراعاة تنوع الأوساط وأنماط العرض. وأوضح التقرير الذي قدمه مدير الهيئة الوطنية للتقييم، هشام آيت منصور، خلال لقاء تفاعلي مع الصحافة حضره موقع «القناة.كوم»، بمقر المجلس في الرباط، اليوم الخميس، أن نسبة الولوج إلى التعليم الأولي عرفت تحسنا ملحوظا خلال الفترة ما بين 2015 و2025، حيث ارتفعت من 50.2% إلى 70.4% لدى الأطفال في سن 4–5 سنوات. وسُجل تطور لافت في الوسط القروي، إذ انتقلت النسبة من 36.3% إلى 75.6%، متجاوزة الوسط الحضري الذي بلغ 66.8%. كما أظهر التقرير تحسنا في التكافؤ بين الجنسين خلال الموسم الدراسي 2024–2025، بنسبة 71.1% لدى الفتيات مقابل 69.8% لدى الفتيان. وأشار التقرير إلى توسع كبير في العرض العمومي، حيث ارتفع عدد وحدات التعليم الأولي العمومي من 6185 وحدة خلال 2018–2019 إلى 23182 وحدة خلال 2024–2025، مقابل تراجع الوحدات غير المهيكلة من 18882 إلى 4946 وحدة. كما تضاعفت الميزانية العمومية المخصصة للتعليم الأولي، منتقلة من 1.13 مليار درهم سنة 2019 إلى حوالي 3 مليارات درهم سنة 2025، مع انتقال تدريجي لثقل الإنفاق من الاستثمار إلى التسيير. وعلى مستوى مكتسبات الأطفال، أفاد التقرير أن المعدل العام بلغ 62 نقطة من أصل 100، حيث تجاوز أكثر من 75% من الأطفال العتبة المتوسطة المحددة في 50 نقطة. ولم تُسجل فروق دالة بين الجنسين، في مقابل فوارق مجالية واضحة بين الوسط الحضري، الذي سجل معدل 66 نقطة، والوسط القروي ب58 نقطة. كما سجلت تفاوتات حسب نوع التعليم، إذ حقق التعليم الخصوصي أعلى النتائج بمعدل 71 نقطة، يليه التعليم غير المهيكل ب67 نقطة، ثم التعليم المبني على الشراكة ب61 نقطة، وأخيرًا التعليم العمومي ب57 نقطة. وسجل التقرير أفضل أداء للأطفال في مجال النمو الاجتماعي-العاطفي ب68 نقطة، يليه ما قبل الرياضيات ب65 نقطة، ثم الوظائف التنفيذية بحوالي 60 نقطة، في حين اعتُبر مجال القراءة والكتابة المبكرة الأضعف بمعدل 56 نقطة، مع صعوبات بارزة في التعرف على أشكال وأسماء الحروف. وفي ما يخص بيئة التعلم، أبرز التقرير أن 53% من أولياء الأمور لا يتجاوز مستواهم الدراسي التعليم الابتدائي، من بينهم 28% غير متمدرسين، كما أن 36% من الأسر تعيش بدخل شهري يقل عن 2500 درهم. وأشار إلى أن 32% من الأطفال لا يتوفرون على أي كتاب داخل الأسرة، وترتفع هذه النسبة إلى 53% في الوسط القروي، فيما لم يُقرأ ل58% من الأطفال أي كتاب داخل البيت. وعلى مستوى المؤسسات، أوضح التقرير أن 86% من الأطفال يلتحقون بوحدات متصلة بماء الشرب، غير أن 31% فقط يستفيدون من مرافق صحية تستوفي المعايير، فيما لا تتجاوز نسبة الأطفال الذين يغسلون أيديهم بالصابون قبل الوجبات 38%. كما أشار إلى محدودية إدماج الأطفال في وضعية إعاقة، إذ لا تتجاوز نسبتهم 1.2% من مجموع الأطفال. أما الموارد البشرية، فأكد التقرير أن فئة المربيات والمربين يغلب عليها الطابع النسوي والشبابي، مع خبرة مهنية محدودة، خاصة في التعليم العمومي والتعليم المبني على الشراكة، حيث يؤطّر 49% من الأطفال من طرف مربيات ومربين لا تتجاوز خبرتهم خمس سنوات، وترتفع النسبة إلى 70% في الوسط القروي. كما سجل تفاوتا في الأجور، حيث يؤطَّر 25% من الأطفال من طرف مربيات ومربين يتقاضون أقل من 2000 درهم شهريا، مقابل 42% يتقاضى مؤطروهم أكثر من 3000 درهم. وفي ما يتعلق بالممارسات التربوية، أبرز التقرير محدودية الأنشطة التفاعلية داخل الأقسام، خاصة في مجالي ما قبل الرياضيات والقراءة والكتابة المبكرة، حيث لم يستفد 29% من الأطفال من أي نشاط في ما قبل الرياضيات، ولم يستفد 86% من قراءة كتب الأطفال أثناء الملاحظة الصفية. كما أشار إلى ضعف أنشطة التعبير الشفوي، واللعب الحر، والمشاركة النشطة، مع تسجيل تدخلات لفظية سلبية لدى 8% من الأطفال. وخلص التقرير إلى أن التقدم المحقق في تعميم التعليم الأولي لا يخفي استمرار الفوارق المجالية والاجتماعية في الولوج وجودة التعلمات، وتفاوت جودة بيئات التعلم، ومحدودية الممارسات التربوية التفاعلية، إلى جانب هشاشة إدماج الأطفال في وضعية إعاقة، واختلاف شروط العمل والتأطير المهني للمربيات والمربين. واعتمد التقرير مقاربة شمولية تجمع بين التحليل الوثائقي والمعطيات الميدانية الكمية والكيفية، مستندا إلى الإطار الدولي MELQO بعد تكييفه مع السياق المغربي، وشمل البحث الميداني 180 وحدة للتعليم الأولي و871 طفلًا، إلى جانب مربيات ومربين ومسؤولي مؤسسات وأولياء أمور، خلال الفترة ما بين أبريل وماي 2024.