قطر ترفض تصريحات "نتانياهو" التحريضية على خلفية وساطتها في هدنة الحرب على غزة    طقس الأحد: أجواء حارة نسبيا بعدد من الجهات    بعد خيباته المتراكمة .. النظام الجزائري يفتح جبهة جديدة ضد الإمارات    في خطوة رمزية خاصة .. الRNI يطلق مسار الإنجازات من الداخلة    برشلونة يهزم بلد الوليد    منتخب "U20" يستعد لهزم نيجيريا    وداعاً لكلمة المرور.. مايكروسوفت تغيّر القواعد    العثور على ستيني جثة هامدة داخل خزان مائي بإقليم شفشاون    إسرائيل تستدعي آلاف جنود الاحتياط استعدادا لتوسيع هجومها في قطاع غزة    الوداد يظفر بالكلاسيكو أمام الجيش    من الداخلة.. أوجار: وحدة التراب الوطني أولوية لا تقبل المساومة والمغرب يقترب من الحسم النهائي لقضية الصحراء    جلالة الملك يواسي أسرة المرحوم الفنان محمد الشوبي    الناظور.. توقيف شخص متورط في الاتجار في المخدرات وارتكاب حادثة سير مميتة وتسهيل فرار مبحوث عنه من سيارة إسعاف    حقيقة "اختفاء" تلميذين بالبيضاء    مقتضيات قانونية تحظر القتل غير المبرر للحيوانات الضالة في المغرب    البكاري: تطور الحقوق والحريات بالمغرب دائما مهدد لأن بنية النظام السياسية "قمعية"    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    أمسية احتفائية بالشاعر عبد الله زريقة    نزهة الوافي غاضبة من ابن كيران: لا يليق برئيس حكومة سابق التهكم على الرئيس الفرنسي    قطب تكنولوجي جديد بالدار البيضاء    تقرير: المغرب يحتل المرتبة 63 عالميا في جاهزية البنيات المعرفية وسط تحديات تشريعية وصناعية    52 ألفا و495 شهيدا في قطاع غزة حصيلة الإبادة الإسرائيلية منذ بدء الحرب    الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة بوفاة زوجها    تفاصيل زيارة الأميرة للا أسماء لجامعة غالوديت وترؤسها لحفل توقيع مذكرة تفاهم بين مؤسسة للا أسماء وغالوديت    حادث مروع في ألمانيا.. ثمانية جرحى بعد دهس جماعي وسط المدينة    ابنة الناظور حنان الخضر تعود بعد سنوات من الغياب.. وتمسح ماضيها من إنستغرام    المغرب يبدأ تصنيع وتجميع هياكل طائراته F-16 في الدار البيضاء    توقيف شخص وحجز 4 أطنان و328 كلغ من مخدر الشيرا بأكادير    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    مجموعة أكديطال تعلن عن نجاح أول جراحة عن بُعد (تيليجراحة) في المغرب بين اثنين من مؤسساتها في الدار البيضاء والعيون    الملك: الراحل الشوبي ممثل مقتدر    وصول 17 مهاجراً إلى إسبانيا على متن "فانتوم" انطلق من سواحل الحسيمة    كلية العلوم والتقنيات بالحسيمة تحتضن أول مؤتمر دولي حول الطاقات المتجددة والبيئة    العصبة تفرج عن برنامج الجولة ما قبل الأخيرة من البطولة الاحترافبة وسط صراع محتدم على البقاء    إسرائيل تعيد رسم خطوط الاشتباك في سوريا .. ومخاوف من تصعيد مقصود    تونس: محكمة الإرهاب تصدر حكما بالسجن 34 سنة بحق رئيس الحكومة الأسبق علي العريض    الملك محمد السادس يبارك عيد بولندا    كازاخستان تستأنف تصدير القمح إلى المغرب لأول مرة منذ عام 2008    بيزيد يسائل كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري حول وضعية مهني قوارب الصيد التقليدي بالجديدة    الإقبال على ماراثون "لندن 2026" يعد بمنافسة مليونية    منحة مالية للاعبي الجيش الملكي مقابل الفوز على الوداد    الداخلة-وادي الذهب: البواري يتفقد مدى تقدم مشاريع كبرى للتنمية الفلاحية والبحرية    أصيلة تسعى إلى الانضمام لشبكة المدن المبدعة لليونسكو    اللحوم المستوردة في المغرب : هل تنجح المنافسة الأجنبية في خفض الأسعار؟    الكوكب يسعى لوقف نزيف النقاط أمام "الكاك"    غوارديولا: سآخذ قسطًا من الراحة بعد نهاية عقدي مع مانشستر سيتي    الفنان محمد الشوبي في ذمة الله    الصحة العالمية تحذر من تراجع التمويل الصحي عالميا    دراسة: هذه الأطعمة تزيد خطر الوفاة المبكرة    دراسة: مادة كيمياوية تُستخدم في صناعة البلاستيك قتلت 365 ألف شخص حول العالم    "موازين" يعلن جديد الدورة العشرين    وفاة الممثل المغربي محمد الشوبي    القهوة تساعد كبار السن في الحفاظ على قوة عضلاتهم (دراسة)    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المترجم المغربي سعيد بوخليط: أنكبُّ على الموضوعات التي تصبو نحو المعرفة البنّاءة والسمو الوجودي والحرية والتحرُّر والتسامح
نشر في طنجة الأدبية يوم 25 - 05 - 2024

سعيد بوخليط من المترجمين المغاربة الذين أسهموا بدرجة كبيرة في إغناء المكتبة المغربية والعربية بالعديد من الإصدارات التي تندرج ضمن فن الحوارات الأدبية. وقد نشر هذا المترجم، الذي ولد أواخر شهر يونيو 1970 بمدينة مراكش،جملة من الكتب؛ منها: نوابغ سير وحوارات؛ وقضايا وحوارات بين المنظور الأيديولوجي والمعرفي…
ومن ثمّ، فقد اخترت أن أتوجه إليه بأسئلة تهم بواعث هذا الافتتان بالحوارات الأدبية في هذا الحوار:
أوليت عناية واهتماما لافتين للحوارات الأدبية في الأعمال التي ترجمتها إلى اللغة العربية؛ فقد دأبت، على امتداد سنوات، على ترجمة حوارات مع أدباء ونقاد ومفكرين ونشرها على صفحات المجلات والجرائد وبين دفتي كتب، من قبيل: نوابغ: سير وحوارات (2012)، وقضايا وحوارات بين المنظور الإيديولوجي والمعرفي (2014)، وآفاق إنسانية لامتناهية.. حوارات ومناظرات (2018)… فكيف نبع لديك الاهتمام؟ أو بتعبير آخر: ما البواعث والحوافز التي دفعتك إلى الإقبال على الاشتغال بترجمة الحوارات التي تُجرى مع الأدباء؟
أعتقد أنَّ جنس الحوارات تبقى في اعتقادي الأقرب إلى فهم واستيعاب حيثيات عوالم الأدباء ومختلف المعطيات الخاصة المرتبطة بحيواتهم الشخصية والفكرية، حيث شكَّلت باستمرار موضوع فضول جارف يحرِّض القرَّاء دون توقف على اكتشافه. طبعا، يغدو الحوار مُلْهما أكثر في خضمِّ ذات الحافز، إذا ارتبط بأسئلة تلتمس إماطة اللثام عن خبايا هذا الجانب المثير للانتباه، ثم بعد ذلك موحيا أكثر فأكثر وبامتياز، عندما تكون الأسئلة مباشرة، قد تخلَّصت من المناحي الأكاديمية الصرفة، والمقاربات المفهومية المجردة، ثم ركزت مضامينها على المتداول والمألوف والمشترك العام. حينها،ربما يشغل الحوار مجالا سخيَّا، تتعضَّد ممكنات حظوظ قراءته ما دام المتلقي يظل شغوفا، قياسا للباقي، بالنزوع صوب اكتشاف الجوانب الشخصية للكاتب ووقوفه على أسراره. هذا الشخص استطاع الارتقاء في لحظة معينة وجهة مستوى وجودي مغاير، وضعه ضمن أفق رحب للغاية، بخصوص نزوع البحث اللانهائي عن مكمن الإنساني داخل كل واحد منا، الذي يجسِّد بالضرورة فوق إنساني. إذن، بالنسبة إليَّ يلحُّ ويحضر بقوة الهاجس نفسه، بالتطلُّع صوب القدوة والمثال والنموذج. يمثِّل استلهامي لحوارات موضوعية، قبل كل شيء، سلسلة حوارات صامتة مع ذاتي ربما غدوت أكثر من ذاتي. لعبة متداخلة حدودها، لسبر أغوار الذات بفضل الآخر.
لا شك في أن لديك معايير واعتبارات ومقاييس محددة تتعلق بالأسماء والقضايا في اختيار الحوارات المترجمة.. ألا يمكن أن تتقاسم معنا هذه الاعتبارات والمعايير المتحكمة والمحددة لاختيار النصوص التي تقرر أن تترجمها؟
طبعا،الموضوعات العميقة التي تناقش قضايا محورية،بخصوص الارتقاء بالإنسان ومعه المنظومات المجتمعية، شرط ابتعادها عن مختلف أشكال الدوغماطيقية، العقائدية، الشعبوية، الديماغوجية، وبثِّ النَّعرات العدائية بشتى أنواعها، إلخ. موضوعات من هذا القبيل لا أدنو منها بتاتا، بحيث تثير قبل أن تبدأ امتعاضي الكلي وأعتبرها وباء فتَّاكا، لأنها تحوي سموما إيديولوجية مدمِّرة تدميرا جوهريا. مقابل ذلك، أنكبُّ انكبابا على الموضوعات التي تصبو نحو المعرفة البنّاءة والسمو الوجودي وكذا الحرية والتحرُّر والتسامح. لقد اشتغلت دائما، من خلال مكوِّنات المتن المنجز غاية الآن منذ بداية التسعينيات، ما يقارب ثلاثين كتابا ومئات المقالات، احتواها عنوان الرابط التالي (http://saidboukhlet. com)، على موضوعات من هذا القبيل، وتندرج ضمن مقومات السياق المتوخى مجمل الحوارات التي ترجمتها طيلة سنوات، ضمتها هياكل كتب جامعة خرجت فعلا إلى القارئ بفضل تفاعل دار عالم الكتب الحديث الأردنية وكذا خيال للنشر والترجمة الجزائرية.
تنشر إصداراتك المتعلقة بالكتب الحوارية لدى دور نشر تنشط داخل المغرب (الموجة الثقافية) وأخرى خارجه (جداول).. فما هي الأصداء والآثار التي لقيتها هذه الحوارات المترجمة في أوساط القراء بالساحة الثقافية، سواء داخل الوطن أو خارجه؟
حقيقة لا أمتلك مؤشرات استدلالية بهذا الخصوص، ولا شك كذلك في أنَّ طبيعة السياق السوسيو-ثقافي مثلما أضحى واقعا موضوعيا، نتيجة الديجيتال و الرقمنة،غيَّرت تماما المفاهيم والتقويمات المرجعية المعهودة، بخصوص تحديد سليم أقرب إلى الموضوعية. صحيح، تصلني بين الفينة والأخرى رسائل من المغرب وخارجه تثمِّن وتقيِّم إيجابا، بكيفية من الكيفيات، ما راكمته سواء من خلال ورش الحوارات أو باقي عناوين مناحي أعمالي، بالأخص كتاباتي وترجماتي الباشلارية التي تظل في نهاية المطاف النواة والحلقة الجامعة بين اهتماماتي. عموما، بالنسبة لخريطة تلك المشاريع الحوارية، فقد توزعت أبعاد مساراتها تبعا للشَّكل التالي:
حوارات معرفية هيَّأت دواعي أسئلتها وقصدت المعنيين بالإشكاليات، ثم ترجمتها من الفرنسية إلى العربية، يعود تاريخها إلى أواسط العقد الأول من الألفية الثالثة، أجريتها مع باحثين متخصصين في الفلسفة ينتسبون إلى الجامعات الفرنسية والأمريكية انصبت موضوعاتها حول شعرية غاستون باشلار، بحيث حاورت آنذاك كلوديا باريرا فيرناندا من كولومبيا التي أنجزت فصول أطروحة لنيل الدكتوراه تحت إشراف آلان باديو، اهتمت حيثيات موضوعها بظاهراتية غاستون باشلار، ثم تيريزا كاستيلاو لاولس أستاذة في جامعة ميشيغان الأمريكية؛من أصل برتغالي، صاحبة أبحاث عن باشلار، وقد كتبت لي تقديما لكتابي "غاستون باشلار: نحو أفق الحلم" الصادر في الرباط عن دار أبي رقراق سنة 2005. أيضا، ضمن اهتماماتي الباشلارية، أجريت حوارا مع الباحث الروماني إيونيل بوز، رئيس مركز ميرسيا إلياد. ثم عندما ترجمتُ كتاب "العقلانية النقدية عند كارل بوبر"، وأصدرته دار أفريقيا الشرق سنة 2009، بادرتُ إلى تدبيج بعض الأسئلة ألهمتني إيَّاها صفحات العمل الذي انشغل بمعجم بوبر، ووجهتها إلى صاحبة العمل الأستاذة روني بوفريس، المتخصِّصة أساسا في فكر بوبر؛ بل تعتبر أهمّ تلاميذه المباشرين. كذلك، لا بد من الإشارة في هذا المقام إلى حواري مع الباحث التونسي عمر الشارني، أستاذ الفلسفة بالجامعات الفرنسية، بمناسبة إصداره سنة 2005، عن دار النشر لارماتان دراسة مهمة تحت عنوان "أشكال الهجرة في الأدب العربي المعاصر"، حيث تناول نماذج الطيب صالح، توفيق الحكيم، أحلام مستغانمي...
حوارات شكَّلتُ موضوعا محوريا لها، تحديدا المسوغات العامة التي بلورت سياقات اهتمامي بمشروع غاستون باشلار الأدبي وباقي القضايا الموصولة بذلك. تنوَّعت أسماء المحاوِرين وكذا منطلقاتهم المعرفية. صدرت هذه الحوارات ملتئمة بين دفَّتي كتاب عنوانه: "شعرية غاستون باشلار وقضايا الترجمة" (الآن ناشرون وموزعون) (الأردن، 2022 ).
حوارات أثارت انتباهي وترجمتها إلى العربية، تطويها عناوين الإصدارات التالية: آفاق إنسانية لامتناهية حوارات ومناظرات (عالم الكتب الحديث، الأردن، 2018)، ومختارات للحاضر والمستقبل (دار خطوط للنشر والتوزيع الأردن، 2020)، وومضات حوارية، صحبة زُمرة ملهِمَة: رؤى فسيفساء معرفية (منشورات خيال الجزائرية، ولاية بورج بوعريرج (2023). يقول الناشر عن طبيعة العمل الأخير: "ينتهي القَارئ من مُطالعة هذا الكتاب قلقا وحائرا تجاه حياته السابقة! التي سارت دون رؤى ومعالم فكرية وفلسفية مدرجة في كتاب ينتج بلا شك حياة شخصية وفكرية وعامة أفضل! في هذا المنجز أكثر من ثلاثين لقاء مع نخبة عالمية، اشتغل عليها توضيبا وترجمةً الأكاديمي والمترجم المغربي سعيد بوخليط، الذي سبق أن تعرّف عليه القرّاء مغاربيا وعربيا من خلال أعمال مختلفة. عمل يُسائل ما تبقى من إنسانية حول قيم العدالة والخير والحب والتسامح والاختلاف والتي تواجه اهتزازات دائمة".
بحكم اشتغالك بترجمة الحوارات، ألا تفكر في ترجمة حوارات مع أدباء مغاربة إلى اللغة الفرنسية؟
أتمنى حقا الانتقال إلى الضفة الأخرى، والانعراج باهتماماتي المعرفية صوب وجهة أخرى، ترسم بالتأكيد منظورا متميِّزا جدا، قدر نوعيته قياسا لجلِّ ما راكمته. تطلُّع يسكن دواخلي؛ غير أنه يستدعي مثلما تحققت خطوات السعي سابقا، شيئين اثنين، لا أظن أنَّ هناك باحثا وفق المعنى الخالص للكلمة اختبر فعليا حيثيات العمل اليومي، يمكنه التنكُّر بهذا الخصوص لدافعين لا غنى عنهما قط، بغية التصالح مع الذات، بالتالي إمكانية النجاح موضوعيا، على مستوى تحقيق التراكمات. أقصد: الشغف والعشق ثم المبادرة والتثقيف الذاتي. غير ذلك، يستحيل بلورة معالم متن يستحق الحديث. حينما اكتشفتُ الجانب الأدبي لدى باشلار، أواسط أعوام التسعينيات، وكنت حينها في حيرة من أمري مع ضغط الوقت، وكذا هاجس تجنُّب السقوط في اجترار موضوع بحث لنيل الدكتوراه مكرَّر أو فاتر، غير قادر على إضافة شيء جديد، أو يحفز جدِّيا ممكنات تمرسي البحثي، وقع نظري صدفة على مقالة نقدية بين طيات مجلة فصول المصرية، قارب موضوعها فيما أذكر، غاستون باشلار واستلهام الظاهراتية في قراءة النص الأدبي. فعلا، شكلت الإشارة النفيسة، بداية جديدة مختلفة عن السابق، فاندلعت لدي شرارة الشغف وتوطدت حسيا لبنات العصاميين. وفق المنحى ذاته، وكجواب عن السؤال، أحتاج ثانية إلى الشغف ثم التحوُّل وجهة الاشتغال بجهد مضاعف على بنيات اللغة الفرنسية حتى تجاري بنفس الإيقاع، المستوى الذي أدركته لغتي العربية إلى حد ما.
تزاوج بين ترجمة الحوارات وإعدادها؛ فإلى جانب ترجمة الحوارات، تنخرط بدورك في إنجاز حوارات مع أدباء ونقاد وباحثين في شتى حقول المعرفة.. فما المرامي التي تحددها وترسمها لهذه العملية؟ وما الفروق التي تلمسها بين النشاطين؟
أحيانا، قد يحدث اللقاء صدفة، وأنا أتصفح على الأنترنيت مواقع ثقافية، أو عندما أقتني مجلة متخصِّصة. قد يثير حوار اهتمامي، ويبدأ يراودني هاجس ترجمته وكذا تقاسم مضامينه مع القارئ،وما أن تتجلى أولى سمات التراكم، يأخذ مشروع كتاب جديد في الهمس والإلحاح. منذ سنوات، عندما استأنست كثيرا بعملية النشر وأجوائها، وشرعت في هذا الإطار أسابق الزمان، لم أعد أرغب في تضييع أيِّ نصٍّ، بل أتصوره منذ الوهلة الأولى مشروع إضافة تأليفية. إنها صيغة منهجية تربوية، أحفِّز بها نفسي قصد المثابرة والاستمرارية وتعميق روافد الوجهة القادمة. تبعا للمنظور نفسه، تجاوزت مقالاتي الصحافية الأسبوعية، دواعي الظرفي والآني، قياسا لنموذجها الأولي، قصد التركيز على تيمة مفهومية بعينها، صرتُ أحاورها وأقلِّب حيثياتها وفق خطاب إنساني عميق، يمكث في الزمان ويتجاوز معطيات المكان، ويشرف على اليومي عبر رحابة الأفق اللانهائي. تصور، عكسته تشكُّلات مؤلفاتي الأخيرة: هواجس عالمنا الموبوء سياقات وآفاق جائحة كورونا. دار جبرا للنشر والتوزيع(الأردن)(2023). ترانيم ذاكرة، سيرة الأيام الأولى :دار يسطرون، السعودية (2023). هوامش على آثار الحياة والموت : كيف أرى الوجود؟ دار جبرا للنشر والتوزيع (الأردن)، (2023).
خصصت في موقعك الشخصي على الأنترنيت محورا خاصا بالحوارات. فكيف تقيم تجاوب المبحرين في الشبكة العنكبوتية مع هذه المواد؟
عموما، لا بأس، ارتباطا بحدود نزوع طبيعتي شخصيتي الزاهدة، بما يكفي، فيما يخص علاقاتي مع جماعات المثقفين. لقد ابتعدت منذ أزمنة ليست بالقليلة عن التجمعات الثقافية واللقاءات الفكرية والتواصل مع المثقفين، لأسباب ذاتية وموضوعية. ربما، ينعكس هذا التقصير من جانبي بطريقة غير إيجابية على تداول أكثر سخاء لعناوين منجزي. قد لا أكون صائبا تماما بخصوص هذا التأويل،لكن وجب التأكيد على أن الجوانب الشخصية والعلاقات مع الفاعلين، بصرف النَّظر عن جودة ما يقدَّم، تلعب دورا مثمرا. رغم مختلف ذلك، تظل جملة حوارات أجريت معي خلال فترات متقاربة أو متباعدة، الصادرة مثلما أشرت أعلاه بين دفتي كتاب "شعرية غاستون باشلار وقضايا الترجمة"، دشَّنت خيوطها منذ سنة 2014 مبادرة مجلة العربية والترجمة، التي دأبت على إصدارها المنظمة العربية للترجمة، ثم توالت المبادرات الحوارية من العراق، فلسطين، الكويت، مصر، الجزائر، الإمارات العربية المتحدة، بجانب باحثين وصحفيين من المغرب. أقول بأنَّ ذلك يكشف بلا لبس عن موقع ضمن هويات الجغرافية الفكرية. أضيف، أصبح اسمي منذ فترة طويلة مرتبطا بالسعي إلى تفكيك أحلام شعرية باشلار وبسطها أمام القارئ العربي.
نشرت، في مرحلة سابقة من مسيرتك الثقافية والعلمية، سلسلة حوارات على صفحات جريدة "الأخبار" المغربية. . فما السياق الذي تحكم في إخراج هذه السلسلة؟ وكيف تقيم تلك التجربة؟
ذكرى جميلة حقا، أستعيد معها بحنين لذيذ للغاية،رمزية الصحافة المغربية اليومية في صيغتها الورقية، التي مثَّلت بالنسبة لي وكذا أفراد جيلي،ورشا تثقيفيا مفصليا، ودافعا جوهريا،نحو التشبُّع بقيم الفكر والتربية والنضال الإنساني. تترسَّخ بين ثنايا ذاكرتي، منذ بواكير وعيي الإعلامي، تقريبا بداية التسعينيات، عناوين صفحات "فسحة رمضان" أو "فسحة الصيف"، خاصة مع جريدة الاتحاد الاشتراكي دون نسيان طبعا معلمة الملحق الثقافي الأسبوعي. بناء على منحى هذا السياق، جاءت التجربة مع جريدة الأخبار، بحيث نشرت طيلة أسابيع سلسلة حوارات مترجمة تناولت جوانب من إبداعات وآثار أسماء تنتمي إلى فصيلة: مهدي عامل، نعوم تشومسكي، تزفيتان تودوروف، بوريس سيرولينك، مصطفى صفوان، هشام جعيط، أورهان باموق، محمد يونس، بيتر سلوترديك، جوليا كريستيفا، روني بوفريس، بوب مارلي، مارسيل غوشيه، إيف بونفوا، سمير أمين، نجيب محفوظ، إدوارد سعيد، محمد بنيس، محمد أركون، مالك شبل، ريجيس دوبري، عبد اللطيف اللعبي، أمين معلوف. قبل موسم الحوارات، نشرت الجريدة أيضا في صيغة حلقات مضامين كتابي: أمي الحبيبة : من بودلير إلى سانت إيكزوبيري، رسائل أدباء . دار مها للنشر والتوزيع والترجمة، مصر. (2017). في سوريا : دار خطوط للنشر والتوزيع (الأردن)( 2020).
ما الكتاب الحواري الذي قرأه د. سعيد بوخليط ونال إعجابك؟
بالنسبة لأولى بداية تكويني المعرفي،أستعيد بين الفينة والأخرى، حوارات للأستاذ بن سالم حميش، صدرت عام 1988عن دار الفارابي، تحت عنوان: "معهم حيث هم"، تعرفت بفضل تلك اللقاءات المعرفية المهمة على بعض أسماء الفكر المعاصر الكبيرة من عيار: عبد الرحمان بدوي،عزيز الحبابي، محمد عابد الجابري، عبد الله العروي، طيب تيزيني، حسين مروة، نديم البيطار، ثم المستشرق مكسيم رودنسون والروائي الروماني إميل سيوران. أما حاليا، فإنني بصدد قراءة حوارات طويلة مع جوليا كريستيفا تناولت في صيغة جلسات طويلة مع الباحث صامويل دوك،حياتها منذ طفولتها غاية انتقالها إلى فرنسا وزواجها بفيليب سوليرز،وكذا مختلف حيثيات مشروعها الأدبي والنقدي والروائي.
تواكب، في إطار اهتمامك بالحوارات، الأعمال التي أعدها وأنجزها الباحثون المغاربة، سواء على مستوى الترجمة أو التأليف.. فما تقييمك العام لهذه الإصدارات؟ وما مواطن التفرد فيها ومواطن الخلل؟
إضافة إلى مؤلَّفي طه عبد الرحمان: "في أصول الحوار وتجديد علم الكلام"، وكذا "حوارات من أجل المستقبل"، اطَّلعت على جانب من مؤلفات أستاذ البلاغة محمد العمري الموصولة بآليات الحوار وتداولية الخطاب، في حدود الممكن وممكنات الهامش الذي أتركه لنفسي ضمن سياقات، ما أودُّ التركيز عليه جدا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.