"ندوة السلام".. بن عبد الله يدعو لتكثل عالمي يواجه إجرام إسرائيل ويحيي سكان طنجة    سوريا.. السلطات تعتبر القصف الإسرائيلي لمنطقة قريبة من القصر الرئاسي بدمشق "تصعيدا خطيرا"    لهذه الأسباب سيغيب الدولي المغربي مزراوي عن فريقه … !    اعتقال مروج مخدرات خطير بمراكش وبحوزته آلاف الأقراص المهلوسة    توقيع اتفاقية إطار بشأن الشراكة والتعاون من أجل تطوير الحكومة الإلكترونية وتعميم استخدام ميزات الهوية الرقمية    البواري يتفقد مدى تقدم مشاريع كبرى للتنمية الفلاحية والبحرية بجهة الداخلة    يونس مجاهد: مجالس الصحافة وضعت للجمهور وليست تنظيمات بين-مهنية    رغم القطيعة الدبلوماسية.. وفد برلماني مغربي يحل بالجزائر    مخاريق: لا يأتي من بنكيران سوى الشر.. وسينال "العقاب" في الانتخابات    الجامعة الملكية المغربية تكرم المنتخب الوطني النسوي المتوج بكأس الأمم الإفريقية للفوتسال    بسبب اختلالات رياضية.. الجامعة الملكية تصدر قرارات التوقيف والغرامة في حق عدد من المسؤولين    الناظور ضمن خريطة أطول أنبوب غاز في العالم يربط إفريقيا بأوروبا    مواطنون إسبان يشيدون بالمساعدة المقدمة من المغرب إثر انقطاع الكهرباء    لبنان يحذر حماس من استخدام أراضيه للقيام بأي أعمال تمس بالأمن القومي    في الجلسة الافتتاحية للمنتدى الدولي الثالث للبرلمانيين الشباب الاشتراكيين والديمقراطيين .. الكاتب الأول إدريس لشكر: الجيل الجديد من البرلمانيين الشباب مطالب بحمل مشعل الحرية والكرامة والتضامن في عالم مضطرب    توقعات أحوال الطقس في العديد من مناطق المملكة اليوم الجمعة    الفنان محمد الشوبي في ذمة الله    الصحة العالمية تحذر من تراجع التمويل الصحي عالميا    اللاعب المغربي إلياس أخوماش يشارك في جنازة جدته بتطوان    بعد 25 سنة.. شركة "FRS" تُعلن رسمياً توقف نشاطها البحري بين طنجة وطريفة    حقوقيون يسجلون إخفاق الحوار الاجتماعي وينبهون إلى تآكل الحريات النقابية وتنامي القمع    "إغلاق أخضر" في بورصة البيضاء    دراسة: هذه الأطعمة تزيد خطر الوفاة المبكرة    دراسة: مادة كيمياوية تُستخدم في صناعة البلاستيك قتلت 365 ألف شخص حول العالم    « بين التاريخ والرواية» كتاب جماعي يرصد مسارات أحمد التوفيق    في كلمة حول جبر الأضرار الناجمة عن مآسي العبودية والاتجار في البشر والاستعمار والاستغلال بإفريقيا: آمنة بوعياش تترافع حول «عدالة تعويضية» شاملة ومستدامة    «غزة على الصليب: أخطر حروب الصراع في فلسطين وعليها»    حادثة سير مميتة تنهي حياة سبعيني بالفقيه بن صالح والسائق يفرّ هاربا    العرائش تسجل أعلى نسبة تملك.. وطنجة تتصدر الكراء بجهة الشمال    "موازين" يعلن جديد الدورة العشرين    كلية الآداب بالجديدة وطلبتها يكرمون الدكتورة لطيفة الأزرق    عبد الله زريقة.. علامة مضيئة في الشعر المغربي تحتفي به "أنفاس" و"بيت الشعر"    مقاطعة مديري مؤسسات الريادة للعمليات المصيرية يربك مشروع الوزارة في الإصلاح التربوي    للمرة الخامسة.. مهمة سير فضائية نسائية بالكامل خارج المحطة الدولية    سفينة مساعدات لغزة تتعرض لهجوم بمسيرة في المياه الدولية قرب مالطا    رسالة مفتوحة إلى السيد محمد ربيع الخليع رئيس المكتب الوطني للسكك الحديدية    العلاقات التجارية بين المغرب ومصر.. وفد اقتصادي مغربي يزور القاهرة    كوريا: الرئيس المؤقت يقدم استقالته لدخول سباق الانتخابات الرئاسية    "الكورفاتشي" تستعد للتنقل إلى مدينة الدار البيضاء لحضور "الكلاسيكو" أمام الوداد    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    وفاة الممثل المغربي محمد الشوبي    خُوسّيه سَارَامَاغُو.. من عاملٍ فى مصنعٍ للأقفال إلى جائزة نوبل    الذهب يتعافى بعد بلوغ أدنى مستوى في أسبوعين    كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة: المغرب يستهل مشواره بفوز مثير على كينيا    تفاصيل إحداث قطب تكنولوجي جديد بالدار البيضاء يوفر أزيد من 20 ألف منصب شغل    الصين تدرس دعوات أمريكية لاستئناف الحوار بشأن الرسوم الجمركية    كرة القدم.. توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي    احتراق شاحنة على الطريق السيار طنجة المتوسط    منتجو الفواكه الحمراء يخلقون أزمة في اليد العاملة لفلاحي إقليم العرائش    الزلزولي يساهم في فوز بيتيس    هل بدأت أمريكا تحفر "قبرها العلمي"؟.. مختبرات مغلقة وأبحاث مجمدة    القهوة تساعد كبار السن في الحفاظ على قوة عضلاتهم (دراسة)    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاعتداء على قافلة الحرية السلمية في اتجاه غزة بين تركيا والنظام الرسمي العربي ..؟
نشر في العلم يوم 04 - 06 - 2010

شهد العالم في نهاية الأسبوع الأخير وبداية الأسبوع الحالي مأساتا وطغيانا لم يشهدهما التاريخ حتى في عصور قانون الغاب والنظم المتوحشة، وليس في عالم يسوده القانون والمنظمات والمؤسسات الدولية التي تحمي هذا القانون وترعاه، ولكن يظهر أن هذه الرعاية والحماية إنما يتمان ويتم الأخذ بهما عندما يتعلق الأمر بشعوب ودول غير الدولة الصهيونية، أما عندما يتعلق الأمر بالصهيونية وجرائمها فالنظام العالمي وأحرى النظام العربي الرسمي في غيبوبة وفي بحث في أحسن الأحوال عن الأعذار والمبررات ذلك ما يلاحظ اتجاه جريمة إسرائيل في حق قافلة الحرية السلمية المتجهة إلى غزة.
تساؤل ويقين
منذ بدأ الاستعداد لإطلاق قافلة الحرية في رحلة بحرية سلمية في اتجاه مدينة غزة المحاصرة والمجاهدة، تساءلت مع نفسي هل ستسمح الغطرسة الصهيونية للقافلة لتأدية مهمتها الإنسانية؟ ولا شك أن غيري من الناس تساءل نفس السؤال وربما بحواشي من الأسئلة التي تتداعى بعد مثل هذا السؤال المفتاح، ومن المؤكد أيضا أن المناضلين الشرفاء من كل الأقوام والأجناس والملل الذين قرروا المشاركة وشاركوا بالفعل سيطرحون هذا السؤال وربما بكيفية أعمق، هل سنصل؟ وماذا سيحدث ونحن في الطريق؟ لأن التاريخ علم الناس منذ أمد بعيد في تعاملهم مع الصهاينة أن الصهاينة لا عهد لهم ولا ميثاق، وان الإنسانية والرحمة والرأفة قيم ليس لها مكان في قلوب هؤلاء فهم كما قال فيهم القرآن (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة). غير أن حماسة هؤلاء المشاركين حولت السؤال إلى اليقين بفوز الحرية وقافلة الحرية.
الصهيونية وعقدة الذنب لدى الغرب
إن الدعاية الصهيونية استطاعت من خلال استغلال اضطهاد اليهود من طرف أوربا أن تجعل الناس ينظرون إلى أكاذيبها وأباطيلها بشيء من الرحمة أو الصدق، واستطاعت من خلال جهازها الدعائي أن تطارد الشرفاء الذين يتصدون لأكاذيبها وأباطيلها في كل مكان وان تعرضهم لمحاكمات قاسية في كل زمان، بل استطاعت أن تفرض الأكاذيب والمبالغات التي تخدمها حتى في مدرجات الجامعات، وان لا يقبل من البحوث العلمية إلا تلك البحوث التي تمجد الأساطير التي قامت على أساسها دولة الباطل دولة إسرائيل، هذا تؤكده الرسائل الجامعية التي ألغيت بعد انجازها ومحاكمة كثير من الشرفاء، والباحثين وابتزاز القادة السياسيين وغير ذلك مما تنشره الصحف ويسجل في كتب ودوريات وفي الأفلام الوثائقية، لذلك فإن الناس كانوا ينظرون إلى هذه القافلة باهتمام كبير ويتتبعون خطواتها حتى قبل إقلاعها، وقد بدأت بوادر ذلك المصير المنتظر بالضغوط التي مورست على اليونان وعلى قبرص حتى لا تستقبل السفن في موانئهما وتأكد ذلك بالمخيمات التي أعدتها الدولة الصهيونية لتضع فيها من ستعتقلهم من المناضلين المتطوعين على ظهر هذه السفن.
بين شجاعة المتطوعين ومخاوف الساسة
وإذا كان الإنسان لا يملك إلا أن يقدر شجاعة ونبل هؤلاء المتطوعين الذين غامروا بحياتهم وهم يعرفون ان الصهاينة يحظون بدعم القوة الكبرى في العالم وان هذه القوة لم تقدر ان تقف في وجه الضغوط الإسرائيلية إذ ذهبت كل الوعود التي أرسلها الرئيس الجديد في أمريكا أدراج الرياح وكان ما أراده الصهاينة لا ما أرادته القوة العظمى ورئيسها ومع ذلك فإن هؤلاء قرروا أن ينطلقوا على بركة الله وهم في جميع الحالات سيكسبون وستكسب معهم القضية الفلسطينية وغزة بالذات، بل سيكسب معهم حتى هؤلاء المسؤولون في كل مكان الذين يخشون أو يتقون شر الصهاينة وأخطبوطهم الإعلامي والدعائي.
ألسنة دول الرباعية تتحرك
ولعل أول كسب هو انطلاق السنة بعض قادة دول ممن يسمون بالرباعية للمطالبة برفع الحصار على غزة وفتح المجال أمام المساعدات الإنسانية لتمر وترك الناس يمرون من المعابر ويخرجون من سجن مدينة غزة إلى المجال الأوسع في دنيا الناس.
فلم يكن قبل ما حدث لقافلة الحرية منتظرا من بعض الرؤساء ان يصدر منهم ما صدر من تصريحات وتلميحات ولعلها ان تكون بداية انطلاق الألسنة لتتبعها الأعمال لإنصاف الشعب الفلسطيني الذي تحمل من الآلام والعذاب ما لم يتحمله شعب آخر.
الرحلة وانكشاف الأباطيل
إن هذه القافلة أيضا حققت انجازا مهما وكبيرا على مستوى الرأي العام الدولي فالناس اليوم أصبحوا ينظرون إلى إسرائيل ليس بالشكل الذي تريده ولكن بالشكل الذي هي عليه. وهي أنها دولة القهر والطغيان ودولة قائمة على الظلم وقهر الإنسان الفلسطيني فالذين كانوا ينظرون إلى إسرائيل على أساس أنها دولة تحيط بها مجموعة من الشعوب المعادية ويتربصون بها لقذفها في البحر يدركون اليوم أكثر مما أدركوا في الماضي إن هذا الادعاء ادعاء زائف وباطل، وان هذه الطغمة من السفاكين للدماء الفلسطينية لم يتورعوا ان يقوموا بنفس الشيء ونفس التصرف مع متطوعين عزل من كل سلاح يوجدون في مياه دولية لا سلطة لإسرائيل عليها، ولكنها هاجمتهم بأسطولها البحري والجوي والقوات الخاصة وقتلت من قتلت واعتقلت من اعتقلت مع سلسلة من الأكاذيب والأباطيل التي يشهد عليها العالم اجمع وهكذا أتاح الله لهذه القضية العادلة قضية الشعب الفلسطيني فرصة ليكشف الناس من جديد أن ما تدعيه إسرائيل ليس إلا خدعة تخدع بها البسطاء والضعفاء من الناس.
الخوف مدمر...
وقد يكون كذلك ان هذه القضية كسبت من بين ما كسبت ان الشجاعة والتحرر من الخوف يجعلان الحق والعدل يأخذان مجراهما الطبيعي في دنيا الناس فلو أن هؤلاء المتطوعين جبنوا وقرءوا العواقب بشكل سلبي يقوده الخوف ما كان لهم أن يقدموا على ما قدموا عليه وما كان لحركتهم التطوعية أن تتحرك وما كان لهم ولا لهذه الحركة المباركة أن توتي من ثمار تحريك الرأي العام العالمي ما أتت به وحققته، لقد كان هؤلاء وفيهم كفاءات عالية سياسية وقانونية وثقافية وتشريعية وأدبية وفيهم ذوو خبرات عالية في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، إن هذا العدد الهائل من الخبرات لم يكن ليخفى عليهم أو يغيب عن أذهانهم ما كان يمكن أن يحصل وما قد يترتب عن تزييف المقولة الصهيونية وما تروجه من أباطيل.
الصوت الآخر المغيب وقافلة الحرية
ان الصهيونية تشعر أن العملية ستفضح الأسلوب المراوغ في المفاوضات المباشرة وغير المباشرة، وهي تعرف أنها ستفسح المجال أمام الصوت الفلسطيني الآخر الذي يحاول الصهاينة ومن يمالئهم من العرب تحت ضغط حليفتها الكبرى الولايات المتحدة الأمريكية. أن يجعلوه يخبو ويكون الصوت النشاز والرافض للسلام وللعملية السلمية السياسية التي تقودها الحليفة وتفرض مسايرتها على النظام الرسمي العربي بما فيه السلطة الفلسطينية هذا الصوت المنبعث من خرائب غزة: خرائب المدارس التي دكتها إسرائيل في حربها 2008 _ 2009 خرائب المستشفيات خرائب المؤسسات التجارية أو الصناعية البسيطة خرائب مقرات الأمم المتحدة والأماكن المعدة للاجئين الفلسطينيين، خرائب المنازل التي دكت وهدمت على رؤوس أصحابها وأشلاء المعذبين والمصابين كل هذا ستشهد عليه قافلة الحرية وسينتعش الأمل لدى هؤلاء بأن الحصار والحظر الظالمين سيزولان ومعهما يزول الضغط والمساومات عن طريق لقمة العيش وحبة الدواء وغير ذلك من ضرورات الحياة التي حرمت منها إسرائيل والمتضامنين معها من الحكام العرب بقيادة أمريكا.
الرحلة السلمية وورقة التوت
ان هذه المعركة السلمية بالمعنى الحقيقي للسلم والتي من شأنها تقويض إستراتيجية إسرائيل والمتمالئين معها من مختلف الجهات لفرض الأمر الواقع الإسرائيلي في الظلم والطغيان وفرض الحكام العملاء هنا وهناك استطاعت هذه المعركة التي تضامن معها شرفاء العالم وأحراره ان ترفع ورقة التوت الإسرائيلية والنظام العربي الرسمي المهزوم، وهي في نفس الوقت أبرزت من جديد قوة وقدرة التضامن العربي الإسلامي الإنساني على مستوى الدفاع عن المظلوم وإغاثة الملهوف حسب التعبير العربي الإسلامي وهي قيم تلتقي حولها الإرادات الحية من جميع الأجناس والأعراق والديانات ولا غرابة في هذا كله أن يبرز دور تركيا هذه الدولة التي تعتبر بمقاييس التصنيفات الغربية الرسمية وتصنيفات المحللين حليفة لإسرائيل في المنطقة ولكن روح النخوة الإنسانية التي كانت بها الدولة التركية العثمانية والمرتكزة على قيم الآخذ بيد المظلوم هذه القيم التي مدت بها تركيا اليد لليهود المضطهدين في أوروبا1942 انبعثت لدى الشعب التركي الاصيل.
انتم مهاجرون أهلا وسهلا
ففي اسبانيا 1492 عندما طاردت محاكم التفتيش اليهود والمسلمين من اسبانيا والتجأ( 300) ألف يهودي إلى عاصمة تركيا واستقبلتهم بالأحضان ذلك أنه في عام 1492 عندما أتم فردياند وازابيل إنهاء الحكم الإسلامي بالأندلس فرضوا كما هو معروف التنصير عن طريق القوة ومحاكم التفتيش على المسلمين واليهود، وفر الكثير من اليهود إلى شمال إفريقيا والى تركيا فرارا من حملات التطهير ولجأ من اليهود كما يقول حوالي (300) ألف ووصل منهم إلى تركيا (100) ألف والمهم في هذا هو أن اليهود في تركيا احتفلوا بمرور أربعمائة عام على لجوء اليهود إلى اسبانيا 1892 وكتب أحد الشعراء اليهود. »من بقي متشبثا بدينه دخل اسطنبول فقيرا عاريا وكان باستطاعة المهاجرين ان يسمعوا في أول مرة »انتم مهاجرون أهلا وسهلا«.
ان هذه العبارة أهلا وسهلا التي استقبل بها اليهود الفارين من اسبانيا الأوروبية هي نفس العبارة التي سمعوها في كل الأراضي الإسلامية التي لجأوا إليها فرار من قمع واضطهاد محاكم التفتيش، ولكن اليوم نخص تركيا بالذكر بالذات لأنها انبعثت في شرايين شعبها وحكومتها كما قلنا تلك الروح الإنسانية الإسلامية العظيمة نصرة المظلوم واغاثة الملهوف.
تركيا والدور الجديد والنظام العربي
وان هذا الدور الجديد الذي تلعبه تركيا على الصعيد الإنساني والعربي والإسلامي يجب أن يبعث روح تلك القيم وتلك النخوة لدى المسؤولين العرب ذلك ما كنا ننتظره ولكن المأساة الكبرى هي أن الناس في كل الدنيا هبوا للمطالبة برفع الحصار وفورا وهو ما عبر عنه الأمين العام للأمم المتحدة صراحة حيث طالب برفع الحصار وفورا ولكن النظام العربي يرفع الأمر من جديد إلى مجلس الأمن أي إلى الولايات المتحدة الأمريكية أو إن شئت الدقة إلى حكومة إسرائيل ولاشك أن هذا القرار الجديد من المسؤولين العرب صدم ويصدم الشعور العربي الإسلامي في قمة نشوته واعتزازه بالموقف التركي والموقف التضامني في العالم. ولكن المسؤولين العرب ليست هذه المرة الأولى التي يصدمون فيها شعور شعوبهم وإنما أي هكذا خلقت.
الدور جزء من استراتيجية
لا أريد في هذا الحديث أن أتحدث عن دور رئيس الحكومة التركية الذي اتخذه في هذه النازلة والذي هو امتداد لمواقفه السابقة في نصرة القضية الفلسطينية، وإذا كان البعض يحاول إرجاع هذه المواقف إلى توجهه المبدئي باعتباره واحدا من الحركة الإسلامية التركية الحديثة وإذا كان لا يمكن صرف النظر عن هذا العامل العقدي فإنه في الواقع ليس العامل الأساس والفعال في هذه المواقف بل العامل الأساس هو النظرة الجديدة لدى النخبة السياسية التركية والتي لا تقبل أن تكون الدولة التركية دولة طرف أو دول تكمل مواقفها مواقف الغير وتكون إستراتيجيتها إستراتيجية تابعة وهنا جاء الحديث عنه في فلسفة وأعمدة الساسة الجديدة كما يراها احد مهندسيها وهو وزير الخارجية التركي الحالي فمن هو؟
ملامح شخصية فاعلة
يمثل البروفسور أحمد داوود أوغلو، علامة فارقة في الوسط النخبوي والدبلوماسي التركي، فهذا »الشاب« الذي يناهز الخامسة والأربعين من العمر، كان نموذجا للأكاديمي الذي لم يسمح لمشاعره وأحاسيسه » الدينية« أن تحول دون رؤية تركيا بكل فئاتها وأبعادها وأدوارها. وإضافة إلى مهامه كأستاذ العلوم السياسية في أكثر من جامعة، آخرها جامعة »بايكنت«، فان داوود أوغلو أسس في التسعينيات مركزا للدراسات الإستراتيجية باسم »علم وصنعت« في محلة آقصاراي، باسطنبول، وبعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في خريف 2002 انتقل المركز إلى مبنى جديد في محلة »وفا« قريب من جامع شهزاده المشهور، وتوسعت اختصاصات المركز بحيث يقوم بدور مهم في إعداد الدراسات وتقديم الاستشارات.
لكن التحول النوعي في عمل أحمد داوود أوغلو، كان توليه منصب كبير مستشاري رئيس الحكومة، رجب طيب أردوغان، وزير الخارجية، عبد الله غول. ونجح داوود أوغلو في » اختراق« قلعة وزارة الخارجية ليكون أول شخص برتبة سفير من خارج النخبة العلمانية المتشددة التي تسيطر على مقاليد الوزارة وتشكل إحدى مراكز قوى »الدولة المتجذرة«.
أما ما يمكن أن يخلد في ذاكرة الأتراك فهو أن أحمد داوود أوغلو هو »منظّر« الإستراتيجية الجديدة التي تنهجها تركيا وقوامها إخراج تركيا من بلد »طرف« عضو في محاور وعداوات إلى بلد »مركز« على مسافة واحدة من الجميع وفي الوقت نفسه ذي دور فاعل ومبادر في كل القضايا الإقليمية والدولية. وهو ما يفسر التحسن الهائل في العلاقات بين تركيا ودول جوارها، ومنها سوريا وإيران واليونان وروسيا... إلخ. وهذه الإستراتيجية التي وردت ملامحها الأساسية في كتابه الأشهر »العمق الاستراتيجي« تكسر السياسات التقليدية التي اتبعتها تركيا منذ تأسيس الجمهورية وحتى الآن.
هذا ما يقوله محمد نور الدين في تقديم هذا الدور في كتابه »تركيا الصبغة الجديدة« ص:218 ويزيد:
أحمد داوود أغلو صديق قديم، لذا كان الحوار معه ( خريف 2003) صريحا ويكشف بالتفصيل معالم الإستراتيجية التركية الجديدة في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ المنطقة والعالم.
_ تحدثتم في تصريحاتكم الأخيرة عن ضرورة أن تتحول تركيا من دولة جبهة إلى دولة مركز. فما الذي تقصدونه بذلك؟
الدور ونضال الأجداد
إذا ألقينا نظرة إلى تاريخ تركيا، نجد أن أجدادنا، على سبيل المثال، قد حاربوا على جميع الجبهات في الحرب العالمية الأولى، أي دخلوا مع الغرب في علاقات مواجهة. وقد »تسلمت« الجمهورية، في أثناء تحولها من السلطنة العثمانية إلى الدولة التركية بلدا كان مضطرا لخوض حروب عدة، فعلى سبيل المثال قاتل جدي على جبهة فلسطين، أما جدي الآخر، فقد وجد له مكانا على جبهة طرابلس، وكلها جبهات شرق أوسطية. كما ذهبوا إلى حرب البلقان والقوقاز، وتم إنشاء الجمهورية التركية بعد خوض العديد من الحروب في كل مكان. إن ما أقصده بدولة الجبهة هو الدولة التي تواجه صراعات مستمرة.
تركيا وحلف شمال الأطلسي
وعند انضمام تركيا إلى حلف شمالي الأطلس عقب الحرب العالمية الثانية تحولنا إلى دولة جناح، أي أصبحنا جزا من الجناح الجنوب الشرقي لحلف شمالي الأطلسي، وتم بلورة سياساتنا الخارجية بحسب هذا الوضع الجديد. وبعد انتهاء مرحلة الحرب الباردة، بات يُنظر إلى تركيا، كما يشير بعض الكتاب مثل هانتنغتون على سبيل المثال، على أنها دولة طَرَفية، أي دولة ممزقة توجد على أطراف الغرب من جهة وعلى أطراف الشرق من جهة أخرى، فهي تمثل أطراف أوروبا كما تمثل أطراف العالم الإسلامي. هذه هي المكانة التي أعطيت لتركيا حسب هؤلاء الكتاب.
تركيا من دولة طرف إلى دولة المركز
وهنا يجب علينا بلورة هذا الكلام ضمن الاتجاه الصحيح. فما أقصده من دولة المركز هو وجود تركيا في مكان قريب من الجغرافيا التي تسمى » أفروآسيا« أي أفريقيا وأوروبا وآسيا، فهي هنا ليست دولة أطراف. لا أريد هنا ذكر أي اسم، لكني أستطيع القول إنها لا تشبه الفيليبين، أي أنها من الناحية الجغرافية دولة مركز وليست دولة طَرَفية، فتركيا ليست دولة أوروبية وحسب موقعها المركزي ، بل هي دولة آسيوية أيضا، وليست دولة آسيوية وحسب بل هي دولة أوروبية أيضا، وهي ليست دولة واقعة ضمن حوض البحر الأبيض المتوسط وحسب، بل هي واقعة في حوض البحر الأسود أيضا، كما يوجد أجزاء من تركيا في البلقان والقوقاز والشرق الأوسط. فتركيا، والحالة هذه، تمتلك القدرة على التأثير والتأثر بالدولة المحيطة بها.
موقع تركيا وشكل الحضارات
وإذا ما ألقينا نظرة تاريخية، نجد أن تركيا تقع وسط المكان الذي تشكل فيه تاريخ الحضارات الموجودة في المنطقة. وعندما نلقي نظرة إلى حضارة ما بين النهرين والحضارات المصرية واليونانية والإسلامية والرومانية والعثمانية، نجد أن تركيا ليست دولة طَرَفية، بل هي دولة تؤثر في حضارات عدة وتتأثر بها في الوقت نفسه. فهي دولة مركز من الناحيتين التاريخية والثقافية. وإذا ما ألقينا نظرة إلى خطوط تدفق الطاقة، نجد أن هذه الخطوط تتوه وتضيع طريقها إذا ما حذفتم تركيا عن الخريطة، إذ أنه يمر بتركيا خطوط أنابيب النفط والغاز الطبيعي وخطوط نفط باكو تبليس وجيحان، وخطوط أنابيب كركوك يمورتالك وخطوط أنابيب أخرى. وعندما نقوّم موقع تركيا، نجد أنه لا يمكنها أن تكون دولة جبهة يجب عليها الدخول في صراعات ومواجهات عسكرية، كما كان الوضع في نهاية الإمبراطورية العثمانية. ولا يمكن أن تكون دولة جناح.
ما هي مكانة تركيا؟
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما هي مكانة تركيا؟ والجواب: عندما يُنظر إلى تركيا من الغرب تظهر على أنها دولة شرقية، وإذا ما نُظر إليها من الشرق فإنها تظهر دولة غربية، وعندما يُنظر إليها من الشمال أي من ناحية الدول المتطورة اقتصاديا. تُرى على أنها دولة جنوبية من حيث الكثافة السكانية والوضع الاقتصادي المتردي وانخفاض دخل الفرد وغير ذلك. أما إذا نُظر إليها من الجنوب فيمكن اعتبارها جزءاً من دول الشمال. فهي دولة جزء من الاتحاد الأوروبي، وعضو في منظمة المؤتمر الإسلامي، وعضو في منظمة G20( وهي مجموعة الدول الاقتصاديEC.
ويسترسل في الاستجواب ليحلل دور تركيا في المستقبل في علاقتها العربية وعلاقتها مع إيران ومع الاتحاد الأوروبي وهو يرى في أن تركيا بمؤهلاتها الجغرافية والاقتصادية والتاريخية لها دور مركز يجب ان تلعبه ولعل هذا هو تقدم الحكومة التركية بالعمل من أجله اليوم فعملها عمل مدروس ومخطط. ولذلك ينال ما يريده كلا وبعضا والماساة أو البؤس هو ما تمثله السياسة العربية الرسمية وسياسة الأنظمة العربية التي غايتها وهدفها الأول والأخير استمرار المسؤولين في كراسي الحكم وتوريتها للأبناء والأحفاد وبعدهم وبعد أسرهم الطوفان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.