وزير خارجية سيراليون : العلاقات مع المغرب بلغت "مستوى غير مسبوق"    الصحراء.. نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي تجدد التأكيد على موقف بلادها الداعم لمبادرة الحكم الذاتي    "ملفات حارقة" تنتظر عمل اللجان النيابية    بلاناس: "سيام" ملتقى لتبادل الخبرات.. المغرب وإسبانيا يواجهان تغيرات المناخ    الاستئناف يضاعف عقوبة طوجني الابتدائية    وزير الخارجية الإسباني يؤكد افتتاح الجمارك بباب سبتة    تهمة الاتجار في عملات أجنبية بدون ترخيص تطوق عنق الناصري وبعيوي    بنسعيد يبحث ملف الزليج المغربي بجنيف    النقابة الوطنية للعدل تشل محاكم المملكة وتتهم وزارة العدل ب "الغش"    ضمن جولة إقليمية.. حموشي يقود وفدا أمنيا مغربيا إلى الدوحة ويتباحث مع مدير "أمن الدولة"    جائزتها 25 مليون.. "ديزي دروس" و"طوطو" يترأسان لجنة تحكيم مسابقة في فن "الراب"    مديرية الضرائب تعلن عن آخر أجل لإيداع الدخول المهنية    الأمم المتحدة تطالب بتحقيق دولي في المقابر الجماعية في مستشفيات غزة    مسيرة شعبية بمدينة تطوان تضامنا مع أهل قطاع غزة والشعب الفلسطيني    التكيف المناخي للفلاحة.. صديقي يدعو إلى تكثيف الجهود لدعم البحث والابتكار    وزير الصحة: أربعة أمراض غير سارية تكلف 75% من النفقات الإجمالية لصندوقي التأمين عن المرض بالمغرب    طنجة.. توقيف ثلاثة أشخاص لتورطهم في حيازة وترويج مخدر الكوكايين    الأقمصة الرياضية التي أرعبت السلطات الجزائرية!    خارطة طريق فلاحية جديدة بين المغرب وفرنسا    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    بسبب انقطاع شلّ مرافق مقاطعة مرس السلطان.. الداخلية تمنح بودريقة أسبوعا لاستئناف مهامه    وزير الزراعة والأمن الغذائي بنيجيريا: "نرغب في تعميق علاقات التعاون مع المغرب في المجال الفلاحي"    عندما تخاف فرنسا.. تُكثر من التصريحات وتعود إلى حضن المغرب!    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    بورصة الدار البيضاء : تداولات الافتتاح على وقع الانخفاض    أمل تيزنيت يستنكر الأخطاء التحكيمية التي ارتكبت في مباراته أمام جمعية المنصورية    حنان حمودا تصدر طبعة ثانية لكتاب "الماء وصناعة المقدس: دراسة أنتروبولوجية لبنيات المجتمع الواحي بالمغرب"    الفلاحة المستدامة.. القرض الفلاحي للمغرب والوكالة الفرنسية للتنمية يوقعان اتفاقيتي قرض    حرائق الغابات تجتاح عددا من مقاطعات كندا    بنموسى: الأزمة التي عاشتها المنظومة التعليمية شكّلت لنا فرصة للإصلاح    بكين تنفي "كل المزاعم بتجسس صيني"    وزارة التربية الوطنية تشرع في عقد المجالس التأديبية للأساتذة الموقوفين وسط رفض نقابي لأي عقوبة في حقهم    الذهب ينخفض لأدنى مستوى في أكثر من أسبوعين مع انحسار مخاوف الشرق الأوسط    أكادير.. الدورة الأولى لمهرجان "سوس كاسترو" الدولي لفنون الطهي ونجوم المطبخ من 25 إلى 28 أبريل الجاري    الموت يفجع زوج دنيا بطمة السابق    بعد أزمة نهضة بركان.. الاتحاد الدولي للمصارعة يعتمد خريطة المملكة في أقمصة المنتخب    العلاج بالحميات الغذائية الوسيلة الفعالة للشفاء من القولون العصبي    هذه هي الرياضات المناسبة إذا كنت تعاني من آلام الظهر    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و183 شهيدا منذ بدء الحرب    الاتحاد المصري يستدعي المغربي الشيبي    فرنسي يبصق على مؤثرة مغربية محجبة قرب برج إيفل (فيديو)    سباق النصر النسوي يطفىء شمعته ال 14 يوم الأحد المقبل وسط أجواء رياضية واحتفالية    القميص ‬البرتقالي ‬يمرغ ‬كبرياء ‬نظام ‬القوة ‬الضاربة ‬في ‬التراب‬    سلسلة زلازل تضرب تايوان أشدّها بقوة 6,3 درجات    ماذا نعرف عن كتيبة "نيتسح يهودا" العسكرية الإسرائيلية المُهددة بعقوبات أمريكية؟    بطولة إيطاليا-كرة القدم.. "إنتر ميلان" يتوج بلقبه ال20    ادعاء نيويورك كيتهم ترامب بإفساد الانتخابات ديال 2016    هل يمكن لفيزياء الكم أن تقضي على الشيخوخة وأمراض السرطان؟        سعد لمجرد يكشف تفاصيل لقائه بجورج وسوف    أسامة العزوزي يسجل في مرمى روما    الأمثال العامية بتطوان... (579)    تقوى الآباء تأمين على الأبناء    وفاة الشيخ اليمني عبد المجيد الزنداني عن 82 عاما    كيف أشرح اللاهوت لابني ؟    السعودية تعلن شروط أداء مناسك الحج لهذا العام    الأسبوع الوطني للتلقيح من 22 إلى 26 أبريل الجاري    الأمثال العامية بتطوان... (577)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطاب الأخ الأمين العام الأستاذ عباس الفاسي في الذكرى الثامنة والثلاثين لوفاة الزعيم علال الفاسي بمراكش
نشر في العلم يوم 20 - 05 - 2012

ترأس الأمين العام لحزب الاستقلال الأستاذ عباس الفاسي أمس بقاعة قصر المؤتمرات بمراكش المهرجان الخطابي الحاشد الذي نظمه الحزب احتفاء بالذكرى 38 لوفاة زعيم التحرير علال الفاسي رحمه الله والذي اختارت له اللجنة التنظيمية هذه السنة شعار : « نضال دائم لبناء مجتمع متضامن » . وقد ألقى الأخ الأمين العام خطابا هاما بالمناسبة جاء فيه :
أيها السادة،
أيتها السيدات،
يسعدنا أن نُخَّلد اليوم الذكرى المجيدة، في رحاب مدينة مراكشَ الحمراء الزاهرةِ، نظرا لمكانتها المتميزةِ لدى الجميع، ولِمَا كان لها من حظوة وتقدير عند الزعيم علال الفاسي، الذي كان معجبا بدورها التاريخي على مر العصور، في الدفاع عن قيمنا الحضاريةِ، باعتبارها من أهم العواصِم الإسلاميةِ، ونظرا لما سجلت من صفحات خالدة في تاريخ بلادنا القديم والحديث، لدرجة كان معها إخوتنا المشارقة إلى عهد قريب يُعَرِّفون بلدنا المغرب باسمِ «مراكشَ»، وهي اليوم تشهد نهضة تنموية أصبحت معها نقطةَ جَذْبٍ عالميةٍ، تستقطب اهتمامَ العديد من الفعاليات الوطنية والدولية في مختَلفِ المجالات.
فتحيةٌ صادقةٌ لمدينة مراكشَ وساكنتِها، وإلى جهة مراكش تانسيفت الحوز الواعدة وإلى كل السادة والسيدات الحاضرين هنا.
رحيل علميْن من أعلام حزب الاستقلال
أيها السادة،
أيتها السيدات،
إننا نحيي هذه الذكرى والأسى مازال متَقاسما بيننا جميعا، لرحيل علميْن من أعلام حزب الاستقلال، ورجالات النضال السياسي، والثقافي، والصحافي، أعني رفيق الزعيم علال الفاسي في الحركة الوطنية، شاهدَ هذا العصرِ ومُرَبِّيَ الأجيالِ المجاهد أبو بكر القادري، عضو مجلس الرئاسة في الحزب، وعضو المجلس الإداري لمؤسسة علال الفاسي، وكذا خريجُ مدرسةِ الزعيمِ الوطنيةِ والإعلامية، المناضل الصلب الواضح والصادق الأستاذ عبد الجبار السحيمي، واللذين تجاوز التأثُّرُ العميقُ لوفاتهما العائلة الاستقلالية، ليطََال جموعَ الفاعلين في مختلف المجالاتِ بوطننا، على تبايُن مشارِبِهم الفكرية، وتنوع توجُهَاتِهم المذهبيةِ والسياسيةِ.
وإذا كان لكل واحد منهما جوانبُه الخاصةُ المتميزةُ، فإن ما يجمع بينهما أساسا هو الاستقامةُ في السلوكِ والثباتِ على المبدإِ والتواضعِ ودماثةِ الأخلاقِ والحرصِ على كسب الأصدقاء، الشيء الذي يؤكده آلاف المعزِّين من الداخل والخارج وعلى رأسهم جلالة الملك محمد السادس نصره الله والذي نعتز في حزب الاستقلال بمضامين رسالتي تعزية جلالته فيهما، واللتين أبان من خلالهما جلالتُه مرةً أخرى عن عمق تقديره السامي لرجالاتِ العملِ الوطنيَّ إبانَ الكفاحِ من أجل استرجاع الاستقلال وبَعْدَهُ، المخلصين لمقدسات وقيم ثوابت وطننا الغالي، والذي كان في مقدمتهم الزعيم علال الفاسي الذي قال فيه جلالة المغفورِ له الحسنِ الثَّاني :
«عرفنا فقيدنا الجليلَ علالَ الفاسي قبل الاستقلال، وعرفنا من نضاله المريرِ وكفاحه المتصلِ الواثقِ في سبيل التحرير... وعرفنا ما كان بينه وبين والدنا محمدٍ الخامسِ رضوان الله عليه من وثيقِ الصِّلاتِ ومكين الأواصر ومُحْكَمِ العهود، وما توافق عليه العاهل الراحل والزعيم الراحل وتحالفا عليه مع صِفْوةِ المناضلين الذين أخلصوا لوطنهم... وكان إبعاد الملك عن عرشه وإقصاؤه عن وطنه ووطن أجداده، واعتساف المستعمِر السيادة، بعد إبعاد العاهل الشهم ورفضه التفريط في الأمانة، وكانت مبادرة علال لمواجهة التحدي يوم دوَّى نداؤه من عاصمة الكِنانة (نداء القاهرة) بالاستنكارِ والتنديدِ، والوعيدِ، كل هذا إيذانا بثورةٍ عارمةٍ أعادت بأيامها المشهورةِ وملامحها المأثورةِ الحق إلى أهله». (انتهى كلام جلالته).
قاد جيلا وصنع رَعيلا من الماهدين
ونحن إذ دأبنا في حزب الاستقلال على تخليد ذكرى الزعيم العطرة، فإنما نتوخَّى من ذلك بالأساس الوفاء لروحِه الطاهرة، واستخلاص العبر من سيرته ومواقفه، ولتُنهِل أجيال الشباب الصاعد من مَعين إبداعاته الثقافية والسياسية والأدبية والاجتماعية، عِلْما بأن شخصية الزعيم علال الفاسي لا تمكن الإحاطة بكل جوانبها، لأنه كان متعدد المواهب ومن أولئك الرجال الذين أراد لهم الله التَّمَيُّزَ والاقتدارَ في مسار حياتهم الحافلة بصنوف العطاء والتضحية، فأهَّلَهُ لأن يستشعر ضرورة تَحمَّل عبءِ المسؤوليةِ في وقت مبكر، لإنهاض أمَّتِه من كبوَتِها، وسَجَّل للتاريخِ وللأجيال المتعاقبة بقصيدته الرائعة التي مطلعها :
أبعد مرور الخمس عشرة ألعب وألهو بلذات الحياة وأطرب
لحظةُ انطلاقة مسار شاب قاد جيلا وصنع رَعيلا من الماهدين، وطَبَع مسار أمة. فقد كان طُموحُه الوطني فوق سنه، والعديد من أفكاره وتصوراته أثبتت الأيام أنه كان فيها سابقا لزمانه، فشق مساره النضالي مسلحا بما وهبه الله من ملكة فَنّْ القيادة والقدرة على إقناع النخب وتأطيرها، وتعبئة الجماهير للالتفاف حوله، من خلال التواصل الدائم بمختلف شرائح الشعب التي انجذبت لأفكاره، وتفاعلت مع توجهاته واختياراته الوطنية، النابعة من عمق العبقرية المغربية الإسلامية الأصيلة، المتفتحة، الواعية بما يتطلبه الظرف، وما يقتضيه المستقبل، فاستمال القلوب والأفكار، وبعث فيها الطموح لبناء مجتمع جديد، بمحاضراته، ومقالاته الصحفية، وخطبه، وأناشيده الوطنية، وقصائده العصماء، وحواراته السياسية والعلمية، وتحليلاته المذهبية والعقائدية، مع رجالات الفكر والسياسة والدين، من مختلف المذاهب والديانات، إذ كان مفكرا سياسيا استوعب مدارس الفكر السياسي القديم والحديث، وعالما مشاركا مجتهدا ومجددا متفتحا، ووطنيا غيورا على وطنه حريصا على مصلحة مواطنيه، وكان يُؤَرِّقُه ما يكابده المغرب من تسلط الاستعمار العسكري المباشر، وما يُخطِّطُ له من سياسات تستهدف مقومات الإنسية المغربية، فترسخت لديه القناعة بأن تعدد أساليب المستعمر تقتضي تعدد واجهات النضال، وأساليب التصدي لمؤامراته ومناوراته ينبغي توظيفها كلها، وأن من أهمها التصدي لمخاطر الغزو الثقافي، لذا أولى عناية خاصة لتكوين الشباب وتثقيفه، من خلال التركيز على مسألة التربية والتعليم الذي يجب أن يشمل الجميع فتيانا وفتيات، فقراء وأغنياء، لينالوا جميعا، حظهم من العلم والمعرفة، بالإضافة إلى بذر روح التربية على خلق المواطنة في نفوس التلاميذ، وتنشئتهم التنشئة القائمة على حب وطنهم، والإخلاص له والعمل من أجله وخدمة لمواطنيهم جميعا.
التربية تستطيع أن تفعل الأعاجيب
لذا نجده يقول في النقد الذاتي :
«إن التربية تستطيع أن تفعل الأعاجيب، وهي التي لها القدرة على أن تكون من أجيالنا العناصر الصالحة، التي ترفع من قدر مواطنيها ووطنها ودينها وأمتها».
وبهذه القناعة جعل في مقدمة اهتماماته، إبان معركة التحرير وبعد الاستقلال، العناية بمجال التعليم والعمل على تربية أجيالنا الصاعدة، في إطار مدرسة الفكر المغربي الأصيل، مع الانفتاح على ثقافات العصر، للاستفادة من عطاء كل الحضارات، دون الوقوع في شرك الانسلاخ من الذات، وفقدان الهوية، وجهل مقومات إنسية مجتمعنا، وخصوصية أمتنا، والابتلاء بكارثة الاستلاب الفكري والثقافي، ويخاطب رفاقه وخصومه على السواء يقول : «لاتحسبوا أنني من الجامدين الذين يرفضون الاقتباس من الغرب، بل أريد أن نكون مثل أسلافنا الذين اقتبسوا من كل العالم، وبلوروا الحضارة العربية الإسلامية الماضية، والتي أسست للحضارة المعاصرة، وأرست مبادئ إنسانية هامة، ورسخت قيما فكرية توطد مفاهيم الحرية والمساواة ومشاعر الأخوة».
فهو يرى أن الاحتلال العسكري ليس شيئا خطيرا في حد ذاته، إذا لم تصاحبه أو يترتب عنه تأثر المواطنين بما يغرسه المستعمر في نفوسهم من أفكار، وقيم تتنافى مع قيمهم الأصيلة ولا تماشي مثلهم، وتتناقض مع ثوابت حضارتهم، ويقول : «إن المستعمر يعرف أن القوة لا تدوم، وأن التحكم في الشعوب واستغلال خيراتها لا يؤثر شيئا إذا احتفظت الأمة بكيانها المعنوي، ووجدانها الخاص، وبقدر ما يحتفظ المواطنون بخصائصهم الاعتقادية، ومميزاتهم الثقافية بقدر ما تسلم الأمة من الفناء مهما طال أمد الاستعمار».
لذا كان حريصا على إخراج بلادنا من ظلمة الجهل الذي يريد الاستعمار تكريسه، فدعا إلى خلق تعبئة وطنية من أجل تيسير التعلم لناشئتنا، تعليما وطنيا يعمل على إشاعة الوعي بضرورة التمسك بروح المواطنة الحقة، التي جبل عليها الإنسان المغربي على مر العصور، والتي حصنته وأكسبته مناعة من الانصهار في بوتقة الغزاة، وفي هذا الصدد يقول : «المغربي وطني منذ نشأته، فهو يحب الأرض التي وجد فيها لأن الوطنية عنده ليست في الفكرة وحدها ولا في الأرض وحدها ولكن في مجموع الأرض والمثل العليا التي اختارها، وبذلك فهو شغوف بالعقيدة الوطنية السليمة المتكاملة، التي يجد فيها العمق الذي يطمح إليه».
وقد كان الزعيم دائما يؤكد على أن الوطنية المغربية، ليست مرحلة من مراحل التاريخ المغربي، تزول بانتهاء الأسباب التي أوجدتها، ولكنها انبعاث للوجود المغربي، بما يشتمل عليه من حضارة إسلامية وكيان إفريقي، وهي توحيد بين الفكر والاتجاه، وجمع شمل كل الطبقات مهما كانت أهدافها الخاصة مختلفة، ورفع التحدي لضمان صيانة الوحدة الوطنية لكل فئات الشعب، والتصدي لنزعات التفرقة واستغلال القبلية ضد الوطنية، ومحاولة خلق صراعات طبقية، أو فئوية، أو عرقية، أو لغوية، أو إقليمية.
وقد كان يقول دائما : « إن الوحدة التي جاهدنا من أجهلها، تعني أن يظل الشعب موحدا بكل أصوله وأعرافه، في المدن والبوادي، في السهول والجبال، وأن يعود الوطن موحدا كما كان ملكا لجميع مواطنيه، إننا لن يهدأ لنا بال حتى تتم وحدة وطننا».
عانى مرارة السجون، وتحمل عناء الغربةدفاعاعن حرية الو طن وكرامة المواطنين
فعاش من أجل هذا الهدف السامي، متصديا للمخططات الاستعمارية الهادفة إلى النيل من وحدتنا الوطنية منذ سنة 1930، والسعي باستمرار للإجهاز على وحدتنا الترابية، فقدم من أجل ذلك جسيم التضحيات، وكابد قساوة المنافي، وعانى مرارة السجون، وتحمل عناء الغربة وطول الترحال بين أقطار العالم، من أجل الدفاع عن حرية وطنه وكرامة مواطنيه، ومناصرة قضايا التحرر عموما وخاصة نضال أقطارنا المغاربية، وبناء المغرب الكبير الذي شكل مكتب المغرب العربي بالقاهرة لبنته النضالية الأولى، وكان في مقدمة المتحمسين لإنجاز هذا المطمح الشعبي غداة الاستقلال، فدعا إلى عقد مؤتمر طنجة الذي انعقد برئاسته في شهر أبريل 1958، وحضره زعماء وقياديون من حزب الدستور التونسي، وجبهة التحرير الوطني الجزائرية، وقدم فيه حزب الاستقلال مقترحات هامة، مثل الدعوة إلى إنشاء اتحاد أقطار إفريقيا الشمالية.
ونظرا لأهمية هذا المؤتمر التاريخي وحرصا منا في حزب الاستقلال على أن تظل روحه وأهدافه ومغازيه حية في أذهان الأجيال، درجنا على التذكير به في كل المناسبات، وخلدنا ذكرى مرور خمس وأربعين سنة على انعقاده في أبريل 2003 بطنجة، تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس وحضره قياديون بارزون من أقطارنا المغاربية الخمسة، وقد أكدت في الخطاب الذي ألقيته بالمناسبة على : «تمسك حزب الاستقلال الدائم بالتوجه الوحدوي لبناء المغرب العربي، وأن هذا الماضي المجيد المشترك، يجب أ يحثنا على إمعان التفكير مليا في الحاضر كأمر واقع، من أجل استشراف مستقبل مشرق لشعب مغاربي، قادر بمؤهلاته على أن يلتحق بصفوف الدول المتقدمة». وذلك انسجاما مع روح ذلك المؤتمر التاريخي الذي صدرت عنه توصيات جد طموحة مثل : «إنشاء مؤسسات مشتركة، ومجلس استشاري منبثق عن المجالس المحلية في تونس والمغرب وعن المجلس الوطني للثورة الجزائرية، في أفق قيام اتحاد فدرالي بين البلدان المغاربية، باعتباره النظام الأكثر ملائمة لدولنا، كما أصدر توصيات متقدمة تهم الجزائر وتحرير الأجزاء المغتصبة من ترابنا الوطني، تلك الأجزاء التي واصل الزعيم الدفاع عنها بإصرار وإيمان، وطرحها بقوة ووضوح مسلحا بالحجج والبراهين، على كل المستويات الوطنية والدولية الرسمية والشعبية، إلى أن لقي ربه غداة نداء الكويت التاريخي، مدافعا عن استرجاع أقاليم الساقية الحمراء ووادي الذهب وتحرير فلسطين وإنقاذ المسجد الأقصى.
أيها السادة،
أيتها السيدات،
مناصرة الشعوب المستعمرة، والدفاع عن القضايا العادلة
لقد كان الزعيم شموليا في منظوره النضالي، وأثبت حضوره في مناصرة الشعوب المستعمرة، والدفاع عن القضايا العادلة، وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني الذي عايش نكبته وظل يحمل هم مأساته الأليمة، وكان في الواقع نضاله من أجل استقلال المغرب مقرونا بالكفاح من أجل تحرير فلسطين، وقد جعل مكتب المغرب العربي بالقاهرة رهن إشارة المناضلين الفلسطينيين، وكانت تربطه علاقات وثيقة مع قيادات كافة الفصائل الفلسطينية، وخاصة منظمة فتح، وقد واكب مراحل إعداد انطلاق الكفاح الفلسطيني المسلح الذي كان في مقدمة الداعين له، وكان من بين الزعماء القلائل الذي أحيطوا علما بساعة انطلاق رصاصته الأولى، ولم يتوقف عن الدعوة إلى حشد الدعم المادي والمعنوي والتعبئة الفكرية والشعبية لنصرة إخواننا الفلسطينيين، وكان في مقدمة المؤسسين للجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني، وقد قال في حقه الشهيد ياسر عرفات : «نحن في فلسطين، وفي منظمة التحرير الفلسطينية، وحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، نعتز بأخينا علال الفاسي الذي كان واحدا منا، عمل من أجل فلسطين وشعبها ونصرة قضيتها العادلة. وإننا لن ننسى أبدا أن الزعيم المناضل الوطني القومي علال الفاسي رحمه الله، لقي ربه وهو يدافع عن فلسطين وقضية شعبها».
وإن اهتمامه الدائم بالقضية الفلسطينية، نابع من عمق وعيه بأبعاد المؤامرة التي تستهدف الأمة العربية والإسلامية عموما، التي كان شديد الإيمان بقضاياها رغم ما لديه من مؤاخذات وملاحظات على بعض الأنظمة اللاديمقراطية التي كانت متحكمة في بعض أقطارها، فلم يثنه ذلك عن مناصرة مطامحها المشروعة، والبحث عن أسباب التعبئة لمواجهة أوضاع التفرقة بين فئاتها وطوائفها والصراع فيما بين دولها، وقد كان له دور بارز ومؤثر في تأسيس رابطة العالم الإسلامي التي كان عضوا في مجلسها التأسيسي، باعتباره مفكرا سياسيا مسموع الكلمة، وعالما مجتهدا ومجددا متفتحا حريصا على إبراز حقيقة الدعوة الإسلامية، التي تحث على الأخوة والمساواة بين جميع البشر، لأنه يرى أن ذلك هو مضمون الحديث الشريف القائل : «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».، فالأخوة المقصودة هنا عنده هي الأخوة الإنسانية، علاوة على أن روح الأخوة التي نسجها الإسلام بين أفراد أمتنا تتطلب منا جميعا، الترفع عن أسباب الصراعات التي تعطل مسار تضامننا، ووحدتنا، وتعرقل مجهودات تنمية أقطارنا، ولا تخدم سوى أعداء نهضتنا، وفي هذا السياق كان دائم الدعوة إلى ضرورة الابتعاد عن أسباب التوترات الداخلية، لما في ذلك من بذور التفرقة، وإذكاء الصراعات التي نشهدها مع الأسف اليوم في العديد من الدول العربية والإسلامية.
لذا كان حريصا على ربط الصلة مع كافة الدول الإسلامية، والأقليات المسلمة في مشارق الأرض ومغاربها، وخاصة الجمهوريات الإسلامية التي كانت خاضعة للاتحاد السوفياتي في عز الحرب الباردة، فلم يدخر جهدا في سبيل إحكام الصلة معها، علاوة على عمله الدؤوب من أجل توثيق أواصر التقارب بين التيارات والمذاهب، مؤكدا على أن من أخطر ما يواجه أمتنا الإسلامية في العصر الحالي هو ما يسعى إليه خصوم أمتنا وبعض الغلاة من أبنائها من تعميق شقة الخلاف بين الشيعة والسنة الشيء الذي كان دائما يعمل على الحد منه، واحتواء تداعياته، ويمعن في تركيز البحث والتحليل على ما يجمع هذين المذهبين العظيمين، ويؤاخي بين أتباعهما المنتشرين في أنحاء العالم كقوة بشرية وفكرية واقتصادية وسياسية لما في ذلك من حفاظ على وحدة الأمة الإسلامية وتجميع طاقاتها، بما يخدم مصالح شعوبها باعتبارها أمة وسطا لا مجال فيها لا للغلو ولا للتطرف، وفي هذا الصدد يقول الإمام الشهيد موسى الصدر في تأبين الزعيم «بانفتاحك يا علال على العالم الإسلامي، وحضورك الدائم، ونضالك منذ أيام نداء القاهرة، كنت تشكل وتدا من أوتاد هذه الأمة، فالفقيه (الطوسي) في (خراسان) كهموم المسلمين في (الفلبين)، لا تغيب عنهما، ولا يغيبا عنك، كما في مؤتمر تنظيم الأسرة في المغرب، وترفعك عن المذهبيات، وإعطائها حجمها الواقعي لا أكثر ولا أقل، كان وضاحا في مواقفك ومجالسك... وقد أثبت بقبولك الملتزم بالتطورات الحديثة، بل بمشاركتك في التطوير كما برز في مشروعك التعادلية الاجتماعية أثبت براءة الأحكام الدينية لا سيما الفقه الاجتهادي من الجمود».
أيها السادة،
أيتها السيدات،
كان الزعيم علال الفاسي رائدا وحدويا بامتياز في أفكاره وتوجهاته ومواقفه
لقد كان الزعيم علال الفاسي رائدا وحدويا بامتياز في أفكاره وتوجهاته ومواقفه، فبقدر ما كان حريصا على التركيز على عوامل الوحدة الوطنية والمذهبية والترابية لبلادنا، كان داعيا لبلورة عناصر التقارب والتوحد بين أقطارنا المغاربية وإظهار مقومات التلاقي بين الدول العربية والإسلامية، وإبراز موجبات التضامن مع الأقطار الإفريقية، التي عايش عن قرب معاناتها من الاضطهاد الاستعماري خصوصا خلال العشر سنوات التي قضاها منفيا في أدغالها، علاوة على إعجابه بغنى الحضارة الإفريقية وتنوع ثقافتها، وما لمسه من ميل الإنسان الإفريقي للإسلام الذي كان للمغرب دور هام في نشر تعاليمه السمحة في بلدان جنوب الصحراء، لذ كان راسخ القناعة بأن النضال من أجل تحرير المغرب والأقطار المغاربية هو جزء من الكفاح التحرري الإفريقي عموما، وقد تبلورت هذه الفكرة بمناسبة انعقاد أول مؤتمر لممثلي إفريقيا وآسيا بالأمم المتحدة في مصر بداية سنة 1953 بطلب منه مع قادة تحرير الجزائر وتونس لمواجهة الاعتداء الفرنسي على المغرب، خصوصا بمناسبة مذبحة الدار البيضاء، في شهر ديسمبر 1952، فعمل على تكوين جبهة تحررية تضم جميع حركات تحرير الدول الخاضعة للاحتلال الفرنسي، وكان في مقدمة الداعين لإنشاء حركة (آفراسيا) لكبح جماح الاستعمار في آسيا وإفريقيا»، وأسهم بفعالية في الدفاع عن هذا التوجه التحرري في مؤتمر (باندونج) الذي أسس لبروز منظمة دول عدم الانحياز.
وقد وجه رسالة إلى اللجنة التنفيذية السرية للحزب من القاهرة بتاريخ 29 يناير 1954 يقول فيها : « نحن الآن نعمل على توسيع أمر التعاون في الكفاح ضد الاستعمار الفرنسي وقد وصلنا الآن إلى تكوين حركة رأي فيما يخص إجلاء فرنسا، كما أننا اتفقنا مع رئيس الحزب الاشتراكي الفيتنامي على تكوين جبهة للكفاح ضد الاستعمار الفرنسي في إفريقيا وآسيا».
وكان في السنوات الأخيرة من حياته قد قرر مع الرئيس السينغالي الراحل (ليبولد سيدار سنغور) تنسيق جهودهما بغية إعطاء الفكر مكانا أكبر في العمل السياسي، رغبة في ملاءمة الفكر السياسي الإفريقي مع متغيرات القرن العشرين، وتشييد رؤيا إفريقيا أصلية ومتفتحة اتجاه مشاكل القارة.
أيها السادة،
أيتها السيدات،
الملكية الدستورية جزء من عقيدة حزب الاستقلال
بعد هذه الإلمامة المقتضبة لبعض الاهتمامات الفكرية والنضالية لزعيمنا الخالد، ينبغي التذكير بأنها كلها وغيرها من جوانب عطائه الغزير التي لا يتسع المجال للتطرق إليها، كانت جميعها مقرونة بنضاله الدائم من أجل الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان أنى كان، وخاصة في بلادنا التي لم تفتر جهوده المتواصلة لا قبل الاستقلال ولا بعده، عن مواصلة طرح مسألة الديمقراطية باعتبارها المقوم الحيوي لصيانة كرامة المواطنين والارتقاء ببلادنا إلى مصاف الدول الديمقراطية، وذلك بإرساء دعائم الملكية الدستورية التي يقول عنها في كتاب «منهج الاستقلالية» : «فالملكية الدستورية جزء من عقيدة حزب الاستقلال....... والملكية الدستورية التي نرمي إليها هي التي تزيد النظام المغربي تثبيتا، ولكنها تضعه في مركزه اللائق به من المفهوم العصري للنظام والحكم، إن الدستور لا يقصد منه التحدي للملك أو المساس باختصاصه كرئيس للدولة وأمير للمؤمنين، ولكنه تنظيم للملكية... التي تتفق وحاجيات العصر ومعطيات الرقابة الشعبية على الشؤون العامة».
وقد كان الزعيم في هذا الإطار داعيا إلى إعمال فضيلة الحوار - التي كان متشبعا بها- بين جميع الفرقاء.
وإننا بهذه المناسبة لنجدد اعتزازنا بالخطوات الهامة التي قطعتها بلادنا في العهد الجديد، على مسار الإصلاحات المتعددة الأبعاد، وخاصة السياسية والدستورية والاقتصادية والاجتماعية، التي أعطت لبلادنا مكانة متميزة بين الأمم والشعوب، وأمنتها من مخاطر تداعيات ما تشهده العديد من الدول من أحداث وتطورات تبعث على الانشغال، الشيء الذي ينبغي معه تظافر جهود كل الفاعلين، على اختلاف مواقعهم من أجل تحصين المكتسبات، وإثراء وتدعيم ما راكمته بلادنا من إنجازات وطنية، من أجل المصلحة العليا للبلاد بعيدا عن كل المزايدات أو الحسابات التي لا تصب في اتجاه تكريس مكانة النموذج المغربي المتميز الذي أصبح محط تقدير دولي عريض.
أيها السادة،
أيتها السيدات،
مجهود متواصل على مدار العام لمؤسسة علال الفاسي» الرائدة
وقبل الختام أود الإشارة إلى أنه إذا كنا في حزب الاستقلال نقيم مهرجانا حاشدا مثل هذا كل سنة بإحدى المدن، فإنه ينبغي التذكير بأن لنا مجهودا متواصلا على مدار العام، تقوم به «مؤسسة علال الفاسي» الرائدة، التي أود بهذه المناسبة الإعراب لكل القيمين عليها وخاصة اللجنة الثقافية التي تضم نخبة من رجالات الفكر والسياسة المرموقين والأخ محمد بوستة رئيس المجلس الإداري للمؤسسة عن صادق التقدير لما تبذله هذه المعلمة الفكرية من مجهودات موفقة للتعريف بالرصيد الفكري والنضالي للزعيم علال الفاسي، وتناول مختلف جوانب شخصيته المتعددة الأبعاد بالدرس والتحليل، من خلال سلسلة الندوات والمحاضرات واللقاءات والأبحاث التي تعد بمناسبة جائزة علال الفاسي، التي تنظم بمقاربة متفتحة تفسح المجال لمختلف الفعاليات الفكرية السياسية والثقافية من مختلف المشارب الفكرية التي أصبحت كلها ترى أن الزعيم علال الفاسي أكبر من إطار الحزب، ويتجاوز حدود الوطن، لأنه من أعلام الفكر الإنساني عموما.
فجازاه الله خير جزاء على ما بذله من مجهودات وما قدمه من تضحيات لتحرير وطنه، وإسعاد مواطنيه، ورفعة أمته وإشاعة مفاهيم السلم والإخاء بين الأمم والشعوب وأسكنه فسيح جناته.
والسلام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.