يوم الجمعة 21 سبتمبر 2012 ذكرت وكالة الانباء الفرنسية أن مسؤولا فرنسيا كبيرا أعلن ان فرنسا ما زالت تفكر مع شركائها في منطقة حظر جوي محتملة فوق سوريا مع اقراره بأن هذا المشروع الذي يتطلب قرارا من مجلس الامن الدولي هو غير قابل للتطبيق حاليا. وقال هذا المسؤول الفرنسي في واشنطن "نعمل ليس فقط نحن ولكن الكثير من الدول تعمل على مسألة الحظر الجوي هذه ولكن من الواضح انه في الوقت الراهن من الصعب جدا تطبيقه". واضاف المسؤول الفرنسي الذي كان يتحدث بالانكليزية للصحافيين "نتحدث مع جميع شركائنا، الاتراك والامريكيين والبريطانيين واخرين ولكن لم نتخذ قرارا سياسيا حتى الان لاقامة منطقة حظر جوي في المستقبل القريب". وذكر بان مثل هذا المشروع يتطلب موافقة مجلس الامن هو أمر مستبعد نظرا إلى معارضة روسيا والصين. رفض "الفخ" في حديث أدلى به رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية يوم 20 سبتمبر، شدد على أن تركيا لا ترغب بأي تدخل خارجي لتشكيل نظام بديل في سوريا، وعلى ضرورة إصدار مجلس الأمن الدولي قرارا، يسمح بإنشاء منطقة حظر جوي في المنطقة المقابلة للحدود التركية مع سوريا، مشيرا إلى أن تركيا لن تقوم بأي دور أحادي الجانب في هذا الشأن. وذكر أردوغان "إذا حصل أي هجوم على أراضينا، فسنقوم بما يقتضي الأمر"، مشيرا إلى أن أنقرة سترفض الوقوع بأي فخ في ما يرتبط بطلب مساعدة حلف شمال الأطلسي. يوم 20 سبتمبر 2012 كشفت صحيفة "يني شفق" التركية، الموالية ل"حزب العدالة والتنمية" الحاكم في أنقرة، أن اقتراح رئيس الأركان التركي نجدت أوزيل على نظيره الأمريكي مارتن ديمبسي تعاوناً استخباراتيا على مدار الأربع وعشرين ساعة ضد "حزب العمال الكردستاني" قوبل بمقترحين أمريكيين، وهما أن تحارب تركيا حركة "طالبان" في أفغانستان، وان تكون تركيا جزءا من عملية هدفها محاربة أي وجود لتنظيم "القاعدة" في سوريا، وتتضمن أيضا إقامة نظام حكم ما بعد الرئيس السوري بشار الأسد يتمثل فيه حزب البعث والمسيحيون. وقد وصفت الصحيفة المقترحين بالفخين، وقد رفضتهما أنقرة. ونقلت الصحيفة أيضا بعض ما دار في لقاءات وزير الخارجية احمد داود اوغلو مع نظيره الإيراني علي اكبر صالحي في اجتماع القاهرة يوم 18 سبتمبر، حيث اعتبر داود اوغلو اللقاء فرصة لأنه يحقق توازنا في المنطقة. فللمرة الأولى منذ 30 عاما يجتمع وزراء خارجية دول مصر وتركيا وإيران معا. ونقلت الصحيفة قول داود اوغلو لصالحي إن "هذه فرصة على إيران ألا تفوتها. نحن نتأسف ونحن نفهمكم. ولأنني أعرفهم عن كثب ففي قلبي جرح من أجل عائلة الأسد وأبنائه. ولكن في النهاية عندما ننظر إلى المشهد الكبير فيجب أن نتخذ القرار حول أي سوريا وأي منطقة نريد". تردد حلف "الناتو" بعد 24 ساعة من نشر تصريحات رئيس الوزراء التركي شكك مسؤول كبير في حلف شمال الاطلسي يوم الجمعة 21 سبتمبر في صوابية أي تدخل عسكري محتمل في سوريا معتبرا انه لن يؤدي بالضرورة الى تحسين الوضع. وقال الجنرال الالماني مانفرد لانغ، رئيس اركان مركز القيادة العسكرية لقوات حلف الاطلسي في اوروبا "شيب" ان "رأي العسكريين انه لا توجد في الوقت الحالي عناصر كافية لتبيان ان التدخل العسكري كفيل بتحسين الوضع الأمني" في سوريا. واضاف أمام صحافيين في بروكسل "ينبغي تشجيع العملية السياسية، وتطبيق العقوبات. لا يمكن للعسكريين تسوية الوضع الحالي". وأكد الجنرال لانغ ان الحلف الاطلسي "ليس لديه أي خطة عسكرية تتعلق بسوريا". واعتبر انه لا يمكن التفكير في التدخل الخارجي إلا اذا كان من شأنه تحسين حماية المدنيين، لكنني "أشك بأن الامر سيكون كذلك". يذكر أن الامين العام لحلف شمال الاطلسي اندرس فوغ راسموسن قال مرارا ان الحلف "ليست لديه النية للتدخل في سوريا"، مشيرا إلى أن الوضع لا يمكن مقارنته بليبيا حيث تدخل الحلف في 2011. ودعا راسموسن روسيا حليف سوريا الرئيسي إلى المساعدة في إيجاد حل سياسي في هذا البلد. يوم الأربعاء 12 سبتمبر استبعد وزير الدفاع البريطاني فيليب هاموند من جديد تدخلا عسكريا غربيا في سوريا في ظل عدم وجود موافقة من روسيا والصين. وقال الوزير في مؤتمر صحافي في الدوحة التي كان يزورها في ذلك الحين "طالما ان هناك قوتين عظميين تعارضان بفاعلية أي تدخل في سوريا فان الدول الغربية لا تستطيع طرح هذا الأمر". وأضاف ان "مفتاح تشديد الضغط على نظام الأسد هو اقناع الروس بأن من مصلحتهم على المدى البعيد دعم عملية انتقالية منسقة وهادئة بقدر الامكان". مصادر في لندن أفادت أن الوزير البريطاني أبلغ قطر أنه لا أمل في قيام "الناتو" بالتدخل خاصة بعد أن عززت موسكو دعمها العسكري لدمشق ووضعت في المنطقة قوات تدخل من قواتها البرية والجوية والبحرية، كما غدت تتدخل بشكل متصاعد الكثافة ضد كل عمليات المساندة التي تقدمها الأجهزة العسكرية والاستخباراتية الأمريكية والبريطانية والفرنسية للمعارضة المسلحة السورية. رسالة مشابهة نقلت إلى السعودية. قصة الممرات الآمنة بعض الملاحظين أشاروا إلى أن التصريحات التركية، وخاصة بشأن رفض أنقرة السقوط في فخ، جاءت على الأرجح للرد غلى تأكيدات أمريكية نشرت يوم 25 أغسطس جاء فيها: أن الولايات المتحدة وتركيا توصلتا خلال سلسلة اجتماعات بين مسؤولين من البلدين عقدت في أنقرة، يوم الجمعة 24 أغسطس، إلى اتفاق "حول مواقع الممرات الإنسانية المزمع اقامتها في كافة المناطق المحاصرة من قبل القوات النظامية السورية ووضع الخطط الملائمة لتنفيذها". وأفادت المصادر الرسمية في واشنطن أن الاجتماع الذي قادته من الجانب الأمريكي بيث جونز، مساعدة وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، ومن الجانب التركي نائب وزير الخارجية التركي هالت شيفيك "حدد بدقة مواقع الممرات الإنسانية". وقالت الناطقة بإسم وزارة الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند في إطار تعليقها على الاجتماع الأمريكي التركي في أنقرة أن "الاجتماع الذي ضم فريقين من البلدين من المختصين، صمم بالأساس من أجل بحث كافة القضايا والخطط الطارئة وغير العادية حيال ما يجري في سوريا بعمق وتفصيل، وهو يتناول بدقة ايضا العديد من القضايا بغية مواجهة أي تطورات في سياق ما أوضحته وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بشأن بحث كل ما هو ممكن من أجل دعم المعارضة السورية، وتسريع هدفنا المشترك وهو تفعيل التحول السياسي في سوريا وضمان رحيل الأسد". وأوضحت نولاند أن الفريق الأمريكي الذي قادته بيث جونز "ضم ممثلين عن كافة وكالات الحكومة الأمريكية" وهو التعبير الأمريكي الدارج لوصف وجود ممثلين عن وكالة الاستخبارات المركزية، ووزارة الدفاع والخارجية ومجلس الأمن القومي ووزارة الخزانة، ما يعني وصول الترتيبات في مساعدة المعارضة السورية مرحلة متقدمة. ويروج دعاة التدخل العسكري الامريكي في سوريا، أن الرئيس السوري بشار الأسد ينجح في تنفيذ استراتيجيته القائمة على استخدام القوة المفرطة لدفع المدنيين على التصدي للثوار وإخراجهم من مناطقهم خوفا على أرواحهم وممتلكاتهم، ما يستوجب الهبة السريعة لنصرة المسلحين وتفويت الفرصة على النظام في إعادة بسط سيطرته. وفي خضم ما اشيع عن تنسيق أمريكي تركي، سربت من واشنطن يوم الخميس 23 أغسطس أن وزارة الدفاع الأمريكية أعدت خططا طارئة لإرسال قوات متخصصة إلى سوريا إذا ما قرر البيت الأبيض تأمين مستودعات الأسلحة الكيماوية، وأن "البنتاغون يركز على حماية أو تدمير أي أسلحة تترك بلا حراسة أو تكون عرضة للسقوط في أيدي مقاتلي المعارضة أو ميليشيات متصلة بالقاعدة أو حزب الله أو جماعات مسلحة". شريط تسجيل للموساد الملفت في خضم متابعة الموقف التركي ودرجة استعداد أنقرة للمساهمة في عملية عسكرية علنية ضد سوريا، أن قناة "أولوسال تي في" التركية نقلت يوم 20 سبتمبر ما قيل إنه شريط مسجل لمكالمات أجراها باللغة العبرية عملاء للموساد في ما بينهم في منطقة الحدود بين سوريا وتركيا. وقالت القناة إن هذا الشريط سجل عبر جهاز الاتصال في أحد المساجد في قرية كوزلاتشاط التركية القريبة من الحدود. وبدا في الشريط الذي بث أن المتكلمين يتحدثون بلغة عبرية ليست شديدة الوضوح من حيث المعنى. وحسب التسجيل فإن أحد المتكلمين قال: "أشعر بضغط عال من الخط البحري، مرسى واحد. أريد تحريره باتجاه 1.74، حول". ورد آخر في التسجيل بسلسلة أرقام وبعدها أضاف: "هل تعلم؟ أنا سأحرر وحينها نقدم القوات". وقالت القناة التركية إن المتحدثين هما جزء من مجموعة لعملاء الموساد يمارسون نشاطهم في المنطقة الحدودية وأضافت إن الموساد ليس جهاز الاستخبارات الأجنبي الوحيد الذي يعمل في سوريا، حيث يوجد أيضا عملاء لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية ونظيراتها الفرنسية والبريطانية. موازاة مع حديث وسائل الاعلام التركية عن عمليات "الموساد" في سوريا، تم توجيه اتهامات لإسرائيل بدعم "حزب العمال الكردستاني" حركة التمرد الانفصالية. فقد كشفت صحيفة "يني شفق" المقربة جدا من "حزب العدالة والتنمية" التركي في مقال مصور غطى غالبية صفحتها الأولى يوم 21 سبتمبر، الدور الإسرائيلي المباشر في العمليات الكردية، ولا سيما في العمليتين الأخيرتين في بينغول، واللتين أسفرتا عن مقتل 18 جنديا. وجاء في العنوان الرئيسي للصحيفة "استخبارات فورية من إسرائيل إلى حزب العمال الكردستاني". وذكرت ان مقاتلي "الكردستاني" استخدموا أجهزة تنصت واتصال إسرائيلية الصنع، سمحت بالتنصت على اتصالات الجيش التركي. وأشارت الصحيفة إلى أن من بين منتجي هذه الأجهزة شركة "تاديران تيليكوم" للتكنولوجيا وهي من الشركات العاملة في المدينة الصناعية في مستوطنة بتاح تكفا في إسرائيل، وتنتج هواتف "آي بي" وأجهزة تنصت، وهو ما مكن حزب العمال الكردستاني من اختراق نظام الاتصالات العسكري التركي. مواقف متغيرة مراكز رصد في أوروبا أشارت إلى أن مواقف ساسة أنقرة من الأزمة السورية عرفت عدة تحولات بعضها كان في وقت ما ميالا لركوب مغامرة التدخل العسكري في سوريا، وحاليا مع بداية خريف سنة 2012 أصبح موقف أنقرة سلبيا تجاه هذه الفكرة. هذه الوضعية تشجع روسيا على العمل على تحقيق بعض المكاسب، وفي نطاق تعزيز هذا التوجه أعلن يوم السبت 22 سبتمبر أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، سيقوم بزيارة مدينة اسطنبول التركية في الفترة ما بين 14 و15 أكتوبر 2012، للمشاركة في قمة مجلس التعاون التركي الروسي. وذكرت وكالة اخلاص التركية للأنباء، أن بوتين سيشارك خلال الزيارة في أعمال اجتماع مجلس التعاون الروسي التركي رفيع المستوى الثالث الذي يرأسه من الجانب التركي رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان. وأوضحت الوكالة أن بوتين سيعقد جلسة مباحثات مع أردوغان على هامش أعمال القمة، ستتركز على سبل تعزيز العلاقات الثنائية والعلاقات التجارية والاقتصادية وتطوير التعاون في مجال الاستثمارات، إضافة إلى تبادل الآراء حول العديد من القضايا الإقليمية والدولية، وفي مقدمتها التطورات الجارية في سوريا. وأشارت الوكالة إلى أن الاجتماع الماضي لمجلس التعاون الروسي التركي، عقد في العاصمة الروسية موسكو برئاسة الرئيس الروسي السابق ديمتري مدفيديف، في حين عقد الاجتماع الأول للمجلس بالعاصمة أنقرة في 12 مايو 2010. يشار أنه خلال شهر سبتمبر كذلك نشرت مؤسسة "مارشال" الأمريكية نتائج استطلاع للرأي تقوم به سنويا في العالم. فيما يخص تركيا حيث أجري الاستطلاع أثناء شهر يونيو 2012 أكدت غالبية المستجوبين وبنسبة بلغت 76 في المئة رفضها التدخل العسكري التركي في سوريا. حرب دولية بالنيابة بعيدا عن النقاش الدائر حول حيثيات الأزمة السورية التي بدأت في شهر مارس 2011، وهل هي ثورة شعبية أم استغلال لأزمة سياسية داخلية من جانب أطراف أجنبية لإثارة حرب داخلية خدمة لأهداف معينة؟، لا يختلف الكثيرون على أنه على أرض الشام تجري حرب بالنيابة لحساب أطراف إقليمية ودولية. ويشبه عدد من المؤرخين ما يجري في بلاد الشام حاليا بما عرفته إسبانيا خلال حربها الأهلية خلال الربع الثاني من القرن العشرين. إندلعت الحرب الأهلية الإسبانية خلال شهر يوليو 1936 بسبب نزاع سياسي داخلي بين معسكرين وصف أحدهما بالجمهوريين والأخر بالقوميين، كل طرف إعتبر نفسه ممثلا للشرعية ولإرادة الشعب الإسباني. بعيدا عن الخوض في إشكاليات هذه الحرب التي خلفت أكثر من نصف مليون قتيل من الإسبان وعشرات الألاف من المغاربة الذين فرض عليهم الاستعمار القتال فيها، استمرت هذه الحرب الضروس حتى الأول من شهر أبريل 1939 حيث حسمت لصالح معسكر القوميين بزعامة الجنرال فرانشيسكو فرانكو. يقدر عدد من المؤرخين أنه لو كان الإسبان قد تركوا لينهوا الخلاف بوسائلهم وإمكانياتهم الخاصة لكان عدد الضحايا أقل بكثير ولما استمرت الحرب أكثر من ثلاث سنوات. التدخل الأجنبي بالمال والسلاح والرجال زاد من خطورة هذا النزاع، وإعتبره الكثيرون مقدمة أو عملية تجريبية للحرب العالمية الثانية. يقول محللون غربيون أن موسكو في نطاق صراعها الواسع على النفوذ العالمي مع الغرب، وهذه المرة عبر البوابة السورية تريد تحقيق وقف حاسم لتقدم نفوذ خصومها، وتقدر أن الجيش النظامي السوري قادر على حسم المعركة ضد المعارضة بكل أطيافها وكذلك أنصارها من المقاتلين الأجانب ووحدات التدخل الخاصة التابعة لكل من الولايات المتحدة وبريطانيا وأعضاء آخرين في حلف "الناتو". ويضيف هؤلاء المحللين أن ساسة الكرملين يقدرون أنه لو تركت الحرية للولايات المتحدة لتركب حركة التحول في سوريا كما فعلت من قبل في مناطق عربية أخرى، وتنفذ مشروع الشرق الأوسط الكبير، فإن شهية البيت الأبيض ستتسع. الرئيس بوتين يرى أنه لو نجحت واشنطن في التدخل عسكريا في سوريا كما فعلت في ليبيا، فإنها ستتجه إلى كل من مصر والسودان لتنفيذ جزء جديد من مخطط الشرق الأوسط الكبير لتفكيك هياكلهما ثم إغراقهما في نزاعات داخلية تقود إلى إقامة دويلات جديدة وإعادة رسم خريطة المنطقة بإسلوب قريب لما يطبقه البيت الأبيض في العراق منذ احتلاله سنة 2003. تقديرات الأجهزة الروسية مصادر دبلوماسية عدة نقلت لدولها من العاصمة الروسية موسكو في نهاية صيف 2012 تقارير مفادها أن تقديرات مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية الروسية التي رفعت إلى أصحاب سلطة القرار في الكرملين، سجلت شبه إجماع على أن القوات النظامية السورية في طريقها لحسم المعركة لصالحها في حدود الربع الأول من سنة 2013، سوى إذا وقعت مفاجآت غير منظورة. نفس التقارير ذكرت أن العواصم الغربية الرئيسية المتورطة بشكل أو بآخر في الحرب السورية بدأت تدرك أن الوقت لا يعمل لصالحها ولكن ذلك لا يمنعها من ركوب مخاطر ومغامرات خطرة على أمل تغيير مسار الأحداث، وقدمت التقارير سلسلة طويلة من التطورات والمواقف التي تعكس تقلص مجال قدرة الغرب على التأثير في منطقة الشام. التقارير نصحت بتكثيف العمل على الجانب الاعلامي الدولي لوقف جهود الغرب لشيطنة مواقف موسكو. عمليات التغليط الإعلامي في شهر سبتمبر 2012 اعتبرت المجلة الشهرية "لوموند ديبلوماتيك" التي تصدر بعدد من اللغات أن النزاع في سوريا يشهد عمليات من التغليط الإعلامي تصل الى حرب باردة من طرف قطر وعدة دول أخرى، وتتضمن بث معلومات ومعطيات في ومن طرف وكالات أنباء عالمية وخاصة من فرنسا وبريطانيا في لحظات معينة في محاولة لخلق منعطف حقيقي لتوجيه الأزمة نحو هدف القضاء على نظام الرئيس بشار الأسد. وتحت عنوان "سوريا: ساحة معركة إعلامية" استعرضت المجلة في مقال تحليلي بعض الأخبار التي أوشكت أن تشكل منعطفا في هذا النزاع، وقد كادت هذه الأخبار أن توجهه نحو وجهة أو أخرى. وفي هذا الصدد، جرى التركيز أساسا على الصحافة الفرنسية ووكالة الأنباء الفرنسية "فرانس برس" وبعض الصحف البريطانية ووكالة "رويترز" بحكم تأثيرهما في الرأي العام الدولي وبحكم تورط فرنسا وبريطانيا في الأزمة السورية. وركز التحليل على الخبر الذي جرى بثه من طرف الناشط الموالي للجيش السوري الحر الفرنسي بيرنار هينري ليفي منذ سنة حول استعمال القوات النظامية السورية أسلحة كيماوية في مواجهة الثوار وتبين لاحقا عدم مصداقية هذا الخبر. ثم عالجت خبرا آخرا انتشر يوم 29 يناير ويتعلق بمعلومة تفيد بهروب الرئيس بشار الأسد نحو موسكو ومحاصرة الجيش السوري الحر للقصر الرئاسي في دمشق. وتقدم المجلة الشهرية خبرا آخر جرى نسبه الى السفير الروسي في موسكو باحتمال مغادرة بشار الأسد سوريا "بشكل حضاري". ولو كانت هذه الأخبار صحيحة وذات مصداقية لشكلت منعطفا في النزاع نحو انهيار نظام الأسد. وتبرز الشهرية أن هناك تعارض قوي بين أخبار المعارضة والنظام، فعندما يرخص الأخير للصحافيين بدخول سوريا يقدمون وبدون ضغط روايات مختلفة تتحدث "عن إرهاب جماعات جهادية"، وعندما يزور الصحافيون مناطق تحت سيطرة الجيش الحر يجري الحديث عن جرائم ضد الإنسانية يرتكبها الجيش النظامي. ويناقش المقال مدى مصداقية بعض المصادر التي تبث تقارير ويجري اعتمادها حتى من الحكومات وليس فقط وكالات الأنباء. في هذا الشأن، يتحدث عن الأرقام التي قدمها المرصد السوري لحقوق الإنسان حول مجزرة الحولة يوم 25 مايو 2012 وكيف تحول الأمر الى تساؤل حول الجهات الحقيقية المسؤولة والرقم الحقيقي للمجزرة لاحقا بعد التحقيق الأممي. وفي الوقت نفسه، يقدم المقال الاختلافات بين أرقام المصدر حول الحصيلة الإجمالية للقتلى والضحايا عموما وأرقام منظمة العفو الدولية. ويؤكد المقال أن نسبة قليلة من الفاعلين السياسيين والإعلاميين هم الذين يسيطرون على الحرب الإعلامية في الأزمة السورية، ويمتد الى تحليل دور الجزيرة وقناة العربية مبرزا أنهما قناتان تابعتان لنظامين معاديان لساسة دمشق ويشنان حربا باردة ضد نظامها. قبل ذلك وفي 17 يوليو 2012 اكدت صحيفة لوفيغارو الفرنسية على موقعها الالكتروني ان الصحافي الفرنسي جيل جاكييه الذي قتل في 11 يناير الماضي قضى "بقذيفة اطلقها المتمردون في حمص وكانوا يستهدفون فيها حيا مؤيدا للنظام حيث كان" الصحافي موجودا. وأضافت نقلا عن "مصدر قريب من الملف في وزارة الدفاع في باريس"، ان "التحليلات البالستية "علم حركة المقذوفات" والمعلومات الاستخبارية التي جمعتها مصادرنا على الارض بعيد المأساة تشير الى ان جاكييه "43 عاما" قتل بقذيفة هاون من عيار 81 مم مصدرها حي متمرد". يذكر أنه وقت وقوع الحادث وجهت كل وسائل الاعلام الدولية أصابع الاتهام إلى القوات النظامية. محاربون من خلف الستار ذكرت صحيفة "ذي ديلي تلغراف" البريطانية يوم الخميس 20 سبتمبر 2012 في تقرير من مراسلتها روث شيرلوك من محافظة إدلب في سوريا ان قوات الثوار التي تشكلت من افراد جاءوا من انحاء مختلفة من سوريا تحولت الى قوة عسكرية منظمة بفضل تمويل بعشرات الملايين من الدولارات من دول خليجية ومتابعة حريصة من قوات خاصة اجنبية. "أقيمت أكثر من عشرة مراكز تدريب تخفيها عن العيون مزارع الزيتون الكثيرة في محافظة إدلب في شمال سوريا والتي يخضع قطاع واسع منها الان لسيطرة المعارضة. في احد هذه المراكز التي جالت فيها مراسلة صحيفة "ذي ديلي تلغراف"، وقف المجندون على استعداد لممارسة تدريب صعب على تخطي العقبات. وما ان صاح القائد عبد القادر وهو من الضباط المنشقين عن الجيش السوري النظامي، حتى بدأ الرجال في تسلق الجدران والزحف تحت شباك من الاسلاك الشائكة والتأرجح على الحبال المربوطة في قمم الاشجار. وكان هناك اثنان يطالعان التدريبات من خيام النوم القريبة. كانا طويلي القامة حليقي الرأس، ببشرة معتدلة، وعضلات صدر منتفخة وعلى ذراعي كل منهما وشم رسومات، لكنهما كانا مختلفين عن المقاتلين الشبان الاضعف. لم يكونا قادرين على التحدث بالعربية، وكانا يشعران بالاستياء لوجود مراسلة ال"ديلي تلغراف". هذان الرجلان اللذان يستخدمان اسمي رضوان ومحمد، جاءا من اسكندنافيا، لكنهما طلبا عدم الكشف عن الدولة التي ينتميان اليها. ورغم انهما رفضا الحديث معنا، بحجة انهما ليسا هنا "الا لتقديم العون"، فان مجندين في الجيش السوري الحر كشفا لهذه الصحيفة انهما كانا في السابق من القوات الخاصة الأمريكية ويعملان بصفة مستشارين عسكريين. مقاتلون من دول إسلامية يوم 21 يوليو 2012 افاد مصور فرانس برس عند معبر باب الهوى بين سوريا وتركيا ان مجموعة من نحو 150 مقاتلا من دول اسلامية عدة كانوا يتمركزون السبت في المعبر الذي سقط بايدي المعارضة المسلحة الجمعة. واضاف المصور ان المسلحين من الجزائر والمملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة ومصر وفرنسا والشيشان وتونس وبعض الدول الافريقية. كما اعلن عدد منهم انهم ينتمون الى شورى طالبان, في حين قال غيرهم انهم ينتمون الى القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي. ومعبر باب الهوى هو واحد من 12 معبرا حدوديا بين تركيا وسوريا. يوم 8 سبتمبر بث تلفزيون رويترز لقطات وحديث جاك بيريه أحد مؤسسي منظمة اطباء بلا حدود وهو جراح فرنسي بعد عودته من مدينة حلب السورية. قال "في الحقيقة كان ما رأيته شيئا غريبا وسط معارضي نظام الأسد. انهم مهتمون بكيفية الاستيلاء على السلطة واقامة دولة اسلامية تطبق الشريعة لتصبح جزءا من الامارة العالمية. بعضهم كانوا فرنسيين من صغار السن ومتعصبين تماما بشأن المستقبل الذي يأملون فيه". وقال بيريه انه على خلاف ما شاهده في زياراته السابقة من عام 2012 الى حمص وادلب فان نحو 60 في المئة ممن عالجهم هذه المرة كانوا من مقاتلي المعارضة نصفهم على الأقل ليسوا سوريين. وأقر بيريه انه أثناء زياراته السابقة لسوريا في مارس ومايو رفض ما ردده البعض من أن المقاتلين الاسلاميين يهيمنون على المعارضة المسلحة لكنه الان مضطر لاعادة تقييم الوضع. بعضهم جهاديون محترفون ومقاتلون سابقون في العراق وأفغانستان والشيشان وليبيا وقد جلبوا معهم مهاراتهم في القتال وصنع القنابل. وقال بيريه "عالجت ايضا عدد قليل من الجهاديين الفرنسيين الذين اصيبوا وتحدثوا بالفرنسية لهذا فهمنا بعضنا جيدا وكان الامر مؤثرا للغاية.. شبان متعصبون جدا". واضاف "أبلغوني ذات مرة أن محمد مراح وهو متشدد من تولوز قتل سبعة أشخاص في مارس باسم تنظيم القاعدة نموذج يحتذى به. وذكر بيريه الذي دخل سوريا عبر الحدود الشمالية مع تركيا ان لديه أيضا مؤشرات الي أن أنقرة تحاول منع السوريين الفارين من عبور الحدود. واشار إلى حقيبته التي يحمل بها أدواته الجراحية وحذائه وملابسه التي كان يرتديها والملطخة بالطين وهو يقول ان القوات التركية غمرت منطقة ريحانلي الحدودية بالماء حتى تجعل من الصعب على اللاجئين عبور الحدود دون اكتشاف أمرهم. قبل ذلك ويوم الأربعاء 8 أغسطس افادت وكالة انباء الاناضول ان المحامي التركي عثمان قرهان المثير للجدل لتمثيله عدة عناصر مفترضين في تنظيم القاعدة متهمين بارتكاب هجمات دامية في اسطنبول عام 2003 قتل في معارك حلب. وصرح شقيقه اكرم قرهان للوكالة ان المحامي الذي لوحق قضائيا بتهمة وجود علاقات مفترضة له بالقاعدة سقط "شهيدا" في حلب حيث اكد الجيش السوري استعادة السيطرة على معقل الثوار الرئيسي في حي صلاح الدين. يوم الخميس 27 سبتمبر صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ان الغربيين تسببوا بعدم الاستقرار في عدد من الدول وهم الان يوشكون على زرع "الفوضى" في سوريا رغم تحذيرات روسيا. ونقلت وكالات الانباء عن بوتين قوله خلال لقاء مع سكان منطقة ريازان وسط روسيا، ان "الامر الاكثر خطورة هو ان شركاءنا لا يمكنهم التوقف. لقد زرعوا الفوضى في العديد من المناطق. وها هم الان ينتهجون السياسة نفسها في دول اخرى لا سيما في سوريا". واضاف بوتين "لقد قلنا فعلا انه يجب التحرك بحذر وعدم فرض اي شيء بالقوة تحت طائلة نشر الفوضى. وما الذي نراه اليوم؟ الوضع شبيه كثيرا بحالة الفوضى". "لم نكن نريد فعلا ان يتكرر اليوم ما حصل في تاريخ البشرية قبل قرون"، مشيرا الى استيلاء الامبراطورية الرومانية على قرطاج وتدميرها في القرن الثاني قبل الميلاد. واضاف ان "اول عملية تنظيف اتني واسعة حصلت بين الامبراطورية الرومانية وقرطاج التي تقع في شمال افريقيا". وتابع الرئيس الروسي ان "الامبراطورية الرومانية لم تستول على قرطاج وتحتلها وحسب، لكنها وبعد ان دمرت كل شيء فيها وأدمت الجميع، رشت الملح لكي لا ينبت فيها اي شيء". وذكر بوتين أيضا "برأيي، ان ما يحصل يشبه ذلك، عندما تحاول دول قوية ان تفرض اسلوب حياتها وأخلاقها على الضعفاء من دون الأخذ في الاعتبار تاريخ وتقاليد ودين هذا البلد أو ذاك". نريد تغيير النظام، ولكن بماذا؟ كتب الزميل الكاتب والمحلل الصحفي على الصراف في شهر يوليو 2012: الدكتاتورية سيئة، ويجب أن ترحل. الديمقراطية كلام احيانا. نسمعه ونطرب له. ولكنها قواعد وأسس وقوانين. وما لم يتم ارساء هذه القواعد والأسس والقوانين، فان كل كلام عن الديمقراطية يظل كلاما لا معنى ولا قيمة فيه. ونريد تغيير النظام. ولكن تغييره بماذا؟ هذا سؤال جدير بأن يسئل. فاذا قلت لي انك تريد تغيير النظام الدكتاتوري القائم بنظام ديمقراطي، فان من الواجب أن تنظر حولك لترى ما إذا كان يوجد ديمقراطيون يمكنهم إقامة نظام جديد يكون بحجم الكلام عنه. وبمقدار ما يتعلق الأمر ببعض اطراف المعارضة السورية، فان هذه الأطراف لا تعرف للديمقراطية معنى. حتى انها ليست وطنية بما فيه الكفاية. انظر الى تصريحات بعض المعارضين ذات الطبيعة المتوترة والعنيفة وانظر الى لغتهم الحاقدة، وسترى معارضين ليسوا أقل سوءا من الدكتاتورية نفسها. والكل يقول عن نفسه انه "وطني"، حتى الذي يريد ان يمتطي دبابات الغزو الخارجي. فهو الآخر يقول انه "وطني". فما هو المعيار؟ ومن هو "الوطني"؟ وإذا وجدت نفسك محتارا، أفلا يجدر أن تدقق في حيرتك؟ بمعنى، أن تدقق في المعايير التي تستخدمها لتحديد "الوطني" من "غير الوطني". ثمة دم يسيل أحيانا بين الوطني والوطني. وسؤالي هو: من أين تأتيك القدرة على حرق ومحق وسحق الوطني؟ ماذا فعلت للقيم المشتركة التي تجمع بين الوطني والآخر؟ وكيف جاز لكلامك عن الديمقراطية أن يسمح لك بشطب وطني آخر أو قوة اخرى أو حزبا آخر؟ ثم إنك إذا كنت تتباهى بالزعم أنك مع الديمقراطية "حرية الرأي" "والتعددية السياسية" ودولة القانون، ثم لا تجد في نفسك القدرة على تحمل الاختلاف، أفلا يعني ذلك أنك منافق، تقول شيئا لا تعنيه، وتطرح مزاعم لا تقصدها؟ وإذ ان هناك من يقول بين المسؤولين الدوليين ان الحرب الأهلية اندلعت بالفعل في سوريا، فليس لنا إلا أن نقول: خرّبّتموها وجلستم على تلتها تنعقون مثل البوم. مع ذلك، فما يزال هناك بيننا من لم يعِ الدرس. وما يزال هناك بيننا من يؤمن بالسحق والمحق، وبالقتل المجاني للأبرياء. اللغة عديمة الاحترام التي يخاطب بها "الوطنيون" أحدهم الآخر تكشف في الكثير من الأحيان ليس عن صبيانية دموية، ولكنها تكشف عن مدى الرعونة التي جعلت من الخراب الراهن خرابا شاملا. شيءٌ ما يتحطم الآن ليس في سوريا كدولةً ومؤسسات، بل في النفوس أيضا. شيءٌ، ما يزال يتكلف الكثير من الدماء والعرق لغسله ولإعادة بناء ما تهدم من جرّائه. تضيع الوطنية، بين حابل الأحزاب ونابلها، بسبب غياب المعايير وضبابية المفهوم. ومع ضياع الوطنية يضيع الحلم بالديمقراطية. ويضيع الوطن".