طالبت النيابة العامة، اليوم الجمعة، بإدانة محمد مبديع، الوزير السابق والرئيس الأسبق لجماعة الفقيه بن صالح، المعتقل احتياطيا بسجن "عكاشة"، بتهم تتعلق باختلاس وتبديد المال العام والارتشاء واستغلال النفوذ. وخلال مرافعتها أمام غرفة جرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، أكد ممثل النيابة العامة أن الأفعال المنسوبة إلى مبديع وباقي المتابعين ثابتة من خلال الوثائق والتقارير والتصريحات. وأوضحت النيابة العامة أن جريمة تبديد المال العام تتحقق عندما يقوم الموظف العمومي باستعمال المال الموضوع تحت يده استعمالا معيبا، أو بصرفه في غير ما خصص له، رغم علمه بأن ذلك يلحق ضررا بالمال العمومي. كما شددت على أن اختلاس المال العام يتمثل في الاستيلاء عليه خفية أو علانية، وتحويله عن الغاية التي رصد لها، سواء تعلق بمال عمومي أو خاص، ما دام بين يدي موظف عمومي. وأبرزت النيابة العامة أن المشاركة في الاختلاس تشمل المقاولين الذين يتوصلون بمبالغ مالية رغم علمهم بأن الأشغال لم تنجز، أو أنجزت خارج الضوابط القانونية أو بمواصفات مغشوشة. وقالت إن الاختلاس في هذا الملف بدا واضحا من خلال الأداء عن أشغال غير منجزة أو منجزة بشكل مخالف لدفتر التحملات، لاسيما في صفقتي 07/2016 و12/2014، حيث صرفت مبالغ مالية كبيرة رغم غياب الأشغال أو عدم اكتمالها، كما أن محاضر التسليم المؤقت تضمنت معطيات غير صحيحة. كما قدمت النيابة العامة أمثلة حول النفخ في الأسعار، من بينها صفقة اقتلاع الأشجار، حيث حدد عدد الأشجار في البداية في شجرتين ثم ارتفع فجأة إلى 232 شجرة، وحدد ثمن اقتلاع الشجرة الواحدة في 6000 درهم، في حين كشف أحد الشهود أنه قام بالعملية مجانا في إطار المناولة. كما أشارت إلى صفقة الهدم التي قدر ثمنها الأولي ب15 درهما للمتر، قبل أن يقفز فجأة السعر إلى 200 درهم للمتر، دون أي مبرر قانوني، رغم أن القانون لا يسمح بزيادة تتجاوز 25%. وكشفت النيابة العامة أن جماعة الفقيه بن صالح كانت تعتمد على المناولة بطريقة غير قانونية، بحيث تستفيد شركة معينة من الصفقات بأثمنة مرتفعة، ثم تكلف أشخاصا آخرين بإنجاز الأشغال بأثمان زهيدة، وقد استفادت شركة "سونكرال گوتيير" من عدة صفقات بهذه الطريقة. كما تم، وفق النيابة العامة، توجيه صفقات عمدا نحو شركات محددة، وإقصاء أخرى رغم تقديمها عروضا أفضل، كما وقع مع شركة "ظافطو" التي فازت بصفقة سنة 2016 قبل أن تسحب منها لصالح "سونكرال گوتيير" بمبلغ أعلى من الأول. وأوضحت النيابة العامة أن المتابعين لجؤوا إلى تزوير محررات رسمية، خصوصا محاضر التسليم المؤقت للأشغال، والتي تضمنت بيانات غير حقيقية حول انتهاء الأشغال رغم أنها كانت لا تزال مفتوحة، كما أن بعض المحاضر تضمنت توقيعات لموظفين سبق أن انسحبوا من المشروع. كما أبرزت أن عددا من الشركات التي نالت صفقات بملايين الدراهم لم تكن تتوفر لا على الإمكانيات البشرية ولا اللوجيستيكية التي تسمح لها بذلك. وفي ملف الارتشاء، كشفت النيابة العامة واقعة شراء سيارة فاخرة بقيمة 172 مليون سنتيم سجلت باسم مبديع، في حين أدى ثمنها شخص آخر مرتبط بمكاتب دراسات بالجماعة، معتبرة أن ذلك يشكل قرينة قوية على وجود علاقة نفعية ورشوة. كما شددت النيابة العامة، على أن جريمة استغلال النفوذ عندما يعمل شخص ما، بشكل مباشر أو غير مباشر، على تمكين طرف آخر من الحصول على صفقة عمومية أو مشروع مربح، ناتج عن اتفاق يبرم مع سلطة عمومية أو هيئة خاضعة لإشرافها، مقابل تدخل أو تأثير يمارسه هذا الشخص مستغلا مركزه أو علاقاته. ويعتبر الفعل قائما حتى في حالة استعمال نفوذ مفترض وليس حقيقيا، ما دام الهدف منه التأثير على قرارات الإدارة أو توجيهها بشكل غير مشروع، وهو ما يشكل أحد الأركان الأساسية لهذه الجريمة كما يحددها القانون. وفي نازلة الحال، تؤكد النيابة العامة أن المتهم لم يكتف بنفوذ مفترض، بل مارس نفوذا فعليا وحقيقيا في توجيه صفقات معينة وجعلها من نصيب شركات محددة لا تتوفر فيها الشروط القانونية التي تخولها الفوز بها، وقد تم ذلك عن علم وإرادة واضحة، وبطريقة تظهر تعمدا في التأثير على مسار الصفقات العمومية، بما يحقق مصالح خاصة على حساب المصلحة العام.