قال محمد أمين بنعبد الله، رئيس المحكمة الدستورية، إن القضاء الدستوري في المغرب لا يُختزل في مراقبة المساطر الشكلية التي تعتمدها الحكومة أو البرلمان، بل تم إنشاؤه أساسا لحماية الحقوق والحريات التي نص عليها دستور المملكة. جاء ذلك خلال ندوة علمية احتضنتها كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس، يوم الأربعاء 11 يونيو 2025، تحت عنوان "قراءة في الكتب التكريمية الجماعية الأربعة"، بمشاركة عدد من الأساتذة الجامعيين والباحثين، تكريما لمساهماتهم في تطوير الفكر القانوني والدستوري.
وأوضح بنعبد الله أن دستور 2011 جاء استجابة لخطاب ملكي تاريخي بتاريخ 8 مارس من السنة نفسها، والذي أعلن عن ثورة حقيقية في مجال الحقوق والحريات، بحيث تضمّن ما يقارب 60 من أصل 180 مادة تهم هذه الحقوق إما بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، مبرزا في هذا السياق أن المغرب يُحسد على هذا التقدم، بالنظر إلى أن الوثيقة الدستورية تتضمن ما هو معمول به في الديمقراطيات الحقة.
وأضاف رئيس المحكمة الدستورية أن الدستور لا يمكن أن يُصان إلا إذا قامت السلطات، وعلى رأسها السلطة التشريعية، باحترام أحكامه، معتبرا أن أي تجاوز في التشريع يعد "شططا تشريعيا"، ومذكّرا بأن مهمة القضاء الدستوري هي تطهير النصوص القانونية من الشوائب التي قد تمس بعلويتها.
وأكد المتحدث أن ثقافة الطعن الدستوري لا تزال محدودة في الممارسة البرلمانية المغربية، موضحا أن عدد الإحالات على المحكمة الدستورية من طرف الفاعلين السياسيين منذ سنة 1994 لم يتجاوز 21 إحالة في ما يخص القوانين العادية، وهو عدد ضعيف لا يرقى إلى التطلعات، مشبها القضاء الدستوري بالمصباح الذي لا يمكن أن يضيء إلا إذا استُعمل.
وعاد بنعبد الله ليشير إلى أن هذه الوضعية تعود، جزئيا، إلى انطباع خاطئ مفاده أن الإحالة على المحكمة الدستورية تُمثل طعنا سياسيا في صاحب النص، في حين أن الأمر لا يعدو أن يكون إحالة علمية على مؤسسة وظيفتها هي تمحيص القوانين ومدى ملاءمتها للدستور، تماما كما يُحال تحليل مخبري في الطب دون المساس بالشخص المعني.
وفي سياق متصل، أبرز بنعبد الله أن مشروع الدفع بعدم الدستورية، الذي يُنتظر خروجه قريبا إلى حيز التنفيذ، من شأنه أن يحدث نقلة نوعية في حماية الحقوق والحريات، لأنه سيمكن الأفراد، بمناسبة قضايا معينة، من إثارة خرق دستوري أمام القضاء، مما سيعزز المراقبة الموضوعية على القوانين ويعمق الرقابة الدستورية.
وشدد رئيس المحكمة الدستورية في ختام مداخلته على أن النقاش العمومي والعلمي حول الحقوق والحريات يجب أن يستمر، مبرزا أن دستور 2011 لم يأت بحريات جديدة وإنما كرّس ما كان معمولا به سابقا في الواقع، ومؤكدا في ذات الآن أن هذه المكتسبات لا يمكن أن تصان إلا بتراكم ثقافة احترام الدستور في الممارسة التشريعية والمؤسساتية.