لم يكن خبر فرار الجنرال عبد القادر حداد، المعروف باسم ناصر الجن، مجرد واقعة أمنية عابرة، بل تحول إلى زلزال داخل أروقة السلطة الجزائرية. الرجل الذي كان إلى وقت قريب على رأس جهاز الاستخبارات الداخلية، وجد نفسه فجأة في قلب أخطر سيناريو يعيشه النظام منذ سنوات، بعد أن تمكن من الإفلات رفقة مجموعة من الضباط من المخابرات. العاصمة الجزائرية تحولت منذ ذلك الحين إلى فضاء خانق أشبه ب"قاعة انتظار جماعية". شوارع شبه مغلقة، وانتشار مكثف للحواجز الأمنية، وتفتيش متواصل، ومروحيات تحوم في سماء المدينة، فيما يتحدث السكان عن إحساس دائم بالحصار. ومع غياب أي بيان رسمي يوضح حقيقة ما يجري، تترسخ حالة الارتباك الجماعي، وتنتشر إشاعات وُصفت بالسامة والمرعبة تزيد من حدة الخوف وعدم اليقين.
لكن خلف هذا المشهد الأمني، تلوح صراعات عميقة بين أجنحة النظام. ففرار شخصية بحجم ناصر الجن لا يمكن أن يحدث، بحسب محللين، دون وجود تواطؤ أو تراخ داخل الأجهزة ذاتها، ما يعكس حجم الانقسامات داخل المؤسسة العسكرية. البعض يرى أن الرجل ربما يمتلك ملفات حساسة عن مرحلة "العشرية السوداء"، أو عن شبكات النفوذ السياسي والمالي داخل النظام، وهو ما يجعله ورقة خطيرة في أي معادلة قادمة.
الجيش الوطني الشعبي يعيش حالة استنفار قصوى، وصُف ب"النفير العام"، في محاولة لإعادة الإمساك بزمام الأمور. لكن هذا التشديد الأمني لا يخفي مأزقً أكبر. صورة الدولة نفسها أمام مواطنيها وأمام الخارج. فكيف يمكن لنظام يُسوق نفسه كحصن الاستقرار أن يعجز عن ضبط أحد أبرز رموزه الأمنية؟
الجزائر اليوم تبدو معلقة بين حاضر مرتبك ومستقبل غامض. العاصمة المغلقة ليست سوى انعكاس لانسداد سياسي وأمني أوسع. الجميع في حالة ترقب، وكأن البلاد كلها في "قاعة انتظار" كبرى، ينتظر ما ستُفصح عنه الأيام من حقيقة فرار ناصر الجن. هل هو مجرد حادث فردي، أم بداية لانكشاف تصدعات أعمق داخل النظام؟