أثار خبر فرار الجنرال النافذ ناصر، الملقب ب"الجن"، من قلب العاصمة الجزائرية، جدلا واسعا وتساؤلات عميقة حول حقيقة ما يجري داخل أروقة السلطة العسكرية. فبينما يصف البعض هذه الخطوة بأنها "ضربة موجعة للنظام"، يذهب آخرون إلى اعتبارها مؤشرا على وجود تصدعات أعمق مما يظهر للعلن. الغريب في الأمر أن السلطات الجزائرية اختارت التزام الصمت المطبق، وكأنها تفضل ترك الشارع يغلي بالتكهنات بدل مواجهة الواقع بالشفافية. فكيف يعقل أن ينجح جنرال بهذا الوزن، صاحب ملفات حساسة واطلاع واسع على أسرار الدولة، في مغادرة العاصمة في ظروف غامضة دون أن تلتقطه عيون الأجهزة الأمنية التي لا تتسامح حتى مع ناشط سياسي بسيط أو متظاهر سلمي؟ أليس في ذلك مفارقة تكشف عن ازدواجية المعايير وضعف في بنية الدولة الأمنية التي طالما تباهت بالصرامة والقدرة على الضبط والسيطرة؟ الأكثر إثارة للتساؤل هو توقيت هذا التطور؛ فالجزائر تعيش أصلاً حالة احتقان سياسي واقتصادي واجتماعي، وصراعات أجنحة داخلية لم تعد خافية على أحد. فهل يمثل فرار "الجن" مجرد هروب شخصي من تصفيات داخلية، أم أنه جزء من لعبة أكبر تدار خلف الكواليس لإعادة ترتيب موازين القوى داخل المؤسسة العسكرية؟ و في المقابل المحللون يحذرون من أن هروب شخصية بهذا النفوذ ليس حدثا معزولا، بل قد يكشف عن تصدع داخلي بدأ يتسرب إلى السطح. فالنظام الذي يضيق الخناق على الإعلام، ويلاحق النشطاء والمعارضين، يجد نفسه اليوم عاجزا عن تقديم رواية مقنعة حول غياب رجل يُوصف بأنه "خزان أسرار الدولة". والسؤال الذي يفرض نفسه: إذا كان "الجن" قد تمكن من الإفلات، فماذا عن بقية الجنرالات الذين قد يجدون أنفسهم غدا في موقع الصدام مع مراكز القرار؟ وهل يمكن أن يكون هذا مجرد بداية لانهيار تدريجي في هيبة السلطة العسكرية التي بنت شرعيتها على "الوحدة الصلبة" و"الانضباط الحديدي"؟ و في النهاية، يظل الغموض هو العنوان العريض، لكن المؤكد أن ما حدث فتح الباب على مصراعيه لموجة من الشكوك والانتقادات، ليس فقط حول قدرة النظام على التحكم في رجاله، بل أيضاً حول مدى صلابته أمام التحديات الداخلية والخارجية. فهل نحن أمام لحظة فاصلة قد تعيد رسم خريطة السلطة في الجزائر، أم أن النظام سيجد طريقة لاحتواء الأزمة كما فعل مرارا في السابق؟