في مساء هادئ من أكتوبر، ظهر المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون السلام في الشرق الأوسط ستيف ويتكوف أمام كاميرات برنامج "minutes 60" على شبكة CBS. وكان حديثه أشبه بمفاجأة دبلوماسية: "نحن نعمل حاليا على ملف المغرب والجزائر. فريقي يركز عليه، وأعتقد أننا سنشهد اتفاق سلام خلال 60 يوما القادمة". بهذه الجملة القصيرة، حرك ويتكوف واحدا من أكثر الملفات حساسية في شمال إفريقيا، فالعلاقات بين الرباط والجزائر مجمّدة منذ أكثر من ثلاث سنوات، والحدود مغلقة منذ تسعينيات القرن الماضي، وسط تراكم الخلافات السياسية حول ملف الصحراء والمواقف الإقليمية والتحالفات الخارجية.
لكن الجديد هذه المرة هو تدخل أمريكي مباشر، يأتي بعد أشهر من التحركات الدبلوماسية الهادئة التي قادها البيت الأبيض لإعادة ترتيب الملفات الساخنة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومن بينها المصالحة المغربية – الجزائرية. حيث يقود ويتكوف فريقا صغيرا يعمل على إعداد "خريطة طريق" للحوار بين البلدين، تقوم على استعادة قنوات الاتصال الدبلوماسية تدريجيا، قبل الانتقال إلى ملفات التعاون الأمني والاقتصادي.
ورغم التفاؤل الذي عبر عنه ويتكوف، فإن المهلة الزمنية التي حددها (60 يوما) تبدو طموحة للغاية، بالنظر إلى عمق الخلافات السياسية وغياب الثقة المتبادلة. غير أن بعض المراقبين يرون أن الهدف من هذا الإعلان ليس تحديد موعد نهائي، بل خلق دينامية سياسية جديدة تعيد الملف إلى واجهة النقاش الإقليمي والدولي.
من الناحية الجيوسياسية، يمكن اعتبار هذا التحرك الأمريكي جزءا من استراتيجية واشنطن لتثبيت الاستقرار في شمال إفريقيا، خصوصا بعد تنامي النفوذ الروسي والصيني في المنطقة، ومحاولات الاتحاد الأوروبي إعطاء دفعة للتعاون الطاقي مع المغرب والجزائر. لذلك، فإن توافقا محتملا بين البلدين لا يعني فقط فتح الحدود أو إعادة السفراء، بل إعادة تشكيل توازن القوى الإقليمي في منطقة الساحل والبحر المتوسط.
لكن في الكواليس، يدرك الجميع أن الطريق لن يكون سهلا. فملف الصحراء ما يزال محور التوتر الأكبر، وكل تقارب مغربي – جزائري لن يكون قابلا للاستمرار ما لم يُفتح هذا الملف ضمن مقاربة براغماتية تحفظ المصالح المشتركة.
وبين التفاؤل الأمريكي والحذر المغاربي، تبقى الحقيقة الأوضح أن المنطقة بحاجة إلى مصالحة أكثر من أي وقت مضى. فالأزمات الاقتصادية وتحديات الأمن الطاقي وضغط الشباب الباحث عن الأمل تجعل من كل مبادرة للحوار فرصة تاريخية.
ربما لن يتحقق الاتفاق في 60 يوما كما يتمنى ويتكوف، لكن مجرد عودة الحديث عنه بعد سنوات من القطيعة هو في حد ذاته مؤشر على أن الأبواب لم تغلق كليا.