واصلت النيابة العامة مرافعتها في ملف ما بات يعرف باختلالات جماعة الفقيه بن صالح، موضحةً أن الوقائع الثابتة في الملف تؤكد وجود تبديد ممنهج للمال العام وارتكاب موظفين عموميين ل"استعمال معيب للأموال الموضوعة تحت أيديهم"، في خرق واضح للقوانين والتنظيمات المؤطرة لصرف المال العمومي. وأكد ممثل الحق العام في جلسة اليوم الجمعة 05 دجنبر الجاري، أن جريمة التبديد تقوم على علم الموظف بأن الاستعمال غير المشروع للأموال سيلحق ضررًا بالمؤسسة العمومية، سواء بفعل إيجابي مباشر، أو بترك واجبات يفرضها عليه القانون، ما يؤدي إلى ضياع المال أو صرفه في غير ما خصص له. وأوضح المتحدث عينه أن الأمر بالصرف أو استعماله خارج الإطار القانوني يشكل جريمة تبديد المال العام، وأن كل من يشارك الموظف العمومي في هذا الفعل يُسأل جنائيًا ويخضع للعقوبات المقررة نفسها، مستشهدًا بقرارات لمحكمة النقض تؤكد هذه المبادئ. وخلال عرض معطيات الملف، تطرقت النيابة العامة إلى الدور الذي لعبته شركة "لاسنطرال غوتيير"، التي بحسب ما جاء في المرافعة كانت تستفيد بشكل متواتر من صفقات عمومية بمبالغ "خيالية"، قبل أن تعيد جزءًا يسيرًا من الأشغال لشركات صغيرة أو لأشخاص عاديين مقابل مبالغ زهيدة.
وكشفت النيابة العامة أن هذه الشركة كانت تقوم بدور الوسيط بين الجماعة والمنجزين الفعليين للأشغال، وتقوم باقتطاع الجزء الأكبر من ميزانيات الصفقات، "بإيعاز مباشر من داخل الجماعة"، وفق تعبيره.
ومن بين الأمثلة التي قدمها، صفقة التبليط التي حصلت فيها الشركة على مبلغ 23 مليون درهم، بينما أُسند تنفيذ الأشغال فعليًا لأحد الأشخاص بمبلغ لا يتجاوز 75 مليون سنتيم، وهو فارق كبير يبرز طبيعة التلاعب واستنزاف المال العام. وأبرزت النيابة العامة أن توجيه الصفقات داخل جماعة الفقيه بن صالح كان يتم بشكل ممنهج لفائدة شركات بعينها، عبر إقصاء منافسين تتوفر فيهم الشروط القانونية والتقنية، مشيرة إلى أن شركة "دافكو" فازت في أكثر من مناسبة بصفقات عمومية بطريقة قانونية بعد فتح الأظرفة وتقديم أقل العروض واستيفاء المتطلبات الإدارية والتقنية، غير أن هذه الصفقات كانت تُسحب منها دون أي سند قانوني، ليُعاد الإعلان عنها من جديد وتُمنح لشركة "لاسنطرال غوتيير" بمبالغ تفوق العروض الأصلية، في نموذج واضح على توجيه الطلبات والتمييز غير المشروع بين المتنافسين. وأضاف ممثل الحق العام أن هذه الاختلالات لم تكن معزولة، بل شكلت نمطًا ممنهجًا خلال فترة تسيير الجماعة، معتبرًا أن شركة "لاسنطرال غوتيير" "عاثت فسادًا في الفقيه بن صالح". وكشف ممثل النيابة العامة أن حجم الصفقات التي استفادت منها الشركة تجاوز مليارين، في حين كان تنفيذ قسم كبير منها يُسند لأشخاص لا يملكون لا أهلية تقنية ولا إدارية، ما يشكل ضربًا لمبدأ المنافسة الشريفة وتجاوزًا صارخًا للقوانين المنظمة للصفقات العمومية. وفي ما يتعلق بغياب الاعتمادات المالية الذي قدمته الجماعة كمبرر لسحب إحدى الصفقات، اعتبرت النيابة أن هذا التبرير "غير صحيح ومردود عليه"، لأن الجماعة كانت لحظة الإعلان عن الصفقة تتوفر على الاعتماد المطلوب، بل إن مبلغًا إضافيًا قدره 48 مليون سنتيم تم رصده يفوق القيمة الأصلية للصفقة، وهو ما يعكس بحسب النيابة وجود نية مسبقة لتوجيه الصفقة. وكشفت المرافعة أن الجماعة بررت إقصاء تجمع مكتبي الدراسات "نوفيك وسميك" بغياب شهادات اعتماد وبأن الوثائق محررة بلغة غير العربية، رغم أن الأبحاث أثبتت وجود الشهادات وصحتها، وأن السبب الحقيقي كان هو إبعاد هذا المكتب لفتح الباب أمام شركات مرتبطة بعلاقات مريبة مع مسؤولي الجماعة. واختتم ممثل الحق العام عرضه بالتأكيد على أن الملف يتضمن أمثلة عديدة على توجيه الصفقات وتبديد الأموال العمومية، عبر ممارسات متكررة لا يمكن اعتبارها مجرد أخطاء تدبير، بل نظامًا كاملاً من التجاوزات يخدم مصالح محددة على حساب المصلحة العامة.