في كلمة حول جبر الأضرار الناجمة عن مآسي العبودية والاتجار في البشر والاستعمار والاستغلال بإفريقيا: آمنة بوعياش تترافع حول «عدالة تعويضية» شاملة ومستدامة    إدريس لشكر : الديمقراطية في خطر وسط تزايد الاستبداد والمخاطر العالمية    الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تحتفي بالمنتخب الوطني النسوي المتوج بكأس إفريقيا داخل القاعة    «غزة على الصليب: أخطر حروب الصراع في فلسطين وعليها»    "اليونيسف": أطفال غزة يواجهون خطرا متزايدا من الجوع والمرض والموت    سفينة مساعدات لغزة تتعرض لهجوم بمسيرة في المياه الدولية قرب مالطا    تقرير: أخنوش يستخدم أمواله للسيطرة على الإعلام والصحافيون المستقلون يتعرضون لضغوط مستمرة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    إجهاض محاولة لتهريب أزيد من 51 ألف قرص مخدر بميناء طنجة المتوسط    العرائش تسجل أعلى نسبة تملك.. وطنجة تتصدر الكراء بجهة الشمال    مقاطعة مديري مؤسسات الريادة للعمليات المصيرية يربك مشروع الوزارة في الإصلاح التربوي    سوريا: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي "تصعيد خطير"    المغرب يودّع أحد رموزه الفنية.. محمد الشوبي يترجل بعد مسار طويل من الإبداع    "موازين" يعلن جديد الدورة العشرين    كلية الآداب بالجديدة وطلبتها يكرمون الدكتورة لطيفة الأزرق    عبد الله زريقة.. علامة مضيئة في الشعر المغربي تحتفي به "أنفاس" و"بيت الشعر"    بعد صراع مع المرض... وفاة الفنان محمد الشوبي عن عمر 62 عاما    نجاح "خامس مهمة نسائية" خارج المحطة الفضائية الدولية    هل ينجو قمح المغرب من الجفاف ؟ توقعات جديدة تعيد الأمل للفلاحين    مجلس الدفاع في لبنان يحذر "حماس"    في ساحة مسجد بدر بطراسة… رجل يقبّل طفلًا والأب يتصل بالشرطة    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    رسالة مفتوحة إلى السيد محمد ربيع الخليع رئيس المكتب الوطني للسكك الحديدية    البكوري يقيم مأدبة غذاء على شرف جنود خفاء جماعة تطوان قبيل انطلاق الموسم الصيفي    العلاقات التجارية بين المغرب ومصر.. وفد اقتصادي مغربي يزور القاهرة    كوريا: الرئيس المؤقت يقدم استقالته لدخول سباق الانتخابات الرئاسية    تفاؤل تجاري ينعش أسعار النفط في الأسواق العالمية    "الكورفاتشي" تستعد للتنقل إلى مدينة الدار البيضاء لحضور "الكلاسيكو" أمام الوداد    إيقاف سيموني إنزاغي و هاكان بسبب علاقتهما بمشجعين مرتبطين ب"المافيا"    لماذا لا تحتفل هولندا بعيد العمال (فاتح ماي) رغم عالميته؟    الأمن يوقف مروجي كوكايين وكحول    العثور على جثة شخص داخل منزل بشارع الزرقطوني بعد اختفائه لثلاثة أيام .    كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة: المغرب يستهل مشواره بفوز مثير على كينيا    الحوار الاجتماعي بالمغرب بين الشكلية والفعالية    الذهب يتعافى بعد بلوغ أدنى مستوى في أسبوعين    تفاصيل إحداث قطب تكنولوجي جديد بالدار البيضاء يوفر أزيد من 20 ألف منصب شغل    عيد العمال.. الكونفدرالية ببني ملال "تحتج" في مسيرة حاشدة    لجنة الأخلاقيات توقف العديد من المسؤولين عن كرة القدم بين سنة وثلاث سنوات بسبب اختلالات في التسيير    وفاة الممثل المغربي محمد الشوبي    خُوسّيه سَارَامَاغُو.. من عاملٍ فى مصنعٍ للأقفال إلى جائزة نوبل    اللاعب المغربي الذي أبهر العالم بأدائه المجنون … !    الصين تدرس دعوات أمريكية لاستئناف الحوار بشأن الرسوم الجمركية    حين يتحول الانفعال إلى مشروع سياسي: في تفكيك خطاب بنكيران حول "القضية" و"الحمار"    كرة القدم.. توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي    احتراق شاحنة على الطريق السيار طنجة المتوسط    منتجو الفواكه الحمراء يخلقون أزمة في اليد العاملة لفلاحي إقليم العرائش    الزلزولي يساهم في فوز بيتيس    هل بدأت أمريكا تحفر "قبرها العلمي"؟.. مختبرات مغلقة وأبحاث مجمدة    القهوة تساعد كبار السن في الحفاظ على قوة عضلاتهم (دراسة)    فوائد القهوة لكبار السن.. دراسة تكشف علاقتها بصحة العضلات والوقاية من السقوط    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    اختبار بسيط للعين يكشف احتمالات الإصابة بانفصام الشخصية    دراسة: المضادات الحيوية تزيد مخاطر الحساسية والربو لدى الأطفال    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجهوية المغربية تحت مجهر ثلاث زوايا للتحليل .. الجهوية في ضوء التصميم الوطني لإعداد التراب .. تقرير الخمسينية.. و «مغرب الجهات»

الإصلاحات المؤسساتية الجارية التي تدور حول المفهوم الجديد للسلطة الذي يتطلب تغييرات عميقة في اتجاه اللامركزية واللاتركيز ، ستفضي إلى نمط جديد للتدبير يقوم على أساس تعاقدي ، ويقتضي تنفيذ السياسة التعاقدية مسبقا تقطيعا جهويا ملائما ، يؤمن في نفس الوقت.. تحقيق الارتباط بين أقطاب النمو والمناطق ذات الأوضاع الصعبة ، مراعاة الإنصاف بضمان تمثيلية كافة أصناف المجالات ، وهذا المعيار يعني خاصة «المجالات الواحية» التي يتعين التعامل معها ككيانات لها خصوصيتها ، وليس كملحقات للمناطق ذات الكثافات السكانية العالية
الجهوية في التصميم الوطني لإعداد التراب..
الجهة والجهوية بالمغرب كتقطيع ترابي وكتدبير للمجال ونهج للامركزية كانت محط دراسات معمقة من ثلاث زوايا، تشخيصية عكسها التصميم الوطني لإعداد التراب سنة 2003 وتقييمية أبرزها تقرير الخمسينية سنة 2006 ، واستشرافية من خلال كتاب «مغرب الجهات» الذي أصدرته سنة 2008 المندوبية السامية للتخطيط .
فالتصميم الوطني لإعداد التراب شكل وثيقة أساسية ومرجعية بالنسبة لكل المتدخلين، سواء القطاعات العمومية أو الفاعلين الاقتصاديين أو جميع مكونات المجتمع ...وهي وثيقة موجهة للسياسات العمومية للدولة في تدبير التراب الوطني وتنظيم المجال وتحقيق التنمية المستدامة. و تبعا لذلك حدد التصميم الوطني لإعداد التراب ثلاثة معايير للتقطيع الجهوي التي يمكن اختزالها فيما يلي:
الإنصاف الاجتماعي ، النجاعة الاقتصادية والاستدامة . وهذا يعني أن هناك ثلاثة أهداف يتعين أن تتحقق في أي تراب:
أن يوفر لساكنته شروط العيش الكريم أي تلك التي تتطابق والمواصفات المعيارية المعمول بها.
وهذا يحيل إلى مسألة التجهيزات العمومية « الصحة ، التربية ، النقل « والتجهيزات الضرورية للحياة اليومية « السكن ، الماء الشروب ، الكهرباء.
أن يساهم في التنمية الاقتصادية للبلاد ، وأن يوفر نصيبه من القيمة المضافة ، وأن يخلق مناصب شغل لفائدة ساكنته النشيطة .
أن يحقق تنميته بكيفية مستدامة ، من خلال المحافظة على الموارد والأوساط الطبيعية والحرص على ضمان مختلف التوازنات الداخلية على المدى البعيد .
غير أن من الضروري عدم إغفال كون بلادنا توجد في مرحلة انتقالية ، فهي بصدد المرور من النظام الاقتصادي التقليدي إلى الحداثة ، و يتضمن الانتقال أربعة أبعاد:
الانتقال الديمغرافي : يشمل هذا الانتقال تغييرا في المؤشرات كما في القياسات ، ففي ظرف قرن من الزمن انتقلت ساكنتنا من 5 إلى 30 مليون نسمة . كما أن سكان التجمعين الحضريين للرباط والدار البيضاء يتجاوزون في الوقت الراهن ساكنة المغرب سنة 1900 .
الانتقال المجتمعي: يعني تغييرا في السلوكيات كما في المواصفات التي تحكم الحياة الاجتماعية، وخاصة ما يتعلق منها بتمثل الفرد والأسرة، وتجدر الإشارة بهذا الخصوص إلى أن آليات الانتقال المجتمعي تنتشر بكيفية متفاوتة عبر أرجاء التراب الوطني.
الانتقال الاقتصادي : يتمثل في تراجع الفلاحة المعاشية لفائدة الصناعة والخدمات . و إذا كان المغرب قد حقق تقدما في هذا الاتجاه، فإن الإقلاع الاقتصادي لم يتم بعد ، كما لازال مستوى عيش غالبية السكان مطبوعا بالركود.
الانتقال الجغرافي : يكمن في انقلاب النسب بين السكان القرويين والسكان الحضريين ، فإذا كان هؤلاء السكان الحضريون يمثلون 8 في المائة من ساكنة البلاد في بداية القرن العشرين ، فمن المرتقب أن تبلغ النسبة 85 في المائة في ظرف العقدين أو الثلاثة عقود المقبلة . وهذا يعني أنه مع نهاية الدورة ستعود ساكنة العالم القروي إلى المستوى الذي كانت عليه في بداية القرن، أي 5 مليون نسمة، بينما من المنتظر أن يصل سكان المدن إلى 34 مليون نسمة.
من هنا تطرح مسألة الجهوية بقوة - حسب التصميم الوطني لإعداد التراب وذلك لثلاثة أسباب متداخلة فيما بينها :
بنية التراب الوطنية المتميزة بين أقطاب النمو ومناطق الظل الآهلة بالسكان والمتموقعة في أغلبيتها قرب هذه الأقطاب . وسيشمل الدور الأساسي للجهات في شد هذه النطاقات بالأقطاب لتأمين انتشار التنمية وتماسك المجتمع . ذلك أن مسلسل العولمة يحمل خطرا نحن جميعا على معرفة جيدة به ، يتمثل في التجزيء بين التراب والمجتمع ، ليس فقط بين الفقراء والأغنياء ، ولكن بين من هم داخل حركة التطور ومن هم مقصيون منها ، وما يزيد هذا الخطر حدة ، كون الميدان مهيئا تماما لمثل هذا التجزيء .
ومن جهة أخرى ، فالإصلاحات المؤسساتية الجارية التي تدور حول المفهوم الجديد للسلطة الذي يتطلب تغييرات عميقة في اتجاه اللامركزية واللاتركيز ، ستفضي إلى نمط جديد للتدبير يقوم على أساس تعاقدي ، ويقتضي تنفيذ السياسة التعاقدية مسبقا تقطيعا جهويا ملائما ، يؤمن في نفس الوقت.. تحقيق الارتباط بين أقطاب النمو والمناطق ذات الأوضاع الصعبة ، مراعاة الإنصاف بضمان تمثيلية كافة أصناف المجالات ، وهذا المعيار يعني خاصة «المجالات الواحية» التي يتعين التعامل معها ككيانات لها خصوصيتها ، وليس كملحقات للمناطق ذات الكثافات السكانية العالية .
وعلى أية حال ، فإعداد التراب في حاجة لإطار للتفكير الجهوي ، يحدد على الأقل «نطاقات للدراسات المتعلقة بإعداد التراب « وإن أمكن استعمال هذا التقطيع لاحقا لأغراض أخرى ، فسيكون ذلك مفيدا بكل تأكيد .هذا ولقد تمت بلورة الإطار الجهوي للمخطط الوطني لإعداد التراب على أساس نتائج دراسات متنوعة تناولت مواضيع متعددة كالنقل «تدفق الأشخاص والسلع « ، حركات هجرة السكان ، والنمو الديمغرافي .
ويرتكز التقسيم الجهوي - حسب التصميم الوطني لإعداد التراب - على مبدأين :
يجب التمييز بين المجالات القاحلة و المجالات الكثيفة السكان لاعتبارات مؤسساتية ، ويشكل إقليم فكيك الاستثناء الوحيد لهذه القاعدة ، ويقترح التصميم بقاءها مجمعة مع وجدة لأسباب ترتبط بالوزن الديمغرافي وبالمحافظة على وحدة المنطقة الحدودية ، ذلك أن الجهات - حسب هذا التصور- هي إطار لترقية المراكز الحضرية التي تستدعي العمل على تنميتها .
ويؤكد التصميم على معالجة المجالات الكثيفة السكان انطلاقا من مبادئ الشراكة بين أقطاب النمو ومناطق الاستقطاب والمجالات الهامشية وتقودنا هذه الاعتبارات إلى تجميع الأقاليم في أربعة عشر جهة لإعداد التراب .
يُتوخى من هذه المقاربة التأكيد على أن الجهات تم تشكيلها على أساس الاستقطاب الحضري. الأمر الذي لا ينفي وجود مناطق أحادية القطب لكن يظل البحث عن مناطق متعددة الأقطاب أو على الأقل بثنائيات قطبية هدفا أساسيا.
في ظل الظروف الراهنة للمغرب ، يشكل التحديد الجغرافي للجهات مسألة أساسية في إعداد التراب، وذلك بسبب عدة اعتبارات . فالجهات عندما ستبلغ مستوى كاف من النضج وتحقيق وتيرة عمل مرضية، ستتحول عندئذ إلى أحد أهم الفاعلين في ميدان التراب، ولن تتمكن الجهات من أداء هذا الدور بالفعالية الضرورية، إلا إذا كانت مهيأة للقيام بهذه المهمة .
وحسب خلاصة التصميم الوطني لإعداد التراب، فإن رسم الحدود الجغرافية للجهات ليس مجرد عمل تقني من اختصاص الخبراء .كما أنه لا يجوز أن نوكل هذا العمل للقواعد ، من خلال تبني اختيار الجماعات للجهة التي تود الانتماء إليها . فالتحديد المجالي للجهات يجب أن ينبثق عن منطق صريح يعكس اختيارا سياسيا .
فقد عرف المغرب تعاقب وتراتب عدة تقطيعات جهوية مرتكزة على منطق متباين يأتي على رأسها المنطق الأمني والمنطق التكنوقراطي ، وهكذا ظهرت الخرائط الجهوية الأولى في العهد الاستعماري ، وكان هدفها عسكريا بحتا وواضحا ، وهو التحكم في التراب بالمعنى المباشر الصريح للكلمة . أما التقسيمات الموالية ، فلم تعمل سوى على تكميل أو تعديل التقسيم الاستعماري بدون أي تغيير للأسس التي كان يرتكز عليها .
وفي المقابل سيظهر خطاب مختلف حول موضوع التنمية الاقتصادية . حيث أصبح تحديد الجهات يهدف إلى خلق إطارات لهذه التنمية ولتحقيق هذا المبتغى دافع أصحاب هذا الطرح على جهات تجمع أوساطا مختلفة ومتنوعة المؤهلات ، تبدأ بالصحراء وتنتهي بالساحل . فالجهة المثالية حسب هذا المنظور هي تلك التي تتقاطع مع جميع الأوساط الطبيعية للبلاد ، من الصحراء إلى المحيط أو البحر ، وقد أفرزت هذه المقاربة خريطة غريبة للجهات تمتد بشكل متعامد مع منظومة التضاريس المغربية ، الشيء الذي أعطانا أشكالا لجهات تمتد من فكيك إلى البحر المتوسط ، ومن تافيلالت إلى مكناس ، ومن دادس إلى أكادير .
لذلك فإن تنظيم المجال الترابي وعقلنة التقطيع الجهوي في بلورة و توجيه السياسات العمومية يشكل عنصرا مفتاحيا في تحول دور الدولة و صياغة السياسات المندمجة الراسخة و التشاركية ، كما أنه يعد عنصرا مفتاحيا لحكامة التنمية البشرية ، و إرساء لثقافة الديمقراطية المحلية .
تقرير الخمسينية
و النموذج الجهوي ..
إلى أي حد يمكن للنموذج المغربي المعتمد راهنا في مجال الجهوية أن يخضع للمراجعة، و أن يتقدم إلى الأمام، في ضوء التنوع الإيكولوجي و السوسيو ثقافي للبلاد؟
سؤال يجيب عنه تقرير الخمسينية الذي يرى أن التحول الاقتصادي و الديموغرافي الذي عرفه المغرب ، منذ سنة 1955، استلزم ضرورة إيجاد أجوبة جهوية. و هكذا فبالرغم من انتقال المركز الاقتصادي للبلاد إلى المحور الأطلسي، فقد مست سيرورات إعادة تشكيل المجال جهات أخرى ، و قد برزت بفعل التمدين و الإرادة الدولتية ، بصفة خاصة، أقطاب متعددة في جهات مختلفة من المملكة في حين أن مجالات أخرى ظلت بعيدة عن ذلك، بسبب تمركزها المفرط، الذي يستدعي القيام بإعادة توازنات جهوية. و طالما يصطدم العمل على تجاوز الاختلالات الجهوية المسجلة. بنقص على مستوى المعادلة و التخطيط الجهويين ، اللذين من شأنهما تدارك إصلاح نقائص التقطيعات الجهوية.
و قد شكل تنظيم الجهة سنة 1997 خطوة جديدة نحو إنشاء مجموعة ترابية منسجمة و مندمجة. و رغم تأكيد الخطاب الملكي لسنة 1984 على الجهة باعتبارها جماعة محلية جديدة، فإن تطبيقها الفعلي لم يبدأ إلا سنة 1997 . و يتمثل الهدف من ذلك في إحداث «فضاءات للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية» ، بشكل منسجم ، يجعل تركيبتها تتجاوز التقطيع الجغرافي الصرف، الذي أنجز في الثلاثينيات ، في اتجاه إدماج معطيات بشرية (عدد الساكنة و توزيعها ) و اقتصادية )حجم الأنشطة الفلاحية و الصناعية ، البنيات التحتية الأساسية و طبيعية (الموارد المائية ،الطاقة و المواد الأولية ). علاوة على أن إحداث وكالة للإنعاش و التنمية الاقتصادية و الاجتماعية بمناطق الشمال، منذ حوالي عشرين سنة ، التي تلاها ، في الآونة الأخيرة ، إحداث وكالتين أخريتين ، هما: وكالة تنمية الأقاليم الشرقية و وكالة تنمية الأقاليم الجنوبية ، كل ذلك يجسد الإرادة المتنامية لإنشاء إطارات مجالية جهوية تكون وظيفية أكثر. كما أن تزايد الاعتراف بالدور المحرك للجهة في الميدان الاقتصادي و خلق مناصب الشغل، خصوصا و أن مبادرات التنمية الاجتماعية تستمد تمويلها من ميزانية الجهات، كما أن أواصر التضامن داخل الجهات تعد واقعا فعليا.
فإلى أي حد يمكن للنموذج المغربي المعتمد راهنا في مجال الجهوية أن يخضع للمراجعة، و أن يتقدم إلى الأمام، في ضوء التنوع الإيكولوجي و السوسيو ثقافي للبلاد، بالنظر إلى التجارب المماثلة في العالم، و كذا إلى خصوصيات النظام السياسي في مجالات تدبير الموارد الطبيعية و البنيات التحتية و الاقتصاد و المالية و الضرائب و الثقافة ، في ارتباطها باللامركزية التربوية و الجامعية الراهنة ؟ ما مدى حاجة عدد الجهات و تقطيعاتها الحالية إلى إعادة الهيكلة، لكي تشكل أقطابا متجانسة و متوازنة، و قابلة للاستمرار بكيفية متساوية ، مع قيام علاقتها على ضوابط و قنوات متينة للتضامن بين الجهات و على الصعيد الوطني؟ إلى أي حد يحتاج توزيع السلط و الوسائل، خاصة فيما بين المستويات المركزي و الجهوي و الترابي و الجماعي، إلى إعادة الهيكلة و إلى التجانس ؟ كيف يتأتى تكييف منظومة الإدارة الترابية ، الدولتية المحضة/ مع لا مركزية مفرطة و جهوية معدلة؟ كل هذه القضايا - حسب تقرير الخمسينية - تفرض نفسها باعتبارها موضوعا للدراسة و النقاش. لكن البحث عن حلول محددة لها يفترض - حسب نفس التقرير - شرطا قبليا وضروريا يتمثل في اختيار كهذا يظل رهينا بالنقاش الوطني الواسع، و ذلك في أفق مراجعة دستورية مرتقبة ، سيأتي في الوقت المناسب - حسب نفس المصدر - بعد أن يكون النقاش قد نضج و اختمر بالفعل.
أسئلة إنتاج وتوزيع الثروة بمغرب الجهات
في تقديمه لكتاب «مغرب الجهات» ، اعتبر أحمد الحليمي المندوب السامي للتخطيط أن مسلسل الجهوية يشكل محورا مهما في السياسة التنموية بالمغرب ، مؤكدا أن ذلك يندرج في إطار رؤية استراتيجية وطنية حيث تعتبر اللامركزية جزءا لا يتجزأ من الديمقراطية في الحياة السياسية والمؤسسية للبلاد . واعتبر الحليمي أنه لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به لمواكبة هذه الدينامية الجهوية وكذا الملاءمة بين وسائل وأساليب العمل لتعكس بشكل أفضل التغيرات المختلفة التي تطرأ في جميع المجالات ، موضحا أن الطبعة الثالثة من « مغرب الجهات « تعمل انطلاقا من هذا الهدف ... ويستعرض « مغرب الجهات « بالأرقام المؤهلات الاقتصادية و الاختلالات الاجتماعية للجهات 16 ببلادنا ، من ذلك مثلا احتضان جهة الدار البيضاء الكبرى لوحدها ل2617 وحدة صناعية ليبلغ رقم معاملاتها 126060 مليون درهم ، ومع ذلك فإن نسبة البطالة بها تظل مرتفعة 14.2 مقارنة مع باقي الجهات ، ورغم أن جهة سوس ماسة درعة تتصدر الرتبة الثانية من حيث عدد الوحدات الصناعية بها ب 12631 وحدة إلا أن رقم معاملاتها لا يتجاوز 39002 درهم ، كما أن مؤشرات الفقر 16.2 والهشاشة 37.8 بها تظل مقلقة ، ورغم أن جهة دكالة عبدة لا يتجاوز عدد الوحدات الصناعية بها 279 فهي تحقق بفضل عائدات الفوسفاط 2485 مليون درهم كمعاملات سنوية وتشكل بها نسبة الهشاشة 46.8 وهي من أكبر مفارقات التنمية البشرية بجهة لها ثقلها الاقتصادي الكبير ضمن جهات المملكة،حيث تحتل الرتبة 12 بالنسبة للجهات 16 بعد فاس بولمان التي تحتل الصدارة على مستوى مؤشر الهشاشة 50.9 والغرب الشراردة 48.2 ومكناس تافيلالت 47.5 . وتتصدر جهات وادي الذهب الكويرة والعيون بوجدور وكلميم سمارة أعلى نسبة البطالة بالمغرب بنسبة 19.1 رغم الثروات البحرية و الإمكانات الطبيعية التي تزخر بها ، تليها الجهة الشرقية ب17.7 ، أما بالنسبة للثقل الديمغرافي فإن جهة الدارالبيضاء الكبرى ، تليها مراكش تانسيفت الحوز وسوس ماسة درعة لازالت في مقدمة الجهات ذات الاستقطاب البشري بما يستتبع ذلك من ضغط للحاجيات على مستوى الخدمات العمومية من صحة وتعليم ونقل وسكن ...
وبالنظر للمؤهلات الاقتصادية التي تزخر بها عدد من الجهات ، مقابل مؤشراتها المقلقة على مستوى نسب البطالة والفقر والهشاشة ، فإن سؤال إنتاج الثروة وإعادة توزيعها لتحسين مؤشرات التنمية البشرية يظل من الأسئلة الكبرى المطروحة على أجندة اللجنة الاستشارية المكلفة من طرف جلالة الملك لإعداد تصور متقدم للجهوية الموسعة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.