«من المعلوم أن الثامن عشر من شهر أبريل هو اليوم الذي تحتفي به منظمة اليونيسكو بالمآثر والمعالم التاريخية والتراثية منذ سنة 1986، غير أن هذا الاحتفاء لم يسبق أن مورس في المغرب ولا في العالم العربي. وفكرة الاحتفاء به الآن أتتنا في الحقيقة من «دار الفنون» بالدار البيضاء. هذه الأخيرة برمجت ضمن أنشطتها معرضا ثلاثيا لثلاث فنانات فوتوغرافيات اشتغلن على فضاءات الدار البيضاء، وفي إطار النقاش بيننا كجمعية «ذاكرة الدار البيضاء» و«دار الفنون» و«المعهد الفرنسي»، فكرنا في تطوير فكرة هذا المعرض بإضافة برنامج فتح المباني التاريخية والتراثية في وجه العموم، ذلك لأن العديد من الناس لا يعرفونها من الداخل. من هنا اخترنا فتح مباني لها دلالة رمزية من حيث قيمتها الفنية والتراثية، واضعين في أذهاننا أن هذه المباني الأثرية سيعاد اكتشاف جمال معمارها الداخلي وكذا الخارجي للعديد من الناس الذين لم يعودوا ينتبهوا لمثل هذه الأمور الفنية بحكم أنهم يتعاملون مع هذه المباني على أنها إدارات يأتون إليها لقضاء مصالحهم، أو بحكم سرعة الإيقاع التي أصبحت تعرفها الحياة اليومية في الشارع وفي الفضاءات العمومية. وبالفعل يمكن أن أقول، بأننا لاحظنا استجابة للناس لزيارة هذه المباني. فقد تم تسجيل أرقام كبير للزوار في كل بناية، طيلة اليومين . وهذا معطى مهم في نظري.. وأريد أن أشير هنا إلى أن الزوار كانوا مختلطين، وأغلبهم من الأجانب، وهذا ما جعلنا نلاحظ عزوف وعدم اهتمام العديد من المواطنين المغاربة بمثل هذه التظاهرات.. وهذا هو في الحقيقة دورنا كجمعية، ودور الإعلام أيضا، لمحاولة إعادة الثقة بين المواطن والثقافة التي هي أكيد أساسية في حياته اليومية. موضوع التراث المعماري بالدار البيضاء، هو موضوع نخبوي يهتم به المتخصصون في هذا الباب. وجمعيتنا تهتم بالتراث المعاصر، ونحاول من خلال اهتمامنا هذا إثارة الانتباه إلى أن الدار البيضاء، ليس كما يقال عنها بأن لا شيء فيها يستحق الانتباه وأنها ملوثة، بل على العكس، وهذا ما نقوم به نحن في جمعيتنا. فالدار البيضاء تحتوي على العديد من المعالم والآثار.. والعمل الذي نقوم به للتحسيس بما تضمه الدار البيضاء والتعريف به يحتاج إلى وقت وإلى العديد من الأنشطة والمعارض لتبليغ رسالتنا الآنفة الذكر. ونحن كما قلت سابقا نتوجه بالأساس للتلاميذ والطلبة على اعتبار أنهم جيل المستقبل ومن حقهم أن يعرفوا ويتعرفوا على فضاءات ومآثر مدينتهم، وهذا هو عملنا في جمية «ذاكرة الدار البيضاء». نحن على أية حال، سواء في الجمعية أو كمهندسين معماريين، نقوم بعمليات التحسيس تجاه ما تختزنه الدار البيضاء من معالم ومآثر، وهو عمل ينبغي أن تساهم معنا فيه كل الجهات المختصة .. فالدار البيضاء، بالنسبة لي، من الممكن أن تُسوق كمدينة ثقافية لما تحتويه من مبان وفضاءات ومعالم أثرية وتراثية ومعاصرة أيضا. وإذا كان السياح (الأجانب والمغاربة) يعتبرون مثلا بأن ما يميز أكادير سياحيا هو بحرها، وما يميز مراكش هو حرارتها الصحية، فإن ما يميز الدار البيضاء هو الثقافة بالمعنى الذي ذكرته سابقا. وفي اعتقادي أن فتح هذه البنايات التاريخية ، ليس فقط لقيمتها التراثية، فهذا لا نجادل فيه لأنه متضمن فيها، بل هناك مسألة أخرى هي تواصلية بالأساس.. وأعطيك مثالا على ذلك: أن يدخل المواطن ليزور أو يشاهد مكتب الوالي أو مكتب العمدة أو حديقة قنصلية فرنسا أو بنك المغرب، فهذا يساهم في تبسيط العلاقة بينه وبين الإدارة، بحيث تصبح عادية ويزول ذلك الحاجز الذي كان بينه وبين هذه المباني في السابق». مهندس معماري ورئيس جمعية «ذاكرة الدارالبيضاء» (CasaMémoire)