«بينما تتربص أمراض الحنجرة والتخلف العقلي ب22 بالمئة من أطفال المغرب بسبب «عوز اليود»، تظل مقاولات عاملة في إنتاج وصناعة الملح في حل من الالتزام بتوصيات منظمة الصحة العالمية واليونيسيف بشأن ضرورة تزويد ملح الطعام بهذا العنصر الحيوي. وتشير تقارير دولية إلى أن المغرب يتذيل لائحة البلدان التي تسعى لمحاربة «عوز اليود»، في الوقت الذي مر قانون ينظم هذا الأمر من مخاض عسير دام أزيد من 15 سنة، ليخرج إلى النور مستهل شهر يونيو الجاري. في حال عوز اليود تظهر اختلالات عدة في وظائف الغدة الدرقية التي تتوقف عن إفراز الهرمون مما يسبب ضمورا في مختلف أعضاء الجسم ويستدعي الاستنجاد بأدوية معينة مدى الحياة، وتوثيق زواج بين الملح الذي يدخل كل المطابخ دون استثناء واليود كفيل بتجاوز ذلك». اتهم علي العمراني، رئيس الجمعية المغربية لإنتاج وصناعة الملح، مقاولات عدة باستمرارها في مخالفة القوانين المنصوص عليها بشأن ضرورة توفر كل كيلو غرام واحد من الملح على 30 ملغ من «اليود» كحد أدنى. «زواج» الملح واليود وفيما لا يولي المغاربة أهمية لتوفر ملح الطعام على عنصر «اليود» بالنسبة المشار إليها، قال العمراني إن هاجس «عوز اليود» استبد بكل دول العالم بعد التوصيات التي تمخضت عن القمة الدولية من أجل الطفولة، والتي انعقدت بنيويورك الأمريكية أواخر سنة 1990، إذ تبنت خلالها منظمة الصحة العالمية (OMS) استراتيجية وقائية لدرء تفشي الأمراض الناجمة عن ذلك. وأكدت تقارير طبية أن «عوز اليود» يسبب تخلفا عقليا لدى الأطفال الصغار ويهددهم رفقة الكبار بأمراض الحنجرة، بعد ظهور اختلالات عدة في وظائف الغدة الدرقية التي تتوقف عن إفراز الهرمون مما يؤثر على نمو الجسم والقدرات العقلية. ويستهلك المغاربة سنويا 200 ألف طن من الملح، استنادا إلى أرقام تتوفر لدى «الاتحاد الاشتراكي»، فإن جدلا طبيا قد طفا خلال عام 1990، حول الأخطار الصحية التي تتربص بجسم الإنسان في حال نقصان أو عوز عنصر «اليود»، تمخض عنه إجماع بمنظمة الصحة العالمية على أن الوسيلة الناجعة لتفادي هذه الأعراض الناجمة عن ذلك تكمن في إضافة محلول «اليود» إلى الملح، الذي يعتبر المادة الاستهلاكية الوحيدة القادرة على ولوج كل مطابخ العالم. قال العمراني، إن منظمة (OMS) ورغم اعتمادها استراتيجية امتدت حتى عام 2000 لتجاوز الخطر الصحي المحدق بسكان العالم بسبب «عوز اليود» عن طريق الاعتماد على الملح كمزود رئيسي بهذا العنصر الحيوي، فإن المجهودات التي بذلها المغرب في هذا الإطار تظل ضعيفة إذ بالكاد جعلته يتقدم على بلدان فقيرة مثل السودان والضفة الغربية بفلسطين المحتلة. وكان تقرير أشرفت عليه منظمة الصحة العالمية سنة 2003 كشف أن المغرب من البلدان التي لا تولي أهمية لمحاربة عوز اليود، رغم أن بحثا طبيا أجري على المستوى الوطني سنة 1993 أفصح عن أرقام مهولة وهو يؤكد أن 22 بالمئة من أطفال المغرب (المتراوحة أعمارهم بين 6 و12 سنة) مهددون بأمراض الحنجرة والتخلف العقلي، بسبب «عوز اليود». قانون موجود ومراقبة غائبة إلى حدود الآن لا يزال المغرب يتذيل لائحة البلدان التي تسعى لمحاربة الأعراض الصحية التي يتسبب فيها «عوز اليود»، بعدما عرف إقرار قانون يلزم المقاولات العاملة في إنتاج وصناعة الملح بتزويد الأخير بعنصر «اليود» مخاضا عسيرا. فبعد نحو سنتين من ظهور نتائج البحث الطبي واستجابة لتوصيات منظمتي الصحة العالمية واليونيسيف، تم عام 1995 إقرار قانون يقضي بضرورة الالتزام بتزويد كل كليو غرام واحد من الملح ب80 ملغ من اليود استجابة لتوصيات منظمة الصحة العالمية، إلا أن المشكل الذي طرح حينئذ كان ضرورة توفير دعم مالي لفائدة مقاولات الملح، وهو ما حدا بالجمعية الممثلة للمهنيين إلى المطالبة بتأجيل تطبيق القانون إلى 1997 إلى حين تأهيل هذه المقاولات. وأفاد العمراني رئيس جمعية (AMPIS)، أنه لم يتم الالتزام بمقتضيات القانون وظل قطاع الملح يعرف فوضى بسبب انعدام مراقبة صارمة للمعايير المعمول بها لدى مقاولات الملح، إذ فيما جرى اختيار رسم «الطاجين» كعلامة توضع على أكياس الملح للدلالة على احتوائها عنصر «اليود» بداية العقد الحالي فإن مقاولات عدة عمدت إلى وضع العلامة دون عملها على مزج الملح باليود طبقا لما يقتضيه النص القانوني. وفي سن قانون 1995 إلزاما بضرورة توفر كل كيلوغرام واحد من الملح على 80 ملغ من اليود، جرى التخلي عن ذلك لدواع تتعلق بغلاء هذا العنصر وتقرر عام 2004 تحديد نسبة اليود في 30 ملغ حتى يكون بمقدر جميع المقاولين اعتماد مزج اليود مع الملح، مع تحديد علامة جديدة تفيد وجود اليود تمثلت في رسم «الشمس». وكان قد تم إقرار التعديل المشار إليه غير أنه لم يعرض أمام المجلس الوزاري إبان الفترة الحكومية السابقة، مع أن إدريس جطو الوزير الأول السابق كان قد وعد حينذاك بدخول هذا التعديل القانوني حيز التطبيق قبل نهاية ولايته على رأس الحكومة السابقة. واستنادا إلى علي العمراني، فإنه جرى إقرار التعديل القانوني، رقم2-08-362، من قبل الحكومة الحالية بعد الاتفاق بشأنه وتوقيعه بالعطف مع الوزير الأول من قبل وزيرة الصحة ووزير الفلاحة والصيد البحري ووزير الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة فضلا عن وزيرة الطاقة والمعادن والماء والبيئة، وهي التعديلات التي صدر بشأنها مرسوم لتطبيقها صدر شهر دجنبر الماضي مع إعطاء المهنيين مهلة ستة أشهر لتطبيقه انقضت مستهل شهر يونيو الجاري. مقاولات ملح مخالفة ينتج المغرب سنويا 400 ألف طن من الملح، نصف هذه الكمية يمثل ملحا صناعية تستغل أساسا في دباغة جلود الذبائح، وقال علي العمراني إن وزارة الصحة وبتنسيق مع الجمعية المغربية لإنتاج وصناعة الملح منحت لحد الآن 114 رخصة لفائدة مقاولات الملح قصد وضعها علامة «الشمس» على أكياس التعبئة كدليل على احتوائها 30 ملغ من هذه المادة الحيوية تماشيا مع توصيات منظمة وزارة الصحة. واستنادا إلى لائحة تتوفر لدى «الاتحاد الاشتراكي» فإن مقاولات الملح بالمغرب تتوزع كالتالي 24 بالدار البيضاء، 10 بمكناس، 7 بأكادير، 6 بآسفي، 5 بخريبكة بني ملال، 5 بكل من الرباطسلا وتازة والجديدة، 4 بمنطقة طنجة تطوان ومدينتي مراكش والصويرة، 3 بسوق أربعاء الغرب وقصبة تادلة وفاس، وحدتين بكل من القنيطرة وخنيفرة والعيون وحدة لصناعة وإنتاج الملح بكل من الريصاني وتيسا. مقابل ذلك أكد مهنيون أن مقاولات الملح في المغرب تظل بعيدة عن كل مراقبة من قبل الجهات المختصة، في إشارة إلى أنه سبقت إحالة ملفات ثلاث شركات لإنتاج وصنع الملح على أنظار القضاء ليقول كلمته في حقها بسبب عدم قيامها بخلط الملح بمادة «اليود» كما هو مشار إليه في أكياس التعبئة. حسب مصادر «الاتحاد الاشتراكي» فقد تعلق الأمر بكل من مقاولات «ملح الفاتحة» بالحي المحمدي بالدار البيضاء و»ملح الأفراح» بمديونة وشركة «الذوق الرفيع» بخميس الزمامرة، حيث ثبت أن نسبة اليود في الكيلوغرام الواحد من الملح لا تتجاوز لدى شركة «الفاتحة» 2 ملغ، بينما يتوقف عند الشركة الثانية في 1 ملغ، ولدى شركة «الذوق الرفيع» بالزمامرة في 2,5 ملغ، على الرغم من إشارة هذه الشركات في أكياس الملح إلى توفر هذه الأخيرة على مادة «اليود» بنسبة 30 ملغ. «الذهب الأبيض» الأرخص في المغرب بعيدا عن عنصر اليود والتزاما بجودة الملح، فإن ما كان يعرف قديما ب»الذهب الأبيض» لا يزال المادة الغذائية الأرخص في المغرب، إذ يتراوح ثمن الطن الواحد بين 300 و350 درهما حسب الجودة. أحد العارفين بأمور الملح قال إنه ولدواع صحية لا يمكن بأي حال من الأحوال تعبئة أكياس أكثر من 1 كلغ. وتختلف أنواع الملح المعروض للاستهلاك في المغربي إلى ثلاثة أجودها البحري يليه المنجمي ثم الصحراوي الذي يعتبر رديئا. وقال العمراني رئيس الجمعية المغربية لإنتاج وصناعة الملح، إن الملح البحري يستخلص بعد تبخر مياه البحر في كل من مناطق الواليدية والعرائش وأصيلا وطنجة، بينما يتوافر الملح في مناجم خاصة في منطقة الغرب (سوق أربعاء الغرب وحد كورت والخنيشات وعرباوة وتازة وأكنون) فضلا عن فاسومراكش والصويرة. أما بخصوص الملح الصحراوي فأشار العمراني إلى أنه يظل أقل جودة من نظيريه، وهو الذي يعتمد فيه على «السبخات» لإنتاجه، مشيرا إلى أن تجارا أغرقوا السوق المغربية بالملح القادم من الصحراء نظرا لاعتمادهم عليه كتمويه على تهريب الوقود من هناك، حيث يتم تحميله على متن الشاحنات القادمة من الصحراء في الوقت الذي تختفي تحته خزانات خاصة تكون مملوءة بالبنزين. «اليود».. عنصر ضروري للحياة ترجع قصة اكتشاف عنصر «اليود» على يد الطبيب الإحيائي كورتوا إلى سنة 1811، الذي اكتشف وجوده في الطحالب، وكان عند اكتشافه بنفسجياً، ولذلك أطلق عليه بالإنجليزية «فيوليه أي أن يود» أي» بنفسجي غامق»، وبعد ذلك ظهر أن «اليود» موجود في كل الأنواع النباتية التي تستمده من الأرض. ويندر «اليود» في المناطق الجبلية التي يقوم الثلج فيها وذوبانه المتتابع بغسل الأرض ممما تحتويه من هذه المادة الحيوية التي تقل كذلك بسبب الفيضانات والأمطار التي تترك خلفها أراضي فقيرة في المعادن ومنها «اليود». واعتبر»اليود» وقود الغدة الدرقية منذ عام 1896، عقب اكتشاف طبي اثبت أن الغدة الدرقية أكثر من أي عضو آخر بالجسم، تحتوي على نسبة كبيرة من اليود، وهو يعد وقودها الأساسي. كما أنه يدخل في تركيب الهرمون الدرقي الضروري لتنظيم عملها ونمو الأعضاء وله وظيفة مهمة في التغذية. تؤكد تقارير طبية أن كل شخص يحتاج يوميا إلى نسبة 150 ميكروغرام من اليود يوميا، أما الأطفال الذين تتراوح أعمارهم من سبع إلى عشر سنوات فيحتاجون إلى 120 ميكروغرام تقريبا، بينما تظل حاجة المرأة الحامل لليود محددة في 35 ميكروغرام فإن حاجة المرأة المرضع ترتفع إلى 200 ميكروغرام يوميا، على أن نفس التقارير الطبية تؤكد أن حوالي 800 مليون شخص من مختلف أنحاء العالم يعانون من «عوز اليود.». وقد يتسبب نقص «اليود» أثناء الحمل في موت الجنين أو في تعرضه لمشكلات عند الولادة، أما بالنسبة للرضيع فيصبح نموه العصبي غير كاف، وبالتالي يتعرض التأخر العقلي ويمكن للأعراض المصاحبة لذلك أن تظهر متأخرة جداً،وقد أثبتت بعض الأبحاث أن الأطفال (في المرحلة العمرية من 10 إلى 12 سنة) المولودين من أمهات يعانين نقصاً في «اليود» في أثناء الحمل، تكون قدراتهم الإدراكية والحركية أقل من الطبيعي.