احتضن فضاء بولهو الثقافي بمدينة بنسليمان، مساء الجمعة 23 أكتوبر الماضي، لقاء ثقافيا متميزا لتقديم وتوقيع آخر مؤلفات الزميل سعيد عاهد: «ذاكرة متشظية: نصوص مزدوجة اللسان مهداة إلى الخطيبي». وهو اللقاء الذي سير أشغاله الناقد عبد الإله الرابحي، وتناول الكلمة خلاله كل من مصطفى الحسناوي، حميد المصباحي، مصطفى العراقي وحميد اجماهري، لمقاربة الكتاب وإلقاء ومضات منيرة حول مسار صاحبه. وقد شابت شهادة الزميل مصطفى العراقي في عدد السبت، أخطاء تقنية لذا نعيد نشرها مع الاعتذار للزميل مصطفى العراقي وللقراء. أتى ذات ذكرى مرت قبل 35 سنة .. أتى في صمت ، ترافقه رفيقة عمره العزيزة صباح . عَبَر الممر. توقف عند لوحات تفيض تاريخا، وأحلاما وحماسا .. سلم على بضع أصدقاء وواصل خطاه .. في القاعة جلس بانتباه يتابع فقرات الحفل وينخرط في طقوس التصفيق والشعارات، وترديد أغاني المرحلة وأناشيدها .. حدث ذلك في أحد أمسيات يناير 1981 الذكرى كانت فضية تأسيس الطفولة الشعبية ، والحفل مكانه كان قاعة علال الفاسي (سمية آنذاك) بالرباط.. والآتي في صمت كان سعيد عاهد المحتفى به اليوم بينكم . يخرج هذا السعيد من صمته، يدلي بشهادته في كلمات مازلت أتذكر عناصرها: «إن نهر النضال الوطني يمتح من روافد العمل الجمعوي».. وإن تعميق العمل المشترك بين جمعيتين تنتميان لنفس العائلة، هو وفاء لأحد رموز الحركة الوطنية الشهيد المهدي بنبركة مؤسس حركة الطفولة الشعبية التي كنت ولاأزال عضوا نشيطا بها وبين «لاميج» التي انتمى لها سعيد . سعيد كان وقتها، ولعقد ونصف، مسؤولا بالشبيبة الاتحادية طبعة السبعينات والثمانينات، هناك في ذات الحفل عرفته في إرهاصات الشعر الأولى، وعشية الانتماء إلى مهنة المتاعب.. عرفته أيام كان الزمن الاتحادي نقيا، طاهرا، هواؤه المبادئ والقيم المؤسسة.. وكنا معا ننتمي إلى ذات الزمن قبل أن تنزع التحولات عقارب الساعة وتزج بذاك الزمان في التيه ويفقد نبضه ولونه .. وفيا كان للاميج. ووفيا ظللت بالطفولة الشعبية.. ظل العمل الجمعوي أحد فضاءات لقاءاتنا ، وسرنا معا نستند لذات المرجع . أحيانا نتفق، نختلف أحايين . ينهكنا الجدل وتتعبنا بوارق الأمل . وتنغصنا رموز الإحباط . هذه صورة أولى في مسار صداقة بطعم الأخوة وثاني الصور التي أختارها لكم أيتها الأخوات أيها الأخوة هي صورة سعيد الصحفي: عاهد سعيد وضعوا بين يديه جمرة اسمها ليبراسيون لكنه بالرغم من التهابها، استطاع بإمكانيات جد متواضعة، مكانا وزمانا وعنصرا بشريا، استطاع أن ينقل هذه الجريدة من مرحلة الحبو إلى أن تقف على رجليها وتخطو خطوات بثبات. جاء بها من الرباط إلى الدارالبيضاء في بداية التسعينات، تم الزج به وببضع صحفيين في أحد أركان دار النشر المغربية بعين السبع، ولولا تلك الأجواء الحميمية التي أبدعها جيل من خيرة عمال هذه المطبعة وطاقمها الإداري، ولولا جدية وحماس طاقم التحرير الذي لم يكن يتجاوز أصابع اليد لما استعادت ليبراسيون عافيتها التي فقدتها بسبب المنع الذي طالها إثر ما عرفه المغرب في 20 يونيه 1981. لنتذكر يا سعيد الأخوات والإخوة ثريا وعائشة والباعمراني وسعود والبوري والجابري وأشعابو... في الصورة، صورة الذكريات، التي كانت كطقس يومي، كنا نتبادل المعلومات والمعطيات حول أبرز قضايا اليوم وأحداثه، لم تكن تضاريس «الاتحاد الاشتراكي» في معالجته كتضاريس ليبراسيون. فسعيد سعى إلى تطويع اللسان الفرنسي لحزب الاتحاد كي لا ينطق خشبا أو يكون سجينا لمعجم البيانات وصور المنصات. سعيد كان كمن يعصر الأحداث ليأخذ منها عناصرها الخبرية وزبدتها الفكرية والثقافية ويقدمها للقارئ صحنا غنيا، نوعا ومضمونا، تتوفر فيه عناصر الجودة المهنية والقيمة الصحفية. أعيدوا قراءة ركنه اليومي في ليبراسيون لتكتشفوا أن سعيد معصرة تستخرج لب الفكرة وبنيانها الأساسي دون التيه في التفاصيل أيتها الأخوات، أيها الإخوة.. الحضور الكريم سأعيد بعضا من شهادة سابقة قدمتها في حفل تكريم للأخ سعيد . في الصحافة أعتقد أن الشعراء هم من طوروا الكتابة الصحفية وأبدعوا فيها، ونسجوا وشائجها المتينة مع القراء إن الشعر خير حصانة للنص الصحفي من الانزلاق حين يكتب الشاعر في الصحافة، يفيض إبداعه صدقا وكأن الشعر لقاح مهنة المتاعب ضد أمراض الرداءة وأوبئة الانحطاط. الصحفيون الشعراء هم من فتحوا آفاقا رحبة للأجناس الصحفية فأنقذوها من روتين ممل يهتم فقط بضوابط جامدة..هي قبيلة الشعراء التي جددت المهنة وزرعت روح الابداع في الصيغة الصحفية لذلك نجد سعيد الصحفي يكتب بنفس الشاعر ليس فقط في الجريدة، بل في إصداراته المتنوعة ومنها هذا الذي نشرب نخبه هذا المساء ونستمتع بالقراءات التي تم تقديمها. أيها الشعراء الحاضرون في القاعة لن أعيد ما قلته ذات شهادة بأن الشعر تعبير عن التخلف وتلك أطروحتي التاريخية، ولكن أقول لكم إنه من بين مؤشرات قياس التنمية البشرية .فمتى ارتفع عدد القصادين وقصائدهم انخفضت وتيرة التنمية. ثالث الصور، سعيد العاشق للتاريخ. وأعتقد ان عمر هذا السعيد يمتد لأكثر من ثلاثة قرون، يتجول فيها جيئة وذهابا .في رحلاته المكوكية هاته يرافق أحيانا هؤلاء الرحالة الذين وثقوا لرحلاتهم في ربوع المغرب. يدخل قصور السلاطين يتسلل الى أجنحة دواليب ألبستهم ويبحث عن مصمميها ويتعقب أسرارهم. ينتقي لنا ما أثار انتباهه من أحداث وشخصيات فتنته، أو وقائع بدت له مفصلية في مسار المغرب مغرب هذه القرون التي عمر فيها. وحين ينهكه التاريخ، يستريح سعيد في تاريخه وفي جغرافيته تصبح دكالة وطنه والجديدة عاصمته وهو... هو سلطان هذه المملكة التي باح لنا بأسرارها في مؤلفه الرائع «قصة حب دكالية». يحمل صمته في الآن الذي تنطق عيناه بألف لغة. وبين صمت الصمت ونطق العين، مساحة استنطاق لفكرة أو مولد بيت شعري يبني أو يرمم قصيدة في كل صمت هناك مرجل يغلي فوق مشروع نص أو ربما شذرة تؤثث ديوانا، حكيا، أو تتحين ترجمة هو ذا السعيد الذي عرفته، الذي ألفته قبل أن يفيض المرجل، وينطق: «وتقووووول». وقتها يكون في لمة يدفئها مصباح بألوان قوس قزح. . تفيض خيرات ،وتنتعش جماهيريا . لمة تجمع عزيزا (كاين شي مانقضيو أسي عزيز الساطوري) وبل وكل طالبي الانعتاق من رداءة زمن الرداءة والاحباط. لمة لا نداء فيها إلا النص وثلاثة أرباع النص... ألم يقل الشاعر الكبير أحمد المجاطي: تسعفني الكأس ولا تسعفني العبارة. سعيد تسعفه الكأس والعبارة والشذرة والقصيدة ... أعتز بصداقتك أيها الرائع في صمته ونظمه وإبداعه .