المنتخب الرديف يدخل مرحلة الإعداد الأخيرة لكأس العرب بقطر..    هذه تشكيلة المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة لمواجهة كاليدونيا الجديدة في مونديال قطر    توقيف مسؤول بمجلس جهة فاس مكناس للتحقيق في قضية الاتجار الدولي بالمخدرات    عمر هلال: اعتراف ترامب غيّر مسار قضية الصحراء، والمغرب يمد يده لمصالحة صادقة مع الجزائر    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    مديرة مكتب التكوين المهني تشتكي عرقلة وزارة التشغيل لمشاريع مدن المهن والكفاءات التي أطلقها الملك محمد السادس    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    نفاد تذاكر ودية "الأسود" أمام موزمبيق    شباب مرتيل يحتفون بالمسيرة الخضراء في نشاط وطني متميز    التجمع الوطني للأحرار بسوس ماسة يتفاعل مع القرار التاريخي لمجلس الأمن حول الصحراء المغربية    الرئيس السوري أحمد الشرع يبدأ زيارة رسمية غير مسبوقة إلى الولايات المتحدة    أولمبيك الدشيرة يقسو على حسنية أكادير في ديربي سوس    مقتل ثلاثة أشخاص وجرح آخرين في غارات إسرائيلية على جنوب لبنان    بعد حكيمي.. إصابة أكرد تربك الركراكي وتضعف جدار الأسود قبل المونديال الإفريقي    دراسة أمريكية: المعرفة عبر الذكاء الاصطناعي أقل عمقًا وأضعف تأثيرًا    "حماس" تعلن العثور على جثة غولدين    مغاربة فرنسا يحتفلون بذكرى المسيرة    إنفانتينو: أداء المنتخبات الوطنية المغربية هو ثمرة عمل استثنائي    النفق البحري المغربي الإسباني.. مشروع القرن يقترب من الواقع للربط بين إفريقيا وأوروبا    درك سيدي علال التازي ينجح في حجز سيارة محملة بالمخدرات    لفتيت يشرف على تنصيب امحمد العطفاوي واليا لجهة الشرق    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    الأمواج العاتية تودي بحياة ثلاثة أشخاص في جزيرة تينيريفي الإسبانية    مقتل فلسطيني في قصف إسرائيلي    الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    تقرير: سباق تطوير الذكاء الاصطناعي في 2025 يصطدم بغياب "مقياس ذكاء" موثوق    بنكيران: النظام الملكي في المغرب هو الأفضل في العالم العربي    نبيل باها: "قادرون على تقديم أداء أفضل من المباراتين السابقتين"    ألعاب التضامن الإسلامي (الرياض 2025).. البطلة المغربية سمية إيراوي تحرز الميدالية البرونزية في الجيدو وزن أقل من 52 كلغ    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    توقيف شاب متورط في اختطاف واحتجاز وهتك عرض فتاة قاصر بالعنف    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    تشريح أسيدون يرجح "فرضية السقوط"    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    "الجهاد الإسلامي" الفلسطينية تسلم رفات رهينة من غزة في إطار اتفاق وقف إطلاق النار    العرائش.. البنية الفندقية تتعزز بإطلاق مشروع فندق فاخر "ريكسوس لكسوس" باستثمار ضخم يفوق 100 مليار سنتيم    "صوت الرمل" يكرس مغربية الصحراء ويخلد "خمسينية المسيرة الخضراء"    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    عيد الوحدة والمسيرة الخضراء… حين نادت الصحراء فلبّينا النداء    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    انطلاق فعاليات معرض الشارقة للكتاب    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفن التشكيلي المغربي والتراث بين الهوية والحداثة

لقد عرف الفن التشكيلي المغربي مراحل هامة في تاريخه سَرّعَت من فعالية الإنتاج ومن جمالية العمل المُنتَج، ومن الإنتاجية الفنية، أي تلك الرؤية النقدية الذاتية التي صار يتمتع بها الفنان التشكيلي المغربي، ليبتعد عن التسرع والإنتاج من أجل الإنتاج. بل لقد صار الفنان، في عامته، واعيا بالشرط الجمالي للعمل لديه، وعي يُعزى إلى الرؤى المتجددة وطرق البحث والاشتغال الجديدة بعيدا عن أية تبعية. فكان للرجوع إلى التراث ماديا أو لاماديا (الموروث الجمالي) نصيبا هاما من تلك المراحل التطورية التي مكّنت -ولا تزال- للفن التشكيلي المغربي مكانته الهامة داخل الجغرافية العالمية.
فأي علاقة تربط الفن التشكيلي بالتراث؟ أو بالأحرى ما العلاقة بين التشكيل والموروث الجمالي؟ وكم يبدو هذا السؤال الجوهري كبيرا وعصيا عن الإجابة، وأي علاقة بين التراث الجمال والمستقبل؟ وأين تبتدئ الحداثة في التشكيل المغربي؟. قبل الغوص في هذه الأسئلة نطرح سؤالا أوليا -لابد منه في نظرنا- ألا وهو: ما التراث؟ أو ما الموروث الجمالي؟
لا نقصد بالموروث الجمالي، أبدا، كل أثر السلف، بل إنما هو عندنا كلّ ما له علاقة بتلك الرؤية الخلاقة للعالم، للمحسوسات والماديات.. فالموروث لا يتعلق بالزمن القديم الماضي منذ الأزل فقط بل هو كل أثر استطاع أن يحسن الذائقة الإنسانية، أي هو كل ما ينصرف ليلمس الحس الرهيف في الذائقة الإنسانية الطامحة للتجدد واحتواء العالم، عبر طابع جمالي، والارتقاء والتسامي بالذات والفرد، عند القدامى.. وأ ليست الفردانية إحدى أساسيات الحداثة؟.
إن التراث لا يتعلّق فقط بالماضي، وليس هو فقط الحفر في الماضي أو إحياء له، إذ هذا ما هو إلا فهم بسيط للتراث في عُمقه. إن التراث مسائلة لآنٍنَا (=حاضرنا) ومطاردنا في مستقبلنا، أليس الحاضر هو تراث المستقبل (بصفته ماضي)؟ إن التراث هو الماضي والحاضر والمستقبل أيضا من حيث هو رهان هذا الأخير ومحدده.
إذا كان التراث والمستقبل والحاضر (الآن) مرتبطان في الجوهر، فهذا لا يعني أننا لابد أن نظل في جلابيب الآباء والأجداد، ومتشبثين بتلابيبهم. بل نحن ملزمون بالتفاعل -الخلاق- معه ومراعاته وتخطيه أيضا، التخطي هنا لن يكون إلا عبر الاستيعاب الجيد لمفهوم الحداثة، من حيث هي استدراج واستدماج التراث داخل قالب جديد ومغاير يتماشى ومقتضيات العصر. هذا ما استوعبه العديد من الفنانين التشكيليين المغاربة، أمثال الجلالي الغرباوي وأحمد الشرقاوي وفريد بلكاهية والمكي مغارة ومحمد السرغيني ومريم مزيان وغيرهم من الفننانين الأوائل، إلى جانب الأجيال اللاحقة، أسماء لا يمكن عدها أو إحصاءها كاملة. أسماء أدركت شرط ولوجها إلى الحداثة وما بعدها، غير متجاوزة تراثها، الذي استطاعت توظيفها عبر تقنيات متعددة، ومجربة أدواتها من خلاله (الحناء، الجلد، الكتان، الخزف... إلخ) وكما رموزها الموظفة داخل العمل (خميسة، الهلال، الحروف الأمازيغية، الوشام.... إلخ) والتنوع الحضاري والتاريخي (الإفريقي، الأمزيغي، روماني، العربي، الإسلامي، الأوروبي…). هذا بالإضافة إلى أسماء جعلت من الخط العربي (باعتباره جزء هاما من التراث المغربي) وتنوعه أداة مهمة لتشكيل أعمالها، إما جاعلة منه (أي الخط) مركز الاشتغال أو جزءً لا يتجزأ منه، أمثال عبد الله الحريري ورشيد باخوز، من أجيال متباعدة..
إن توظيف التراث في نظرينا هو تركيز وتأكيد على الهوية التي ينتمي إليها الفنان. لهذا تتنوع أساليب الاشتغال من فنان إلى آخر بالمغرب، وذلك حسب المنطقة القادم منها، وما تحمله من موروثات وتراث، بمفهومهما الهوياتي والأدواتي. فالاتجاه نحو التراث من قبل الفنان المغربي صار يتنامى يوما بعد يوم داخل الحقل البصري بالمغرب، وذلك عبر ما صار يدركه الفنان المغربي من سُلطة التجريب داخل العمل لديه. وكما هو محاولة لتجاوز القرين الغربي، واصطباغ هوية متفردة على الفن التشكيلي المغربي. فالفنان التشكيلي المغربي صار يوظف المفردات وعناصر التراثية داخل العمل الفني بعد أن يعيد ترتيبها وصياغتها عبر قالب حداثي ومعاصر. مشكلا بذلك رؤية بصرية مغايرة تنهض بالهوية التي ينتمي إليها، إذ ما توظيف التراث داخل العمل الفني سوى إثبات لهوية مترسخة فينا. هوية نجعلها المنطلق نحو حداثة خاصة مواكبة ومنسجمة مع الحداثة العالمية.
إن عودة الفنان التشكيلي المغربي إلى تراثه الجغرافي والفكري والفلسفي (اللامادي) والمادي، كانت غايته البحث عن أساليب جديدة للتعبير والتقرب إلى الهوية التي ينتمي إليها، كما محاولة التملص من التبعية الغربية التي كانت تسيطر عليه وتوجهه حيث هي شاءت. لقد استطاع الفنان المغربي بعودته إلى التراث أن يكسر رابط التبعية أولا وأن يبني لنفسه أساسات يعتمدها لبناء حداثة خاصة تواكب وتنخرط لا تابعة ومنصهرة بالمطلق.
قد لم نضع بعد أسس مدرسة مغربية تشكيلية خالصة، أو أنه كانت هناك بوادر ولم تتطور مع الزمن، إلا أن الحركية التي خلقتها المراحل التطورية من بينها الرجوع إلى التراث، قد أعطت دفعة وزخما قويين إلى الفنانين المغاربة للإبداع والتجريب والاجتهاد. وقد صرنا اليوم نلمس جيدا ذلك في عدة أعمال لمغاربة يتم تصنيفها ضمن خانة الفن المعاصر، إلا أنها لا تخلو أبدا من لمسات تراثية بحتة (كما هو الحال في مجموعة الأعمال التي تم عرضها سنة 2015 في معرض المغرب المعاصر بباريس، وأعمال معروضة ضمن معروضات متحف محمد السادس للفنون الحديثة والمعاصرة في الرباط....).
ولم يقتصر العمل على التراث لدى الفنان التشكيلي المغربي على الحقب الحديثة (الأمازيغية، العربية، إسلامية...) بل تعداه إلى الحفر في التراث البدائي (الكهوف)، إذ نلاحظ مجموعة غير قليلة من الفنانين المغاربة استطاعوا توظيف الرموز والحفريات والأشكال البدائية (للإنسان الأول بالمغرب) داخل العمل لديه عبر لوحات أو منحوتات أو إنشاءات فنية (مبارك عمان نموذجا)... مما يتركنا نؤكد على كون الفنان المغربي استطاع إدراك مليا الروح الجمالية التي يحملها تراثه الحضاري والتاريخي.
ولم يقتصر الأمر على التشكيليين خريجي المدارس الجميلة أو المصنفين، بل إن الأمر يبدو جليا وواضحا عند فنانين "الفن الخام"، أمثال الشعيبية طلال ومحمد الطبال و فاطنة الكبوري وبنحيلة الركراكية وغيرهم من الأسماء من أجيال متباعدة ومتقاربة، فإلى جانب العفوية في الرسم والتلوين، والاعتماد على آليات التبسيط والتسطيح والابتعاد عن الرسم الأكاديمي، فأعمال هؤلاء الفنانين مشبعة بالروح التراثية، من حيث توظيفهم لشخوص مغربية خالصة في أزياءها وملابسها التقليدية أو من خلال تصوير الحياة اليومية للمرأة والأسرة والحفلات المغربية في الأرياف والأدوات الخزفية الزرابي المغربية وكما المعمار التراثي والبيئي، فتكون أعمالهم بالضرورة تستمد قوتها الجمالية من التراث المغربي.
وبالتالي فإن الفنان المغربي، وبعد أن دخل، خلال القرن الماضي، خانة تجريب كل أشكال التعبير التشكيلي الحديث والمعاصر، عبر طرق متعددة، من أجل رسم هوية فنية خاصة به، نجده قد عاد إلى التراث الماضي، بمختلف رموزه وألوانه وصيغه ومفرادته ومركباته، باحثا عن فرصة للاستقلال التام من التبعية والمدارس الغربية.. بحث سيمكن له أن يضع لنفسه بصمة خاصة يتفرد بها وتحمل الطابع المغربي الخالص. إلا أنه هذا الرجوع عندنا ليس بالضرورة دعوة للمكوث والركون والتخندق عنده والبقاء في ظلاله، مما قد يخلق نوعا من التوقف السيكولوجي والذهني والتاريخي كما الإبداعي، والسقوط في نوع من الفلكلور والتجمد... إذ لابد من التفكير في تخطي الأمر مستقبلا إلى رؤية ذات بعد معاصر ومستقبلي وتطلعي.. فالأمر عندنا أن الرجوع إلى التراث هو ضرورة لمساءلة الذات وبناء أسس حداثة خاصة تراعي الهوية المغربية، وتواكب وتتماشى مع الحداثة العالمية... مما سيخلق نوعا من الاستقلالية والتطورية بعيدا عن أية تبعية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.