لا يخفى علينا اليوم أن النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية قد انحرف عن مساره التفاوضي الذي علق عليه إخواننا المحتجزون في تندوف, أكثر من أي طرف آخر, آمالا كبيرة في تقرير مصيرهم عبر إيجاد حل سياسي متوافق عليه, يفك عنهم الأغلال التي توصدها قيادة البوليساريو على أعناقهم منذ أربعين سنة حتى لا تفسد صرخاتهم المخطط الاستراتيجي للجزائر في إقامة دويلة ميكروسكوبية تمهد لها الطريق للامتداد غربا نحو المحيط الاطلسي. فأمام التآكل الذي بدأ ينخر الأطروحة الانفصالية وجدية المقترح المغربي في منح الصحراء المغربية حكما ذاتيا موسعا وما اعقبه من تفاعل أممي إيجابي, لم تجد الجزائر في جعبتها غير الورقة الحقوقية لذر الرماد في عيون الجمعيات والهيئات الدولية التي استشعرت صرخات المحتجزين بتندوف من جهة, ولفرملة الاندفاع الأممي نحو المقترح المغربي الجدي والواقعي من جهة أخرى. وحتى تجد هذه الورقة الحقوقية الكيدية مكانا لها في أروقة الأممالمتحدة, لجأت الجزائر إلى تجييش عصاباتها من انفصاليي الداخل وتسخيرهم للركوب على أي حراك اجتماعي مرتقب في مدن الصحراء واستغلاله سياسيا, ,وقد كانت أحداث اكديم ازيك سنة 2010 وما ترتب عنها من تضليل إعلامي سافر فرصة سانحة أمام أعداء الوحدة الترابية للتشويش على الرأي العام الدولي وتشثيت تركيزه على المقترح المغربي الذي تقدم به المغرب إلى الأممالمتحدة في شهر أبريل من سنة 2007. منذ ذلك الحين إلى يومنا هذا والديبلوماسية الجزائرية تضغط بكل ما أوتيت من مداخيل نفطية من أجل توجيه الرأي العام الدولي من الانشغال بالبحث في جدية المقترح المغربي وأبعاده السياسية والإنسانية إلى الانشغال بالبحث في آلية لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء, في وقت كانت الديبلوماسية المغربية قد استكانت مباشرة بعد الاستحسان الدولي الذي لقيه مشروع الحكم الذاتي, وتزكيته معنويا من خلال اعتراف المبعوث الأممي بيتر فالسوم بانعدام أي إمكانية موضوعية وواقعية لإقامة دويلة كرطونية بالصحراء. ولم تفطن ديبلوماسيتنا لهذه الجعجعة الحقوقية وآثارها السلبية على مسلسل المفاوضات إلا بعد أن تقدم بوتفليقة برسالة كيدية إلى مجلس الاتحاد الافريقي المنعقد بأبوجا يطالب فيها بضرورة توسيع مهام المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء, حينها ستقيم ديبلوماسيتنا الدنيا دفاعا عن النفس مستعينة في ذلك بحصيلة المغرب في مجال حقوق الإنسان. من هنا, ينبعث استغرابنا الشديد كيف أن من كان يجدر به أن يكون في موقع الهجوم في مجال حقوق الإنسان قبل أن تقوم هذه الجعجعة الجزائرية, صار بقدرة قادر في موقع الدفاع, وكأن النظام السياسي القائم بالجارة الشرقية نموذج ديمقراطي فريد, أصبح مؤهلا في العهدة المريضة لأن يعطي الدروس الحقوقية للآخرين. والحال أن هذا النظام الهرم, الذي نفخ الشيطان في أنفه, غارق في الانتهاكات من قمة رأسه إلى أخمص قدميه, ورائحة جثثه في غرداية تزكم الأنوف. وبمقدار ما نستغرب أمام هذا التناقض, يشتد امتعاضنا وقلقنا على حال أهلنا المحتجزين بتندوف, الذين بدأت صيحاتهم تتقاطر على مواقع التواصل الاجتماعي بالصوت والصورة جراء البطش والاستغلال والقمع الذي يتعرضون له من أقدم ديكتاتورية في تاريخنا المعاصر, وقد كان أملنا أن تتخذ ديبلوماسيتنا وإعلامنا المنشغل بالمسلسلات المكسيكية والتركية هذه الصيحات لتغيير موقع المغرب في هذه الحرب الحقوقية من الدفاع إلى الهجوم على خصوم الوحدة الترابية, لا سيما وأن ما يحدث من انتهاكات جسيمة في حق المحتجزين يقع في أرض تحت السيادة الجزائرية. وفي سياق الصمت الديبلوماسي والإعلامي الغريب على انتهاكات حقوق الإنسان بتندوف, صارت الانفصالية المسماة أمينتو حيدر أيقونة حقوقية تستدل بها الجزائر في كل المحافل الدولية, رغم أنها تتمتع بحقوقها الكاملة في التنقل بين مدن الصحراء وتندوف, وهي الحقوق التي حرم منها المناضل مصطفى سلمى ولد سيدي مولود الذي ما زال منفيا في مخيمات اللاجئين بموريتانيا, بعيدا عن أسرته وأهله, لا لشيء إلا لأنه أعلن تمرده على المشروع الوهمي للمرتزقة, والأنكى من ذلك, أن الجزائر تتسلح في مواجهتها الحقوقية للمغرب بصور وفيديوهات مفبركة للمواجهات التي تقوم بين الفينة والأخرى بين شرذمة قليلة من المرتزقة وقوات الأمن في مدن الصحراء, وهي لا تصل إلى حد الجحيم الذي يطال حركة شباب التغيير في ثورتها على القائد ذي الأصول المراكشية محمد ولد عبد العزيز, وقد كانت آخر مشاهد هذا الجحيم ما تعرض المناضلان الغيلاني ولد بومراح الذي حكم عليه بالسجن لمدة سنتين بعد صرخته في وجه سياسة الظلم والاستغلال التي تنتهجها قيادة البوليساريو, وما تعرض له رفيقه في درب النضال امربيه أحمد محمود ولد دادا, الذي هشمت عظامه وزج به في زنزانة سرية بالرابوني قبل أسابيع بمجرد أن ظهر بوجه مكشوف في فيديو نشر على مواقع التواصل الاجتماعي ينتقد فيه سياسة البوليساريو, ويعبر عن تعاطفه مع رفيقه المعتقل الغيلاني. ولم تكتف الآلة الهمجية لمرتزقة البوليساريو بتهشيم عظام معارضيها والزج بهم في السجون السرية, وإنما امتدت كذلك إلى شرف النساء الصحراويات, وهو من الطابوهات التي لا يقبل الوعي الجمعي الصحراوي المساس به وتدنيسه, حيث تقاطرت على مواقع التواصل الاجتماعي اعترافات لنساء صحراويات محتجزات بميخمات تندوف, يفضحن فيها الاستغلال الجنسي الذي يتعرضن له تحت الإكراه من طرف المرتزقة. هذا ناهيك, عن الاعتقالات التعسفية والمحاكمات المجانية التي تواجه بها عصابة محمد ولد عبد العزيز الشباب الثائرين من قبيلة الركيبات السواعد جراء سياسة الميز القبلي التي تنتهجها, محاولة بذلك إخماد نيران قبلية لصقت بتلابيب قائدها منذ يناير من السنة الجارية. ولعل هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في مخيمات تندوف ما مهد الطريق لانشقاقات غير مسبوقة في قيادة البوليساريو, فما إن أقدم السيد المحجوب السالك على تأسيس حركة « خط الشهيد « المناوئة للبوليساريو, حتى أعلن الرجل الثاني في القيادة السيد البشير مصطفى السيد تمرده على المؤتمرات الشكلية التي تعقدها جبهة البوليساريو كل أربع سنوات, والتي افتقدت شرعيتها الصورية منذ نشوب الحراك الصحراوي بالمخيمات. ففي الوقت الذي تلتهب فيه مخيمات تندوف, نجد الجارة الشرقية ومعها المبعوث الأممي كريستوفر روس منشغلين بحقوق الإنسان بمدن الصحراء المغربية, وكأن معاناة أهلنا المحتجزين وما يمارس عليها من تعتيم إعلامي ممنهج خارج اختصاصات هذا المبعوث,. الذي أصبح القاصي والداني يلمس عدم حياديته في تدبير النزاع المفتعل, وكيف لا نشكك في حياديته وهو ممثل سابق للديبلوماسية الأمريكية في الجزائر؟؟ وفي سياق الحرب الحقوقية والإعلامية التي دبرتها الجزائر لعرقلة مشروع الحكم الذاتي, وفي ظل الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بمخيمات تندوف, أصبح متعينا على الديبلوماسية المغربية والمنابر الإعلامية المغربية والرأي العام الوطني بمختلف مشاربه أن تحذو حذو المحكمة الوطنية الإسبانية التي فتحت ملفات جرائم البوليساريو في السنة الماضية, وذلك عبر تحريك آليات المتابعة الجنائية الدولية في حق المرتزقة المجرمين الذين انتهكوا توصيات اتفاقية جنيف لعام 1949, وعبر شن حملات إعلامية تكشف المستور في مخيمات تندوف, وتعيد لأهلنا المحتجزين جزءا من كرامتهم التي تدوسها جبهة المرتزقة تحت تصفيق أسيادهم من جنرالات الجزائر.