رئيس الحكومة يترأس اجتماع اللجنة الوزارية لقيادة إصلاح منظومة الحماية الاجتماعية.. "24,3 مليون مستفيد من التأمين الإجباري الأساسي"    أسطول الصمود المغاربي: سيرنا 9 سفن لغزة ونجهز 6 للإبحار اليوم    اليونيسف: أكثر من 10 آلاف طفل في غزة بحاجة لعلاج من سوء التغذية الحاد    خوان ماتا يتعاقد مع ملبورن فيكتوري الأسترالي    أوناحي: الأسود جاهزون للتتويج بكأس أمم أفريقيا في المغرب    وزير الصحة يزور المستشفى الجهوي بأكادير ويعفي مسؤولين عن القطاع في الجهة    بلاوي يشدد على الطابع الاستثنائي لبرقيات البحث ويدعو إلى صون حرية الأفراد    إطلاق طلبات دعم مشاريع الجمعيات العاملة في مجال تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة        أبو المعاطي: مكتب الفوسفاط في الريادة .. وتطوير الأسمدة ضرورة إستراتيجية    الفترة الانتقالية بين الصيف والخريف تتسبب في ارتفاع الحرارة بالمغرب    الممثل الهوليوودي روبرت ريدفورد يفارق الحياة        "يكذب، يهرب".. أول كليب لنور يكشف بدايتها الرسمية في عالم الغناء    المغرب يتقدم في مؤشر الابتكار العالمي        ضوابط صارمة.. منع "التروتنيت" في المحطات والقطارات وغرامات تصل 300 درهم    إسبانيا تشترط للمشاركة في "يوروفيجن 2026" استبعاد إسرائيل    وزير الصحة يعفي مسؤولين بأكادير    لوكسمبورغ تعتزم الاعتراف بفلسطين    الأرصاد الجوية تحذر من زخات ورياح    انتخابات 2026 .. الاتحاديون يطالبون بلجنة وطنية و"روبوتات بالأمازيغية"    مايسة سلامة الناجي تلتحق بحزب التقدم والاشتراكية استعدادا للاستحقاقات المقبلة    حفل الإعلان عن الفائزين بجائزة علال الفاسي لسنة 2024    "التغذية المدرسية" تؤرق أولياء أمور التلاميذ    كلاسيكو الرجاء والجيش يلهب الجولة الثانية من البطولة الإحترافية    عصبة الأبطال الأوربية.. أرسنال يحرم من خدمات ساكا و أوديغارد في مواجهة بلباو    الأمير مولاي رشيد يلتقي الرئيس محمود عباس في الدوحة لبحث مستجدات العدوان على غزة وتعزيز العلاقات الثنائية    أدب الخيول يتوج فؤاد العروي بجائزة بيغاس            أساتذة المدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية بطنجة يلوّحون بالتصعيد احتجاجًا على "الوضعية الكارثية"    الذهب يسجل ارتفاعا قياسيا مع تراجع الدولار قبيل اجتماع المركزي الأمريكي    تحقيق للأمم المتحدة يؤكد ارتكاب إسرائيل إبادة جماعية في غزة    ترامب يقاضي صحيفة نيويورك تايمز بتهمة التشهير ويطالب ب15 مليار دولار تعويضًا    الأداء الإيجابي يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    مهرجان "موغا" يكشف برنامج "موغا أوف" بالصويرة    مجلة أمريكية: المغرب يفرض نفسه كإحدى أبرز الوجهات السياحية العالمية    غزة تتعرض لقصف إسرائيلي عنيف وروبيو يعطي "مهلة قصيرة" لحماس لقبول اتفاق    أمرابط: رفضت عروضا من السعودية    دراسة: الأرق المزمن يعجل بشيخوخة الدماغ    إلى متى ستظل عاصمة الغرب تتنفس هواء ملوثا؟        صحافة النظام الجزائري.. هجوم على الصحفيين بدل مواجهة الحقائق        قناة الجزيرة القطرية.. إعلام يعبث بالسيادة المغربية    افتتاح الدورة الثانية من مهرجان بغداد السينمائي الدولي بمشاركة مغربية    في ذكرى الرحيل الثلاثين.. فعاليات أمازيغية تستحضر مسار قاضي قدور    موسكو تعزز علاقاتها التجارية والاقتصادية مع المغرب    بوصوف يكتب.. رسالة ملكية لإحياء خمسة عشر قرنًا من الهدي    الملك محمد السادس يدعو لإحياء ذكرى 15 قرناً على ميلاد الرسول بأنشطة علمية وروحية    "المجلس العلمي" يثمن التوجيه الملكي    رسالة ملكية تدعو للتذكير بالسيرة النبوية عبر برامج علمية وتوعوية        الملك محمد السادس يدعو العلماء لإحياء ذكرى مرور 15 قرنًا على ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    المصادقة بتطوان على بناء محجز جماعي للكلاب والحيوانات الضالة    أبرز الفائزين في جوائز "إيمي" بنسختها السابعة والسبعين    الكلمة أقوى من الدبابة ولا مفر من الحوار؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ذكريات عبرت… فأرخت.. أنصفت وسامحت 9 : الاعتقال بسجن بولمان الأطلسية

هِيَ رِحْلَةُ عُمْرٍ نَتَنَسّمُ تَفاصِيلَها اٌلْعَطِرَةِ بين دَفَّتَيْ هَذَا اٌلْحَكْي .. .في ثَنايَا اٌلْكَلِماتِ وَ اٌلْمَشَاهِدِ ، تَرْوي اٌلْحِكايَةُ، بِغَيْرِ قَلِيلٍ مِنَ اٌلْجِراحِ و الآمَالِ ، حَياةُ رَجُلٍ وَ امْرَأةٍ اخْتارَهُما « اٌلْقَدَرُ» كَمَا تَخْتارُ الرُّوحُ ظِلَّهَا – وَعَبْرَهُمَا – نُطِلُّ عَلى مَسَارَاتٍ مُضيئَةٍ لأَشْخَاصٍ وَ «أَبْطالٍ» بَصَمُوا تَاريخَنَا اٌلْمُشْتَرَكِ بِغَيْرِ قَلِيلٍ مِنَ اٌلْجَلْدِ وَاٌلْكِبْرِيَاءِ وَاٌلْعِنادِ اٌلْجَميلِ ، وَ صَنعُوا مِنْ «لَهيبِ الصَّهْدِ» جَذْوَةُ أَمَلٍ لا يَلِينُ ..حَكْيٌ كَاٌلْبَوْحِ اٌلْفَيّاضِ، يَسْرُدُ تَفاصِيلَ اٌلْوِجْدَانِ وانْكِسارَاتِهِ، وَجِراحَاتِ اٌلْوَطَنِ وَ آمَالِهِ … ضِمْنَهُ ، تَفاصِيلَ شَيّقَةً لأَحْلامِ جِيلٍ لَمْ يَنْكَسِرْ ، وعَبْرَ دِفَّتَيْهِ، نَقْرَأُ تَفاصيلَ غَيْرَ مَسْبوقَةٍ لأَحْداثَ مُثيرَةٍ مِنْ تَاريخِ اٌلْمَغْرِبِ اٌلْمُعاصِرِ … بِغَيْرِ قَليلٍ مِنَ اٌلْفَرْحَةِ وَ اٌلْفُرْجَةِ، وَ اٌلْحُزْنِ وَالأسَى يَحْكِي الرَّاوِي شَهَادَتَهُ عَلَى اٌلْعَصْرِ … وَعَبْرَ هَذَا اٌلْحَكْي ، يَتعَاقَبُ الأَطْفالِ بِدَوْرهِمْ عَلَى السَّرْدِ، يَحْمِلونَنَا مَعَهُمْ إِلَى مَشاتِلَ اٌلْقِيَمِ اٌلْيَانِعَةِ، وأَحْضانِ مَحَبَّةٍ تَنْمُو و تَزْهَرُ ..بِمُطالَعَتِنَا لِهذَا اٌلْحَكْيِ اٌلْعَابِرِ… يُحْيِي فِينَا الرَّاوِي «توفيق الوديع» دِفْقَ مَوَدَّةٍ لا تَنْضَبُ ومَعِينَ وَطَنِّيَةٍ تَسْكُنُ اٌلْمَسامَ و الشَّرايينَ ..
بِشُموخِ الكِبارِ نُطِلُ عَلَى جُزْءٍ مِنْ ذَاكِرتِنَا المُشْتَرَكَةِ … وَ بِسَلاسَةٍ سَرْدِيَّةٍ نَسْتَعيدُ مَعَ الكَاتِبِ حِقَباً مِنْ زَمَنٍ مَضَى و آخَرَ يَمْشِي بَيْنَنَا ، لِنَتّقِدَ كَمَا تَتَّقِدُ الرَّعْشَةُ والبَهْجَةُ فِي الوِجْدانَاتِ الصّافِيَةِ.. لِذلكَ أَدْعو القارئَ إِلى اٌلإطْلالَةِ عَلَى تَفاصِيلَ هَذِهِ الذِّكْرَياتِ الْعابِرةِ لِشَجَرَةٍ عُنْوانُهَا الآسَفي وَ ثُرِيَا .. الثُّنائِي الَّذِي رَوَى، وَتَرَكَ مَا يُرْوَى حَوْلَهُ بِجَدارَةِ اٌلْخالِدينَ…


استشعرت الخطر النفسي والاجتماعي والاقتصادي المحدق بالحاج، وكنت على يقين بأنه محرج من طرف الجميع، فتدبرت أمري وحللت بالمدينة دون سابق إعلام .
وأنا ألج باب البيت، ساد صمت رهيب، فنساؤه، وأخواتي، اللائي كُنّ تحت وقع المُفاجأة، ظللن واقفات واجمات بصحن البيت، منتظرات ردّ فعل الحاج … لم يتقدم نحوي أي أحد للسلام… فبحسبهم أنا منبوذ من أعلى سلطة في البيت.
كان الحاج، كعادته، قد لزم غرفته، وكان بابها موصدا …
وضعت حقيبتي أرضا واتجهت نحو الأدراج التي تؤدي إلى الطابق العلوي، حيث غرفة الاستقبال و هي مكان استراحته … دفعت الباب ببطء حتى لا أزعج غفوته، كان مستلقيا تحت النافذة ، وقد وضع يده على خده وراح في شبه إغماءة… تقدمت نحوه ووضعت يدي على رأسه وقبلت جبينه، وحين هممت بتمرير يدي على لحيته منعني بلطف… فقد كانت مبللة بدموع ظهر أنها كانت مدرارا!!! حينها انتبهت إلى الوسادة الملقاة في صحن الغرفة، و فهمت أنه كان يستعملها دعامة ليصل إلى مستوى النافذة التي تطل على المحطة الطرقية ويتأكد من وصولي…. لقد كان يراقبني منذ حللت بالمدينة، فما إن وطأت قدماي أرض المحطة حتى كان قد أُعلم بالأمر، فالمدينة صغيرة وأصحاب الحال كثر …
جلست بجواره، عانقني و ضمّني إلى صدره قائلاً :
” أعلم أنك متعب جراء سفرك الطويل، ولكن أود أن ترافقني في طريقي لتأدية صلاة الظهر بالمسجد العتيق “،
لم يكن اليوم يوم جمعة، و لم يكن يؤدي صلواته الخمس إلا في بيته في الغرفة إياها، و لكنّهُ أصر، وأنا قبلت.
عند خروجنا اتجهت نحو سيارته فالمسافة ليست باليسيرة والجو حار جدا .
“لا يا ولدي سنتمشى قليلا فالسائق في إجازة ليومين …” رافقته مشياً وكان يسلك أطول الطرُق للوصول إلى المسجد، وهكذا عبرنا أهم شرايين المدينة.
ونحن على الطريق كنت أراقب استغراب التجار وحتى المارة … من لقائنا و حديثنا المنفرج …
كان الحاج يلح على معاملتي معاملة الأصدقاء، حتى أنه بباب المسجد طلب مني، وبصوت مرتفع انتظاره على المقهى المجاور حتى انتهائه من أداء فريضته … أنا الذي كنت مستعدا لمرافقته لأداء صلاته، رغم أني لم أكن مواظبا عليها، لكنه أصر على أن يُظهر للجميع أننا نقبل الاختلاف في المواضيع الدينيّة والدُّنيَويّة كذلك.
عند خروجه من المسجد،و في طريق العودة اقتنى دلاحة ضخمة، ولم يسمح لي ولا حتّى للعاملين مساعدته لإيصالها إلى المنزل، بل أخذها بنفسه وكانت مناسبة، اختارها ليطيل عمر رحلة العودة، خصوصا وقد كان لزاما علينا الوقوف، للاستراحة عدّة مرات، وتجزية الوقت بنقاشات حول أوضاع الطلبة ونضالاتهم بمدينة فاس… وكان يتعمّد الحديث بصوت مرتفع حتى يعلم الجميع مدى انسجامنا في نقاشاتنا.
لم أنتبه و نحن على عتبة المنزل إلى الشخص الذي رافقنا، كظلّنا، حتى استدار نحوه الوالد قائلا ” واسير فحالك هاذا ولدي سّي محمد رجع من فاس وحنا راه مصالحين و سير قولها ليهم… وعرض عليهم راني داير الفرْحْ اليوم “.
لم يكن الشخص إلا مخبرا أتى متقصيا صحة خبر وصولي وصحة علاقتنا الطيبة .
عدت إلى فاس وأنا مطمئن على صحة الوالد النفسية… وأقمت بتلك الغرفة التي لا زالت تحمل، إلى اليوم، آثار طلقات رصاص جيش الاستعمار، حين جاؤوا لاعتقالنا عقب أحداث عرفتها المدينة المنتفضة المُؤازَرَة بطلبة القرويين الذين قادوا احتجاجات خالدة لم يكن ملاذهم خلالها سوى الدور الشعبية التي كانت أبوابها تظلّ مشرعة في وجوهنا صباح مساء.
… وتحسبا لاعتقال أي منا كانت أدوار القيادة توزع بيننا كل يوم .
كنت خطيبا فصيحا، ولهذا اقترحني الرفاق لتحضير خطبة حماسية لتوعية الطلبة بمسؤولياتهم التاريخية إزاء الوطن، وإبان إلقائها استل أحد الحاضرين سكينه وكاد يجهز على طالب مخبر كان يتعقبني، لولا تدخل باقي الرفاق مانعين حدوث مالا تحمد عقباه …، فنحن طلبة مؤمنون بالنضال السلمي، خصوصا والمكان آهل بالمدنيين العُزّل، والجند متأهبين لرد فعل شرس، على أبسط تحرّك طالما انتظروه، ليجعلوا منهُ سببا لتدخلاتهم العنيفة …
اشتد الحصار طبعا… واعتقل جل الطلبة، إلاَّ أنا ورفيق لي، ظللنا مختبئين عند أحد الجيران، كانت الأخبار التي تصلنا تؤكد أن البحث مستمر وأن السلطات الفرنسيّة قد قررت اعتقال واستنطاق السكان للوصول إلينا، فقررنا تسليم أنفسنا حفاظا على أمن الساكنة و ذلك لهول تدخلات أفراد الجيش وهمجيتهم، خصوصا وأنهم سبق و أن عاثوا فسادا في تجارة و منازل السّاكنة لأسباب أقل من البحث عن طلبة فارّين .
اعتقلت إذن، وحوكمت بسنتين سجنا، ورُحّلنا إلى سجن بضواحي مدينة بولمان الأطلسية المعروفة بشتائها القاسي البرودة و صيفها القائظ . كان سجنا فلاحيًّا مفتوحا على الطبيعة،لأنّ احتمالات الهرب ضئيلة لوعورة التضاريس، وهكذا فقد حُرمْنَا من زيارات العائلات .
كنت أحتفظ لنفسي بمساحات زمنية أعتكف فيها، أتأمل، أخطّ بعض الخواطر وحتى بعض القصائد … وبعدها أقوم بما عُهد لي به وهو أساسا استخراج كميات من الماء من بئر بعيدة عن السجن، وكانت العملية تأخذ وقتا طويلا نظرا للكمية الواجب استخراجها …
في أحد الأيّام، وقبل أن أبدأ الاشتغال، كُنتُ منصهراً في تدوين ما جادت به بنات أفكاري حين سمعت نقرا حسبته بادئ الأمر صوت أحد الطيور المختلفة الأشكال التي كانت تجوب المنطقة، إلا أن النقركان مُلحًّا وغريبا… خصوصاً وأنّهُ كان يتوقف كلما رفعت عيني مُنتبها، وحين أعود لكتاباتي، يعود النّقر، هممت واقفا، وحينها تراءى لي شبح يلوح بكلتا يديه …


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.