تحليل بالبيانات يرصد حضور الشباب في 40 بالمائة من الخطابات الملكية    لبنان يبدأ الخميس تسلّم الأسلحة    المغرب يواجه الإعلام الألماني في معركة قضائية حول اتهامات "بيغاسوس"        السكتيوي: العزيمة والإصرار مفتاحا التفوق على تنزانيا        خمسة متهمين في هتك عرض قاصر    يوعابد يكشف تقلبات الطقس بالمغرب    بعد نقل والده للإنعاش.. ناصر الزفزافي: عاجز عن فعل أي شيء لك فسامحني    بعد الجدل الذي لحقها.. تعليق حملة مراقبة الدراجات النارية    أفلام مغربية تتألق في بانوراما تونس    مؤسسة محمد السادس للعلوم والصحة تحقق إنجازا غير مسبوق في إعادة برمجة الخلايا    بنك المغرب يصدر قطعة نقدية تذكارية بمناسبة الذكرى ال62 لميلاد الملك محمد السادس    تسخير ثماني طائرات لإخماد حريق غابة بوهاشم بشفشاون    تصفيات كأس العالم 2026: المغرب يفتتح ملعبه الجديد بمواجهة النيجر المرتقبة    ربع نهائي الشان.. المغرب في اختبار صعب أمام تنزانيا    الشرادي يكتب: ملك الإنسانية..محمد السادس يجدد حضن المغرب لغزة    الجامعة الوطنية للتخييم: اغتصاب طفل مخيم "رأس الماء" حادث معزول ووجب انتظار التحقيقات الرسمية    خلفيات رسالة أفراد من العائلة البودشيشية لمناشدة الملك تزكية منير القادري شيخا للزاوية رغم تنازله رسميا    أزمة جديدة في استيراد العجول .. حجز شاحنتين بميناء طنجة المتوسط    المغرب يتصدر قائمة المستوردين الأفارقة من تركيا وسط تحديات تجارية متنامية                    ثورة الملك والشعب وعيد الشباب.. ذاكرة وطن تصنع المستقبل    تيكاد-9 .. إبراز رؤية ومبادرات جلالة الملك في إفريقيا    الملك محمد السادس يصدر عفوا على 591 شخصا بمناسبة عيد الشباب    المغرب يرسخ مكانته كأكبر مركز لصناعة السيارات في إفريقيا    وفاة القاضي الرحيم عن 88 عاما.. صوت العدالة الذي أنصف المهاجرين    سفارة المملكة بإسبانيا ترفض منح سلطات كانتابريا بيانات قاصرين غير مصحوبين    الوداد يعلن موعد تسليم بطائق الاشتراك لجماهيره    انطلاق فعاليات مهرجان الرمى والطلبة والخيالة بمركز صخور الرحامنة مبادرات راائدة في التضامن الترابي (صور)    تفاصيل اجتماعات أمريكية–أممية لإعادة النظر في مستقبل بعثة "المينورسو"    ابتكار جهاز من الماس يرصد انتشار السرطان دون مواد مشعة    حرقة المعدة .. هذه علامات تستوجب زيارة الطبيب فورًا    الداخلية تأمر بصرف التعويض عن الأخطار للممرضين وتقنيي الصحة بالجماعات الترابية    مندوبية التخطيط تسجل انخفاضا طفيفا للرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك    الحارس البرازيلي فابيو هو الأكثر خوضا للمباريات الرسمية    الصين: مدينة شنزن في الصدارة من حيث التجارة الخارجية    الصين تطلق أولمبياد الروبوتات الشبيهة بالبشر بمشاركة دولية واسعة    بلجيكا.. هجوم إلكتروني يستهدف بيانات 850 ألف زبون لشركة "أورانج"        سنة أولى بعد رحيل الدكتور عبد الفتاح فهدي    إسبانيا: زوجة رئيس الوزراء بيدرو سانشيز متورطة في قضية جنائية جديدة    تقرير: المغرب يعتبر ثاني أكبر مصدر للهجرة اليهودية العالمية نحو فلسطين المحتلة    سامويل ولُولي... حين قادهم الطريق إلى بيت الجار    أوروبا تسجل رقماً قياسياً في إصابات الأمراض المنقولة عن طريق البعوض            إطلاق فيديو كليب "رمشا الكحولي" بتوقيع المخرج علي رشاد    اختتام فعاليات الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفن المعاصر بمدينة ميدلت    المركز الفرنسي للسينما يكرّم المخرجة المغربية جنيني ضمن سلسلة "الرائدات"    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة قصيرة: باب يحمي الخواء
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 05 - 03 - 2021

دقات التائه على الباب المسوسة غباءٌ يائسٌ فقد كبرياء العثور على ملاذ آمن، ومن فرط الحيرة لم أنصرف عن أطلال تردد صدى فراغ فقد القدرة على تلبية نداء الحياة.
خاب الظن في زوايا مهترئة استعارت شكل زاوية يقصدها بوم الأطلال المهجورة، ومع الصقيع وزخات المطر العنيفة، ضاعت دقات ابن السبيل وشاب الانتظارَ ندمٌ ورغبة في استعجال الرحيل.
وعلى يمين الطريق الترابية المهجورة بقايا يافطة ممزقة قالت:» لا تكرر النداء حين يجيبك الصدى .. للخواء قدرة عجيبة على تكريس الوهم، وسلطة الفراغ تدمن ترديد الوعود السائبة!!!»
مع الانحراف المنسي لطريق الضياع، بدا الباب البعيد فرصة محتملة للنجاة من موت مؤكد، خرجت من ملحمة الحيرة، وبإصرار من أفلت من النهاية، توجهت نحوه عساني أعثر على من يشاركني متعة البوح وتبادل عدوى التمسك بنبض الحياة.
امتزج نحيب الريح بواجب احترام سيرة أطياف كانت هنا واختفت، قالت: « أيها العابر فوق آثار من أدمنوا الرحيل نحو غد مجهول التفاصيل، تريث قليلا واقرأ نقوش الحزن الكبير! هنا حل الفرح دون موعد مسبق، وهناك مقبرة من هزمتهم قسوة الانتظار وتأمل حياد الخواء».
هناك، خلف التلال المسكونة بأطياف الشر، باب متآكل الجوانب لم يمنع العناكب من بناء أعشاشها اللامعة، محكم الإغلاق بقيد حديدي صدئ، على وجه خشبه المسوس نقوش وكلمات مقطوعة ورسوم أجيال ملأت الدار أوهاما وخيبات متعاقبة.
لا نغمة ولا وتر تكلم خلف الباب، كلمت نفسي بصوت مسموع، حاولت استفزاز الفراغ بسلسلة أسئلة تروم أجوبة ممن كانوا هنا ورحلوا، ظلت كلماتي حائرة تجوب الخواء وتعود إليَّ مستسلمة لحتمية الزوال، والأحمق المعتوه من ينتظر الجواب من صخر غطته أعشاب المقابر المنسية.
داهمني إحساس العاجز الفاشل عن استشراف عش الأمان، كنت أمر أمام الأبواب المغلقة على مصائر غامضة، لم أكن أبالي بما تفصح عنه من إشارات، ولا أهتم بقراءة رسائل من عبروا وماتوا، والآن .. مع عجز الجاهل الساذج صرت في حاجة إلى عرافة تفك لغز الحروف المتقاطعة في غياب أرقام تدل على هوية من هجروا الزوايا، وتركوها أطلالا ترفض نبض القلب العطشان.
يئست من تكرار ضرب الخشب الأبكم، خرجت من عجز الضياع، دخلت حيرة الانتظار، تأملت آثار الزمن على واجهة لم يبق منها سوى بياض ممزوج بسواد وجود بالقوة، لا صوت يرد ولا عين تفحص الطارق بفضول، والصمت مقبرة لدفن كل الاماني المحتملة.
قيل لي إن الجدران تحتفظ بذاكرة من اصطادتهم فخاخ الغربة، ورحلوا نحو متاهات المنافي القاسية ولم يحنُّوا لوَكْر الذكريات القديمة، تناقصوا ببطء، وحين أكملوا دائرة الهروب، تسلطن الخواء، تآكلت الحيطان، وساد نعيق الغزبان ونواح بوم الأساطير المشؤومة.
بسبب العجز المزمن والاقتناع بعبثية الانتظار الغبي، سلمني الشعور بالفشل لنوبة غضب، أعدت طرق الباب، لكمته بقوة، أصدر أنينا موحشا، تحرك ببطء، وخلف الخشب المسوس ظهرت الظلمة في عز النهار.
دفعت الباب بالكثير من الحيطة والتوجس، ولجت الظلام بنية اللي ليها ليها وليس للميت ما يفعله أمام غسّاله، مضيت بخطوي في المجهول، خرجت العين من عماها، رأيت أشباه أدوات وفضلات آدمية، أيقنت من سطوة الجوع وورطة الحرمان والعطش، وآمنت بضياعي وهلاكي.
فكرت في تكسير وحشة الظلمة وهيمنة الخواء، صفقت كالأحمق، رد الفراغ صدى تصفيقي، فاجأني نواح بومة قادم من بقايا سقف مثقوب، رفعت رأسي، وفي غفلة من العدم، هاجمتني، صفعتني بجناحيها، واحتميت بالصراخ.
أدركت أني دخلت مجالها الحيوي، ازداد زعيقها الحاد، توالت صفعات الجناحين، حاولت تخويفها بحركات يدي العشوائية، تراجعت للوراء، راوغت ضرباتي، تبعتني، سقطت فوق الأسمال، واختنقت بغبار الخراب المؤكد.
في جحيم الرعب القاسي، نسيت أن طائر البوم منذور للحكمة الصامتة، يلوذ بالخرائب والأطلال ليعيش وجوده بعيدا عن رعونة الكائنات الفضولية، وكل اللوم على شرود قادني لباب معطل وظلام محتوم، غادرت ركضا سريالية الخراب، اصطدمت بأحجار العتبة، سقطت بالخارج، وأذهلتني عودة البوم للسقف الخارجي والتزامه صمت الحكيم المسالم.
تراكمت في دواخلي أكوام كلمات ، ضغطت عليها لانعدام حاضرٍ يستجدي سماع مرثية الندم، صارت صخورا جارحة في حلقي، استجمعت قواي، غادرت المكان، نسيت التدقيق في تفاصيل الرحيل، قادتني حيرة التائه إلى الإحساس بفقدان فادح ضاعف نزيف الوهم وسراب خلاءٍ دون ملامح، وفي ما يشبه التأنيب، خاطبت نفسي المكلومة، قلت :
«لا تحسبي هشاشتي غباءً، سأتركك مع دهائك لتسخري من سذاجتي، آمنت بامتلائي وصدقتِ ظلمة الخواء وتركتِني لصقيع النكران، وأنا أمضي لمنافي الغياب سأتذكر رعونة البومة البلهاء ! «


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.