كان بالفعل يوماً تاريخياً شهده مؤتمر الأممالمتحدة في نيويورك من خلال سلسلة الاعترافات بدولة فلسطين من على منبر المنظمة. وأهم هذه الاعترافات بالطبع كان الاعترافان الفرنسي والبريطاني لما لهما من اعتبارات رمزية، سواء بالنسبة للندن أو باريس باعتبارهما قوتين استعماريتين في الماضي، ولما للمملكة المتحدة على وجه الخصوص من مسؤولية تاريخية في التقسيم والمآسي التي يعيشها الشعب الفلسطيني منذ ثمانين سنة، وما تلا ذلك من تهجير واستيطان وإبادة ما زالت مستمرة حتى لحظة كتابة هذه السطور. هذا المسعى الذي تبنته العديد من الدول يهدف إلى زيادة الضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب في غزة في سياق مبادرة تاريخية ما زال أثرها رمزياً. وبهذه المناسبة قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في افتتاح أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، والتي تطغى عليها الحرب في غزة هذا العام: «فرنسا تعترف اليوم بدولة فلسطين… من أجل السلام بين الشعب الإسرائيلي والشعب الفلسطيني». وأضاف: «حان الوقت لوقف الحرب والقصف في غزة والمجازر وتهجير السكان… حان وقت السلام لأننا على وشك أن نصبح عاجزين عن تحقيقه.» وفي اليوم نفسه، اتخذت كل من بلجيكا ولوكسمبورغ ومالطا وموناكو وأندورا القرار ذاته الذي اتخذته فرنسا بالاعتراف رسمياً بدولة فلسطين. وقد شجبت إسرائيل وحليفتها الولاياتالمتحدة هذه الاعترافات، التي سبقتها إجراءات مماثلة اتخذتها الأحد الماضي كل من بريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال. المبادرة التي اتخذتها فرنسا والسعودية بشأن مستقبل حل الدولتين جاءت بعد أشهر من المساعي الدبلوماسية المكثفة لحشد أكبر عدد ممكن من البلدان ورسم خطة سلام. وقد مكّن ذلك من اعتماد نص بأغلبية ساحقة في الجمعية العامة للأمم المتحدة يؤيد قيام دولة فلسطينية، مع إقصاء حركة حماس من الحكم، وهو شرط تتمسك به العواصم الغربية. وقد ألقى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس كلمته في المؤتمر عبر الفيديو، إثر رفض السلطات الأميركية منحه تأشيرة دخول لحضور الاجتماع، مؤكداً بدوره أنه لن يكون لحماس أي دور في حكم فلسطين. اليوم، تعترف أكثر من 150 دولة من أصل 193 عضواً في الأممالمتحدة بدولة فلسطين، لكن وضعها سيظل على ما هو عليه، أي «وضعية مراقب»، في انتظار زوال الفيتو الأميركي. هناك من اعتبر أن هذا الاعتراف سيبقى رمزياً ولن يحل مشاكل الفلسطينيين الذين يتعرضون للإبادة في غزة ولسياسة الطرد والاستيطان في الضفة الغربية والقدس. لكن سلسلة الاعترافات الأخيرة، خاصة من بلدان غربية مؤثرة مثل فرنساوبريطانيا، من شأنها أن تفتح الباب أمام سياسة العقوبات والضغط والحصار على إسرائيل، وهو ما قد يوقف ما يعانيه الفلسطينيون ويساعدهم في استرجاع حقوقهم، خصوصاً أن ذلك قد يحرج الولاياتالمتحدة التي تدعم عملياً سياسة الإبادة التي تنفذها حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل. النقاش الذي تعرفه فرنسا حول الموضوع خير دليل على تطور المواقف: فأغلب اليسار والوسط يؤيدون موقف الرئيس الفرنسي، بينما يؤيد اليمين المتطرف وجزء كبير من المحافظين سياسة نتنياهو وحرب الإبادة التي ينفذها. وبعد هذا الجهد الدبلوماسي والتاريخي في الاعتراف بحقوق الفلسطينيين، جاء دور تغيير واقعهم على الأرض ووقف حرب الإبادة والاستيطان. وهو ما يجعل المبادرة الأميركية في الأممالمتحدة، مع بعض الدول العربية والإسلامية المعنية مباشرة بالوضع، بارقة أمل للخروج من هذه المأساة. خاصة أن إسرائيل، بمهاجمتها خمس دول في المنطقة من بينها قطر، وضعت الدول الحليفة لواشنطن، وخصوصاً الموقعة على اتفاقيات أبراهام، في موقف حرج رسمياً وشعبياً أمام هذا التغول الإسرائيلي الذي يتحقق بفضل الدعم المطلق للإدارة الأميركية. سياسة ستدفع حلفاءها في المنطقة إلى البحث عن تحالفات جديدة..