هي فرصة للتفكير الجدي في صورة من صور الملكية العاطفية، ولحظة لنرى بالعين المجردة كيف تساهم الانفعالات العاطفية في الاندماج الرمزي للمجتمع، أو «البيعة الفرحة المتبادلة»: الشعب يبايع ملكه والملك يبايع شعبه على الفرح أو على نوع من النقاء العاطفي. في الأصل، هناك فكرة الوطن والوطنية عند المغاربة، تفسر جزءا من دور العاطفة في بناء الشعور الوطني. في احتفالات عيد العرش نتابع الاحتفال بفكرة عن الوطن مغايرة عن فكرة الوطن في المشرق. وفكرة الوطنية، كما الشعور الوطني الفيّاض المرافق لها والذي يهمنا هنا أساسا، ليست هي نفسها كما عاشتها كل دولة على حدة. ففي المغرب يختلف الأمر، وعن ذلك يقول عبد لله العروي مثلا إن «الوطنية المغربية مرتبطة بالمخزن»، أو الدولة العتيقة، وفي قلبها الملكية والملك. بل يقول المؤرخ، الذي يفاجئنا دوما في تفكير حدود وطنيتنا، إن هذه «الوطنية إفراز مخزني». لهذا يكون الملك امتدادا للوطن، وامتدادا للوطنية، حتى إننا نتحدث عن «الوطنية الملكية» nationalisme monarchique، وقد عرفتها مثلا فرنسا في لحظات من تاريخها، وكانت موضوع مقاربات سيميائية وسوسيولوجية وتاريخية وسياسية. وسيكون من المنصف أن ننتظر مجهودات من هذا القبيل في وقتنا الراهن. وفي المخيال الجمعي، تشكل صورة الملك صورة الوطنية المهيمنة، ولا تكتمل صور الفرح كما هو حال صور الشعور بالخطر إلا باستحضار هذا البعد. رأينا صور الملك في الزلازل والكوارث، وهي تبعث شعورا بالأمان، أو بالحضور الجسدي وسط المخاطر، تعبيرا عن وجود «نحن». ونراها في الفرح بالقوة ذاتها، بتعابير أخرى. في المغرب لدينا نموذج ملكي للتاريخ الوطني، والعواطف جزء منه. نموذج بعيد عن النموذج العسكري أو الثوري الذي ساد شرقا أو غربا، ويشكّل انقطاع النموذج الملكي مأساة، كما في نفي الملك محمد الخامس، وعودته من جديد فرحة عارمة وشعورا بالحياة. وحتى ما هو في حكم الحياة العادية، يكون جزءا من بناء نظام عاطفي لهذه العلاقة بين الملكية والشعب، فتكون العاطفة والأحاسيس عنصرا تكوينيا في التماسك المجتمعي، والقدرة على خلق مشاعر وعواطف جياشة، وخلق الانصهار المتفرع عن مخيال جماعي يحكم علاقات تعود إلى قرون، وتستجمع في كل مرحلة ومع كل ملك أيقونات جديدة. أي ما هو معروف في التاريخ السياسي ب»الملكية العاطفية» عند ناتالي شولز Natalie Scholz، والمقصود بها تمثّل الملكية وعلاقتها بالشعب، حيث تلعب العواطف والانفعالات والأحاسيس دورا مركزيا. ما نسميه معها sentimentaliser la monarchie ليس تعبيرا عن فكرة تسويقية، ولا مديحا ملتبسا، بل أفقا لفهم المغرب والمغاربة، وأرضية لاتخاذ القرار، وعمل الشرعيات. وفي هذه الحالة، نرى التماهي بين الشعب وملكه دون حاجة لوسيط مجتمعي أو سياسي أو نقابي أو من أي نوع كان، كما قد يتضح فعل الشعرية العاطفية من خلال الأمن والشعور بالاستقرار والمحبة التي يثيرها ظهور الملك. هنا حديث عن شرعية ذات طبيعة عاطفية، تستحضر تاريخا للعواطف المتبادلة. ويحسن بنا أن نشير في هذا المضمار إلى دراسات عند Anne Vincent-Buffault وWilliam Reddy يمكن العودة إليها لتسليط الضوء علميا على التغير الكبير في تاريخ العواطف الجماعية مع الملك محمد السادس، والنظام العاطفي الذي تم بناؤه… وفي ذلك ، ليس في الأمر أية قوة خارقة، ولا سر غيبي، بالرغم من مركزية الشعور الديني في بناء هاته العلاقة، بل يمكن القول أن القاعدة الذهبية تتمثل في «العمل الجاد وروح المسؤولية داخليا، وعلى الوضوح والطموح خارجيا».