بدعم من وزارة الشباب والثقافة والتواصل – قطاع الثقافة، وفي إطار برنامج دعم الجولات المسرحية الوطنية، حلت فرقة «خميسآرت»، بمدينة خنيفرة، مساء السبت 29 نونبر 2025، لتقديم عرض مسرح الشارع بالأمازيغية «أعاود نوعاود» لمسرح هارموني، بتوقيع المخرج والممثل وليد المعروفي، وذلك بساحة «المركز الثقافي أبو القاسم الزياني»، وتنسيق مع «جمعية أغورا للإبداع»، في حضور جماهيري متميز يؤكد الحاجة إلى عروض تستعيد روح الفضاء العام ولو في وقت لم تتوقف فيه مطالب الشارع الفني في المدينة بإنشاء قاعة للمسرح. وقد شكل العرض «أعاود نوعاود» لحظة فنية تستعيد جوهر «الحلقة» الأمازيغية التقليدية، لكن برؤية جديدة تعيد تعريف هذا الفن في أفق مسرحي حديث يستند إلى الأداء الحي وتعدد الأصوات وبناء علاقة مباشرة وغير مرسومة مع الجمهور، وفي هذه التجربة، سعى المخرج وليد المعروفي إلى تجاوز الشكل التقليدي للمسرح، عبر اختيار مسرح الشارع كفضاء أساسي، حيث لا خشبة ولا ستارة ولا كواليس، ولا حدود تفصل بين الممثلين والمتفرجين، فالمسرح هنا مشتبك مع الناس ومفتوح على لحظات تنبض بالحياة. ومنذ لحظة افتتاح العرض، حين تقدمت الفنانة سكينة جعطيط نحو الجمهور بعبارة ترحيبية «مرحبا يسون أكيدنخ... (مرحبا بيكوم معانا…)»، بدا واضحا أن العرض لا ينوي مخاطبة الجمهور من بعيد، بل يدعوه إلى الدخول في التجربة، والانخراط في الفضاء الدرامي أو الكوميدي الذي يصنع أمامه، لحظة بلحظة، عبر أداء يعتمد على الحكي وإعادة الحكي، وعلى بناء سرد يتقاطع فيه الواقعي بالمتخيل، وشارك في الأداء كل من الفنانين المسرحيين ياسين مزيان ومعتصم واسو، وسكينة جعطيط، والموسيقي عبدالسلام حمداني. وجاء العرض في صياغة تتأسس على مفهوم تعدد الأصوات وأدوار السرد، ويتحول الممثلون إلى رواة ومؤدين في آن واحد، يعيدون تشكيل القصة في مستويات متراكبة، ضمن حركة جسدية ورمزية تستحضر صراع البقاء ومساءلة المواقع، وفي قلب هذا البناء، يبرز الميكروفون باعتباره عنصرا مسرحيا ذا وظيفة سلطوية، إذ يمنح من يمسك به قوة في الخطاب ونفوذًا في تشكيل لحظة الصراع، مع إبراز كون الصوت المرتفع لا يعني بالضرورة امتلاك الحقيقة، بل يطرح سؤالا حول معنى السيطرة وشرعية التأثير. وتميز العرض أيضا بكسر الشكل الدائري التقليدي ل»الحلقة»، وأصبح الجمهور جزء منه، ضمن هواء طلق تتحرك داخله الشخصيات بانسيابية، وتعاد فيه صياغة العلاقة بين المسرح والشارع على نحو أكثر تلقائية، والتأكيد على أن الشارع ليس مجرد فضاء مكاني، بل حالة جمالية وفكرية تستدعي مساءلة المعاني وتوليد الأسئلة، كما جاء اعتماد اللغة الأمازيغية ليكتسي دلالة ثقافية قوية بوضعه المسرح الأمازيغي في مسار منفلت من الطابع الفلكلوري الضيق، ليصبح قادرا على استيعاب أنماط تعبيرية منفتحة أكثر على قضايا الهوية وتعدد مستويات التعبير. وبفضل هذه الرؤية، نجح عرض «أعاود نوعاود» في تقديم تجربة مغايرة داخل المشهد المسرحي المغربي، تجربة تحتفي بالمباشرة، وتراهن على القرب من الجمهور، وتعيد النظر في علاقة الفن بفضائه الطبيعي، ومع حضور موسيقي يرافق الأداء ويعزز إيقاعه الداخلي، حيث بدا العرض وكأنه يحول الشارع ذاته إلى خشبة واسعة، تصنع فوقها الأسئلة وعلاقات السلطة بالهوية والمجتمع بكائنات التجارب العشوائية، ليأتي مسرح الشارع كأحد أكثر الأشكال الفنية قدرةً على تجاوز الحواجز التقليدية التي تفصل الممثل عن المتلقي. ويذكر أنه مع التحولات التي يعرفها المشهد الثقافي، وجد عدد من المسرحيين أنفسهم أمام ضرورة ابتكار صيغ جديدة تعيد بناء جسور التواصل مع الجمهور، فجاء مسرح الشارع كخيار فني يمنح الحياة لعلاقة تفاعلية مفتوحة بين الفنان والمتلقي، وفي المغرب، برزت مبادرات لعدد من الفنانين الهادفين إلى إحياء الشغف بالمسرح عبر عروض الشارع، حيث يقدمون أعمالا فنية مباشرة في الهواء الطلق، مستثمرين الفضاء العمومي كمنصة محلقة بالفن نحو جمهور واسع ومتنوع.