طقس الثلاثاء: حرارة وأمطار متفرقة ورياح قوية    الإعلان عن موعد مقابلتين للمنتخب المغربي برسم التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2026    عجز الميزانية المغربية يفوق 1,18 مليار درهم عند متم أبريل    العثور على باندا عملاقة نادرة في شمال غرب الصين    إسطنبول.. اعتقال أمين متحف أمريكي بتهمة تهريب عينات مهمة من العقارب والعناكب    بنموسى يكشف العقوبات ضد الأساتذة الموقوفين    قناة أرضية تعلن نقلها مباراة الإياب بين بركان والزمالك    اتفاقية مع "عملاق أمريكي" لتشغيل 1000 مهندس وباحث دكتوراه مغربي    إسبانيا ترد على التهديد الجزائري بتحذير آخر    كيف بدأت حملة "مقاطعة المشاهير" التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي؟    أمل تيزنيت يكتفي بالتعادل خارج ميدانه أمام إتحاد سيدي قاسم    بنموسى يعلن قرب إطلاق منصة رقمية لتعلم الأمازيغية عن بعد    لماذا يجب تجنب شرب الماء من زجاجة بلاستيكية خصوصا في الصيف؟    مخرج مصري يتسبب في فوضى بالمهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة    الصحافة الإسبانية تتغنى بموهبة إبراهيم دياز    ميراوي محذرا طلبة الطب: سيناريو 2019 لن يتكرر.. وإذا استمرت المقاطعة سنعتمد حلولا بخسائر فادحة    القوات المسلحة الملكية.. 68 عاماً من الالتزام الوطني والقومي والأممي    انقلاب سيارة يخلف إصابات على طريق بني بوعياش في الحسيمة    "إسكوبار الصحراء".. هذه تفاصيل مثول لطيفة رأفت أمام محكمة الاستئناف بالبيضاء    وزير التربية متمسك بالمضي في "تطبيق القانون" بحق الأساتذة الموقوفين    المكتب المديري لأولمبيك آسفي يرفض استقالة الحيداوي    الأمثال العامية بتطوان... (597)    جماهري يكتب: هذه الحكومة لا بد لها من درس في الليبرالية...!    جائزة أحسن لاعب إفريقي في "الليغ 1" تعاكس المغاربة    تنظيم الدورة ال23 لجائزة الحسن الثاني لفنون الفروسية التقليدية "التبوريدة"    اليابان عازمة على مواصلة العمل من أجل تعاون "أوثق" مع المغرب    الجمعية المهنية تكشف عدد مبيعات الإسمنت خلال أبريل    أمن ميناء طنجة يحبط تهريب الآلاف من الأقراص الطبية    الاتحاد الأوروبي يرضخ لمطالب المزارعين ويقر تعديلات على السياسة الفلاحية المشتركة    المركز الثقافي بتطوان يستضيف عرض مسرحية "أنا مرا"    أضواء قطبية ساحرة تلون السماء لليوم الثالث بعد عاصفة شمسية تضرب الأرض    النيابة العامة التونسية تمدد التحفظ على إعلاميَين بارزَين والمحامون يضربون    أوكرانيا تقر بالنجاح التكتيكي لروسيا    المندوبية العامة لإدارة السجون تنفي وجود تجاوزات بالسجن المحلي "تولال 2" بمكناس    طقس الثلاثاء.. عودة التساقطات المطرية بعدد من الأقاليم    رشيد الطالبي العلمي في زيارة عمل برلمانية لجمهورية الصين الشعبية    شح الوقود يهدد خدمات الصحة بغزة    الطلب والدولار يخفضان أسعار النفط    الزمالك يشهر ورقة المعاملة بالمثل في وجه بركان    سي مهدي يثور في وجه بنسعيد    إضراب وطني يفرغ المستشفيات من الأطباء والممرضين.. والنقابات تدعو لإنزال وطني    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    الارتفاع يطبع تداولات بورصة الدار البيضاء    الدرس الكبير    السينما في الهوامش والقرى تشغل النقاد والأكاديميين بالمعرض الدولي للكتاب    هل انفصلت فاطمة الزهراء لحرش عن زوجها؟    مصر تُهدد بإنهاء "كامب ديفيد" إذا لم تنسحب إسرائيل من رفح    الأساطير التي نحيا بها    تراجع صرف الدولار واليورو بموسكو    فيلم الحساب يتوج بالجائزة الكبرى في برنامج Ciné Café    نقابة تُطالب بفتح تحقيق بعد مصرع عامل في مصنع لتصبير السمك بآسفي وتُندد بظروف العمل المأساوية    وفاة أول مريض يخضع لزرع كلية خنزير معدل وراثيا    مركز متخصص في التغذية يحذر من تتناول البطاطس في هذه الحالات    الأمثال العامية بتطوان... (596)    العنف الغضبي وتأجيجه بين العوامل النفسية والشيطانية!!!    القضاء المغربي يصدر اول حكم لصالح مواطنة اصيبت بمضاعفات صحية بسبب لقاح كورونا    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اجبابدي: المغرب عاش ربيعه بطريقة خاصة والمرأة كانت صانعة الأحداث
الفاعلة السياسية والنسائية والحقوقية في حوار مع المغربية
نشر في الصحراء المغربية يوم 08 - 03 - 2012

حددت لطيفة اجبابدي، الفاعلة السياسية والحقوقية، مفهوم الانتقال الديمقراطي، وأوضحت المسار الذي نهجه المغرب منذ سنة 1998، من أجل تحقيق هذا الانتقال، الذي قالت عنه إنه كان سلسا، ويتعلق بإصلاح للدولة من داخلها.
وربطت اجبابدي، في حوار أجرته معها "المغربية"، بمناسبة اليوم العالمي للنساء، مسار الانتقال الديمقراطي في المغرب بإسهامات الحركة النسائية المغربية، معلنة أن أهم مكسب تحقق للنساء، بعد مدونة الأسرة في مغرب الاستقلال، هو الدستور الجديد، الذي نص على المساواة بين الرجال والنساء في الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمدنية، كما نص على المناصفة.
وترى اجبابدي أن "المغرب عاش ربيعه العربي بطريقة خاصة، نظرا لما راكمه من إصلاحات في السابق، وبحكم تعدديته السياسية، والحضور الوازن للمجتمع المدني، وضمنه الحركة النسائية والحقوقية، التي كانت، خلال جميع محطات البناء الديمقراطي، صانعة للأحداث، وفي طليعة القوى، التي تطالب بتفعيل حقوقها المشروعة".
يجري الحديث حاليا، في عدد من الدول العربية، عن الانتقال الديمقراطي، إلا أن هذا المصطلح تداوله المغرب منذ سنة 1998 مع حكومة التناوب التوافقي، التي قادها عبد الرحمان اليوسفي، كيف يمكن أن نعرف هذا المصطلح، ارتباطا مع ما جرى في المغرب، وفي بلدان أخرى؟
- الانتقال الديمقراطي هو سيرورة للبناء الديمقراطي، سواء على مستوى آليات وقواعد بناء القانون والمؤسسات، أو في ما يتعلق بتعزيز الحريات وترسيخ حقوق الإنسان، والانتقال الديمقراطي هو مصطلح ارتبط بتجارب عديدة عبر التاريخ، حين سقوط الديكتاتوريات العسكرية في أمريكا اللاتينية، والديكتاتوريات الأوروبية في جنوب أوروبا، مثل إسبانيا والبرتغال واليونان، وغير ذلك، كما ارتبط هذا المصطلح بتجارب أخرى، مثلما جرى في دول أوروبا الشرقية، بعد سقوط جدار برلين سنة 1989.
إذن، هذا مسلسل يعتمد المعايير الكونية كمرجعية في البناء الديمقراطي، وطبعا، ليس هناك وصفة جاهزة للانتقال الديمقراطي، إذ أنه محكوم بسياقه، وبشكل التحول الحاصل، من حيث إنه قد يتأسس على قطيعة تاريخية، مثلما حصل في أمريكا الجنوبية، أو في أوروبا الشرقية، أو في بعض الدول العربية، التي عرفت ثورات أدت إلى إسقاط أنظمة، وبناء أنظمة جديدة على أنقاضها، أو أن يتأسس على انتقال ديمقراطي سلس، سلمي وتدريجي، كما عشناه نحن في المغرب، وعاشته أقطار أخرى.
ما هي سمات الانتقال الديمقراطي بالنسبة للمغرب؟
- يمكن القول إن من خصائص الانتقال الديمقراطي، الذي انخرط فيه المغرب في نهاية التسعينيات، أنه جاء في إطار نوع من الاستمرارية المؤسساتية، أي أنه لم يتأسس على قطيعة مؤسساتية سياسية، بل جاء في إطار النظام نفسه، حتى أنه يمكننا القول إن الأمر يتعلق بإصلاح للدولة من داخلها.
وتتجلى السمة الثانية للانتقال الديمقراطي في المغرب في أنه لم يأت نتيجة تحول عميق في موازين القوى، وأدى إلى صعود قوة جديدة، بل كان توافقيا، وتأسس على التوافق بين الفاعلين السياسيين الأساسيين.
أما الخاصية الثالثة، فتتجلى في أن هذا المسلسل الديمقراطي جاء بعد مرحلة امتدت لزمن طويل، قد يقارب الأربعين سنة، طبعها الصراع التصادمي بين الدولة والأحزاب السياسية المعارضة، والمشكلة أساسا من قوى اليسار المغربي، وعلى رأسها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ثم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
إذن، بعد أربعين سنة من التطاحن والصراع والعلاقات المتوترة بين المؤسسة الملكية وقوى المعارضة، وصل المغرب إلى تفاقم الأزمة ذات الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية، أدت إلى ما اصطلح عليه آنذاك بالسكتة القلبية. فبعد هذه السنوات من العلاقات التصادمية، تبين أنه لم يكن هناك لا رابح ولا خاسر، وأن الخاسر الأكبر كان هو المغرب، الذي وصل إلى حالة احتقان، وإلى إفلاس اقتصادي واجتماعي، ما أدى إلى بلورة الإرادة السياسية المشتركة لدى مختلف الأطراف، سواء لدى الملك الراحل الحسن الثاني في نهاية ملكه، والملك محمد السادس، أو لدى قوى المعارضة، خاصة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي قطع مع علاقات التصادم والتجاذب والصراع، وتحول إلى علاقات توافقية، من أجل وضع المغرب على سكة الانتقال الديمقراطي.
إذن، يمكن أن نعتبر ما سبق التطرق إليه نظرة عن مميزات التجربة المغربية بخصوص الانخراط في المسلسل الديمقراطي، وهو ما تجسد من خلال المصالحة الوطنية، التي تبلورت عبر دستور 1996، الذي صوت عليه إيجابا، لأول مرة في المغرب، من طرف أغلب قوى المعارضة، وكان هذا التصويت سياسيا، لأنه لم يقع التصويت على هذا الدستور باعتبار أن مقتضياته كانت إيجابية، بل فقط تجاوبا مع المرحلة التي كان يعيشها المغرب، وكان يتهيأ خلالها لدخول منعطف، من شأنه أن يحقق نوعا من المصالحة السياسية وتحقيق انفراج سياسي، وإصلاحات سياسية جوهرية وأساسية.
ونتيجة لهذه التمخضات، تأسست حكومة عبد الرحمان اليوسفي، التي توالت، من خلالها، أحزاب المعارضة من اليسار المغربي وحزب الاستقلال أساسا، المسؤولية الحكومية، وكان ذلك نقطة تحول، فتحت آفاق واعدة، سواء على مستوى البناء الديمقراطي أو الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية.
هل استطاع المغرب إنجاز الإصلاح الديمقراطي من خلال هذا المسار؟
- ينبغي أن أوضح أننا لم نستكمل مسلسل الانتقال الديمقراطي، بل أجهض، وتوقفت الإصلاحات، ولم نتمكن من الانتقال إلى المرحلة الأرقى لتكريس القواعد الديمقراطية، وتعزيز الحريات.
كيف ومتى أجهض المسلسل الديمقراطي؟
- يمكن القول إن عملية إجهاض مسلسل الانتقال الديمقراطي بدأت في سنة 2002، حين وقع الإخلال بما يعرف ب"المنهجية الديمقراطية"، أي أنه لم تحترم قاعدة إسناد المسؤولية الحكومية للحزب الحائز على أكبر عدد من المقاعد، وبذلك، بدت البوادر الأولى للتراجع، رغم أن أوراشا كبرى فتحت، وتجلت في طرح مراجعة مدونة الأحوال الشخصية، التي أثمرت صدور مدونة الأسرة، وإحداث هيئة الإنصاف والمصالحة. عاش المغرب إثر ذلك ركودا سياسيا، برزت مظاهره بجلاء منذ سنة 2005، وتوقف مسلسل الإصلاحات، وصارت المكتسبات المحققة في مجال الصحافة وحرية التعبير، تقوض، ويقع التقليص من مداها على الوضع السياسي والحقوقي، وتمخض احتجاز الانتقال عن أزمة سياسية أدت إلى خيبة الآمال وفقدان الثقة في الحياة السياسية وتعميق اختلالاتها.
وشكلت أحداث 16 ماي 2003 الإرهابية ذريعة بالنسبة لجهات مناهضة للإصلاح، والانتقال الديمقراطي، إذ وظفت هذه الأحداث في الانقضاض على المكتسبات المحققة في مجال حقوق الإنسان. ثم بدأت تظهر استراتيجيات أخرى للتحكم في المشهد السياسي والحزبي، التي تتعارض مع منطق وسيرورة الانتقال الديمقراطي، إلى أن جاءت أحداث 20 فبراير، التي أدت إلى خلخلة حالة السكون والركود السياسي، الذي كان يعيشه المغرب، وإنعاش مسلسل الإصلاح من جديد، خاصة عبر الإصلاح الدستوري، الذي أطلقه خطاب 9 مارس الملكي.
كان حريا بنا الدخول في الإصلاحات الدستورية، مباشرة بعد تقديم هيئة الإنصاف والمصالحة لتقريرها نهاية 2005، الذي تضمن مجموعة من التوصيات، لأن هذه الإصلاحات كانت تشكل المدخل الأساس لتوفير مقومات إصلاح ديمقراطي حقيقي، لكن، للأسف، لم يتحقق ذلك، بل أجهضت حتى مساعي مسلسل المصالحة، التي عاشها المغرب، وشكلت تجربة متميزة على مستوى المنطقة العربية بكاملها، في مجال معالجة ملفات انتهاك الماضي.
للأسف، لم يقع تفعيل الإصلاحات المؤسساتية والسياسية والتشريعية بالوتيرة المطلوبة، حتى يكون لمسلسل المصالحة ذلك الوقع، الذي يجعله مدخلا للبناء الديمقراطي، ما جعلنا نفوت على أنفسنا فرصا تاريخية.
ما هي إسهامات الحركة النسائية المغربية في سياق هذه الدينامية؟
- النساء المغربيات لم يكن في وضعية المتفرجات خلال هذا المسار، ولم يسقطن في موقف انتظاري حيال ما يجري من أحداث، طيلة هذه المدة. كانت الحركة النسائية حاضرة في كل المراحل وبقوة، ففي مرحلة النضال من أجل التغيير والإصلاح، شكلت الحركة النسائية أحد مكونات الحركة الديمقراطية المغربية، وفتحت جبهة مهمة للتصدي لوضع استبدادي، ووضع تحجيم الحريات والحقوق، بفتحها لملف قضايا المرأة، الذي أصبح من القضايا المحورية في مسلسل الإصلاح والتغيير.
فبفضل الحركة النسائية، تحولت قضايا النساء من هامش الساحة السياسية والنقاش العمومي إلى قلب الصراعات السياسية، بل أصبحت في بعض المحطات نقطة الفرز بين القوى والمشاريع السياسية والمجتمعية، مثلما حصل عندما طرح موضوع إصلاح مدونة الأسرة، بفتحها لنقاش عمومي واسع، أفرز اصطفافات "المع والضد"، خصوصا أن هذا الموضوع شكل رهانا أساسيا من رهانات الانتقال الديمقراطي.
وعند دخول المغرب تجربة التناوب التوافقي، كانت حقوق المرأة أصبحت محورية في المعترك السياسي، ولم تعد تهم النساء فقط، بل صارت كل الأطراف السياسية ملزمة بأن تتموقف تجاه قضية مدونة الأسرة، وأكبر دليل على ذلك، مسيرتا الرباط والدارالبيضاء، سنة 2000، اللتان أبرزتا من يساند المساواة والنهوض بحقوق النساء، ومن يناهض هذه الحقوق، ومن خلال ذلك، من يساند الإصلاح والمشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي، ومن يناهضه.
النساء لم ينتظرن أن تمنح لهن حقوقهن، بل كن دائما معبآت وحاضرات في الساحة بقوة، وناضلن باستماتة من أجل انتزاع هذه الحقوق، وساهمن بذلك في عملية الانتقال الديمقراطي، وحين جاءت حكومة التناوب، كانت الحركة النسائية حاضرة كمكون أساسي داخل منظمات المجتمع المدني، وكان هناك وضوح بشأن مطالبها في الارتباط مع البناء الديمقراطي، وكانت لها رؤية واضحة، تربط بين قضايا النساء وقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، وبالتالي، حينما حلت مرحلة البناء كانت الحركة النسائية المغربية استطاعت فرض قضيتها على جدول أعمال الفاعلين السياسيين، إذ، حين عين عبد الرحمان اليوسفي (الوزير الأول الذي قاد تجربة التناوب التوافقي)، كانت الحركة النسائية أول الفاعلين الذين استقبلهم اليوسفي، وكانت خلال مخاض تشكيل الحكومة،معبأة بشكل واسع من أجل مسيرة للنساء تطالب بإصلاح المدونة، واضطر اليوسفي إلى عقد لقاء مع أطياف هذه الحركة، حتى قبل تشكيل حكومته، وعبر عن التزامها بتبني مطالب الحركة النسائية، وبذلك تأجلت "مسيرة المغرب" المبرمجة سنة 1998، وأسفر ذلك عن تبني المطالب النسائية في التصريح الحكومي لأول مرة، وأعدت الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية.
لقد كانت المرأة المغربية صانعة للأحداث ووازنة في مسار التحول، وكانت في طليعة القوى التي تطالب بتفعيل حقوقها المشروعة.
من بين مداخل الانتقال الديمقراطي في المغرب، هناك هيئة الإنصاف والمصالحة، وكنت ضمن تشكيلتها، كيف كان حضور المرأة في هذه التشكيلة، وما الذي استفادته المرأة المغربية من هذه التجربة؟
- شكلت هيئة الإنصاف والمصالحة محطة انعطاف في مسارنا السياسي والحقوقي، وطبعا النساء بصفتهن مواطنات، هن أيضا معنيات بتصفية هذا الملف بإرثه وجبر الأضرار المترتبة عما حصل في الماضي، وتحقيق المصالحة، وضمان عدم تكرار ما جرى، وهذا مهم جدا بالنسبة للمغاربة، نساء ورجالا.
كنت، فعلا، المرأة الوحيدة ضمن تشكيلة هيئة الإنصاف والمصالحة، التي كانت تضم 16 عضوا، بالإضافة إلى الرئيس، لكن هذا لم يمنع من أن تكون قضية النوع حاضرة بقوة في كل تصورات وأعمال ومنهجيات اشتغال الهيئة.
هل لأن أعضاء الهيئة كانوا يؤمنون بالمساواة ودعم حقوق النساء، أم لوجودك داخل الهيئة كواحدة من مؤسسات الحركة النسائية؟
- الاثنان معا، وإن كنت أومن أن وجود امرأة داخل الهيئة شكل عاملا أساسيا، لأنه، كلما كانت المرأة حاضرة عضويا، في مؤسسة من المؤسسات، إلا وكانت قضايا النساء حاضرة بالضرورة، لأنهن يلعبن ذلك الدور الموجه للانتباه إلى تلك القضايا، التي قد لا تحضر تلقائيا بالنسبة للرجال، وإن كانت ثقافتهم الحقوقية تقضي بذلك.
وكان من الضروري لعب دور تحسيسي بيداغوجي، للإقناع وجعل مقاربة النوع في قلب عمل ومقاربات الهيئة، لكن استعداد ووعي الأعضاء بقضايا المساواة بين الجنسين كانت عوامل مهمة مكنت من ذلك. واستطعنا أن نثبت أن الانتهاكات لا تعيشها النساء مثلما يعيشها الرجال، ووقعها على النساء يكون مضاعفا.
كنا مطالبين بالاجتهاد على مستوى كيفية تطبيق مقاربة النوع الاجتماعي على قضايا العنف السياسي، إذ لم يكن الأمر بديهيا، واحتجنا إلى الاجتهاد والاطلاع على تجارب شعوب أخرى، والاستعانة بباحثين سوسيولوجيين، لإنجاز دراسات.
ما تمكنت منه الهيئة بالنسبة للنساء مهم جدا، ذلك أنها جعلت معاناة النساء من انتهاكات الماضي والأدوار التي لعبنها في تلك المرحلة بارزة وواضحة ومرئية، لأنها كانت منسية، سواء في أدب السجون، أو الذاكرة الجمعية المغربية، وكان من الضروري إعادة الاعتبار لتضحيات النساء ومعاناتهن، وخصوصيات هذه المعاناة والأدوار التي لعبنها من أجل فضح وكشف تلك الانتهاكات، فأبرزنا دور حركة العائلات، التي كانت تقودها الزوجات والأمهات والشقيقات، والتي شكلت نواة الحركة الحقوقية في المغرب، لأنها برزت قبل تأسيس الحركات الحقوقية الأساسية في الساحة اليوم، ولعبت هذه الحركة دورا أساسيا في دعم المعتقلين السياسيين، والمطالبة بالكشف عن مصير المختفين، وبالمحاكمة العادلة. كما لعبت المرأة في هذه المرحلة دورا مهما في تحمل عبء إعادة لحمة الأسر، التي قد تتعرض للتفكك، بسبب الاعتقال أو الاختفاء، وحماية الأسرة من عمليات الوصم، التي كانت تمس عائلات ضحايا الانتهاكات. وقمنا بتوصيف خصوصية الانتهاكات التي تعرضت لها النساء، ووقعها النفسي والاجتماعي والحياتي على أوضاعهن، من خلال دراسة ميدانية همت عدة مناطق من المغرب.
وأبرزنا كيف أن المرأة كانت فاعلة في هذا المسار، وكيف تعرضت لعنف مزدوج، عنف الدولة وعنف المجتمع، لأن النساء، حين يعتقلن، خاصة في الأوساط القروية، يعاقبن أيضا على مستوى محيط العائلة والعشيرة والقرية، إذ يقع نبذهن وعزلهن، وتطليقهن، لأنهن أصبحن وصمة عار، اعتبارا لأن المرأة في الثقافة التقليدية الأبوية تجسد شرف الجماعة، وبالتالي، فمجرد إقامتها في معتقل، فذلك يعني أنها تعرضت للاعتداء الجنسي، سواء حصل ذلك أم لم يحصل، فينظر إلى اعتقالها على أنه مساس بشرف العائلة والقبيلة والقرية من خلالها.
واستطعنا، على مستوى جبر الضرر، أن ندمج مقاربة النوع الاجتماعي، لأننا كنا نؤمن أن ما تتعرض له النساء من أساليب للتعذيب والابتزاز، أو التحرش الجنسي، الذي وصل أحيانا إلى الاغتصاب، قضايا غالبا ما تظل ضمن المسكوت عنه، ولا يصرح بها في الوثائق والاستجوابات التي تجرى مع الضحايا، فكنا نراعي كل هذا المسكوت عنه، وكل تلك المعاناة التي سبق ذكرها، وأدمجناها في معايير التعويض عن الضرر، لنخلص إلى اعتماد التمييز الإيجابي لفائدة النساء ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، إذ كانت قيمة التعويضات، التي رصدت للنساء أكبر من التي حددت للرجال، وأدرجنا مسألة الاغتصاب ضمن الانتهاكات الأساسية الموجبة للتعويض.
وخلصنا في التعويض عن الضرر بألا نعتمد قواعد الإرث، كما هو منصوص عليه في مدونة الأسرة، فالأمر لا يتعلق بإرث، بل تعويض عن معاناة، لأن اللجنة المستقلة للتحكيم، التي كانت مكلفة بالتعويض، كانت اعتمدت قواعد الإرث، إذ أن الزوجة التي تعاني أكثر من جميع أفراد الأسرة، لأنها من يتكفل بالأبناء وبالزوج أثناء وجوده في المعتقل، وتتحدى، ورغم ذلك كان نصف الثمن هو نصيبها من التعويض عن الضرر، ولذلك فنحن، في هيئة الإنصاف والمصالحة، أخرجنا التعويض من منطق الإرث، وأدخلناه في منطق التعويض عن الضرر، الذي أصبح وفق مقاربتنا تناسبيا مع حجم الضرر، وبذلك استفادت الزوجات من نصف قيمة التعويض، في حال وفاة الضحية، كما تبنينا في مسألة التعويض المساواة يبن الذكور والإناث، دون تمييز. وكما لاحظ الجميع، كنا نحترم قاعدة المناصفة، خلال جلسات الاستماع العمومية، بل كانت شهادات النساء أكثر قوة وتأثيرا من شهادات الرجال، وكان لكل ذلك دور بيداغوجي على مستوى المجتمع، الذي مازال ينظر للقضايا السياسية على أنها شأن رجالي محض، إذ أبرزت جلسات الاستماع أن النساء أدين ضريبة التغيير في المغرب، وأنهن كن فاعلات.
كنت في جريدة "8 مارس" تشددين على أن المرأة الجزائرية خرجت إلى الساحة وقاومت الاستعمار، لكنها بعد الاستقلال عادت إلى البيت، ولم تستفد من ثمار الاستقلال. لدينا اليوم بعض الدول العربية، التي عرفت ما صار يصطلح عليه ب"الربيع العربي"، هل ينطبق الأمر نفسه على نساء هذه البلدان، ولو أن عملية التقييم سابقة لأوانها؟
- ما أخشاه، هو أن تتكرر التجارب المريرة للنساء في تاريخ البشرية وتاريخ الثورات، التي في أغلبها كانت النساء في خطوطها الأمامية، لكن، بعد الثورات يكن كبش الفداء، أو منسيات في مراحل البناء. فخلال الثورة الفرنسية، كانت النساء قياديات ورائدات، لكن، حين أرسيت قواعد النظام الديمقراطي، لم يعترف للنساء بمواطنتهن، إذ لم يمنحن الحق في التصويت، وعندما صدر إعلان حقوق المواطن، الذي هو أساس الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وجعل المواطنة تقتصر على الذكور، بادرت زعيمات الثورة الفرنسية إلى المطالبة بالحق في التصويت، وأصدرن بيان حقوق المواطنات، فكان مصيرهن المقصلة، فالزعيمة أولامب دوغوج أعدمت بسبب مطالبتها بهذا الحق.
هذا النموذج عاشته جل الثورات، فالنساء الجزائريات كن في قلب المعترك، وبعد الاستقلال قيل لهن "ارجعن إلى كسكسكن، واتركن السياسة للرجال".
كنا، في قلب ابتهاجنا إزاء ما يجري اليوم في المنطقة العربية، ندعو إلى الاحتراز، واستمرار التعبئة في مراحل البناء، لأن خطر إقصاء قضايا النساء، محتمل جدا.
يصعب الحكم الآن على هذه التجارب، لأن المخاضات مازالت في بداياتها، لكن هناك مؤشرات غير مطمئنة، فالظاهرة العامة التي تتأكد أكثر فأكثر، هي صعود الحركات المحافظة، التي كانت تاريخيا على النقيض من مطالب الحركة النسائية وتطلعاتها، وهذا في حد ذاته يبعث على التخوف من المستقبل، وكذلك بعض التصريحات التي كانت واضحة، مثلما حصل في ليبيا، إذ كان أول تصريح بعد سقوط نظام القدافي، هو العودة إلى الشريعة الإسلامية والسماح بتعدد الزوجات، وأيضا ما يحصل في تونس، التي كانت حركتها النسائية قوية، رغم محنة الديمقراطية في هذا القطر الشقيق، إذ رأينا كيف كانت تحركات من جهات متشددة، لفرض الفصل الجنسي داخل الجامعات، وغيرها من الممارسات، إلى جانب نتائج الانتخابات في مصر، التي أدت إلى تحجيم تمثيلية النساء، وما جرى في تونس، إذ أن نتائج الانتخابات، رغم الأخذ بالمناصفة، أفرزت حضور النساء بشكل محدود جدا، وبالنسبة للمغرب، أيضا، فرغم إقرار الدستور للمناصفة، إلا أن تشكيلة الحكومة مثلت خرقا سافرا له.
كل ذلك يبرز أن هناك مؤشرات سلبية، تدعونا إلى الحذر والحيطة، والتعبئة القصوى من أجل أن يكون الربيع العربي، ربيعا أيضا للنساء، ولقضايا المساواة بين الجنسين، حتى لا تجهض الثورة وأهدافها، فالديمقراطية ليست فقط تلك القواعد التي تنتظم في إطارها العلاقة بين الدولة والمجتمع، لكنها، أيضا، قيم، لا يمكن أن تنبني إلا على المساواة، التي هي أس الديمقراطية. هناك قلق عام يساور الحركة النسائية في المنطقة العربية، فالثورات التي انخرطن فيها بقوة أفضت، ديمقراطيا طبعا، إلى صعود قوى مناهضة لحقوق وحريات النساء، ومن غير المستبعد أن تشكل المرأة كبش فداء لفورة التغيير، وأن يتحول الربيع العربي إلى خريف النساء. إنها معادلة صعبة، تقتضي تعبئة وتضامن كل الحركات النسائية بالمنطقة، للحيلولة دون الالتفاف على قضاياهن، وليكون التغيير أيضا بالنساء ولصالح النساء العربيات.
إن هذه المعادلة تضع كل الفاعلين السياسيين أمام مسؤولية تاريخية بالوفاء للقيم والتطلعات، التي أريقت من أجلها دماء الشعوب العربية، حتى تدخل أقطارنا عصر الديمقراطية والحرية والكرامة وحقوق الإنسان، وكلها لن تستقيم أبدا دون إقرار المساواة بين الرجال والنساء.
الربيع العربي في المغرب تميز بصدور دستور جديد، نص على المناصفة، فما مدى مساهمة الحركة النسائية في وضعه وبلورته، وهل المغربيات راضيات عن مضامين هذه الوثيقة الدستورية؟
- المغرب عاش ربيعه العربي بطريقة خاصة، نظرا لما راكمه من إصلاحات في السابق، وبحكم تعدديته السياسية، والحضور الوازن للمجتمع المدني، وضمنه الحركة النسائية والحقوقية، لذلك عاش المغرب الربيع العربي بطريقة سلسة وسلمية، ولعبت فيه حركة 20 فبراير دورا بارزا، لأنها خلخلت وضعية الركود والتراجع، الذي استكنت إليه البلاد منذ بضع سنوات، وبعثت دينامية جديدة، ونفسا عميقا في حياتها السياسية، وفتقت طاقات مجتمعية جديدة تدعو إلى الإصلاح، خاصة شبابنا الذي هو ثروتنا الأهم.
وأهم ما انبثق عن هذا الربيع، هو الدستور الجديد، الذي نعتبره أهم مكسب تحقق للنساء، بعد مدونة الأسرة، في مغرب الاستقلال، لأنه يقر بالمساواة على مستوى كافة الحقوق، السياسية والاقتصادية والاجتماعية وخاصة المدنية، التي كانت تثير إشكالا، لارتباطها بقضايا الأحوال الشخصية، كما أقر المناصفة في التمثيلية السياسية، وأحدث هيئة خاصة بها، بالإضافة إلى حظر التمييز وإلزام السلطات العمومية باعتماد تدابير للتمييز الإيجابي عبر التشريعات، لضمان التمثيلية النسائية وولوج متساو للوظائف التمثيلية.
ونعتبر أن من أهم المكتسبات التي حققناها، الإقرار بالمنظومة الكونية لحقوق الإنسان، وبالبعد الكوني وغير القابل للتجزيء للحقوق، وسمو المواثيق الدولية عن التشريعات الوطنية، والالتزام بملاءمة القوانين الوطنية مع هذه المواثيق، والأخذ وهي مكاسب مهمة جدا.
وكما هو معلوم، فصياغة الدستور جرت بمقاربة تشاركية، وجرى الاستماع إلى كل مكونات الحياة السياسية والحقوقية والمدنية، وفي هذا السياق، انتظمنا كجمعيات نسائية في إطار شبكة واسعة، سميناها "الربيع النسائي للديمقراطية والمساواة"، وضمت مختلف الجمعيات والشبكات النسائية، وبلورنا مذكرة، ضمناها أهم المطالب المشتركة، التي انعكست كلها في النص الدستوري.
بعد صدور الدستور، صار الرهان بالنسبة للحركة النسائية هو تفعيل بنوده، ولذلك شكلنا تنسيقية أخرى، سميناها "لجنة التنسيق الوطنية للنساء"، وشملت مختلف التنظيمات النسائية الكبرى، وأصبح الرهان هو تفعيل الدستور، في ما يخص قضايا المساواة والمناصفة وحظر التمييز.
عرفت الحركة النسائية تحركات مكثفة بعد صدور الدستور، ما الذي حققته تفعيلا للدستور؟
مباشرة بعد صدور الدستور، اشتغلنا بقوة، من أجل أن تكون القوانين الانتخابية في تطابق مع نص وروح الدستور، إذ بلورنا مذكرة مطلبية، ترافعنا على أساسها في اللقاءات التي جمعتنا مع رئيس الحكومة، ورؤساء الأحزاب ووزير الداخلية، ورؤساء الفرق البرلمانية، ولأن بيننا من هن برلمانيات، تعبأنا للاشتغال أيضا من داخل البرلمان.
لكن، للأسف الشديد، وجدنا أنفسنا أمام مقاومة العديد من الفرق البرلمانية، المناهضة للمناصفة، بذرائع عدة، منها ادعاء الافتقار إلى الكفاءات النسائية، وأن التمييز الإيجابي يتعارض مع الديمقراطية، واستطعنا إقناع البعض، وضمان دعم بعض القوى اليسارية.
ورغم ترافعنا القوي، لم يأخذ القانون التنظيمي لمجلس النواب بمطلبنا، المتعلق بتخصيص ثلث مقاعد هذا المجلس للنساء. صحيح، أنه رفع عدد المقاعد المخصصة للنساء إلى 60 مقعدا، من أصل 397 مقعدا، وهو ما اعتبرناه مناقضا للدستور، لأنه لم يمثل خطوة متقدمة في اتجاه تحقيق المناصفة، التي أصبحت مبدأ دستوريا ملزما للجميع.
الانتخابات أفرزت 66 مقعدا للنساء، ما يمثل نسبة 16.7 في المائة، وبذلك تبقى هذه النسبة بعيدة عن الثلث وعن المناصفة. وصحيح أيضا أننا انتقلنا من 10.5 إلى 16.7 في المائة، ما يعتبره البعض تقدما في حد ذاته، إلا أننا نعتبره في تعارض مع الدستور، ويشكل تراجعا بالنظر إلى منطق المرحلة وتطورها ومكتسباتها الدستورية والتزامات المغرب بأهداف الألفية الثالثة للتنمية، التي تعهدت بها مختلف الدول، وضمنها المغرب، بتحقيق نسبة تمثيلية لا تقل عن الثلث في جميع مواقع القرار، في أفق سنة 2015، ما يعني أننا سنكون بعيدين كل البعد عن تحقيق هذا الهدف.
بالنسبة لقانون الأحزاب بدوره، تعبأنا من أجل أن يضمن المناصفة، بشأن العدد اللازم لتأسيس الأحزاب، لكن كانت للأحزاب تحفظات، وأدرجت نسبة الثلث بصيغة غير ملزمة لهذه المؤسسات، والحال، أنه لدينا اليوم في عدد من الأحزاب نسب تصل إلى 30 في المائة، بالنسبة لبعض الأحزاب، وكان من المفروض أن نمأسس ذلك، وأن نضمن نسبة أعلى.
أقدم جلالة الملك الراحل الحسن الثاني، سنة 1997، على تعيين أربع وزيرات، هل نعتبر ذلك بمثابة إعطاء الانطلاقة لتقلد المرأة هذه المهام؟
نحن نعيش اليوم انتكاسة بالنسبة لسنة 1997، وأيضا سنة 2007، إذ عندما عين الملك الحسن الثاني أربع وزيرات، أعطى إشارة على الإرادة السياسية لإشراك المرأة في تحمل المسؤولية التنفيذية، واستمر هذا الحضور منذ ذلك الحين، طبعا، ليس بالمستوى الذي نتطلع إليه، لكن ليس أيضا كما حدث في الحكومة الحالية، إذ أسندت للمرأة حقيبة واحدة، ترتبط بالأسرة والتضامن والتنمية الاجتماعية، التي نعلم جميعا أنها تحت إشراف وزارات أخرى. وإسناد هذه الوزارة لامرأة، ينم عن مقاربة تقليدية محافظة، تنهل من الثقافة الأبوية والذكورية في التعاطي مع مشاركة المرأة في الحياة السياسية وتكرس النظرة النمطية عن أدوار المرأة.
ونحن نعتبر أن تشكيلة حكومة بوزيرة واحدة خرق للدستور، الذي ألزم الدولة بالسعي إلى المناصفة، بمعنى أن علينا التقدم خطوات كبرى نحو المناصفة، وليس التراجع عما كان حاصلا قبل أن ينص الدستور على ذلك.
الحكومة الحالية قدمت أيضا للنساء تصريحا حكوميا، يربط أوضاع المرأة بقضايا الأسرة، وهي المقاربة التي تختزل كينونة النساء وحقوقهن وأوضاعهن في البعد الأسري، وكأن الرجل لا ينتمي إلى هذه الأسرة ولا تعنيه، وكأن المرأة ليست فاعلة اقتصادية وسياسية وحقوقية، وليست مواطنة.
كل ذلك يجعلنا متخوفات على مسار قضايانا، لأن هذا التراجع قد يمس حتى المكتسبات المحققة سابقا، على مستوى السياسات العمومية، مثل البرامج التي وضعتها الحكومات السابقة للنهوض بأوضاع النساء، كالتمكين في مجال مناهضة العنف، والأجندة الحكومية للمساواة بين الجنسين، و"جندرة" الميزانيات، إذ لم يرد في التصريح الحكومي ما يفيد التعهد بمواصلتها، ولم تقع الإشارة إلى أي تدابير عملية لتفعيل مقتضيات الدستور.
ما هي الخطوات التي تتبعها الحركة النسائية لتبديد هذه التخوفات؟
نحن الآن نعمل على تكثيف القوة، ورص صفوف الحركة النسائية، وتوسيع تحالفاتها، من أجل تشكيل جبهة عريضة لحماية المكتسبات والدفاع عن قضايا المساواة والحداثة. وفي هذا السياق، أجرينا تنسيقات عدة، ونحن بصدد وضع برامج ترافعية وتواصلية، حتى لا يجهز على المكتسبات، وحتى نتقدم في مسار النهوض بحقوق النساء، الذي انخرط فيه المغرب، خاصة أننا نستند إلى مقتضيات الدستور، الذي أعطى المشروعية لمطالبنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.