الغلوسي: يحذر من السطو على صلاحيات القضاء وتقوية لوبي الفساد في مشروع المسطرة الجنائية الجديد    تخليدا لذكرى ميلاد الملك.. بنك المغرب قطعة نقدية جديدة    أزمة جديدة في استيراد العجول .. حجز شاحنتين بميناء طنجة المتوسط    المغرب يتصدر قائمة المستوردين الأفارقة من تركيا وسط تحديات تجارية متنامية    الشرادي يكتب: ملك الإنسانية..محمد السادس يجدد حضن المغرب لغزة    تصفيات كأس العالم 2026: المغرب يفتتح ملعبه الجديد بمواجهة النيجر المرتقبة    ربع نهائي الشان.. المغرب في اختبار صعب أمام تنزانيا    الجامعة الوطنية للتخييم: اغتصاب طفل مخيم "رأس الماء" حادث معزول ووجب انتظار التحقيقات الرسمية    خلفيات رسالة أفراد من العائلة البودشيشية لمناشدة الملك تزكية منير القادري شيخا للزاوية رغم تنازله رسميا        تيكاد-9 .. إبراز رؤية ومبادرات جلالة الملك في إفريقيا                ثورة الملك والشعب وعيد الشباب.. ذاكرة وطن تصنع المستقبل        المغرب يرسخ مكانته كأكبر مركز لصناعة السيارات في إفريقيا    سفارة المملكة بإسبانيا ترفض منح سلطات كانتابريا بيانات قاصرين غير مصحوبين    12 شهرا مهلة انتقالية .. تعليق حملة مراقبة الدراجات النارية في المغرب    ترويج المخدرات يوقف شخصين بمكناس    هل تهدد مسطرة جديدة أكثر من مليون مغربي؟.. جدل برلماني بشأن مراقبة الدراجات النارية    وفاة القاضي الرحيم عن 88 عاما.. صوت العدالة الذي أنصف المهاجرين    الملك محمد السادس يصدر عفوا على 591 شخصا بمناسبة عيد الشباب    الدوري التركي يترقب عودة حكيم زياش    تفاصيل اجتماعات أمريكية–أممية لإعادة النظر في مستقبل بعثة "المينورسو"    تدهور الحالة الصحية لوالد ناصر الزفزافي ونقله لقسم الانعاش    بورنموث يضم عدلي ب29 مليون يورو    انطلاق فعاليات مهرجان الرمى والطلبة والخيالة بمركز صخور الرحامنة مبادرات راائدة في التضامن الترابي (صور)    الوداد يعلن موعد تسليم بطائق الاشتراك لجماهيره    ابتكار جهاز من الماس يرصد انتشار السرطان دون مواد مشعة    حرقة المعدة .. هذه علامات تستوجب زيارة الطبيب فورًا    الداخلية تأمر بصرف التعويض عن الأخطار للممرضين وتقنيي الصحة بالجماعات الترابية    مندوبية التخطيط تسجل انخفاضا طفيفا للرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك    العفو الدولية تتهم واشنطن بتوظيف الذكاء الاصطناعي لمراقبة المهاجرين والطلاب المؤيدين للفلسطينيين    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    المغرب يمد يد العون لإسبانيا والبرتغال في مواجهة الحرائق    الحارس البرازيلي فابيو هو الأكثر خوضا للمباريات الرسمية    القبلية.. سرطان يفتك بالوطن    الصين تطلق أولمبياد الروبوتات الشبيهة بالبشر بمشاركة دولية واسعة    الصين: مدينة شنزن في الصدارة من حيث التجارة الخارجية    بلجيكا.. هجوم إلكتروني يستهدف بيانات 850 ألف زبون لشركة "أورانج"        سنة أولى بعد رحيل الدكتور عبد الفتاح فهدي    تقرير: المغرب يعتبر ثاني أكبر مصدر للهجرة اليهودية العالمية نحو فلسطين المحتلة    إسبانيا: زوجة رئيس الوزراء بيدرو سانشيز متورطة في قضية جنائية جديدة    الرابور مورو يحيي حفل ضخم بالبيضاء بشبابيك مغلقة    سامويل ولُولي... حين قادهم الطريق إلى بيت الجار    أوروبا تسجل رقماً قياسياً في إصابات الأمراض المنقولة عن طريق البعوض            إطلاق فيديو كليب "رمشا الكحولي" بتوقيع المخرج علي رشاد    اختتام فعاليات الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفن المعاصر بمدينة ميدلت    المركز الفرنسي للسينما يكرّم المخرجة المغربية جنيني ضمن سلسلة "الرائدات"    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



واجب العزاء
نشر في المساء يوم 14 - 05 - 2010

خلف رحيل المفكر المغربي محمد عابد الجابري، رحمه الله وأكرم مثواه، سيلا من المقالات والشهادات، التي تحول بعضها إلى «أناشيد كاذبة» لأن المناسبة شرط، كما يقول الفقهاء. خلال ساعات قليلة جدا، تحول الراحل إلى «صديق حميم» بالنسبة إلى البعض، وإلى «رفيق الدرب» بالنسبة إلى آخرين!... وقال كثيرون إن رحيل الجابري «خسارة كبرى»، بينما هم ظلوا لا يقيمون له وزنا وهو حي، بل منهم من كان يحاربه في الخفاء، سواء داخل الحزب أو خارجه، رغم أن الرجل استمر يعمل إلى آخر لحظة، ورحل عن عالمنا بعدما كتب مقاله الراتب، وكان لديه برنامج في اليوم التالي، مثل كل الناس الذين يلجؤون إلى الفراش للنوم في المساء، متوكلين على الحي الذي لا ينام!...
في كل مرة يرحل عنا واحد من الوجوه البارزة في عالم الفكر والثقافة أو في عالم الفن أو في عالم السياسة، ننصب الخيام في الوسعة ونبدأ في تدبيج القصائد وتنحل الألسنة التي كانت معقودة إلى وقت قريب ويطاوعنا الكلام، كأننا لا ندخر شيئا مستحقا لشخص إلا لِما بعد موته، ولا يكون من حقه أن ينال العرفان الذي يليق به أثناء حياته، ولا واجب التكريم، بل فقط واجبَ العزاء الذي يحتفظ به الجميع إلى لحظة الجنازة، ولكن كل هذا لا يعود ذا قيمة، لأن المثل يقول: «البكاء وراء الميت خسارة»!...
هذه الثقافة الجنائزية هي ما يشكل عصب تعاملنا مع الكفاءات الفكرية والثقافية والفنية والسياسية في بلادنا، إذ نادرا جدا ما يتم تكريم شخصية تنتمي إلى هذه الدوائر أو المجالات، تتويجا لعطاءاتها.. وعندما يتم مثل هذا التكريم، تكون هناك «اعتبارات» تتغلب لفائدة هذا الشخص دون ذاك، فإذا لم تكن هناك حاشية لا يتم التكريم، وإلا فحقك في التكريم مدخر لك إلى ما بعد الموت، عندما يصبح للتكريم مفهوم آخر بعيد عما يراه الأحياء...
لقد كُتِب الكثير عن الجابري، ولكن ما كتب عنه في الخارج، وهو كثير جدا، يظهر لنا القيمة الكبرى التي كان المغرب يتوفر عليها فكريا، لأن ما كُتب في العالم العربي وغير العربي ليس فيه مجال كبير للمجاملات، بل كان فيه التقدير الأدبي لثروة فكرية كان المغرب يتوفر عليها، وكانت تلعب دورَ الجسر ما بين المشرق والمغرب، ولعبت دورا في نشر إشعاع المغرب في المشرق العربي، لأن الجابري كسر بالفعل مركزية المشرق بالنسبة إلى المغرب في الفكر العربي المعاصر، مهما وُجِّه له من انتقادات.. ولكنْ، هل من شخص لم توجه له انتقادات؟.. يجب القول إن الجابري لقي إجماعا واسعا في توديعه، باستثناء بعض الأصوات السلفية المتحجرة «المكفراتية»، إذ نوه الجميع بعطاءاته، من مختلف التوجهات، حتى السلفية منها. ولكن مقولة «لا كرامة لنبي في قومه» ما زالت هي التي تملأ ساحاتنا الفكرية والثقافية، فنحن لا نلتفت إلى رجالاتنا إلا بعد أن يرحلوا عن عالمنا. آنذاك لا يموت الشخص فقط، بل يموت معه مشروعه أيضا، وهذه مشكلة أخرى لا مكان هنا للتفصيل فيها، وأقصى ما نفعله بعد رحيلهم كتكريم لهم في زعمنا هو إطلاق أسمائهم على قاعات في بعض المؤسسات، وهي طوطمية لا علاقة لها بالإبقاء على فكر الراحل مشتعلا. أما خلال حياته، فإن الصمت هو التكريم الوحيد الذي نعرف أن نُجيدَه، وهذا ما يحدث الآن مع رجل مثل البروفيسور المهدي المنجرة، الذي يرقد في بيته، في ظل صمت إعلامي رسمي وغير رسمي مطبق، لكي ترتفع غدا أطال الله في عمر المنجرة ومتعه بصحته الأصوات من كل جانب كأنها انطلقت من عقالها كالبعير...
في المغرب رموز فكرية وثقافية لها وزن وحضور كبير في العالم العربي والإسلامي، وهي تستحق الالتفات إليها وتكريمها والعرفان بجميل عطائها، أمثال المؤرخون عبد الهادي التازي وعبد الكريم الفيلالي وإبراهيم حركات، والفيلسوف طه عبد الرحمان والمفكرون عبد العزيز بن عبد الله وعبد الله العروي وعبد المجيد الصغير وإدريس الكتاني وأحمد بن شقرون، وآخرون أمثالهم.. أمثال هؤلاء يستحقون الورود الآن، والأخطر من ذلك أنه، ربما، ليس بعد هؤلاء شيء سوى الصحراء!...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.