المجلس الوطني لحقوق الإنسان يدعو لضمان سلمية الاحتجاجات ويفتح الباب للتحقيق في أحداث القليعة التي خلفت ثلاثة قتلى    فيديو: أمير المؤمنين يترأس حفلا دينيا إحياء للذكرى السابعة والعشرين لوفاة المغفور له الملك الحسن الثاني    الاتفاق الفلاحي المعدَّل المغربي الأوربي يؤكد تطبيق التعريفات التفضيلية الممنوحة من الاتحاد على الأقاليم الجنوبية (بوريطة)    حقيقة الأمر بإغلاق المحلات التجارية وإخلاء مقرات العمل مبكرا    فتح بحث قضائي تحت إشراف النيابة العامة على خلفية عملية الهجوم واقتحام مركز للدرك الملكي بالقليعة (الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف باكادير)    هذا الموريسكي.. عين مغلقة على تاريخ مفتوح        بعض الاحتجاجات في بعض المناطق لم تعد سلمية، بل أعمالا إجرامية تقودها قلة من المحرضين ومثيري الشغب (الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية)    انتصار دبلوماسي وتجاري جديد للمغرب: إدماج الصحراء في الاتفاق الزراعي مع الاتحاد الأوروبي    توقيف 26 شخصًا إثر أعمال شغب أعقبت مسيرة احتجاجية بالقصر الكبير.    نسمة قاسمي تتألق على خشبة طنجة وتظفر بجائزة التشخيص إناث بمهرجان مسرح الشباب    بطاريات السيارات.. شركة "BTR" تبدأ رسميا بناء مصنعها في طنجة    مبيعات الإسمنت تفوق 10,86 مليون طن مع متم شتنبر 2025 (وزارة)    أخنوش: الحكومة منفتحة على مطالب التعبيرات الشبابية لتسريع تنزيل الإصلاحات الاجتماعية    كندا تحذر أصحاب "جواز إكس" من زيارة أمريكا    الاستقلاليون يدعون الشباب إلى الحوار    الركراكي.. سايس واستمرار غياب زياش    وضعية التجارة الخارجية في المغرب    بورصة البيضاء تنهي التداولات بالأخضر    ماسك أول ثري بنحو 500 مليار دولار صافية    حجز 4,7 أطنان من الشيرا في آسفي    مسؤول: لا علاقة للإجرام بحرية التعبير    الأرصاد الجوية تبسط تفسيرات "الاعتدال الخريفي" وتكشف حجم التساقطات    إسرائيل تعلن استيلاءها على قوارب "أسطول الصمود" باستثناء واحد    الجيش الإسرائيلي يحتجز 6 مغاربة مشاركين في "أسطول الصمود العالمي"    الفوضى الناتجة عن احتجاجات "جيل Z" تربك الأجندات الفنية بالمغرب    ترامب يطيل أمد الحرب    اخنوش يعلق على الاحتجاجات ومصرع ثلاثة اشخاص    التهراوي يكشف عن 22 منشأة صحية جديدة و 2433 سريرا لمواجهة تحديات القطاع    كولومبيا وأقدس الهدايا    الإنسان الكامل    فريال الزياري توثق تجربة استثنائية في قلب الصحراء المغربية    النيابة العامة: التخريب والعنف خلال الاحتجاجات جرائم يعاقب عليها القانون بعقوبات تصل إلى المؤبد    دار الشعر بتطوان تطلق ملتقى القصيدة المتوسطية من فضاء المدينة العتيقة        الخلفي: بعض الاحتجاجات اتخذت منحى تصعيديا جسيما انخرطت فيها أعداد كبيرة من القاصرين    إسرائيل تعتزم ترحيل معتقلي "أسطول الصمود" إلى أوروبا    مونديال الشيلي لأقل من 20 سنة: المغرب يتأهل إلى ثمن النهائي بعد فوزه على البرازيل    إحداث أكثر من 65 ألف مقاولة بالمغرب خلال السبعة أشهر الأولى من 2025    دراسة ترصد السمات النفسية لشخصية جيل "Z-212".. يتميز بنزعة أقوى نحو البراغماتية وحسا أكبر بالعدالة وعاطفي أكثر مقارنة بالأجيال السابقة    في العيد الوطني ال76.. الرئيس الصيني يدعو مواصلة العمل الجاد لدفع مسيرة التحديث الصيني    مونديال الشيلي.. المدرب وهبي: لدينا من المؤهلات ما يجعلنا نذهب بعيدا في المنافسة    الركراكي يعلق على احتجاجات "genz": "لا يوجد أي مغربي مابغيش التعليم والصحة لكن باحترام وبدون عنف"    الركراكي: نعمل على التنسيق بخصوص اختيارات اللاعبين لكأسي العرب وإفريقيا مع منح الأولوية لل"كان"        دوري أبطال أوروبا.. الصيباري يدرك التعادل لآيندهوفن أمام ليفركوزن (1-1)    إنريكي: "حكيمي ومينديز أفضل ظهيرين في العالم"    تيزنيت، بيوكرى، القليعة،ايت عميرة.. بؤر البؤس التي صنعت الانفجار الاجتماعي    وزارة الأوقاف تخصص خطبة الجمعة المقبلة: عدم القيام بالمسؤوليات على وجهها الصحيح يٌلقي بالنفس والغير في التهلكة    ارتفاع ضغط الدم يعرض عيون المصابين إلى الأذى    عندما يتحول القانون رقم 272 إلى سيفٍ مُسلَّط على رقاب المرضى المزمنين    أطباء يحذرون من أخطار بسبب اتساع محيط العنق    القانون 272 يدفع المصابين بألأمراض المزمنة إلى الهشاشة الاجتماعية    "طريقة الكنغر" تعزز نمو أدمغة الأطفال المبتسرين        بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موسم «التنزيلات» الفلسطينية
نشر في المساء يوم 21 - 10 - 2010

يصعب علينا أن نفهم «هجمة» التنازلات المجانية التي تقدم عليها السلطة الفلسطينية والمسؤولون فيها ورئيسها وتمس مسا مباشرا بالثوابت الوطنية، مثلما يصعب علينا أيضا أن نفهم هذا الصمت الجليدي المحير في أوساط الشعب الفلسطيني تجاهها.
فبعد التصريحات «المستهجنة» التي أدلى بها السيد ياسر عبد ربه، أمين سر اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير «منتهية الصلاحية»، وأقر فيها بالقبول بيهودية الدولة الإسرائيلية مقابل خريطة لها واضحة المعالم والحدود، ها هو رئيسه محمود عباس يصدمنا مرة أخرى بإصدار فتوى أكثر خطورة، يعرب فيها عن استعداده لإنهاء الصراع مع إسرائيل، والتخلي عن كل المطالب التاريخية الفلسطينية، عند التوصل إلى تسوية سلمية بين الجانبين تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967.
إنها ليست بالونات اختبار فقط، وإنما خطة مدروسة بإحكام، لتهيئة الرأي العام الفلسطيني لتسوية، عمادها الرضوخ للشروط الإسرائيلية كاملة، ومن ضمنها إلغاء حق العودة، والاعتراف بيهودية إسرائيل والقبول بتبادل السكان وليس تبادل الأراضي فقط.
تأكيدات السيد سلام فياض على اعتزامه إعلان الدولة الفلسطينية قبل قدوم شهر سبتمبر المقبل، وتحديد الرئيس أوباما سقفا «زمنيا» لمدة عام للمفاوضات الحالية ينتهي بقيام دولة فلسطينية تنضم إلى عضوية الأمم المتحدة، وتشارك في الدورة المقبلة لجمعيتها العامة في سبتمبر أيضا، ليست تأكيدات من قبيل الصدفة المحضة.
اختيار الصحافة العبرية، أو قادة الجاليات اليهودية، لإطلاق هذه التصريحات، يهدف إلى مخاطبة الفلسطينيين والعرب بصورة غير مباشرة وعبر النافذة اليهودية أولا لتخفيض سقف توقعاتهم، والتخلي عن أحلامهم وآمالهم المشروعة، وطمأنة الإسرائيليين في الوقت نفسه على مستقبل آمن في دولتهم وبحماية جيرانهم أو خدمهم القدامى الجدد، أي الفلسطينيين.
فمن تابع الرسائل المتلفزة التي وجهتها مجموعة من كبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية وما تضمنته من تزلف واستجداء من قبلهم للإسرائيليين يدرك ما نعنيه، ومن سمع الدكتور صائب عريقات، كبير المفاوضين، يبدأ رسالته في مخاطبة هؤلاء بالقول «لقد أخطأنا في حقكم فسامحونا» يعرف أو يفهم خطورة المنزلق الذي تنزلق إليه السلطة ورجالاتها.
المشهد العلني الذي نراه حاليا يفيد بأن المفاوضات المباشرة متوقفة، ولكن لا ندري إن كان هذا المشهد مزورا، وأننا أمام فصول من مسرحية مخادعة لتضليلنا جميعا، لإعطاء انطباع بصعوبة التسوية لتبرير تنازلات لاحقة تحت ذريعة التصلب الإسرائيلي، انعدام البدائل، الخلل في توازن القوى، الانحياز الأمريكي، وتخلي العرب عن القضية الفلسطينية.
الكثيرون اعتقدوا، خطأ، أن السيد عبد ربه كان ينطلق من اجتهاد شخصي، أو تورط في زلة لسان، عندما أطلق بالون اختباره الخطير باستعداده للاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية، ولكن بعد أن استمعنا إلى رئيسه يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، ويعرب عن استعداده للتنازل عن الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، أدركنا أن هناك انسجاما كاملا بين الاثنين وأن هناك «طبخة» نضجت منذ زمن في مفاوضات سرية موازية على غرار مفاوضات أوسلو الموازية لمفاوضات مؤتمر مدريد.
ومن غرائب الصدف أن الرجلين، عباس وعبد ربه، كانا الطباخين الرئيسيين للمفاوضات الأولى أي أوسلو، وأشرفا على دهاليزها في غرفة عمليات أقاماها واشرفا عليها في مكتب الأول في تونس.
السيد عبد ربه، ومثلما تشي مسيرته السياسية، «مغرم» بتقديم التنازلات المجانية، ويسعد كثيرا في التجاوب مع المطالب الإسرائيلية، ليظهر مدى اعتداله وحضاريته، فقد دخل التاريخ كأول مسؤول فلسطيني يتنازل عن حق العودة للاجئين في وثيقة جنيف التي وقعها بصفته عضوا في اللجنة التنفيذية للمنظمة، وهو الآن يريد تكرار هذه «الريادة» بالاعتراف بيهودية إسرائيل، ليعزز مكانته عند أصدقائه الأمريكيين والإسرائيليين.
نحن الآن أمام مسيرة تنازلات تذكرنا بنظيرتها التي بدأتها منظمة التحرير عام 1974 عندما اعترفت بالنقاط العشر، وقبلت ضمنا بوجود إسرائيل وتنازلت عن الدولة العلمانية، وعززت اعترافها هذا لاحقا بالقبول بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 و338، وإعلان الاستقلال، ثم السقوط في حفرة اتفاق أوسلو، ومن المفارقة أن السيد عباس كان أحد منظري هذا التوجه.
الآن يتكرر السيناريو نفسه، ولكن بطريقة أكثر تفريطا في الثوابت، وكانت الحلقة الأولى عندما فاجأ الرئيس عباس مضيفيه من قادة اللوبي اليهودي الذين اجتمع بهم في واشنطن في شهر غشت الماضي، بالاعتراف بحق اليهود في فلسطين ووجودهم التاريخي عميق الجذور في أرضها، وعندما اطمأن إلى غياب أي رد فعل فلسطيني شعبي أو فصائلي، وذهب إلى ما هو أبعد من ذلك عندما لم يعترض على تسمية إسرائيل بالدولة اليهودية أثناء اجتماع آخر لقادة اليهود الذين اجتمع بهم في نيويورك أثناء انعقاد الدورة الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي. وها هو، ولغياب أي رد فعل فلسطيني أيضا، يخترق كل المحرمات والخطوط الحمراء، ويعرب عن استعداده، وفي حديث لصحيفة إسرائيلية، لإنهاء حالة الحرب وإسقاط كل الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني مقابل قيام دولة في الضفة والقطاع.
لا نعرف من أين أتى الرئيس عباس بكل هذه القوة والثقة بالنفس، لكي يقدم على كل هذه التنازلات الخطيرة، وهو الذي لا يملك التفويض أو الشرعية الوطنية والدستورية، وهو الرئيس المنتهية ولايته منذ عامين، ولا يحتكم إلى أي مؤسسات منتخبة، ولا يحترم رأي الشعب الفلسطيني، بل نشك مرة أخرى أنه يعترف بوجوده.
لا نعتقد أن الرئيس عباس على هذه الدرجة من الغباء السياسي حتى يقدم على مثل هذه التنازلات المجانية وخارج إطار التفاوض لولا أن هناك خطة متفقا عليها، ودورا مطلوبا منه أن يؤديه، ومشروع تسوية تم الاتفاق على تفاصيله الصغيرة وليس خطوطه العريضة فقط. فالرجل عقد أكثر من 17 اجتماعا مغلقا اقتصرت عليه وحده مع إيهود أولمرت، إضافة إلى خمسين اجتماعا للوفدين المفاوضين. كما عقد اجتماعات أخرى مغلقة مع نتنياهو.
وكشف في لقاءات صحافية أنه توصل إلى مشروع تسوية متكامل مع أولمرت قدم نسخة منه إلى نتنياهو أثناء المفاوضات غير المباشرة.
فإذا كانت المفاوضات المباشرة متعثرة فعلا مثلما يشاع، والكيمياء معدومة بين الرئيس عباس وخصمه نتنياهو، فكيف يتناول الأول طعام العشاء في منزل الثاني في القدس المحتلة، ويتبادلان النكات والمجاملات، ويخرج علينا الرئيس عباس ومرافقوه مشيدين ببراعة ومهارة زوجة نتنياهو في إعداد الطعام الشهي؟ فهل هذا سلوك الخصوم أم الأصدقاء؟
ما تقدم عليه السلطة ومسؤولوها هو خروج عن كل الأعراف تتحمل مسؤوليته حركة «فتح» أولا، والفصائل الفلسطينية ثانيا، والشعب الفلسطيني ثالثا. إنه تفريط وانحراف يتحمل مسؤوليتهما الجميع دون استثناء من جراء الصمت، والارتباك وعدم تقدير الأخطار المترتبة عن هذا الانحراف، وهذا التفريط.
نلوم حركة «حماس» أكثر مما نلوم الآخرين، نقولها بمرارة في الحلق، لأنها كقائدة لحركات المقاومة، ومعسكر الممانعة الفلسطيني، «سهلت» هذا التفريط عندما تسامحت مع بعض المسؤولين فيها، أو المحسوبين عليها، الذين لعبوا دورا مثل دور السيد عبد ربه، وقدموا مقترحات تسوية دون أن يطلب منهم ذلك، كانت أقرب إلى طرح السلطة نفسها مثل القبول بدولة في الضفة والقطاع مقابل هدنة، أو الانخراط مجددا في مفاوضات مصالحة مع سلطة يشككون في شرعية تمثيلها أو أهليتها لتمثيل الشعب الفلسطيني، من خلال استقبال وفد لها في دمشق، وإظهار الاستعداد لسحب الكثير من التحفظات والاعتراضات على الوثيقة المصرية، وفي تزامن مع استئناف المفاوضات المباشرة التي عارضتها بشدة.
جريمة الصمت على هذا التمادي في التنازلات المجانية لا تهدد بضياع الثوابت الفلسطينية فحسب، بل وكل فلسطين، والتخلي عن أهلنا في الأراضي المحتلة عام 1948، والتضحية بنضالاتهم المشرفة والمكلفة، من أجل الحفاظ على الهوية العربية لأرضهم، وإعطاء الضوء الأخضر لحكومات إسرائيل الحالية والقادمة بطردهم، وممارسة التطهير العرقي في حقهم لاجتثاثهم من أرضهم.
نحن نرى عملية «سطو» على التمثيل الفلسطيني، سطو على تمثيل الفلسطينيين في الضفة والقطاع، وسطو على تمثيل الفلسطينيين في الشتات، وسطو -ثالثا- على تمثيل الفلسطينيين من أهلنا في المناطق المحتلة عام 1948 دون تفويض أو مسوغات قانونية أو دستورية. وهذا، في رأيي، جريمة يجب ألا تمر ناهيك عن أن تستمر.
لا أعرف شخصيا ماذا حل بالشعب الفلسطيني، ولماذا تحول في معظمه إلى جسد بلا حراك أمام محاولات تصفية قضيته وحقوقه بالتقسيط المريح لمن يدعون الحديث باسمه. هذا الشعب النائم المخدر بالراتب أو بوسائل التضليل والخداع بحاجة إلى من يوقظه من سباته العميق قبل فوات الأوان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.