المحامون يطالبون بجمع عام استثنائي لمناقشة مشروع قانون المهنة    الأمطار تعزز مخزون السدود ومنشآت صغرى تصل إلى الامتلاء الكامل    السعدي يترأس مجلس إدارة دار الصانع    تضرر أحياء ناقصة التجهيز بفعل التساقطات المطرية يُسائل دور عمدة طنجة    ارتفاع حصيلة قتلى المسجد في سوريا    أنغولا تتعادل مع زيمبابوي في مراكش        مديرية تعليمية تعلق الدراسة السبت    1.2% فقط من الأطفال ذوي الإعاقة يلتحقون بالتعليم الأولي.. والقطاع يعاني من ضعف النظافة وهزالة الأجور    الثانية في أسبوع.. العثور على شاب مشنوقًا بحبل بضواحي الحسيمة    التهمة تعاطي الكوكايين.. إطلاق سراح رئيس فنربخشة    زخات رعدية محليا قوية وتساقطات ثلجية ورياح قوية وطقس بارد إلى غاية يوم الأحد بعدد من مناطق المملكة    الاتحاد الاشتراكي بمكناس يطرح تطورات القضية الوطنية على ضوء قرار مجلس الأمن 2797    ميناء طنجة المتوسط.. إجهاض محاولة تهريب 8 أطنان و196 كلغ من مخدر الشيرا    البيت الروسي يحتفي بسيروف: ألوان تحكي وحياة تروى    زخات قوية وتساقطات ثلجية بعدد من مناطق المملكة    قتيلان في هجوم طعن ودهس بإسرائيل    الحسيمة.. انقطاع مياه الري بسبب سد واد غيس يفاقم معاناة الفلاحين ومربي الماشية    أمن طنجة يوقف أربعة أشخاص يشتبه في تورطهم في قضية تتعلق بحيازة وترويج المخدرات والمؤثرات العقلية    المغرب يواجه مالي وعينه على بطاقة العبور المبكر    بلمو يحيي أمسية شعرية ببهو مسرح محمد الخامس بالرباط يوم الاثنين    قطاع الصحة على صفيح ساخن وتنسيق نقابي يعلن وقفات أسبوعية وإضرابا وطنيا شاملا        لا أخْلِط في الكُرة بين الشَّعْب والعُشْب !    تريليون يوان..حصاد الابتكار الصناعي في الصين    محكمة صفرو تدين مغني الراب "بوز فلو" بالحبس موقوف التنفيذ وغرامة مالية        تَمَغْرِبِيتْ" وعاء سردي يحتضن جميع المغاربة    إجراءات مالية وجامعية بفرنسا تثير مخاوف تمييزية بحق الطلبة الأجانب    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    توقيفات جديدة في فضيحة مراهنات داخل كرة القدم التركية    التواصل ليس تناقل للمعلومات بل بناء للمعنى    «كتابة المحو» عند محمد بنيس ميتافيزيقيا النص وتجربة المحو: من السؤال إلى الشظيّة    الشاعر «محمد عنيبة الحمري»: ظل وقبس    روسيا تبدأ أولى التجارب السريرية للقاح واعد ضد السرطان    «خاوة خاوة» تطبع أول مباراة للجزائر بالمغرب منذ القطيعة الدبلوماسية    عدد من أفرادها طلبوا التقاط صور مع العناصر الأمنية .. الأمن المغربي «يخطف» أبصار وإعجاب جماهير الكان    على هامش كأس إفريقيا.. معرض ثقافي إفريقي وأجواء احتفالية تجذب الجماهير في تغازوت    أمريكا تستهدف "داعش" في نيجيريا    السلطة القضائية تنضم إلى البوابة الوطنية للحق في الحصول على المعلومات    إلى ساكنة الحوز في هذا الصقيع القاسي .. إلى ذلك الربع المنسي المكلوم من مغربنا    الحق في المعلومة حق في القدسية!    أخبار الساحة    كان 2025 .. المغرب يرسخ دولة الاستقرار ويفكك السرديات الجزائرية المضللة    أسعار الفضة تتجاوز 75 دولاراً للمرة الأولى    روسيا تنمع استيراد جزء من الطماطم المغربية بعد رصد فيروسين نباتيين    وفق دراسة جديدة.. اضطراب الساعة البيولوجية قد يسرّع تطور مرض الزهايمر    لاعبو المغرب يؤكدون الجاهزية للفوز    جمعية تكافل للاطفال مرضى الصرع والإعاقة تقدم البرنامج التحسيسي الخاص بمرض الصرع    جائزة الملك فيصل بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء تنظمان محاضرة علمية بعنوان: "أعلام الفقه المالكي والذاكرة المكانية من خلال علم الأطالس"    14 دولة تندد بإقرار إسرائيل إنشاء مستوطنات في الضفة الغربية المحتلة    إطلاق خط سككي جديد فائق السرعة يربط مدينتين تاريخيتين في الصين    الصين تكتشف حقلا نفطيا جديدا في بحر بوهاي    كيف يمكنني تسلية طفلي في الإجازة بدون أعباء مالية إضافية؟    رهبة الكون تسحق غرور البشر    بلاغ بحمّى الكلام    فجيج في عيون وثائقها    دراسة: ضوء النهار الطبيعي يساعد في ضبط مستويات الغلوكوز في الدم لدى مرضى السكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد‮ الثائر‮
نشر في المساء يوم 12 - 03 - 2011

لم‮ يحدث،‮ منذ‮ اعتلاء‮ الملك‮ عرش‮ المملكة،‮ أن‮ كان‮ المغاربة،‮ داخل‮ الوطن‮ وخارجه،‮ مشدودين‮ إلى‮ شاشات‮ التلفزيون‮ وأجهزة‮ الراديو‮ مثلما‮ كانوا‮ مساء‮ الأربعاء،‮ فقد‮ كان‮ الجميع‮ ينتظر‮ من‮ الملك‮ أن‮ «‬يفرتك‮ الرمانة‮» و‮«‬يطلقنا‮ للفراجة‮»‬،‮ خصوصا‮ والدعوات‮ عبر‮ الفيسبوك‮ إلى‮ التظاهر‮ المليوني‮ يوم‮ 20‮ مارس‮ لمطالبة‮ الملك‮ بالإصلاحات‮ في‮ أوجها‮.
الجميع‮ كان‮ ينتظر‮ من‮ الملك‮ إما‮ أن‮ يصطف‮ إلى‮ جانب‮ شرذمة‮ من‮ المحافظين‮ والانتهازيين‮ الذين‮ يريدون‮ تهريب‮ الملكية‮ لمصلحتهم‮ الخاصة‮ وسرقتها‮ من‮ الشعب،‮ وإما‮ أن‮ يكشف‮ عن‮ وجهه‮ الثوري‮ الحقيقي‮ متجاوزا‮ مطالب‮ ومزايدات‮ بعض‮ ثوريي‮ أيام‮ العطل‮ الأسبوعية،‮ ويعلن‮ عن‮ انقلاب‮ دستوري‮ شامل‮ وجذري‮ دون‮ أن‮ تسيل‮ قطرة‮ دم‮ واحدة‮ في‮ الشوارع‮ في‮ سبيل‮ هذا‮ المطلب‮.‬
لقد‮ ظل‮ المغاربة‮ يضعون‮ أيديهم‮ على‮ قلوبهم‮ خوفا‮ على‮ المغرب‮ طيلة‮ الأيام‮ الأخيرة‮. ولا‮ بد‮ أنهم‮ اليوم،‮ بعد‮ هذا‮ الخطاب،‮ قد‮ تنفسوا‮ الصعداء‮ وهم‮ يرون‮ ملكهم‮ يتجاوز‮ الاستجابة‮ لسقف‮ مطلب‮ التغيير‮ لكي‮ يبلغ‮ سقف‮ مطلب‮ الثورة‮ نفسها،‮ مستحقا‮ بذلك‮ اسم‮ محمد‮ الثائر‮.
وإذا‮ كان‮ هناك‮ من‮ بلد‮ أمامه‮ فرصة‮ تاريخية‮ للاستفادة‮ من‮ الثورات‮ والانتفاضات‮ الشعبية‮ التي‮ تحدث‮ في‮ العالم‮ العربي‮ اليوم،‮ فهو‮ المغرب‮. وكما‮ يقول‮ المثل‮ «‬داخل‮ كل‮ محنة‮ هناك‮ فرصة‮». ويبدو‮ الآن،‮ بعد‮ الخطاب‮ الملكي‮ الأخير،‮ أن‮ ملك‮ البلاد‮ اختار‮ أن‮ يستغل‮ الجانب‮ الإيجابي‮ في‮ المحن‮ التي‮ تجتازها‮ شعوب‮ العالم‮ العربي‮ لكي‮ يقود‮ الثورة‮ بنفسه‮ ويصطف‮ إلى‮ جانب‮ الشعب‮ لتحقيق‮ مطالبه‮ المشروعة‮ في‮ العدالة‮ والمساواة‮ والكرامة‮.‬
لذلك‮ كان‮ خطاب‮ مساء‮ الأربعاء‮ ثوريا‮ بكل‮ المقاييس،‮ لأنه‮ لم‮ يكتف‮ فقط‮ بالاستجابة‮ لمطالب‮ الشعب‮ على‮ مستوى‮ الإصلاحات‮ السياسية‮ بل‮ إنه‮ رفع‮ العارضة‮ عاليا‮ عندما‮ أعطى‮ الشعب‮ صلاحية‮ اختيار‮ الملكية‮ التي‮ يريدها‮ عبر‮ استفتاء‮ شعبي‮ حول‮ الدستور‮ الجديد‮.
هكذا،‮ فالملك‮ لن‮ يكون‮ هو‮ من‮ يفرض‮ الملكية‮ التي‮ يريدها‮ على‮ الشعب،‮ كما‮ أن‮ خديجة‮ الرياضي‮ والجمعية‮ المغربية‮ لحقوق‮ الإنسان‮ وحزب‮ النهج‮ الديمقراطي‮ لن‮ يكونوا‮ هم‮ من‮ سيفرض‮ على‮ المغاربة‮ الملكية‮ التي‮ يريدونها،‮ بل‮ إن‮ الشعب‮ هو‮ الذي‮ سيختار‮ الملكية‮ التي‮ يريدها‮. وأكثر‮ المقاييس‮ ديمقراطية‮ في‮ العالم‮ لمعرفة‮ رأي‮ الشعب‮ هو‮ الاستفتاء‮.
وعندما‮ يتحدث‮ الملك‮ في‮ خطابه‮ عن‮ الطابع‮ الملكي‮ للنظام‮ دون‮ أن‮ يحدد‮ ما‮ إذا‮ كانت‮ هذه‮ الملكية‮ برلمانية‮ أو‮ تنفيذية،‮ فإنه‮ يفتح‮ أمام‮ اللجنة،‮ التي‮ ستسهر‮ على‮ اقتراح‮ الدستور‮ الجديد‮ على‮ الشعب،‮ الباب‮ على‮ مصراعيه‮ لكي‮ يجتهد‮ أعضاؤها‮ ويكشفوا‮ عن‮ جرأة‮ واستقلالية‮ تعضد‮ طموح‮ الملك‮ وترقى‮ إلى‮ ثوريته‮.‬
ولعل‮ أول‮ شيء‮ لاحظه‮ كل‮ من‮ تتبع‮ الخطاب‮ الملكي‮ هو‮ جلوس‮ ولي‮ العهد‮ مولاي‮ الحسن،‮ لأول‮ مرة،‮ إلى‮ جانب‮ والده‮ في‮ خطاب‮ حاسم‮ يبشر‮ بعهد‮ ملكي‮ جديد‮. إنها‮ رسالة‮ واضحة‮ إلى‮ كل‮ أولئك‮ الغربيين‮ الذين‮ تنبؤوا‮ في‮ كتبهم‮ بأن‮ الملك‮ محمد‮ السادس‮ هو‮ آخر‮ الملوك‮ العلويين‮. وهذه‮ الرسالة‮ تقول‮ لهؤلاء‮ إن‮ الملكية‮ في‮ المغرب‮ ستتطور‮ وتتغير،‮ ولكنها‮ لن‮ تنقرض‮.
الرسالة‮ الثانية‮ القوية‮ كانت‮ هي‮ تأكيد‮ الملك‮ على‮ أن‮ الإسلام‮ هو‮ دين‮ الدولة‮. وهو‮ جواب‮ واضح‮ عن‮ كل‮ المطالب‮ التي‮ رفعتها‮ بعض‮ الجهات‮ المطالبة‮ بالتنصيص‮ على‮ الطابع‮ العلماني‮ للدولة‮ المغربية‮.‬
إنه‮ استباق‮ ملكي‮ لتجنب‮ الأزمة‮ الدستورية‮ التي‮ تعيشها‮ مصر‮ حاليا‮ بعد‮ الثورة‮ بسبب‮ الفصل‮ الذي‮ ينص،‮ في‮ الدستور،‮ على‮ أن‮ الإسلام‮ هو‮ الدين‮ الرسمي‮ للدولة‮ المصرية‮.
فقد‮ اكتشف‮ صانعو‮ الثورة‮ المصرية‮ أن‮ هناك‮ أقليات،‮ قبطية‮ بالخصوص،‮ تريد‮ أن‮ تستغل‮ صياغة‮ الدستور‮ الجديد‮ لإلغاء‮ الطابع‮ الديني‮ للدولة‮ المصرية‮ والدخول‮ في‮ عهد‮ العلمانية‮. وقد‮ رأينا‮ كيف‮ أن‮ هذا‮ النقاش‮ تجاوز‮ حدوده‮ الديمقراطية‮ لكي‮ يتحول‮ إلى‮ تقاتل‮ في‮ الشوارع‮ بالسكاكين‮ والحجارة‮ بين‮ المسلمين‮ والأقلية‮ القبطية‮.‬
إننا‮ نفهم‮ الآن‮ لماذا‮ خصصت‮ الكنائس‮ الغربية‮ ميزانيات‮ كبيرة‮ لمشروع‮ نشر‮ المسيحية‮ في‮ العالم‮ العربي،‮ وخصوصا‮ المغرب‮ العربي‮. فقد‮ كانت‮ هذه‮ الخطة‮ تروم‮ خلق‮ أقلية‮ مسيحية‮ داخل‮ كل‮ دولة‮ إسلامية‮ تستطيع‮ أن‮ تتفاوض‮ مع‮ النظام‮ في‮ الوقت‮ المناسب،‮ بحجة‮ الحق‮ في‮ الحرية‮ الدينية،‮ من‮ أجل‮ إزالة‮ الفصل‮ الدستوري‮ الذي‮ ينص‮ على‮ الطابع‮ الديني‮ للدولة‮. لحسن‮ الحظ‮ أن‮ الدولة‮ المغربية‮ تفطنت‮ لهذا‮ المخطط‮ المحكم‮ وأفشلته‮ في‮ مهده‮.‬
الملك‮ يعرف‮ أن‮ المغاربة‮ يمكن‮ أن‮ يتسامحوا‮ في‮ كل‮ شيء‮ إلا‮ في‮ دينهم‮. ولذلك،‮ فالتركيز‮ على‮ أن‮ الإسلام‮ هو‮ الدين‮ الرسمي‮ للدولة‮ رسالة‮ واضحة‮ موجهة‮ إلى‮ القوى‮ التي‮ تنادي‮ بعلمنة‮ المجتمع‮ المغربي‮ ومحاربة‮ مظاهر‮ «‬أسلمته‮»‬،‮ مفادها‮ أن‮ الإسلام‮ سيبقى‮ ركنا‮ أساسيا‮ من‮ أركان‮ الدولة‮.
الرسالة‮ الثالثة‮ تتعلق‮ بالمكون‮ الأمازيغي‮ عندما‮ نص‮ المرتكز‮ الأول‮ للإصلاح‮ الدستوري‮ الذي‮ جاء‮ به‮ الملك‮ على‮ ضرورة‮ تكريس‮ الطابع‮ التعددي‮ للهوية‮ المغربية‮ الموحدة،‮ الغنية‮ بتنوع‮ روافدها،‮ وفي‮ صلبها‮ الأمازيغية،‮ كرصيد‮ لجميع‮ المغاربة‮.
وهذه‮ رسالة‮ واضحة‮ إلى‮ الذين‮ يحاولون‮ تحويل‮ الأمازيغية‮ من‮ إرث‮ مشترك‮ بين‮ جميع‮ المغاربة‮ إلى‮ أصل‮ تجاري‮ مسجل‮ باسم‮ البعض‮ منهم‮ للمزايدة‮ السياسية‮ والحديث‮ باسم‮ ملايين‮ الأمازيغ‮ دون‮ أن‮ يكون‮ هؤلاء‮ الأمازيغ‮ قد‮ فوضوا‮ إليهم‮ حق‮ تمثيلهم‮ والحديث‮ باسمهم‮ واتخاذ‮ مواقف‮ إيديولوجية‮ في‮ المحافل‮ الدولية‮ تسير‮ أحيانا‮ ضد‮ وحدة‮ الدين‮ والوطن‮.‬
أما‮ الرسالة‮ الأقوى‮ في‮ الإصلاح‮ الدستوري‮ الذي‮ يقترحه‮ الملك‮ فهي‮ نزعه،‮ وبدون‮ بنج،‮ أنيابَ‮ وزارة‮ الداخلية‮ عندما‮ أعلن‮ عن‮ نزع‮ وصاية‮ العمال‮ والولاة‮ على‮ الشأن‮ المحلي‮ في‮ المدن‮ والأقاليم‮ ووضع‮ سلطة‮ التسيير‮ والأمر‮ بالصرف‮ والقرار‮ بين‮ أيدي‮ رؤساء‮ الجهات‮ المنتخبين‮ في‮ إطار‮ الجهوية‮.‬
هكذا،‮ سينحصر‮ دور‮ العمال‮ والولاة‮ في‮ التنسيق‮ بين‮ عمل‮ السلطات‮ العمومية‮ داخل‮ المدينة‮ والإقليم،‮ تاركين‮ التسيير‮ والتحكم‮ في‮ الصرف‮ والميزانيات‮ لرؤساء‮ الجهات‮ الذين‮ سينتخبهم‮ الشعب‮.‬
هكذا‮ يكون‮ الملك‮ قد‮ أنجز‮ نصيبه‮ من‮ الثورة‮ التي‮ كان‮ ينتظرها‮ الشعب،‮ وربما‮ أنجز‮ أكثر‮ حتى‮ مما‮ كانت‮ تتوقعه‮ الطبقة‮ السياسية‮ بجميع‮ ألوان‮ طيفها،‮ فقد‮ أعلن‮ الثورة‮ على‮ الطابع‮ العتيق‮ للملكية‮ ومؤسسة‮ الوزير‮ الأول‮ ومجلس‮ الحكومة‮ والعدالة‮ وفصل‮ السلط‮ ودور‮ البرلمان‮ والجهوية‮.‬
فهل‮ ستكون‮ الطبقة‮ السياسية‮ في‮ مستوى‮ إنجاز‮ نصيبها‮ من‮ الثورة‮ التي‮ يتزعمها‮ الملك‮ والشعب؟‮ هل‮ ستتبع‮ الأحزاب‮ السياسية‮ الإيقاع‮ الثوري‮ للملك‮ وتجري‮ إصلاحا‮ شاملا‮ وجذريا‮ على‮ هيئاتها‮ العتيقة‮ وتنظف‮ بيتها‮ الداخلي‮ من‮ الأوساخ‮ التي‮ علقت‮ بها،‮ وتتنفس‮ أخيرا‮ هواء‮ الثورة‮ الخلاقة؟
إن‮ ما‮ يخشاه‮ المغاربة،‮ اليوم،‮ هو‮ أن‮ تتسبب‮ هذه‮ الأحزاب،‮ التي‮ شاخت‮ قياداتها،‮ في‮ إجهاض‮ ثورة‮ الملك‮ والشعب‮.
ولذلك،‮ فاليوم‮ وبعد‮ هذا‮ الخطاب‮ الملكي،‮ أصبح‮ حتميا‮ وضروريا‮ أن‮ تتحرر‮ الطاقات‮ الشابة‮ والثورية‮ داخل‮ هذه‮ الأحزاب‮ لكي‮ تطيح‮ بجميع‮ القيادات‮ العتيقة‮ والعاجزة‮ عن‮ مسايرة‮ الروح‮ الثورية‮ الملكية‮.‬
وعندما‮ نتحدث‮ عن‮ الأحزاب‮ السياسية،‮ فإننا‮ نقصد‮ حزبا‮ تاريخيا‮ عتيدا‮ اسمه‮ الاتحاد‮ الاشتراكي،‮ توجد‮ بداخله‮ قوى‮ شبابية‮ مكتوفة‮ الأيدي‮ مكممة‮ الأفواه‮ مغيبة‮ الصوت‮ مستعدة‮ لإنقاذ‮ سفينة‮ الحزب‮ من‮ الغرق‮ إذا‮ ما‮ توحدت‮ وراء‮ برنامج‮ ومشروع‮ الاتحاد‮ الاشتراكي‮ كما‮ سطره‮ عبد‮ الرحيم‮ بوعبيد‮.‬
عندما‮ يتحدث‮ الملك‮ في‮ خطابه‮ عن‮ ضرورة‮ تقوية‮ دور‮ الأحزاب‮ السياسية‮ دستوريا‮ وتكريس‮ دور‮ المعارضة‮ البرلمانية،‮ فإن‮ ذلك‮ يعني‮ أن‮ الإصلاح‮ الدستوري‮ المنتظر‮ لن‮ ينجح‮ بدون‮ وجود‮ أحزاب‮ سياسية‮ قوية‮ ومعارضة‮ تقوم‮ بدور‮ السلطة‮ المضادة‮.
وللحصول‮ على‮ أحزاب‮ سياسية‮ قوية،‮ ليست‮ هناك‮ وصفة‮ سحرية‮.. يجب‮ أن‮ يقوم‮ الشباب‮ داخل‮ هذه‮ الأحزاب‮ السياسية‮ بثورتهم‮ الخاصة‮ لكي‮ تصبح‮ الكفاءة‮ الذهنية‮ والنزاهة‮ الفكرية‮ هي‮ مفتاح‮ الترقي‮ السياسي،‮ وليس‮ القرابة‮ العائلية‮ والولاء‮ الأعمى‮ للقيادة‮ كما‮ هو‮ حاصل‮ اليوم‮ في‮ جميع‮ الأحزاب‮ السياسية‮.‬
إذا‮ كان‮ الملك‮ مستعدا‮ لعرض‮ إمكانية‮ التخلي‮ عن‮ بعض‮ صلاحياته‮ للاستفتاء‮ الشعبي،‮ فكيف‮ يتشبث‮ هؤلاء‮ الزعماء‮ الحزبيون‮ بصلاحياتهم‮ الأبدية‮ ويستمرون‮ في‮ التسلط‮ على‮ أحزابهم‮ إلى‮ نهاية‮ أعمارهم؟
إذا‮ كان‮ المصريون‮ والتونسيون‮ والليبيون‮ يعتقدون‮ أن‮ زعماءهم‮ حطموا‮ الأرقام‮ القياسية‮ في‮ البقاء‮ في‮ السلطة،‮ فهم‮ واهمون‮. فنحن،‮ مثلا،‮ لدينا‮ زعيم‮ حزب‮ كالاتحاد‮ الاشتراكي‮ يسكن‮ في‮ البرلمان‮ منذ‮ 1963،‮ أي‮ أنه‮ منذ‮ خمسين‮ سنة‮ وهو‮ في‮ مكانه،‮ بحيث‮ لم‮ يبق‮ لهم‮ سوى‮ أن‮ يكتبوا‮ له‮ هذا‮ البرلمان‮ في‮ اسمه‮ لكي‮ يورثه‮ لأبنائه‮ مع‮ كل‮ الأراضي‮ الشاسعة‮ التي‮ حصل‮ عليها‮ في‮ الغرب‮ طيلة‮ نصف‮ قرن‮ من‮ «‬النضال‮ الاشتراكي‮».‬
وعندما‮ حاول‮ أحد‮ أعضاء‮ المكتب‮ السياسي‮ للاتحاد،‮ محمد‮ بوبكري،‮ أن‮ يثور‮ في‮ وجه‮ هؤلاء‮ البورجوازيين‮ الاشتراكيين‮ الذين‮ استعملوا‮ الحزب‮ للاستفادة‮ من‮ اقتصاد‮ الريع،‮ تصدى‮ له‮ بعض‮ الوصوليين‮ وهددوه‮ بعرضه‮ على‮ اللجنة‮ التأديبية‮ بتهمة‮ الإساءة‮ إلى‮ صورة‮ الحزب،‮ مع‮ أن‮ من‮ أساؤوا‮ إلى‮ صورة‮ الحزب‮ معروفون،‮ وأغلبهم‮ حوّل‮ «‬الاتحاد‮ الاشتراكي‮» إلى‮ «‬اتحاد‮ الشركات‮» وقايض‮ مواقف‮ الحزب‮ التاريخية‮ بحقائب‮ وزارية‮ أصبحت‮ الآن‮ في‮ مهب‮ الريح‮.
مثلما‮ انحاز‮ الملك‮ إلى‮ الشعب،‮ على‮ الأحزاب‮ السياسية‮ أن‮ تنحاز‮ هي‮ الأخرى‮ إلى‮ الشعب‮. ومثلما‮ أطلق‮ الملك‮ شرارة‮ الثورة‮ على‮ الأحزاب‮ السياسية‮ أن‮ تلتقط‮ الشرارة‮ وأن‮ تعيد‮ الحياة‮ إلى‮ شعلة‮ الرفض‮ والمقاومة‮ والصراع‮ الفكري‮ والسياسي‮ التي‮ أخمدها‮ بداخلها‮ الوصوليون‮ والانتهازيون‮ وتجار‮ المواقف‮.
وإن‮ هذه‮ ثورتكم‮ ثورة‮ واحدة،‮ فشمروا‮ الأكمام‮ وتوكلوا‮ على‮ الله،‮ انصرفوا‮ للعمل‮.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.