جمعية "التحدي" تدعو إلى إقرار المناصفة الكاملة في انتخابات مجلس النواب المقبلة    الصحافي الراحل أنس الشريف الذي قتله الجيش الإسرائيلي ترك وصية مؤثرة عن حياته وعائلته وغزة    السكتيوي يرحب بالانتقادات بعد خسارة المغرب أمام كينيا ويكشف أسباب تراجع الأداء    وزراء خارجية 24 دولة يطالبون بتحرك عاجل لمواجهة "المجاعة" في غزة        توقيف مشتبه به في حريق غابة "كرانخا" بشفشاون    رحيل الأديب المصري صنع الله إبراهيم عن 88 عاما    الذكرى ال46 لاسترجاع إقليم وادي الذهب: ملحمة بطولية في مسيرة استكمال الاستقلال وتحقيق الوحدة الترابية    إطلاق الصاروخ الأوروبي أريان 6 إلى الفضاء    هل ‬دخلنا ‬المرحلة ‬ما ‬قبل ‬الأخيرة ‬لتطبيق ‬مقترح ‬الحكم ‬الذاتي ‬؟ ‬    في ‬اللقاء ‬الذي ‬جمع ‬الوزير ‬برادة ‬وقيادات ‬النقابات ‬التعليمية :‬    مدريد ‬تتصدى ‬لقرار ‬يميني ‬يمنع ‬الشعائر ‬الدينية ‬ويستهدف ‬الجالية ‬المغربية ‬في ‬مورسيا    راشفورد ينتقد يونايتد: "يفتقر إلى الخطط"    أسعار الجملة للخضر والفواكه بالدار البيضاء تسجل تفاوتاً كبيراً بين المنتجات    مؤسسة محمد السادس للعلوم والصحة تجري بنجاح أول عملية زراعة كلية مع عدم توافق فصائل الدم ABO على المستوى القاري    في ‬مذكرة ‬وزير ‬الداخلية ‬إلى ‬الولاة ‬والعمال ‬حول ‬الجبايات ‬المحلية ‬ورؤساء ‬الجماعات ‬الترابية:‬    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    فرنسا.. توقيف مراقب جوي بعد قوله "فلسطين حرة" لطاقم طائرة إسرائيلية    تراجع الدولار مع ترقب خفض أسعار الفائدة الأمريكية في شتنبر    فهم باش تخدم.. مهندسة شابة طموحة تروي رحلتها بين مقاعد الدراسة وآفاق الاقتصاد الفلاحي (فيديو)    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء شبه مستقر    توقعات أحوال الطقس لليوم الأربعاء    القوات المسلحة تحقق في تعنيف أحد المهاجرين    دول أوروبية تتوعد النظام الإيراني بإعادة تفعيل آلية العقوبات    بوتين يشيد بالقوات الكورية الشمالية    اعتقال شخص بعد إطلاق نار داخل مطار سيدني    فوضى "الجيليات الصفراء" ببني ملال        تسكت تتألق في أمسية "رابافريكا"    الجبهة المغربية لدعم فلسطين: سيون أسيدون وُجد فاقدا للوعي داخل منزله وعليه آثار إصابات على رأسه وكتفه "غير طبيعية"    دورة سينسيناتي لكرة المضرب: ألكاراس يتأهل لثمن النهاية    تقرير: المغرب في المركز السادس إقليميا بعدد مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر في 2024    منير القادري يتخلى عن مشيخة الزاوية البودشيشية لفائدة أخيه معاذ القادري    غزة: صندوق الثروة السيادية النرويجي يسحب استثماراته من 11 شركة إسرائيلية        أنفوغرافيك | 25.84 مليون درهم.. لتمويل 40 مهرجان وتظاهرة سينمائية    حملة أمنية بوزان تطيح بمروجي مخدرات وتوقف مطلوبين للعدالة    توجيه الدعوة ل 26 لاعبا من المنتخب المغربي لكرة القدم لأقل من 20 سنة للمشاركة في وديتي مصر    المقاصة.. انخفاض النفقات الصادرة بنسبة 19,2 في المائة عند متم يوليوز الماضي    المحلي يواصل التحضيرات للقاء زامبيا    "الكاف" يوجّه إنذارا لكينيا بسبب خروقات أمنية في بطولة "الشان"    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بارتفاع طفيف    اطلاق فعاليات الأبواب المفتوحة لفائدة الجالية المغربية بالخارج    الدوزي يلهب الحماس في "راب أفريكا"    الرباط تحتضن أولى نسخ "سهرة الجالية" احتفاءً بأبناء المهجر (صور)    مهرجان "راب أفريكا" يجمع بين المتعة والابتكار على ضفة أبي رقراق    حين يلتقي الحنين بالفن.. "سهرة الجالية" تجمع الوطن بأبنائه    دراسة: الأطعمة عالية المعالجة صديقة للسمنة    عوامل تزيد التعب لدى المتعافين من السرطان    دراسة: استعمال الشاشات لوقت طويل قد يزيد خطر الإصابة بأمراض القلب لدى الأطفال والمراهقين    دراسة: الفستق مفيد لصحة الأمعاء ومستويات السكر في الدم    دراسة تحذر.. البريغابالين قد يضاعف خطر فشل القلب لدى كبار السن    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أشم العفن في أمريكا حتى نتذكر ونستخلص العبر
نشر في المساء يوم 20 - 09 - 2012

كان ذلك منذ سبع سنوات فقط.. في عام 2005 نشرت صحيفة «جيلاندز بوستن» الدنماركية 12 رسما مسيئا إلى النبي محمد، صلى الله عليه وسلم.. قامت الدنيا ولم تقعد في العالم الإسلامي كله، وخرجت مظاهرات في معظم عواصمه شارك فيها الألوف، أسفرت عن مقتل عشرات في المواجهات مع قوات الأمن.. في الدنمارك ذاتها هاجم متظاهرون من أصول إسلامية مباني تابعة للخارجية الدنماركية ومكاتب للاتحاد الأوربي، وتعرضت سفارات الدنمارك في عدة عواصم إسلامية، وكذلك في لندن، للاقتحام، وحرقت أعلامها، بينما كانت الصيحات تتعالى تطالب «بن لادن» بالانتقام للنبي.. معظم الحكومات الإسلامية طالبت الدنمارك بالاعتذار، وطلب سفراؤها الاجتماع برئيس الوزراء الدنماركي، راسموسين (الذي عين فيما بعد سكرتيرا عاما لحلف الأطلنطي)، فرفض لقاءهم لمدة ثلاثة أشهر.
في هذه الأشهر الثلاثة أعادت 143 صحيفة في 56 دولة (بينها دول إسلامية) نشر الرسومات ذاتها أو بعضها، وأعلنت أنها تفعل ذلك ليس مساندة للصحيفة الدنماركية فقط، وإنما دفاعا عن حرية التعبير أيضا.. هاجم العديد من هذه الصحف الحكومات الإسلامية، وقالوا إنها لن تستطيع تقييد حرياتنا كما تفعل في مجتمعاتها.. لوحظ وقتها أن الصحف الأمريكية والبريطانية تعاطفت مع صحيفة «جيلاندز بوستن»، لكن معظمها لم ينشر الرسومات.. الخارجية الأمريكية أصدرت بيانا وصفت فيه الرسومات بكونها مسيئة إلى المشاعر، وقالت إن «التحريض على الكراهية العرقية والدينية أمر غير مقبول»، أما وزير الخارجية البريطانية فقد صرح بأن «حرية التعبير لا تستلزم الإهانة بالضرورة».
أخيرا، اجتمع راسموسين بالسفراء العرب في كوبنهاجن، لكنه رفض تقديم اعتذار صريح، لأن حكومته ليست مسؤولة.. سحبت سوريا والسعودية وليبيا سفراءها، واشتعلت المظاهرات مرة أخرى في العالم الإسلامي تنادي بالانتقام.. في ذلك الوقت كنت أقيم في دبي، حيث تعالت الدعوات فيها، كما في أنحاء الخليج كله، لمقاطعة البضائع الدنماركية، ولم يكن مشهدا غريبا أن ترى هذه الدعوات معلقة على أبواب معظم المحال والمراكز التجارية.. أذكر أن الشيخ القرضاوي ألقى عندئذ خطبة قال فيها: «علينا أن نخبر الأوربيين بأننا نستطيع العيش دونهم، لكنهم لا يستطيعون العيش دوننا»، أما أنا فكنت متحمسا للمقاطعة في الحدود المستطاعة.. في برنامجي «قلم رصاص» طالبت بالتركيز على مقاطعة نوع واحد من الزبد الدنماركي شائع الاستعمال في الخليج.. رفضت إدارة التلفزيون إعادة حلقة البرنامج كما هو معتاد، خشية خسارة إعلانات قدرت بآلاف الدولارات، لكن حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد، عندما علم بالخبر أمر بإعادة البرنامج مرتين بدلا من واحدة، وفي وقت المشاهدة القصوى.. ربما تكون حملة المقاطعة قد نجحت، إذ إن شركة الألبان المنتجة للزبد قلصت إنتاجها وسرحت بعض العمال، لكن عددهم لم يكن كبيرا (125 فقط) بحيث يؤثر على اقتصاد الدنمارك.
رغم الاحتقان الذي أحدثته الرسومات في العلاقات الدولية، فإن موقف الأمم المتحدة كان فاترا، واكتفى أمينها العام وقتئذ، كوفي أنان، بالإدلاء بتصريح طالب فيه الجانبين (العالم الإسلامي والعالم الغربي) بعدم صب مزيد من الزيت على النار.. استهجنت الدول الإسلامية هذا الفتور، وفي إطار مؤتمرها الإسلامي تقدم سفراء هذه الدول لدى الأمم المتحدة باقتراح للجمعية العامة حتى تصدر توصية قوية بشأن تشويه صورة الأديان، تركز على احترام الدين الإسلامي خاصة، وتطالب بعدم ربط الإسلام بالإرهاب.. صدرت التوصية، إلا أن نشر الرسومات المسيئة لم يتوقف.. في 2006 أعيد نشر الرسومات في بلدان امتدت من نيوزيلندا إلى المجر والنرويج وسويسرا وألمانيا وإيطاليا، ووجدت صحيفة «فرانس سوار» فيها مادة إثارة راهنت على أنها ستنقذ الصحيفة من مصاعبها المالية.. ولم يمض عامان حتى أعادت 17 صحيفة دنماركية نشر الرسومات تحت شعار «دفاعا عن حرية الرأي»، رغم أن صحيفة «جيلاندز بوستن» كانت قد اعتذرت عن نشرها من قبل، ووصل الأمر في 2010 إلى حد إصدار كتاب في كوبنهاجن ضم الرسومات جميعا.. بالرغم من أن الجاليات الإسلامية ظلت تطارد الرسام الدنماركي سنوات في كل المحافل، حتى إن شابا صوماليا حاول قتله (حكم عليه بالسجن 10 سنوات في 2011)، وبالرغم من أن الصحيفة الدنماركية هوجمت عدة مرات، وأن قنبلة ألقيت على صحيفة فرنسية، فإن الأوربيين تعاطفوا مع الرسام، وكرمته المستشارة الألمانية «ميركل» في 2010.
أسوق هذه الحقائق دون تعليق، تاركا للقارئ استنتاج ما يريده.. لكننا إذا أردنا أن نقارن الموقف وقتها بأزمة الفيلم الأمريكي المسيء لوجدنا أن الوضع الآن أشد تعقيدا لعدة أسباب: أن الطرف الآخر هذه المرة هو الدولة العظمى، الولايات المتحدة، وليس الدنمارك، وأن سفيرا أمريكيا قتل هذه المرة في ليبيا مع اثنين من أعضاء سفارته، وأن هذا أول اختبار لتأزم العلاقات بين الولايات المتحدة ودول الربيع العربي، وهو أول اختبار أيضا لتيار الإسلام السياسي الحاكم في مصر وليبيا في مواجهة الولايات المتحدة، وأن مصر بالذات تريد أن تتخذ موقفا قويا في مواجهة الإساءة إلى الرسول الكريم، لكنها مقيدة بوضعها الداخلي القلق واحتياجها إلى الاستثمارات الأجنبية وربما المعونات، مدنية وعسكرية، وأن الشعب في مصر وفي دول الربيع العربي عامة كسر حاجز الخوف وأصبحت له كلمة وثقل، وأن هناك مشاعر كراهية راسخة تجاه الولايات المتحدة ظهرت على السطح مرة أخرى لتفجر الأزمة، وأن إصدار الفيلم مدبر ليأتي مع ذكرى 11 شتنبر التي تعيد تذكير الأمريكيين بكابوس الإسلام والإرهاب، ثم إنه رغم أن الغضب اجتاح الشعب كله فإنه انقسم حول طبيعة الرد ما بين المزايدات والمناورات، وأخيرا فهناك الآن ثأر متبادل بين جانب من الشعب والشرطة يعصف بالمشهد الداخلي.
بالإضافة إلى كل ذلك، فهناك اختلافات أخرى بين أزمتي الرسومات المسيئة والفيلم المسيء، لعل أهمها أن هناك مصريين مسيحيين بين منتجي الفيلم، مما ضاعف من التعقيدات في الداخل، وأن الفيلم انتشر على نطاق أوسع بعد بثه على «يوتيوب»، بذلك تداخلت أطراف أخرى في الأزمة، منها «جوجل» وغيرها من أركان الشبكة الإلكترونية.. وأخيرا، فإن جانبا من الفيلم تم بثه من خلال قناة دينية مصرية.
في مسرحية «هاملت»، قال شكسبير عبارته الشهيرة: «أشم رائحة عفن في الدنمارك»، أما نحن، فإننا نشم العفن في أمريكا.. لعل لنا مقالا آخر نرى فيه ما العمل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.