أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    مكناس .. تتويج 12 زيت زيتون من أربع جهات برسم النسخة 14 للمباراة الوطنية    رسميا.. الجزائر تنسحب من البطولة العربية لكرة اليد المقامة بالمغرب    المغرب يصدر 2905 تراخيص لزراعة وإنتاج القنب الهندي إلى غاية أبريل الجاري    الوكالة الوطنية للغابات تخرج عن صمتها بخصوص ظهور "القط الأنمر" في إحدى غابات طنجة    بحر طنجة يلفظ جثة شاب غرق خلال محاولته التسلل إلى عبارة مسافرين نحو أوروبا    تظاهرات تدعم غزة تغزو جامعات أمريكية    غدا تنطلق أشغال المؤتمر الثامن عشر لحزب الاستقلال    الفروع ترفع رقم معاملات "اتصالات المغرب"    مطار مراكش المنارة الدولي .. ارتفاع حركة النقل الجوي خلال الربع الأول    ارتفاع أرباح اتصالات المغرب إلى 1.52 مليار درهم (+0.5%) بنهاية الربع الأول 2024    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    هذا الكتاب أنقذني من الموت!    سيمو السدراتي يعلن الاعتزال    المعرض المحلي للكتاب يجذب جمهور العرائش    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    14 ألف مواطن إسباني يقيمون بالمغرب    بسبب تعديلات مدونة الأسرة.. البرلمانية اليسارية التامني تتعرض لحملة "ممنهجة للارهاب الفكري"وحزبها يحشد محاميه للذهاب إلى القضاء    نجم مغربي يضع الزمالك المصري في أزمة حقيقية    تحويل الرأسمالية بالاقتصاد اليساري الجديد    تأملات الجاحظ حول الترجمة: وليس الحائك كالبزاز    حفل تقديم وتوقيع المجموعة القصصية "لا شيء يعجبني…" للقاصة فاطمة الزهراء المرابط بالقنيطرة    مهرجان فاس للثقافة الصوفية.. الفنان الفرنساوي باسكال سافر بالجمهور فرحلة روحية    المغربي إلياس حجري يُتوّج بلقب القارئ العالمي للقرآن    بوغطاط المغربي | محمد حاجب يهدد بالعودة إلى درب الإرهاب ويتوّعد بتفجير رأس كل من "يهاجمه".. وما السر وراء تحالفه مع "البوليساريو"؟؟    الدراجات النارية وحوادث السير بالمدن المغربية    عملية رفح العسكرية تلوح في الأفق والجيش الاسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر من نتانياهو    مكتب التكوين المهني/شركة "أفريقيا".. الاحتفاء بالفوجين الرابع والخامس ل"تكوين المعل م" بالداخلة    واشنطن طلبات من إسرائيل تعطي إجابات بخصوص "المقابر الجماعية" ف غزة    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    بطولة فرنسا: موناكو يفوز على ليل ويؤجل تتويج باريس سان جرمان    الصين تكشف عن مهام مهمة الفضاء المأهولة "شنتشو-18"    الولايات المتحدة.. أرباح "ميتا" تتجاوز التوقعات خلال الربع الأول    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    أخنوش: الربط بين التساقطات المطرية ونجاح السياسات العمومية "غير مقبول"    بني ملال…تعزيز البنية التحتية الرياضية ومواصلة تأهيل الطرقات والأحياء بالمدينة    رابطة للطفولة تعرب عن قلقها من التركيز المبالغ فيه على محور التربية الجنسية والصحة الإنجابية للمراهق في دورة تكوين الأطر    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    المنتخب المغربي ينهزم أمام مصر – بطولة اتحاد شمال إفريقيا    المنتخب المغربي لأقل من 18 سنة يفوز على غواتيمالا بالضربات الترجيحية    نور الدين مفتاح يكتب: العمائم الإيرانية والغمائم العربية    ما هو سيناريو رون آراد الذي حذر منه أبو عبيدة؟    تعزيز التعاون الفلاحي محور مباحثات صديقي مع نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي    أخرباش تشيد بوجاهة القرار الأممي بشأن الذكاء الاصطناعي الذي جاء بمبادرة من المغرب والولايات المتحدة    اتفاقية الصيد البحري..حجر ثقيل في حذاء علاقات إسبانيا والمغرب!    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    جنايات أكادير تصدر حكمها في ملف "تصفية أمين تشاريز"    عاجل.. كأس إفريقيا 2025 بالمغرب سيتم تأجيلها    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    الفوائد الصحية للبروكلي .. كنز من المعادن والفيتامينات    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        كلمة : الأغلبية والمناصب أولا !    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل الاقتصاد المغربي على «حافة» سياسة التقويم الهيكلي؟
بعد خفض 15 مليارا من الاستثمار العمومي وتراجع الاحتياطي من العملة الصعبة
نشر في المساء يوم 12 - 04 - 2013

في أقل من أسبوع، خرجت الحكومة وبنك المغرب بمؤشرين لا يبعثان على الاطمئنان، الأول التخفيض من حجم الاستثمارات العمومية، وبصفة خاصة في المجال الاجتماعي،
والثاني التراجع المستمر للاحتياطي من العملة الصعبة والذي يضمن للمغرب استيراد المواد الطاقية والغذائية.
أثار إيقاف تنفيذ 15 مليار درهم من ميزانية الاستثمار جدلا كبيرا خلال هذا الأسبوع، حيث سارعت أحزاب المعارضة إلى شجب إقدام الحكومة على اتخاذ قرار بهذه الأهمية، بعيدا عن الأضواء وهي بذلك لم تحد عن الدور المنوط بها، غير أن الجدل انتقل إلى صفوف أحزاب الأغلبية، إذ قال حميد شباط الأمين العام لحزب الاستقلال، نهاية الأسبوع الماضي، إن قرار الحكومة تجميد استثمارات عمومية هو ركون إلى «الحل السهل»، فيما شدد امحند العنصر الأمين العام للحركة الشعبية، في لقاء مع فريقي حزبه بالبرلمان، على ضرورة «عدم إطلاق الوعود في الهواء» والحديث ب«لغة الحقيقة» بشأن الوضعية الاقتصادية والاجتماعية الراهنة وهو ما يؤشر على أن صفوف الأغلبية باتت آيلة للتصدع.
محمد سعيد السعدي، القيادي في حزب التقدم والاشتراكية، اتهم الحكومة بالتلاعب بمستقبل المغرب، محذرا من مخاطر تقليص نفقات الاستثمار، الذي سينعكس سلبا على نسبة النمو خلال السنوات المقبلة وعلى المقاولات التي ستجد نفسها عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها، ما سيدفعها إلى التضحية بالعمال والأجراء وتقليص ساعات العمل، وهو ما يهدد القدرة الشرائية لآلاف الأجراء ويؤدي إلى نتائج كارثية في المستقبل.
ويرى المراقبون أنه كلما تأزم الوضع في المغرب خاصة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية إلا ويتم اللجوء إلى البنك الدولي أو إلى صندوق النقد الدولي قصد تدخلهما عبر إملاءات يتم تمريرها بواسطة التقارير وتفعيلها بالقروض، إذ يرى العديد من الملاحظين أن اتخاذ قرار حذف 15 مليارا من الاستثمار العمومي جاء بعد تحذير صندوق النقد الدولي، الذي أرسل خبراءه للتحقق من الوضعية المالية العمومية، والأمثلة على ذلك كثيرة منها برنامج التقويم الهيكلي (1983) وضرورات الإصلاح المشار إليها في تقرير الأزمة القلبية (1994) الخ.
المعارضة دقت ناقوس الخطر في 2012
خلال شهر غشت من السنة الماضية، نفى إدريس الأزمي الإدريسي، الوزير المنتدب لدى وزير الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية، وبشكل قاطع ما يتم الترويج له آنذاك من إمكانية عودة سياسة التقويم الهيكلي ورهن المغرب في يد المؤسسات المالية الخارجية، مؤكدا أن الظروف التي سبقت التقويم ليست هي الظروف التي نمر منها اليوم. وأوضح الأزمي في لقاء صحافي ردا على اتهام المعارضة للحكومة بلجوئها لإغراق المغرب بالديون الخارجية، وما ستكون لها من انعكاسات اجتماعية خطيرة، أن التخويف من الأرقام التي قدمتها الحكومة هدفه إثارة البلبلة وخلط الأوراق. وجزم نفس المتحدث بأن الوضعية الحالية التي يعيشها الاقتصاد الوطني لن تؤدي إلى عودة شبح سياسة التقويم الهيكلي، لأن المغرب يتوفر على مصادر التمويل العام، وهو ما فرض عليه التوجه نحو التصنيع في قطاعات واعدة، واستعمال التجهيزات من السوق الداخلية، مصنعة مغربيا، بدلا من اللجوء المفرط إلى الاستيراد.
وأكد الأزمي في هذا السياق وبناء على المعطيات التي بني عليها الاقتصاد الوطني أن هذا الأخير رغم الصعوبات التي يمر منها إلا أن له عناصر قوة، مقارنة مع سنة 1983 التي عرف فيها المغرب تطبيق التقويم الهيكلي، موضحا أن المالية العمومية اليوم مختلفة عما كانت عليه بداية الثمانينيات، والتي كانت تعاني من غياب نظام جبائي. وأضاف أن الاقتصاد الوطني يعتمد على قطاعات متعددة مثل إنتاج وتسويق السيارات، عكس ما كان عليه الوضع سنة 83 والذي كان يعتمد على الفوسفاط فقط، حيث بلغت نسبة عجز الميزانية آنذاك 12%، في حين أن العجز لا يتجاوز 6 في المائة وهدف الحكومة قبل نهاية 2016، هو جعله في حدود 3 في المائة. لكن حاليا ونحن في بداية 2013، يبدو أن الوضع ليس مريحا للاقتصاد المغربي، عكس ما كان يصرح به سابقا.
القروض والتقويم الهيكلي
انطلاقا من سنوات 1980 جرى، سواء في بلدان العالم الثالث أو الشرق أو البلدان الصناعية، استعمال أزمة الديون العمومية بكيفية ممنهجة لفرض سياسات تقشف باسم التقويم . فقد اتهمت الحكومات القائمة سابقاتها بالعيش في مستوى يفوق إمكاناتها باعتمادها السهل على الاقتراض وبررت بذلك لجوءها إلى « تقويم « للنفقات العمومية والاجتماعية بوجه خاص كما لو تعلق الأمر بتقويم حزام بشده درجات إضافية . فيما يخص بلدان العالم الثالث والشرق بدأ النمو الهائل للديون العمومية في نهاية سنوات 1960 وأفضى إلى أزمة تسديد انطلاقا من 1982 . ولعل توجه حكومة بنكيران إلى الاستدانة بشكل مفرط من الخارج، سواء من خلال الخط الائتماني لصندوق النقد الدولي بقيمة 6.2 مليارات دولار، أو اقتراض440 مليون أورو من البنك الأوربي للاستثمار و121 مليون أورو من البنك الإفريقي للتنمية. هو ما دفع نفس الحكومة للجوء إلى»تقويم» في النفقات العمومية والاجتماعية من خلال التخلي عن 15 مليار درهم من الاستثمارات العمومية التي كانت مبرمجة في 2013، كما أن إحصائيات وزارة المالية تؤكد أن حجم المديونية الخارجية للمغرب وصل إلى 212.7 مليار درهم عند متم 2012، وهو ما بات يمثل 25.5 من الناتج الداخلي الإجمالي للبلاد. وبذلك يكون الدين العمومي الخارجي قد ارتفع في السنة الأولى من عمر حكومة عبد الإله بنكيران ب 23.6 مليار درهم مقارنة مع نهاية 2011 ضمنها 17.3 مليار درهم كنمو في الدين الخارجي للخزينة العامة. و 6.3 مليارات درهم كنمو في المديونية الخارجية للمؤسسات العمومية .
الحكومة تدفع بعدم المسؤولية
في سياق تبادل الاتهامات بين حزب العدالة والتنمية، الذي يقود الحكومة الحالية والمعارضة البرلمانية، حول من المسؤول عن وصول المغرب إلى هذه الوضعية الاقتصادية المتأزمة، صرح عبد الله بوانو، رئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، إنه كان متأكدا وترسخ لديه التأكيد بعد الاجتماع الذي جمع أعضاء فريقه مؤخرا، مع محمد نجيب بوليف الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة، ومع ادريس الأزمي وزير الميزانية، بأن الوضعية التي يعيشها الاقتصاد الوطني اليوم، ما هي إلا نتاج لسياسات عمومية سابقة وما هي إلا آثار لتوجهات خاطئة للحكومات السابقة، مبرزا أن جزءا مما يقع اليوم هو إبراز لجوانب كانت خافية في تدبير المالية العمومية فيما سبق. وأوضح بوانو في تصريح صحافي أن من يتكلم عن نسبة 7,1 في المائة كعجز في الميزانية، عليه أن يعلم أنها ناتجة عن أداء لبعض المستحقات التي تعود الالتزامات بشأنها لسنة 2010، وبقيت قراراتها تدور في دواليب الإدارة إلى أن سقطت في مالية 2012، ومنها التزامات الحوار الاجتماعي، الذي كلف الميزانية حوالي 3 مليارات درهم. وشرح بوانو أن العجز الحقيقي في عهد الحكومة الحالية التي يقودها حزبه، لن يتعدى في أسوأ الحالات 1 في المائة، إذا ما روعيت الزيادات المسجلة في بعض النفقات خارج ما كان متوقعا، كما حدث مع كلفة صندوق المقاصة أو كتلة الأجور، وإذا ما روعيت التخفيضات «غير المبررة» في بعض الضرائب، سواء التي همت الدخل أو عدد من الشركات، مضيفا أن من قَدَر هذه الحكومة أن تعيش على وقع نتائج التدابير «الخاطئة» للحكومات السابقة.
الركود الاقتصادي الأوربي يؤزم الوضعية
الركود الذي تشهده منطقة الأورو، في ظل ارتفاع أسعار المواد الأساسية وتقلبات أسعار الصرف، تسبب في آثار وخيمة للاقتصاد الوطني، ذلك ما كشف عنه تقرير لمديرية الخزينة والمالية الخارجية التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية مؤخرا، فقد أدى الارتفاع الملحوظ لنسبة البطالة بمنطقة الأورو من 8,4 في المائة سنة 2008 إلى 11,7 في المائة سنة 2012 إلى انخفاض تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج وإلى تراجع العائدات السياحية، فيما ساهم ارتفاع فاتورة الطاقة والحبوب في تراجع الميزان التجاري بواقع 84 في المائة خلال الفترة 2008-2012 ، مقابل 50 في المائة خلال الفترة 2003-2007. كما انخفضت قيمة الدرهم بنسبة 6,7 في المائة بالقياس إلى الدولار (8,6 درهم في المتوسط سنة 2012 مقابل 8,1 في المائة سنة 2011)، بسبب التقلبات المتزايدة لأسعار الصرف الناجمة عن أزمة الديون السيادية في بعض بلدان منطقة الأورو.



إدريس الازمي الإدريسي : نحن نرتب أولويات المشاريع العمومية مع الحفاظ على توازن المالية
قال إدريس الأزمي الإدريسي، الوزير المنتدب لدى وزير المالية المكلف بالميزانية، إن قرار وقف تنفيذ 15 مليار درهم من نفقات الاستثمار العمومي برسم سنة 2013 يأتي في إطار ضبط توازن المالية، وتسريع إنجاز الاعتمادات المُرحّلة وضمان تنفيذها، مع الحفاظ على نفس مستوى الاستثمار لسنة 2012. وأوضح الأزمي، في تصريحه للموقع الالكتروني لحزب العدالة والتنمية، بأن هذا القرار يأتي أولا في إطار المادة 45 من القانون التنظيمي التي تسمح للحكومة بأن تتخذ مثل هذه الإجراءات الاستثنائية بالنظر إلى عدة اعتبارات، «حيث تبين بأن حجم الاعتمادات المُرحّلة من سنة 2012 إلى 2013 بلغت 21 مليار درهم وهي نسبة لم يسبق أن بلغتها الاعتمادات من قبل، وهو ما أصبح يؤثر على توازن المالية إذا ما أضيفت إلى الاعتمادات الجديدة التي فتحت برسم سنة 2013 بغلاف يقدره ب 58 مليار درهم، وبالتالي فمجموع الاعتمادات سيصل إلى 79 مليار درهم».
وأفاد الأزمي بأن المشاريع ذات الأولوية بالنسبة للقطاعات الوزارية غير معنية بهذا القرار، أما المشاريع التي يمكن أن يتم إرجاؤها فهي مشاريع لم يتم البدء فيها أصلا. وبالتالي فإن الأمر يتعلق بإعادة ترتيب أولويات المشاريع العمومية مع الحفاظ على توازن المالية العمومية، مشيرا في هذا الصدد إلى أن المشاريع التي انطلق العمل فيها لن تتوقف وغير معنية بالقرار. وأكد الأزمي أن نسبة 7,1 في المائة من الناتج الداخلي الخام المسجلة في عجز الميزانية عن سنة 2012، والتي عرفت ارتفاعا بحوالي 2 في المائة عما كان متوقعا، ترجع بالأساس إلى ارتفاع النفقات العمومية خارج المبالغ التي كانت متوقعة في ميزانية 2012، ضاربا المثال بنفقات صندوق المقاصة التي ازدادت ب 28 مليار درهم، وارتفاع كتلة الأجور بأكثر من 2 مليار درهم نتيجة التزامات سابقة تم أداؤها سنة 2012، وارتفاع حجم الاستثمار أيضا بحوالي 2 مليار و500 مليون درهم، نتيجة تسريع الأداءات لفائدة الشركات برسم الصفقات العمومية وارتفاع التسديدات المتعلقة بالضريبة على القيمة المضافة التي زادت حسب المتحدث بما مجموعه مليار و400 مليون درهم عن السنة الماضية، نتيجة تسريع استرجاعها لفائدة الشركات الصغرى والمتوسطة.
الوزير المنتدب لدى وزير المالية المكلف بالميزانية



هشام الموساوي : نحن في أزمة وحكومة بنكيران تواصل سياسة الإنكار

- ما هو تعليقك على تخفيض الحكومة للاستثمارات العمومية ب 15 مليار درهم في 2013؟
يجب التذكير بأن حكومة بنكيران ليست هي أول من استخدم الحد من الميزانية العامة للاستثمار، بل إن أسلافه قد فعلوا ذلك، لكن بنكيران يستمر في اختيار الحلول السهلة مثلما كان الحال خلال الزيادة في تضريب أصحاب الدخول المرتفعة من أجل صندوق التماسك الاجتماعي، حيث يؤكد مرة أخرى أنه في تناقض مع التزاماته، عندما وعد بوضوح بأنه لن يمس بالاستثمارات العمومية خلال مناقشة قانون المالية2013 ، وأخيرا، إذا كانت حكومة بنكيران تدعي بأن الميزانية العامة للاستثمار لا تنجز دائما بنسبة 100 في المائة، فإن ذلك يبقى حجة كاذبة لدرجة أن سوء الحكامة (التبذير، الافتقار إلى الخبرات، التهرب..)، يصبح ذريعة لتبرير مثل هذا التخفيض الكبير في الاستثمارات العامة. فمن وجهة نظري، تفتقر الحكومة إلى التماسك، لأنه لا يمكن حل مشكلة سوء التسيير والحكامة بتخفيض مخصصات موجهة للاستثمار العمومي، وإنما بتحسينها وترشيدها لتصبح أكثر فاعلية. عند إنجاز قانون المالية لعام 2013 ، تقوقعت حكومة بنكيران على نفسها، والآن لديها فرصة للعودة إلى البرلمان وإشراك نواب الأمة في وضع تشريعات معدلة، وهذا هو الأكثر واقعية. لأن سنة 2013 لا تحتمل أن تكون بيضاء بعد 2012 التي كانت صعبة.
- الاحتياطي من العملة الصعبة لا يمثل سوى أربعة شهور من استيراد السلع والخدمات، هل يشكل ذلك خطرا على الاقتصاد الوطني؟
في هذا الجانب يمكن القول إن أربعة أشهر هو عتبة مقبولة للحفاظ على الائتمان والقدرة على إيفاء جزء من الديون في آجال استحقاق قصيرة الأجل، هذا من جهة، بالإضافة إلى تأمين حاجياتنا من الواردات، من ناحية أخرى. بهذا المعنى، فإن الاقتصاد قاب قوسين من منطقة الخطر، وأي زلة يمكن أن تغرق الاقتصاد الوطني في حالة من الاضطرابات التي تحمل العديد من المخاطر. ولكن أكثر من مستوى احتياطيات النقد الأجنبي، والذي يثير قلقا أكبر، هو ميل هذه الاحتياطات إلى التقهقر التدريجي في السنوات الأخيرة، نتيجة حتمية لعاملين اثنين: أولا، الارتفاع المهول لأسعار الحبوب وتكاليف الطاقة، وثانيا، معدل نمو الصادرات المغربية غير كاف نظرا لعدم القدرة على المنافسة وكذا الركود الذي أصاب منطقة اليورو، والتي تعتبر أكبر زبون للمغرب. فرغم وصول المساعدات من دول الخليج والمحاولات التي قامت بها الحكومة بالأسواق الدولية والتي يمكن اعتبارها متنفسا للاقتصاد الوطني، إلا أنه رغم ذلك، لا يمكن عكس التوجه الهيكلي لعدم وجود تغطية الصادرات المغربية بما نستورده من الخارج، والذي يحمل خطرا محدقا بالاقتصاد الوطني، ويجب أن يدفع قادتنا إلى إعادة التفكير ليس فقط في سياستنا التجارية لتعزيز الصادرات، ولكن أيضا إلى تغيير النموذج الاقتصادي حيث النمو يحركه الاستهلاك المحلي المتوجه معظمه إلى المنتجات المستوردة وليس إلى المصنعة محليا. فقد حان الوقت لكسر هذا النمط، وإلا فإن النزيف سوف يستمر مع خطر العسر في تأدية الديون، وبالتالي تدهور تصنيف المغرب من قبل وكالات التصنيف الدولية، التي تسحب ثقة المستثمرين الأجانب والأسواق المالية الدولية في اقتصادنا الوطني. وعلاوة على ذلك، إذا ما استمرت احتياطيات النقد الأجنبي في التناقص شهرا بعد شهر، فمن المرجح أن يتم وضع الاقتصاد الوطني مرة أخرى تحت إشراف مؤسسات «بريتون وودز» (صندوق النقد الدولي، البنك الدولي).
- بعد تقليص الاستثمارات العمومية وتراجع احتياطي العملة الصعبة، هل يمكن القول إن المغرب في ورطة اقتصادية؟
الواقع أن الاقتصاد الوطني، يوجد في حالة حرجة للغاية على الرغم من أن معدل النمو لم يتقهقر بعد، ولكن ما هي إلا مسألة وقت، لأن تدهور المالية العامة وتفاقم الاختلالات الخارجية(الميزان التجاري والحساب الجاري)، يهدد استدامة هذا النمو. نحن في حالة أزمة غير معلنة ورغم ذلك تواصل حكومة بنكيران سياسة الإنكار وتأجيل الإصلاحات الهيكلية. فإذا استبعدنا معدل التضخم، فإن جميع المؤشرات الماكرو اقتصادية تقريبا هي في الأحمر. فالعجز الموازناتي قارب 11 مليار درهم متم شهر فبراير المنصرم، وإذا ما استمر هذا المعدل، فإنه سيصل إلى نسبة 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية عام 2013. أيضا، في نهاية شهر فبراير، انخفضت الواردات بنسبة 10.8 في المائة إلى 55.1 مليار درهم، مما يشير إلى انخفاض في الاستثمار، باعتبار أن الواردات من السلع والتجهيزات سجلت انخفاضا سنويا بنسبة بحوالي 5.8في المائة. في نفس الاتجاه تأثرت الصادرات المغربية وانخفضت بنسبة 3 في المائة، مما يؤشر على اتساع عجز الميزان التجاري واحتياطيات العملة الصعبة. وأخيرا، فإن محرك الاقتصاد الوطني، أي نفقات الاستهلاك النهائي للأسر ارتفعت بنسبة 2 في المائة فقط خلال الربع الرابع من عام 2012 بدلا من 8 في المائة في العام 2011، كما استمر الدين العام في التفاقم، وأصبح على مقربة من عتبة الخطر، أي نسبة 60 في المائة، لقد كشفت الأزمة في منطقة اليورو وتضخم أسعار النفط والمواد الأولية هشاشة الاقتصاد المغربي التي تم إخفاؤها من قبل، بفضل عائدات السياحة وتحويلات المغاربة المقيمين في الخارج. وإذا كان هذا العام لديه آفاق جيدة بالنسبة للمحاصيل الزراعية، فإن ارتفاع القيمة المضافة الفلاحية لا يمكن إلا أن تعوض عن انخفاض الأنشطة غير الزراعية، بما في ذلك انخفاض الصادرات إلى السوق الأوروبية، وانخفاض في أنشطة قطاع البناء والتعدين وتباطؤ نمو الخدمات. وهذا يعني أن معدل النمو لن يتجاوز في أحسن الأحوال 4 في المائة، وهذا ضد رغبات الحكومة. إن تخفيض ميزانية الاستثمارات العمومية، وحتى إذا اتبعنا منطق الحكومة في المصطلحات المحاسباتية، فلا يجب أن ننسى أن هذه إشارة سيئة إلى جميع الشركات التي تعتمد مباشرة أو غير مباشرة على الصفقات العمومية، والنتيجة ستكون حتما تباطؤ الاستثمار والطلب الداخلي، في ظل المعنويات المتذمرة للأسر والشركات. وكلمة السر هي إما الاعتماد على التوفير في انتظار أيام أفضل أو تأجيل الاستثمارات . ولدى الحكومة خطر آخر لتدمير محرك النمو الاقتصادي المعتمد على استهلاك الأسر والاستثمارات العمومية، وخاصة في سياق اقتصادي لا يتوفر على استثمارات خاصة رائدة. وبعيدا عن المبلغ المخصص للاستثمارات العمومية، فالذي على المحك هو أرباح هذه الاستثمارات، وهي القضية التي يبدو أنها خارجة من حسابات الحكومة، التي لا تزال تخوض في نهج المحاسبة البحتة، وتفتقر بشكل رهيب إلى الرؤية الاستراتيجية وروح الإصلاح. وعلاوة على ذلك، حتى لو لم نعرف لحد الآن ما هي المشاريع التي سوف تتأثر بهذه التخفيضات في الميزانية، فالقطاعات الاجتماعية هي من ستدفع الثمن حتما، بما في ذلك التعليم والصحة والإسكان، الشيء الذي سيفاقم التوترات الاجتماعية.
- ما هي الحلول الناجعة من وجهة نظرك لتخطي هذين الإشكالين؟
إن تخفيض ميزانية الاستثمارات العمومية هو تدبير مرحلي يمكنه توفير بعض الوقت لحكومة بنكيران، لكنه لن يحل المشكلة الهيكلية للعجز الموازناتي المغربي، وما عليك سوى إلقاء نظرة على الأثر المحدود للارتفاع الأخير في أسعار الوقود، إذ لم يمنع من انفجار ميزانية صندوق المقاصة الذي يقارب 55 مليار درهم. والأكثر خطورة هو أنه يفتح الباب لسياسة التقشف الوحشية التي لا زالت مستترة، إنها بدأت بنفس الطريقة في فترة السبعينيات من القرن الماضي، والتي انتهت بتطبيق برنامجا للتقويم الهيكلي . ولذلك، ومن أجل الحد من هذا العجز الهيكلي لا ينبغي أن نرهن الاقتصاد الوطني من خلال الحسابات السياسية الضيقة، والتي أدت إلى تأجيل الإصلاحات الهيكلية، بما في ذلك صندوق المقاصة والتقاعد والوظيفة العمومية، فعلى النقيض من وعود بنكيران، فالدولة رفعت من أسلوب حياتها، من خلال زيادة النفقات العادية بنسبة 16.4 في المائة في الشهرين الأولين من 2013، والرفع من نفقات تسيير الموظفين بنسبة 9.5 في المائة. إن المخططات الإصلاحية يجب أن تستهدف أولا إصلاح دور الدولة من خلال إعادة تعريف المهام بين القطاع العام والقطاع الخاص، والتوجه نحو ترشيد الأجور، ثم بدء الإصلاح التدريجي لصندوق المقاصة في سياق نهج شامل، بما في ذلك الإصلاح الضريبي، وإنشاء نموذج للحماية الاجتماعية. وأخيرا تسريع إصلاح مبدأ سيادة القانون وتحسين بيئة الأعمال لزيادة جاذبية اقتصادنا وتحسين القدرة التنافسية للإمدادات المحلية لدينا للحد من تدفقات العملة الأجنبية المتعلقة بالواردات وعائدات النقد الأجنبي. وهذا ينطوي حتما على تغيير في نمط التنمية الاقتصادية من خلال تحفيز العرض المحلي وفي نفس الوقت الطلب الداخلي. ولكن في المدى القصير، يبدو أن الديون الخارجية والتخفيف من سياسة الصرف، دون الذهاب إلى تخفيض قيمة الدرهم، تعتبر إجراءات لا مفر منها للحفاظ على احتياطيات النقد الأجنبي عند المستويات الحالية. ولكن ذلك لا يمكن أن يحل محل الإصلاحات الهيكلية التي ذكرتها سابقا.
أستاذ الاقتصاد بجامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.