في سنة 1997 تم إحداث مجلس العائلة القطرية الحاكمة من ثمانية أعضاء وازنين، يرأسهم أمير قطر، من أجل الفصل في الخلافات التي قد تنشأ بين مختلف الفروع العائلية، والبتّ في قيمة المَبالغ الموزعة لكل فرد من أفراد العائلة الحاكمة، الذين أصبحوا يتقاضون مند منتصف سنة 2000، نحو 210 أوروهات شهريا (2500 درهم) منذ ولادتهم إلى حين بلوغهم 10 سنوات، لترتفع التعويضات الشهرية إلى حوالي 1260 أورو (15 ألف درهم) ثم 4400 أورو (50 ألف درهم) عند بلوغ سن ال18. ويحصل كل فرد من عائلة آل ثاني على 36 ألف أورو (40 مليون سنتيم) إضافية عند زواجه من سيدة قطرية أو من إحدى بنات دول الخليج، على أن تكون مسلمة. كما يتقاضى أفراد العائلة المالكة تعويضا هاما يسمونه «تعويض العطل» يُضخُّ كل صيف في حساباتهم الخاصة. وتتيح هذه التعويضات السخية لأفراد الأسرة المالكة، التي تضم مئات الأفراد، الزواج والإنجاب في ظروف من الرّغد والطمأنينة، حتى وإن كانوا عاطلين لا يرغبون في العمل. وقد حرص الشيخ خليفة على إعداد خلف له تجنبا لسلبيات الماضي القطري المتميز بالصّراعات الكثيرة على الخلافة.. وحتى يكرّس القطيعة مع نظام التوارث، القائم على توريث الكرسي للابن الأكبر، ارتأى في البداية أن يتولى ابنه فهد مقاليد الحكم بدلا من الابن الأكبر مشعل، الذي لم يكن يبدي أيّ اهتمام بالسياسة أو الحكم.. غير أنّ الأمير فهد، الذي انغمس في الفكر الإسلامي الراديكالي منذ سنة 1993، حيث كان يتابع تكوينا عسكريا، اختفى عن الساحة نهائيا، قبل أن يظهر في إحدى المدارس الإسلامية في باكستان، وهو ما جعل والده يعدل عن موقفه بخصوص توليه الحكم، فاختار في أكتوبر 1996 الأميرَ جاسم وليا للعهد، وهو الابن الأكبر من الزوجة موزة، خريج الأكاديمية العسكرية البريطانية. وقد لقيّ الأخير دعما وسندا من طرف وزير الخارجية آنذاك، جاسم بن حمد آل جابر. ونظرا إلى ظروفه الصحية وقلة اهتمامه بشؤون الحكم، فقد اختار مجلس العائلة الحاكمة سنة 2003، الشيخ تميم بن حمد. ويعتبر توزيع الغنائم والتعويضات السخية والامتيازات في أسرة تحوي مئات الأفراد الطريقَ الأنجع لكبح جماح شهية الطامعين في الحكم، فمنهم من أسندت إليه قناة «الجزيرة»، ومنهم من تولى رئاسة شركة النفط القطرية وغير ذلك من المناصب المختلفة.. لكن مثل هذا التوزيع للثروات لم يمنع الفساد من أن يدبّ في أوصال العائلة الحاكمة، حيث تمت إقالة سعود بن محمد من مهامّه على رأس مجلس الثقافة والتراث سنة 2005، بعدما اتهِم بسوء تدبير صفقة شراء لوحات تراثية في العالم، وإعداد فاتورات مزيفة بملايين الدولارات.. أما الأمير عبد الله (طيار سابق) الذي عين سنة 2000 مديرا للديوان الأميري، فقد استقال هو الآخر بعد أن قام بعمليات مالية مشبوهة باسم مؤسسة «قطر للغاز». واللافت في الشأن العائلي القطري أنّ جميع أبناء الشيخة موزة لهم ثقل كبير في السلطة والمال. فالابنة مايسة تستحوذ على قطاع الثقافة وعُينت سنة 2005 مسؤولة عن الهيئة القطرية لمتاحف قطر، وهي خريجة جامعة كولومبيا نيويورك، وانضمت مؤخرا إلى مجلس إدارة مؤسسة قطر، التي ترأسها الأم موزة. وللأميرة هند توجهات سياسية ملحوظة جعلت منها مديرة ديوان والدها الشيخ حمد مند سنة 2008، وهي ذراعه الأيمن، ترافقه في جميع رحلاته الخارجية، فضلا على اهتمامها بقضايا التربية والأسرة. وفيما يهتمّ الأمير جعان بالتكوين العسكري، ويتوقع القطريون له مستقبلا عسكريا واعدا مع وصول أخيه تميم الى سدّة الحكم، يواصل الأمير محمد احتكاره القطاع الرياضي. فقد حظي بشرف حمل مشعل افتتاح الألعاب الآسيوية التي احتضنتها الدوحة سنة 2006، كما يرأس اللجنة المنظمة لكأس العالم لسنة 2022 في قطر. أما الأمراء الآخرون من أبناء الشيخة موزة (خليفة، تهاني، القعقاع) فهم يتابعون دراستهم في المعاهد البريطانية والأمريكية العليا. ويبقى الاستثناء الوحيد من هذا التفضيل الكبير الذي يحظى به أبناء الشيخة موزة في تعيين الأمير عبد الله (23 سنة) بدرجة وزير، وهو الابن الأكبر لزوجته الثالثة والأخيرة نورة. ويجمع القطريون، ومعهم معظم المتتبعين، على أنّ البروز القطري الملفت على الساحة الدولية يعود الفضل فيه إلى الثلاثي الجهنمي الشيخ حمد، والشيخة موزة، ورئيس الوزراء حمد بن جاسم، المخطِّط الإستراتيجي لسياسة قطر الخارجية. غير أنّ المفارقة الكبيرة التي تعيشها قطر اليوم هي، كما يقول الكتاب، المزاوجة بين حكم منفتح إلى أقصى الحدود ومجتمع قطريّ يتهم بعض أفراد الأسرة الحاكمة فيه بالبذخ والتبذير الفاحش، وتغليب جانب العصرنة على ثقافة البدو الأصيلة والمقرونة بالسكينة والطمأنينة، التي ميزت حياة القطريين طوال قرون. وثمة تيارات داخل العائلة الحاكمة نفسها تتخوف من المشاريع العصرية الكبرى التي بدأت ترى النور ومن تأثيراتها المستقبلية على النسيج الاجتماعي والثقافي القطري. ويتزعم هدا التيار الأمير فهد بن حمد وأيضا وزير الداخلية السابق، الشيخ عبد الله، الذي تم تهميشه بسبب اتصالاته مع تنظيم القاعدة وموقعه كداعم كبير للإسلاميين المتشدّدين.. وهو من أقنع الأمير حمد بالانقلاب على والده، فجازاه بتعيينه غداة الانقلاب وزيرَ دولة مكلفا بالشؤون الداخلية.. وقد شارك في عدة لقاءات إسلامية في الشيشان والبلقان وإيران، واتهمته الاستخبارات الأمريكية بأنه ساعد واحتضن الكويتي خالد محمد الشيخ، أحد منفذي تفجيرات شتنبر 2001 في الولاياتالمتحدةالأمريكية.