بسبب تعديلات مدونة الأسرة.. البرلمانية اليسارية التامني تتعرض لحملة "ممنهجة للارهاب الفكري"وحزبها يحشد محاميه للذهاب إلى القضاء    تحويل الرأسمالية بالاقتصاد اليساري الجديد    بلجيكا تعين ضابط مخابرات في المغرب الصيف المقبل    غير كيزيدو يسدو على ريوسهم: الجزائر انسحبت من كاس العرب فالمغرب بسبب خريطة المغربة    نجم مغربي يضع الزمالك المصري في أزمة حقيقية    الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي .. إصدار 2905 تراخيص إلى غاية 23 أبريل الجاري    رصد في ضواحي طنجة.. "القط الأنمر" مهدد بالانقراض ويوجد فقط في حدائق الحيوانات    المغربي إلياس حجري يُتوّج بلقب القارئ العالمي للقرآن    تأملات الجاحظ حول الترجمة: وليس الحائك كالبزاز    حفل تقديم وتوقيع المجموعة القصصية "لا شيء يعجبني…" للقاصة فاطمة الزهراء المرابط بالقنيطرة    مهرجان فاس للثقافة الصوفية.. الفنان الفرنساوي باسكال سافر بالجمهور فرحلة روحية    الدراجات النارية وحوادث السير بالمدن المغربية    عملية رفح العسكرية تلوح في الأفق والجيش الاسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر من نتانياهو    بوغطاط المغربي | محمد حاجب يهدد بالعودة إلى درب الإرهاب ويتوّعد بتفجير رأس كل من "يهاجمه".. وما السر وراء تحالفه مع "البوليساريو"؟؟    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس بالمملكة    مكتب التكوين المهني/شركة "أفريقيا".. الاحتفاء بالفوجين الرابع والخامس ل"تكوين المعل م" بالداخلة    واشنطن طلبات من إسرائيل تعطي إجابات بخصوص "المقابر الجماعية" ف غزة    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    الصين تكشف عن مهام مهمة الفضاء المأهولة "شنتشو-18"    الولايات المتحدة.. أرباح "ميتا" تتجاوز التوقعات خلال الربع الأول    بطولة فرنسا: موناكو يفوز على ليل ويؤجل تتويج باريس سان جرمان    أخنوش: الربط بين التساقطات المطرية ونجاح السياسات العمومية "غير مقبول"    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    بني ملال…تعزيز البنية التحتية الرياضية ومواصلة تأهيل الطرقات والأحياء بالمدينة    ما هو سيناريو رون آراد الذي حذر منه أبو عبيدة؟    اتفاقية الصيد البحري..حجر ثقيل في حذاء علاقات إسبانيا والمغرب!    تعزيز التعاون الفلاحي محور مباحثات صديقي مع نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي    أخرباش تشيد بوجاهة القرار الأممي بشأن الذكاء الاصطناعي الذي جاء بمبادرة من المغرب والولايات المتحدة    رابطة للطفولة تعرب عن قلقها من التركيز المبالغ فيه على محور التربية الجنسية والصحة الإنجابية للمراهق في دورة تكوين الأطر    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    المنتخب المغربي ينهزم أمام مصر – بطولة اتحاد شمال إفريقيا    المنتخب المغربي لأقل من 18 سنة يفوز على غواتيمالا بالضربات الترجيحية    نور الدين مفتاح يكتب: العمائم الإيرانية والغمائم العربية    عاجل.. كأس إفريقيا 2025 بالمغرب سيتم تأجيلها    جنايات أكادير تصدر حكمها في ملف "تصفية أمين تشاريز"    الشاطئ البلدي لطنجة يلفظ جثة شاب فقد الأسبوع الماضي    أخنوش يرد على خصومه: الدولة الاجتماعية ليست مشروعا ل"البوليميك" والحكومة أحسنت تنزيله    بالأرقام .. أخنوش يكشف تدابير حكومته لمساندة المقاولات المتضررة جراء الأزمة الصحية    قميصُ بركان    مطار مراكش المنارة الدولي: ارتفاع بنسبة 22 في المائة في حركة النقل الجوي خلال الربع الأول من 2024    المغرب ومنظمة "الفاو" يوقعان على وثيقة "مستقبل مرن للماء" بميزانية 31.5 مليون دولار    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    إستعدادُ إسرائيل لهجوم "قريب جداً" على رفح    برنامج دعم السكن.. معطيات رسمية: 8500 استفدو وشراو ديور وكثر من 65 ألف طلب للدعم منهم 38 فالمائة عيالات    الفوائد الصحية للبروكلي .. كنز من المعادن والفيتامينات    دراسة: النظام الغذائي المتوازن قد يساهم في تحسين صحة الدماغ    مدير المنظمة العالمية للملكية الفكرية : الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        كلمة : الأغلبية والمناصب أولا !    اختتام فعاليات الويكاند المسرحي الثالث بآيت ورير    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    الموت يفجع شيماء عبد العزيز    أسعار الذهب تواصل الانخفاض    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مراسيم الحزن الشيعي استعادة لواقعة استشهاد الإمام الحسين في مدينة كربلاء
الاحتفال «بتعذيب» النفس بالعراق
نشر في المساء يوم 26 - 08 - 2009

كل عام تجري الاستعدادات على قدم وساق في حي الكاظمية الشيعي ببغداد لإحياء أيام عاشوراء، ذكرى استشهاد الإمام الحسين في واقعة الطف قبل أكثر من 14 قرنا في مدينة كربلاء، «المساء» دخلت كواليس هذه الاستعدادات لتطلعكم على
خفاياها وآراء علماء الشيعة فيها.
التطبير موضوع معقد وشهد في السنتين الأخيرتين جدلا شيعيا، أشعل فتيل حرب الفتاوى الدينية الشيعية بين رموز الشيعة في كل من إيران والعراق ولبنان واليمن، حيث إنه في العراق سابقا كانت مواكب التطبير ممنوعة بأمر من صدام حسين لكونها تتنافى مع توجهات العراق السياسية والدينية إبان حكمه، وبعد الاحتلال أصبحت تتناسل وتتناسخ بكثرة في المناطق الشيعية، ولكن الأجواء الأمنية المضطربة ألقت بظلالها على مراسيم الحزن الشيعي في السنوات الأخيرة، مما ساهم في تحديدها، وقد شهدت بعض تلك المواكب مجازر بشرية بعد أن استهدفت من قبل تنظيم القاعدة المتواجد بقوة في عراق ما بعد الاحتلال، مدينة الكاظمية الشيعية تستقبل سنويا أعدادا غفيرة من الزوار، حيث تغلق شوارعها وتصبح المدينة أشبه ما يكون بمجلس عزاء كبير، وتضم الكاظمية التي كانت تسمى زمن الدولة العباسية «مقابر قريش»، مرقد الإمامين موسى الكاظم الذي دفن فيها عام 802 ميلادية، ومحمد الجواد، وهما من المراقد المشهورة في بغداد، وبني حول المرقدين عام 1515 ميلادية مسجد واسع الأطراف تعلوه قبتان وأربعة منابر مطلية بالذهب، وبالعودة إلى موسم الأحزان الشيعي يشرع المئات من الأشخاص في أرجاء المدينة بتهيئة مستلزمات المواكب التي ستنطلق من اليوم الأول من شهر محرم، والتي تتضمن نصب سرادق وأماكن لتجمع الأشخاص للاستماع إلى رواة يستعرضون رحلة الإمام الحسين من مكة المكرمة إلى مدينة كربلاء، بصحبة أهل بيته وأنصاره، في رحلة الدفاع عن قيم جده النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وتختم بأداء طقوس الحزن والبكاء والضرب على الصدر والوجه، تأثرا بما حدث للإمام الحسين وأنصاره وأهل بيته، إلى جانب هذا، تنطلق يوميا وطيلة الأيام العشرة الأولى من شهر محرم التي يطلق عليها «عاشوراء»، مواكب عزاء يشارك فيها المئات يتقدم كل موكب رجل يمتطي صهوة جواد حاملا سيفا وراية ومرتديا درعا، وخلفه العشرات من حملة الطبول والدفوف وعربة سفينة النجاة المزينة بالسيوف والأجراس، ويسير في المرحلة الأخيرة من الموكب أشخاص يرتدون ملابس سوداء وتغطي رؤوسهم عمائم خضراء ويضربون أجسادهم بسلاسل حديدية على وقع أصوات الطبول، فيما يقوم آخرون بعروض مسرحية في الشوارع تحكي واقعة الطف، وتحظى بتعاطف الناس المتواجدين في المدينة، وتحرص مئات الأسر العراقية الشيعية من أرجاء بغداد على التواجد في مدينة الكاظمية طيلة شهر محرم لمشاهدة هذه المواكب والتفاعل معها، في مشهد يطغى عليه الأسى والحزن، وهو ما لم يكن مألوفا طوال حقبة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، الذي كان يمنع بشدة إقامة مثل هذه الفعاليات، لكن الأمر اتسع وأخذ مدى أكبر بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، ورغم أن هذه الفعاليات تنظم طيلة شهر محرم في الأحياء الشيعية في بغداد، مثل الصدر والكرادة والشعلة وأحياء أخرى، فإن حي الكاظمية يبقى الأكثر تأثرا، حيث يتشح أهله بالسواد ويخيم الحزن بشكل درامي لا يخلو من الغرابة وتعلو الأعلام السوداء المراقد المقدسة والجوامع والحسينيات والمنازل والفنادق والساحات العامة، فيما تقوم العشرات من المحال ببيع أنواع مميزة من الرايات الملونة والسيوف والدفوف والسلاسل والقمصان، مطبوع عليها آيات قرآنية، لجميع الفئات العمرية، بمن فيهم الأطفال الرضع، وتسمع في أرجاء المدينة منذ ساعات الصباح الأولى وحتى منتصف الليل تسجيلات صوتية لرجال دين وخطباء وشعراء ينشدون تراتيل وأهازيج تمجد واقعة الطف وذكرى استشهاد الإمام الحسين، وتحظى مكاتب التسجيلات وباعة الأرصفة بإقبال من قبل زوار المدينة لشراء هذه التسجيلات، وتشهد المدينة -إلى جانب ذلك- تدفقا كبيرا من المواطنين الإيرانيين لزيارة المدينة خلال هذا الموسم الذي تنشط فيه الحركة التجارية والسياحة الدينية، نظرا إلى استقبال المدينة أعدادا كبيرة من العراقيين والإيرانيين والشيعة من بلدان الخليج الذين يتوافدون لإحياء أيام عاشوراء في العراق، وشرعت السلطات الأمنية في العراق في تعزيز تواجد القوات العسكرية والأمنية في أرجاء المدينة، إضافة إلى مشاركة أبناء المدينة في السيطرة على الأوضاع الأمنية، من أجل توفير أجواء آمنة لإحياء المراسيم التي تبلغ ذروتها في فجر العاشر من محرم، حيث تجري عملية ضرب الرأس بآلات جارحة وضرب الظهر بسلاسل كبيرة حتى يخرج الدم منها، وغالبية من يقومون بهذه الفعاليات يرتدون ملابس بيضاء، وتحاط المنطقة المقدسة شيعيا في حي الكاظمية بإجراءات أمنية استثنائية، حيث تتم إحاطة شوارعها الرئيسة بجدار حديدي يشرف عليه أفراد من قوات الجيش والشرطة العراقية، بجانب متطوعين من أبناء المدينة يقومون بتفتيش الزائرين من الرجال والنساء لضبط الأمن والاستقرار، هذه هي أجواء مواكب الحزن والدم قبل الدخول إلى التفاصيل..
التطبير
أكثر مشاهد مواكب الحزن الشيعية إثارة وسببا في الجدل، هو التطبير، وهو عبارة عن ممارسات تتمثل بضرب الرؤوس بالسيوف والسكاكين الكبيرة والسلاسل التي تكون في نهايتها قطع حديدية حادة، هذه الممارسات أخذت جدلا كبيرا بين السنة والشيعة وبين الشيعة في ما بينهم في العراق، فسنة العراق ينكرون هذه الممارسات، بينما ينقسم علماء الشيعة بحسب مرجعياتهم بين متفق ومختلف، فالتوجهات الشيعية العراقية ذات المرجعية الإيرانية، وهي الأكثر على الساحة، تؤيد وبقوة هذه الممارسات، بينما الفئات الأكثر اعتدالا ترفضها لأنها تسيء إلى صورة الإسلام كدين رفعت أركانه على الخطاب العقلي والعلمي وليس العاطفي، في هذا التحقيق سنستعرض آراء ومواقف مختلفة حول التطبير كممارسة شيعية.
التطبير حلال!
يعتبر الشيخ عبد العظيم المهتدي البحراني من أشد المدافعين عن التطبير في كتابه لماذا التطبير؟ وهو يقول: «رأيي في مسألة التطبير - وإن كنت لم أطبر في حياتي - رغم كونه مستحبا حسب رأي مرجعيتي الفقهية وذلك لظروفي السابقة في بعض البلدان، ولكني أرى ضرورة تجريد مراسيم التطبير مما لا يليق، وتطعيمها بما ينقلها إلى دائرة التحديث العصري والهدفية البناءة، وهذا يتم عبر التثقيف بأبعاد ودوافع وأهداف هذه الشعيرة الحسينية، فلن نبتعد عن الحقيقة لو قلنا إن أزمة الخلاف في التطبير وغيره هي جزء من أزمة الفكر الإنساني الذي عزفت عنه قطاعات واسعة من مجتمعنا، حتى أصبح الواحد منا يعتبر نفسه أو جماعته ديناً بذاته ووكيلاً عن الله في الأرض، وهو في الوقت نفسه تراه يوافق الرئيس الأمريكي بوش على مبدأ (مَن ليس معنا فهو ضدنا)! وهل يأتي هلاك المجتمعات والحضارات والحركات والشخصيات إلا من التعصب والاستبداد والإصرار على الأحادية بروح الوصاية على الآخرين من الأقران؟! ويضيف البحراني مدافعا عن إيران وتشيعها السياسي قائلا قفزت الثقافة الحسينية في العقود الأربعة الأخيرة، ولا سيما بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران قفزة نوعية.. فكان أهم سماتها تنظيم المؤسسة الحسينية وإدارة المآتم والمواكب بآلية جديدة وأدوات حديثة وظهور القضية الحسينية على الفضائيات، بما فيها مفردة المواكب العزائية وحتى شعيرة التطبير وزيادة الحماسة العزائية وشدة الحب لأهل البيت، وكثرة البكاء على مصائبهم والالتزام بآداب الحزن مثل لبس السواد وتعليق الأعلام والكتابات والتفاني بإيذاء النفس انتصارا لقضية الحسين. رأي البحراني يعتقد فيه السواد الأعظم من شيعة العراق إذا استثنينا تيار الخالصي وهو مرجع شيعي رافض
للمغالاة.
عاشوراء مناسبة للتعذيب
كان المرجع الديني الشيعي السيد محمد حسين فضل الله قد أكد أن التطبير يسيء إلى الإسلام، باعتباره يجعل من ذكرى عاشوراء مناسبةً لتعذيب النفس وجلد الذات» مضيفا «أنه أفتى قبل سنوات بحرمة التطبير لسببين: الأول لحرمة الإضرار بالنفس، وثانيا: لأن ذلك يؤدي إلى تشويه صورة الإسلام والمسلمين الشيعة على الخصوص، ودعا فضل الله معظم خطباء المنبر الشيعة وبعض علمائها في عاشوراء إلى تحمل مسؤولياتهم إزاء مشكلة الممارسات المسيئة وتوجيه الناس إلى تكليفهم الشرعي، وليس تشجيع العواطف التي يمكن أن تنحرف إلى الخرافات والتطبير (ضرب الجسد بالسلاسل والسيوف ولبس كفن أبيض) وممارسات إيذاء النفس باسم الإسلام، ورفض فضل الله أن تمارس العادات التي لا تنسجم مع المنهج الإسلامي باسم الحسين «رضي الله عنه»، مشددا على دور النخب الدينية وبخاصة الخطباء الذين تصغي إليهم الجماهير في عاشوراء، قائلا إنهم يتحملون مسؤولية مضاعفة في ذلك لأن الناس مهيؤون من الناحية العاطفية النفسية لتلقي ما يطرح على المنابر بشكل أكثر فاعلية مما يلقى من على غيرها وأضاف، نحن ندعو الخطباء إلى أن يبتعدوا عن إثارة الخرافات التي لا تنسجم مع شخصية الحسين، وكان فضل الله طالب الشيعة في العالم الإسلامي، في بيان سابق، بالاستفادة من ذكرى عاشوراء لتكون مناسبة إسلامية منفتحة على قضايا الوحدة، برفض كل أساليب الإثارة التي تسيء إلى قوة الإسلام في وحدته ومستقبله»، وشدد فضل الله على تحمل المسؤوليات، لا أن « نحصر أنفسنا في اجترار أمجاد التاريخ» في حين أن الواقع «ينفتح على أكثر من احتمال»، ووضع المرجع الفقهي رؤيته للحال الإسلامية الراهنة، مستذكرا ذكرى الهجرة النبوية الشريفة وحال المعاناة الصعبة والتحدي الشديد الذي واجهه النبي محمد عليه الصلاة والسلام والمسلمون من الصحابة معه، منتقدا الحال الراهنة التي أشغلت المسلمين في كثير من القضايا الصغيرة والهامشية، وجدد فضل الله دعوة المسلمين إلى «أن يستعيدوا آفاق الهجرة من أجل أن يمنحوا الإسلام حركية في وجدان الأجيال، وفي ميزان الواقع كله، وأن يوحدوا مواقعهم ومواقفهم وتطلعاتهم لتأكيد القوة الواقعية التي
يملكونها.
نصر الله والتطبير
رفض العديد من المراجع الشيعية بعض المظاهر التي تصاحب الاحتفال بيوم عاشوراء، مثل اللطم والتطبير (وهو شج الرؤوس بالسيوف حتى إسالة الدماء) والضرب بالسلاسل ويؤكد الأمين العام لحزب الله السيد «حسن نصر الله» أن إقامة مراسيم العزاء من مجالس وعظ وإرشاد وقراءة العزاء والمرثيات ونحو ذلك من أعظم القربات إلى الله تعالى، ولم ير إشكالا في لبس السواد إن كان بقصد إظهار التأثر.. أما بالنسبة إلى التطبير فيرى «نصر الله» أنه ليس من مظاهر الحزن، وأنه موهن للمذهب الشيعي وغير جائز أيضا، كما يرى أن قراءة العزاء وعروض التمثيل إن اشتملت على الكذب والباطل، أو ترتبت عليها المفاسد، أو كانت موجبة لوهن المذهب الشيعي فهي حرام، كما أكد أنه من غير المناسب أن تسير النساء في مواكب العزاء باللطم وضرب السلاسل.
ومعروف أن الممارسة الشيعية ل«التطبير» بشق أعلى الجبين وإسالة الدم، التي تترافق مع صرخة «يا حيدر»، يتميز بها أهل مدينة «النبطية» الجنوبية في لبنان، حيث لم تنفع معهم كل الفتاوى والتحريمات، التي وضعها مراجع الشيعة، مثل السيد «موسى الصدر»، والإمام الراحل الشيخ «محمد مهدي شمس الدين»، خصوصا في كتابه «ثورة الحسين في الوجدان الشعبي»، والعلامة السيد «محمد حسين فضل الله».
وكان الشيخ «فضل الله» قد ذكر منذ بضع سنوات سبباً آخر للتحريم غير توهين المذهب، حيث حذر من أن السيف الذي ينتقل من رأس إلى رأس تنتقل معه الأمراض، وخصوصا مرض العصر «الإيدز».
طقوس فارسية ذات جذور هندية
ما يفعله الشيعة في المآتم والحسينيات مثل اللطم والنياحة والتطبير وغيرها لم تكن على عهد الأئمة باعتراف علماء الشيعة، وقد ذكر نجم الدين أبو القاسم الشيعي المعروف بالمحقق الحلي أن الجلوس للتعزية لم ينقل عن أحد من الصحابة والأئمة، وأن اتخاذه مخالف لسنة السلف، وهذا يعني أن المآتم والشعائر الحسينية من البدع التي يجب تركها، ويست أدري لماذا يصر علماء الشيعة على هذه العادة الجاهلية التي ما أنزل الله بها من سلطان، ويذكر الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح : أنه حتى عهد قريب كانت السفارات البريطانية في طهران وبغداد تمول المواكب الحسينية التي كانت تظهر بذلك المظهر البشع في الشوارع والأزقة، وكان الغرض من وراء السياسة الاستعمارية هو إعطاء مبرر معقول للشعب البريطاني وللصحف الحرة التي كانت تعارض بريطانيا في استعمارها للهند ولبلاد إسلامية أخرى وإظهار شعوب تلك البلاد بمظهر المتوحشين، الذين يحتاجون إلى قّيم تنقذهم من الجهل والتوحش، فكانت صور المواكب التي تسير في الشوارع في يوم عاشوراء وفيها الآلاف من الناس يضربون بالسلاسل على ظهورهم ويدمونها بالخناجر والسيوف على رؤوسهم ويشجونها - تنشر في الصحف الإنجليزية والأوروبية، وكان الساسة الاستعماريون يتذرعون بالواجب الإنساني في استعمار بلاد تلك هي ثقافة شعوبها، ولحمل تلك الشعوب على جادة المدنية والتقدم، ويؤكد الأستاذ حسن الصفار أن التطبير حالة شاذة لم تكن سابقا موجودة، وقد نشأت أولاً عند الهنود، الشيعة الهنود بدؤوا ممارسة هذا العمل وبعد ذلك انتقلت إلى إيران ومن إيران انتقلت إلى بعض البلدان العربية، وفي مقدمتها العراق ليمارسها مجاميع من الشباب، وهناك من العلماء من لا يرى بأسا من هذا العمل بل يراه مظهرا من مظاهر التعاطف مع أهل البيت وأنا شخصيا من المدرسة التي لا تشجع مثل هذه الأعمال رغم كوني اعتز بالتشيع كمذهب والتحريم إذا كان فهو تحريم لاعتبار ما تسببه من ضرر وإيذاء، وباعتبار ما تخلق من تشويه للصورة أمام الآخرين، فبهذا العنوان نحن نرى أن هذا العمل محرم وغير مناسب.
تاريخ التطبير
ويرد ابن الأثير ظهور مراسيم إحياء ذكرى عاشوراء إلى زمن الدولة البويهية (932 1055م)، ويقول إن معز الدولة أحمد البويهي (915 967م) هو أول من أحيى ذكرى استشهاد حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما تمثيل موقعة كربلاء، فلم يبدأ إلا في القرن السادس عشر في إيران الصفوية وينسب التراث الشعبي الفارسي إلى الشاه «إسماعيل الصفوي» الذي استخدم هذا التمثيل لنشر المذهب الشيعي في فارس، ثم شجع الشاه «عباس الصفوي» الذي توفي عام 1629 هذا التقليد. وقد تابع حكام فارس القاجاريون تقليد تمثيل موقعة كربلاء، وفي عهد أول شاه قاجاري، وهو الأغا «محمد خان»، أصدر المجتهد «فاضل القمي» فتوى تشرع هذا التمثيل، لكن الممارسات الدامية التي كانت تصاحب التمثيل مثل اللطم وشج الرؤوس بالسيوف، والجلد بالسياط، لم تصل إلى المركز في إيران، ولم تعرف في البلاد العربية إلا في القرن التاسع عشر، مع أن بعض المصادر التاريخية تتحدث عن وجود هذه الممارسات في بعض أنحاء القوقاز الجنوبي منذ عام 1640 ويعيد البعض الآخر من الباحثين نشوء ظاهرة اللطم إلى روسيا أيام القياصرة، حيث نقلها في البدء رجل إيراني، دهش من طريقة التعبير عن الحزن في بلاد الروس، ورأى أن مصيبة آل البيت أولى بأن يعبر عنها بهذا الأسلوب الدراماتيكي، فنقلها إلى بلاده، ومنذ ذلك الوقت انتقلت إلى لبنان وإلى النبطية خصوصا.‏
التطبير بين الفقه ونفاق الانتخابات
ارتداء العمامة وممارسة الطقوس الشيعية بما فيها التطبير تجعل السياسي أقرب إلى قبة البرلمان، هذا ما ذهب إليه العديد من المراقبين، فالكثير من السياسيين يلتحفون بالعمامة البيضاء والسوداء ويشاركون في مجالس العزاء بما يشبه الحملة الانتخابية المبكرة، ولعل هذا الهوس الانتخابي الذي يجعل من الإنسان المتدين أو لنقل رجل الدين ورقة سياسية تسقط معها جميع الثوابت العقائدية والتشريعات الدينية، بعد ما أعلنه السيد حسين الشامي من نقد لتطبيق بعض الشعائر الحسينية كالتطبير وضرب السلاسل وخرافات المشي على الجمر قامت قائمة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية المدعوم من إيران في الرد على هذا النقد وبدؤوا يقيمون الندوات والتجمعات الجماهيرية، فتارة مع مسؤولي المواكب الحسينية وتارة أخرى في المحافظات العراقية، حيث تجشم العناء في تلك اللقاءات المكوكية السيد عمار الحكيم والسيد صدر الدين القبنجي والشيخ جلال الدين الصغير وغيرهم من كربلاء إلى عمق الجنوب في البصرة، وكل ذلك من أجل أن يقولوا للناس إن هناك من يتهجم على الشعائر الحسينية، اليوم نجد أن موقع براثا التابع للشيخ الصغير ينشر على صفحاته العديد من الفتاوى التي يقول إنها تجيز التطبير ولكنه لم يضع فتاوى من يعتبر هذه الشعائر (التطبير والسلاسل وغيرها) ليست جائزة كالخامنئي مثلا أو السيد الحكيم جد السيد عمار الحكيم أو السيد الخوئي أو السيد فضل الله وهنالك الكثير من الذين يحرمونه.
رفض أوربي
بسبب ظروف العراق، وصل عدد من شيعة العراق إلى أوربا بصفة لاجئين، ومع استمرار المأساة العراقية حصل جزء كبير منهم على جنسيات الدول الأوربية التي وصلوها، وبعد استقرارهم المادي حاول البعض إقامة تلك الطقوس الوحشية، مما دفع بالدول الأوربية إلى إخضاع المشرفين على الشعائر إلى المساءلات القانونية على خلفية إسالة الدماء من الرؤوس ورفضهم لهذا المنظر الذي يعتبر خروجا عن قوانينهم، ومع إصرار بعض المشرفين على إعادة نفس الفعل في كل سنة تم إرسال المتعنتين إلى مستشفى الأمراض العقلية لتلقي العلاج النفسي.
ماسوشية مذهبية
التوثين أوالماسوشية، وتسمى أيضا المازوخية أو المازوكية أو الخضوعية، وتعني الحصول على المتعة عند تلقي التعذيب الجسدي أو النفسي وينسب المصطلح إلى الكاتب الروائي النمساوي ليوبولد فون زاخر مازوخ صاحب الرواية المشهورة (فينوس في الفراء)، التي تعبر في بعض أجزائها عن هذا الانحراف النفسي والسلوكي، والماسوشية هي إحدى أشهر الانحرافات (وليس الأمراض) ويقصد بها التمتع بالألم عند استقباله من الآخر أو إيذاء النفس بالنفس حبا بتعذيبها ويتخذ أشكالا وصورا عديدة، بل ومراحل متنوعة فهناك مراحل متقدمة ومراحل متطورة وأخرى مرضية، أما عن أسبابها فهي ليست معروفة بالتحديد حيث لا توجد دراسات منضبطة في عالمنا العربي تشير إلى نسبة المازوكية بشكل محدد، ويبدو وأن ذلك صعب منهجيا لأن مجالات السلوكيات المازوكية العامة واسعة جدا ومتنوعة، وتقابل الماسوشية السادية وهي الرغبة العارمة في إيذاء الآخر ويقول العالم العراقي انس الكبيسي، إن الانحراف العقائدي لدى الشيعة مبني على التقاء المرضين فرموز الشيعة مصابون بالسادية وعامتهم بالماسوشية، لذا تلتقي الرغبات في مشهد كرنفالي دموي في كل
عاشوراء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.