"مهزلة تشريعية".. صحافيون يتفضون ضد "القانون المشؤوم"    المعارضة تنسحب والأغلبية الحكومية تمرر "قانون مجلس الصحافة المشؤوم"    تعيين خليفة رئيس الجيش الليبي الذي توفي إثر تحطم طائرة    أول تعليق رسمي لباريس على قرار الجزائر تجريم الاستعمار الفرنسي    التوتر الفنزويلي الأمريكي يدفع إيران إلى الانسحاب من "مترو كراكاس"    "كان المغرب".. المنتخب الجزائري يقسو على السودان    ديربي عربي اليوم بين الجزائر والسودان في مستهل مشوارهما بالكان في المغرب    "كان المغرب".. برنامج باقي مباريات اليوم الأربعاء    تحذير جديد من سوء الأحوال الجوية بهذه المناطق المغربية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    مديرية الأرصاد الجوية بالمغرب: استمرار الأجواء غير المستقرة طيلة الأسبوع    بالملايين.. لائحة الأفلام المغربية المستفيدة من الدعم الحكومي    ندوة علمية بكلية الآداب بن مسيك تناقش فقه السيرة النبوية ورهانات الواقع المعاصر    كيف يمكنني تسلية طفلي في الإجازة بدون أعباء مالية إضافية؟    ماذا يحدث للجسم بعد التوقف عن حقن إنقاص الوزن؟    اتحاد طنجة لكرة القدم يتحدى العصبة الوطنية الاحترافية بعقد الجمع العام    ملتقى العيون للصحافة يعالج دور الإعلام في الدفاع عن الصحراء المغربية    الكاميرون ينتصر على الغابون في مباراة صعبة    ارتفاع مخزون سد عبد الكريم الخطابي بإقليم الحسيمة بعد التساقطات المطرية الأخيرة    السيول تسلب حياة شاب في الدريوش    المنتخب المغربي يركز على الجوانب التقنية قبل لقاء مالي في كأس إفريقيا    مسؤولية الجزائر لا غبار عليها في قضية طرد 45 ألف أسرة مغربية    ‬ال»كان‮«: ‬السياسة والاستيتيقا والمجتمع‮    أمطار وثلوج تنعش منطقة الريف وتبعث آمال موسم فلاحي واعد بعد سنوات من الجفاف    مخطط التخفيف من آثار موجة البرد يستهدف حوالي 833 ألف نسمة    السلطة القضائية تنضم إلى PNDAI    وهبي: الحكومة امتثلت لملاحظات القضاء الدستوري في "المسطرة المدنية"    "ريدوان": أحمل المغرب في قلبي أينما حللت وارتحلت    توقيف شخص بحوزته أقراص مهلوسة وكوكايين بنقطة المراقبة المرورية بطنجة    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر    كأس إفريقيا للأمم 2025 .. منتخب بوركينا فاسو يحقق فوزا مثيرا على غينيا الاستوائية    قضية البرلماني بولعيش بين الحكم القضائي وتسريب المعطيات الشخصية .. أسئلة مشروعة حول الخلفيات وحدود النشر        توفيق الحماني: بين الفن والفلسفة... تحقيق في تجربة مؤثرة    نص: عصافير محتجزة    شخص يزهق روح زوجته خنقا بطنجة‬    وزير الصحة يترأس الدورة الثانية للمجلس الإداري للوكالة المغربية للدم ومشتقاته    رباط النغم بين موسكو والرباط.. أكثر من 5 قارات تعزف على وتر واحد ختام يليق بمدينة تتنفس فنا    أطروحة دكتوراة عن أدب سناء الشعلان في جامعة الأزهر المصريّة    المغرب في المرتبة الثامنة إفريقيا ضمن فئة "الازدهار المنخفض"    رهبة الكون تسحق غرور البشر    الأمطار لم توقّف الكرة .. مدرب تونس يُثني على ملاعب المغرب    الحكومة تصادق على مرسوم إعانة الأطفال اليتامى والمهملين    الاقتصاد المغربي في 2025 عنوان مرونة هيكلية وطموحات نحو نمو مستدام    زلزال بقوة 6.1 درجات يضرب تايوان    انفجار دموي يهز العاصمة الروسية    فرنسا تندد بحظر واشنطن منح تأشيرة دخول لمفوض أوروبي سابق على خلفية قانون الخدمات الرقمية    عجز ميزانية المغرب يقترب من 72 مليار درهم نهاية نونبر 2025    "الهيلولة".. موسم حجّ يهود العالم إلى ضريح "دافيد بن باروخ" في ضواحي تارودانت    الذهب يسجل مستوى قياسيا جديدا متجاوزا 4500 دولار للأونصة    كأس أمم إفريقيا 2025.. بنك المغرب يصدر قطعة نقدية تذكارية فضية من فئة 250 درهما ويطرح للتداول ورقة بنكية تذكارية من فئة 100 درهم    عاصفة قوية تضرب كاليفورنيا وتتسبب في إجلاء المئات    بلاغ بحمّى الكلام    فجيج في عيون وثائقها        الولايات المتحدة توافق على أول نسخة أقراص من علاج رائج لإنقاص الوزن    دراسة: ضوء النهار الطبيعي يساعد في ضبط مستويات الغلوكوز في الدم لدى مرضى السكري    دراسة صينية: تناول الجبن والقشدة يقلل من خطر الإصابة بالخرف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تيار هواء
صورة الشاعر
نشر في المساء يوم 31 - 01 - 2008


[email protected]
السر الذي كان يستمده الشاعر من الوديان والجبال والشعاب اتخذ أبعادا أكثر ملموسية فتجسد في شخصه.. في شخص الشاعر الذي يبني أسطورته الشخصية انطلاقا من قدرته على اختراق النظام الثقافي لعصره، على نحو يجعل من ذاته استمرارا لدفق قديم وانبثاقا لشعاع جديد، يريد له مستقرا بين الأرض والسماء، حيث تترعرع الأسطورة وتكبر.
السر في ذات الشاعر، لكنه غير مفصول عن الحروف التي تهبط عليه أو تصعد منه، محملة بتلك النيازك القادمة من فضاءات أخرى، حيث يلتقي الطين بالماء والنار بالهواء لقاء يمتزج فيه الحلم باليقظة والمجرد بالملموس والوعي باللاوعي والمادي بما فوق الطبيعي. ومن هذا اللقاء، تتأسس حياة شعرية خصيبة تتكثف في الرموز والاستعارات والأخيلة، لكنها، مهما شطت في التجريد، تتجسد في شخص الشاعر الذي يفيض عن إنائه، في هيئة أسطورة تنضح باللقاءات السعيدة: لقاء الشاعر باللغة وبالعالم، يتحول إلى لقاء بالنص، ثم لقاء بالصورة التي يرسمها له المتخيل الفردي أو الجماعي.
صورة الشاعر تأتي لتضع حدا لهذا الكائن المنفلت، بالغ التجريد الذي يسمى القصيدة أو النص أو القول الشعري. وهي صورة بقدر ما تُنسج من صميم هذا القول ذاته، تَضفر خيوطا رفيعة تلمها من عناصر من الحياة ومن العصر ومن التأويل الذي يمكن أن يخترقهما في وضعية تلق معينة. ومن جماع هذه الخيوط تُرسم صورة للشاعر يَجِدُّ خيال الفنان في إبداعها على نحو يتيح للرؤية الشخصية بالانبثاق، دون أن تكون، بالضرورة، على تعارض مع الصورة التي يرسمها له الخيال الثقافي الجماعي.
فيما مضى كانت صورة الشاعر ضربا من الإلهام والرسم والتأويل، كان الشاعر ينبثق من أوضاع تجريبية لم تكن منفصلة عن الغيوب التي تجسدت في وديان وفضاءات خاصة، تترعرع في شعابها الاستعارة، قبل أن تنفذ إلى روح الشاعر الذي يمنحها حيزا من الظهور والتجسيد. ومع ذلك، لم تبق لنا من صورة الشاعرالماضي إلا رسوم، نفذها فنانون، محاولين بذلك القبض على تفاصيل ملامح الشعراء الضائعة بين المعتقدات الدينية وبين حاجيات السلطة السياسية إلى وقود استعاري، يضحي بصورة الشاعر لبناء هرم السلطة مجسدة في الحاكم.
هذا ما خبرته، على الأقل، الثقافة العربية، حيث إذا ما رغبنا في التعرف على صورة شعرائنا العرب، علينا أن نتسلح بكتب تاريخ الأدب والموسوعات الثقافية القديمة وكتب الأخبار والدواوين والمختارات الشعرية وشروحاتهما. ومن الخيوط الرهيفة لهذه الأعمال تنبثق صورة ثقافية محتملة للشاعر، تتغير من عصر إلى آخر، لكنها لا تحتفظ من الملامح الشخصية للشعراء إلا بما يسمح به الخيال الأدبي للنقاد وكتاب السيرة، وبما يسمح به التأويل الفني لرسامي البورتريه. بهذه الطريقة، يمكن أن نتعرف على صورة امرئ القيس أو طرفة بن العبد أو المتنبي أو أبي العلاء المعري أو غيرهم من الشعراء الذين تمكنوا، من داخل غموض عصرهم، من بناء أسطورة مضت تكبر في خيال القراء عبر العصور.
تغير الأمر في زمننا كثيرا، وأصبحت صورة الشاعر أكثر تعيينا، بحيث تطالعنا في الجرائد والمجلات الملونة والتلفزيونات، بل إن صور بعض الشعراء أصبحت تُقدُّ من حجر من خلال أعمال نحتية تجسد ذلك الوجه الأبدي لسارق النار الذي يحمل علامة مميزة في نظرته. وبذلك، يكون عصرنا قد منح للشاعر صفاته البشرية، لكن أسطورته لم تتأثر حقيقة إلا بولوج الحلبة منافسين آخرين، سواء أكانوا من حملة الأقلام أم من أصحاب الحبال الصوتية الحريرية أم من ذوي المهارات الخاصة في مواهب التمثيل والتشخيص أم من نجوم الرياضة. إن عصر النجوم، لا يقيم وزنا إلا للصورة الآنية الاستهلاكية، لذلك هناك أمل في أن يعيش الشعراء الكبار ويستعيدوا صورهم الأسطورية، بعد أن يطوي النسيان كثيرا من الوجوه المتنافسة في صياغة شكل الحياة وجوهر الحقيقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.