السيد الحموشي، نحن الموقعون على حتفنا، الحاملون للأكفان قبل الخروج من أبواب بيوتنا، نراسل مدير مديرية الأمن الوطني، عبد اللطيف الحموشي، بعدما طفح الكيل وبلغ السيل الزبى، وصارت الدروب والأزقة غير آمنة، بل حتى البيوت التي كانت تقي الناس شر الجريمة لم تعد كذلك. فكفاكم من البروباغندا الإعلامية التي تقودها الأجنحة الأمنية، لتحصل أو تسجل النقاط دوليا، وتظهر المغرب كدولة رائدة في حكامتها الأمنية، وتتغنى وتتباهى بكوننا نستطيع تقديم تجاربنا إلى الدول الأوروبية في محاربة الجريمة، بل وفي تفكيك الخلايا النائمة قبل استيقاظها. فنحن على بعد شبر من المقر الرئيسي لمديرية الأمن الوطني، وتحديدا في مدينة سلا، ننام على خبر جريمة ونستيقظ على أنباء أخرى، حتى تحولت مختلف أحياء المدينة إلى أشبه مما كنا نسمع عن الجريمة في كولومبيا، وصارت النساء والأطفال وحتى الرجال معرضون للاعتداءات بالسيوف والسواطير والسكاكين، وأصحابها يجولون بكل حرية على متن سيارات ودراجات نارية. يسمع الناس، السيد الحموشي، عن كشف الخلايا وقوة الأمن وقدرات الأمنيين، ويئنون في صمت من تهديدات تطال حياتهم باستمرار، تقض مضجعهم ليل نهار، وتحول حياتهم إلى جحيم لا يطاق. هنا في أحياء "الواد" و"سلاالمدينة القديمة" و"تابريكت" و"حي شماعو" و"حي كريمة" و"حي الرحمة" و"حي سيدي موسى" و"العيايدة"… يؤمن الناس أن الداخل إلى هاته الأحياء مفقود والخارج منها مولود، كما يجمعون على الخضوع للعنة لا يعلمون سببها، ولا يدرون مسبباتها. في هذه الأحياء تجول وتدور قنابل موقوتة، وخلايا مستيقظة دورها حرمان الآخرين من نعمة الأمن والأمان، وإرهاب المواطنين، حتى أن المتاجر والمحلات والمقاهي تغلق أبوابها عشاء مخافة الجريمة وروادها… وهذا اللاأمن قد يؤدي إلى غضب يفقد الناس انضباطهم، ولا راد للخائف إن ثار بعد طول انتظار، تطبيقا لمقولة أومبرتو إيكو وهو يقول إنه " لا شيء يبعث في المرء الشجاعة أكثر من خوفِ آخر"، وهو ما حدث فعلا عندما اضطرت الساكنة إلى الخروج في مسيرات تنديدا بغياب الأمن بالمدينة، وهو ما قد يخرج يوما عن السيطرة، أو يجبر الناس على تشكيل لجان شعبية لحماية أنفسهم وأموالهم. السيد الحموشي، لا أعتقد وأنتم المشرفون أيضا على مديرية مراقبة التراب الوطني "لاديستي" يخفى عنكم ما يفيد السابق، ولا حتى اللاحق، ولا أعتقد أنه يخفى عنكم ما صارت عنه الجريمة في كبريات المدن المغربية من فاس ومكناس ووجدة وطنجة وسلا والرباط والدار البيضاء وغيرها، والتي تعرف تطورا متسارعا في الكم والكيف. كما نجزم أن الحملات الأمنية اللحظية لا تؤتي أكلها، ولا تقدم ولا تؤخر، بقدر ما تساهم في ذر الرماد في العيون، وتقدم أنسولين تنويم لمواطنين يزداد غليان أعصابهم مع كل شهقة جديدة للجريمة في أزقة وشوارع المدن الآنفة الذكر… وكم هو مؤلم أن يتم الترويج لحكامة أمنية فائقة، ويتم تسويقها في المنابر الإعلامية، بيد أن آخر تقرير مكتب الأممالمتحدة لمحاربة المخدرات والجريمة والإرهاب، يكشف أن المغرب لا يزال يحتل الرتبة 34 في معدلات الجرائم برسم سنة 2015، كما صنف من بين الدول التي تعرف تغطية أمنية منخفضة، والتي لا تتعدى 182 رجل أمن لكل 100 ألف مواطن. السيد الحموشي، إننا نكاد نفقد الأمل في دنو الأمن من حياتنا اليومية، حتى نتنفس الحرية في أحيائنا ومدننا، ونكاد نجزم أن الأمن اليوم يعني أن نَفقد الثقة في وجود أمن، ونُحكم إغلاق الأبواب، ونَجعل الخروج حاجة يتم اللجوء إليها في الضرورات القصوى، فقد طفح الكيل، واستشرت الجريمة، وصارت سلا تعادل العربدة والرعب والارهاب…