مؤشر ثقة الأسر يتحسن في المغرب    الدريوش: الحفاظ على الأسماك السطحية الصغيرة أصبح ضرورة حيوية    بعد غلاء غير مسبوق .. مؤشرات إيجابية تسجل في أسعار زيت الزيتون    لوكورنو ينجو من تصويت بحجب الثقة    قطاع غزة يتسلم جثامين من إسرائيل    منتخب U20 يخرج المغاربة للاحتفال    سفارة باريس بالرباط تهنئ المغاربة    "جنان الجامع" يحترق في تارودانت    إسطنبول… حجيرة يؤكد انخراط المملكة في شراكة هيكلية بين إفريقيا وتركيا تقوم على التضامن والتنمية المشتركة    كأس السوبر الإفريقي.. نهضة بركان يحدوها الطموح في التتويج بالكأس وتحقيق "ثلاثية تاريخية" (لاعب الفريق حمزة الموساوي)    توقعات بإنتاج 310 آلاف طن من التفاح بجهة درعة-تافيلالت خلال 2025    توقعات أحوال الطقس غدا الجمعة    نشرة إنذارية.. زخات رعدية قوية مرتقبة بالحسيمة وشفشاون اليوم الخميس    "الزمن المنفلت: محاولة القبض على الجمال في عالم متحوّل"    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    نقابيو وكالة التنمية الاجتماعية يستنكرون تعطيل الحوار وتهميش المؤسسة    رفع التصنيف السيادي للمغرب محطة مفصلية للاقتصاد الوطني    نتانياهو: "المعركة لم تنته" في غزة والمنطقة    إجراءات ‬جديدة ‬لتسهيل ‬دخول ‬المغاربة ‬إلى ‬مصر ‬دون ‬تأشيرة    "التوحيد والإصلاح" تطالب بالتجاوب مع مطالب الشباب وتحذر من فقدان مشروع إصلاح التعليم لمصداقيته    تسبب في وفاة فتاة وصف لها أقراصا من أجل الإجهاض.. جنايات الجديدة تدين طبيبا ب5 سنوات سجنا نافذا    الرباط تحتفي بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة وتجدد المطالب بإسقاط التطبيع    مجموعة "سافران" الفرنسية تثمن بيئة الاستثمار في المغرب وتوسع أنشطتها بالنواصر    الخارجية الروسية تأمل في تعزيز الشراكة مع المغرب    وهبي مدرب "أشبال الأطلس": الهدف هو العودة من الشيلي بكأس العالم إلى أرض الوطن    في ‬أضواء ‬الخطاب ‬الملكي:‬ مواكبة ‬التوجه ‬الاستراتيجي‮ ‬ ‬للمغرب ‬الصاعد    الأمم المتحدة.. المغرب يجدد تأكيد دعمه "الثابت والدائم" لسيادة الإمارات العربية المتحدة على جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى    هلال أمام الأمم المتحدة: بعد 50 عاما على استرجاعها، الصحراء المغربية أضحت واحة سلام وقطبا للاندماج الإفريقي والتنمية المشتركة    ولد الرشيد ونغامانا يوقعان إعلانا يؤكد أن مبادرة الحكم الذاتي الحل الوحيد لتسوية النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية    عبد الله البقالي يكتب حديث اليوم    في ‬تقرير ‬رسمي ‬للمندوبية ‬السامية ‬للتخطيط    كيوسك الخميس | أزيد من 36 ألف شاب مستفيد من دعم السكن    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الأخضر    إنجاز غير مسبوق للمغرب بعد تجاوزه فرنسا في نصف النهائي    زلزال بقوة 6,6 درجات يضرب إندونيسيا    عمال شركة أوزون بالفقيه بن صالح يعلنون عن وقفة احتجاجية بسبب تأخر الأجور    هلال: الصحراء المغربية قطب للتنمية .. وركيزة للأمن والاستقرار في إفريقيا    "إيزي جيت" تراهن على المغرب بإفتتاح أول قاعدة لها في إفريقيا بمطار مراكش عام 2026    "الأشبال" أمام الأرجنتين بنهائي المونديال    كنز منسي للأدب المغربي.. المريني تكشف ديوانا مجهولا للمؤرخ الناصري    إنجاز تاريخي.. أشبال المغرب يبلغون نهائي كأس العالم للشباب لأول مرة    تركي آل الشيخ يهنئ الملك محمد السادس والشعب المغربي بتأهل أشبال الأطلس إلى نهائي كأس العالم    ريتشارد ديوك بوكان.. رجل ترامب في الرباط بين مكافأة الولاء وتحديات الدبلوماسية    قصص عالمية في مهرجان الدوحة    «تمغرابيت».. عمل فني جديد يجسد روح الوطنية والانتماء في الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    عبد الله ساعف يحاضر حول «العلوم الاجتماعية في المغرب» بتطوان    "ذاكرة السلام" شعار الدورة 14 لمهرجان سينما الذاكرة المشتركة بالناظور    الدين بين دوغمائية الأولين وتحريفات التابعين ..    هل يمكن للآلة أن تصبح مؤرخا بديلا عن الإنسان ؟    414 مليار درهم قيمة 250 مشروعا صادقت عليها اللجنة الوطنية للاستثمار    ممارسة التمارين الرياضية الخفيفة بشكل يومي مفيدة لصحة القلب (دراسة)    "الصحة العالمية": الاضطرابات العصبية تتسبب في 11 مليون وفاة سنويا حول العالم    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قوارب العار
نشر في اليوم 24 يوم 10 - 09 - 2018

إذا كانت للجزائر عشريتها الدموية، فإن لنا نحن المغاربة عشريتنا المأساوية، حين كنا نستيقظ كل يوم على نبأ غرق قارب جديد من قوارب الهجرة السرية، أو إلقاء أمواج البحر بجثث جديدة لمغاربة كانوا يحاولون العبور نحو الفردوس الأوربي. كنا، وعلى مدى سنوات ماضية، نعتقد أن المغرب طوى تلك الصفحة إلى غير رجعة، إلى أن بتنا أخيرا نعيش الكابوس نفسه. بالأمس فقط، أعلنت البحرية الملكية إنقاذها 19 مغربيا كانوا يحاولون الهجرة سرا عبر قارب خشبي بسيط، انطلاقا من ساحل الدار البيضاء. ولمن لا يتابع بشكل جيّد هذا الفصل الأسود من حاضرنا المرير، أقدم المشاهد التالية:
المشهد الأول: من داخل قارب يبدو أنه لصيادين إسبان، يصوّر أحد الأشخاص منظر طفل مغربي يرتدي سترة نجاة، ويتمدد فوق إطار مطاطي أسود، مكّنه من البقاء طافيا فوق مياه البحر. يبادر أفراد القارب إلى مساعدة الطفل ودعوته إلى الاقتراب منهم، ومغادرة الإطار المطاطي وركوب القارب. عملية جرت بعد حوار قصير صرّح فيه الطفل بأنه مغربي يحاول الوصول إلى إسبانيا بتلك الطريقة. صعد المراهق مرتعشا إلى القارب، وتلقّف قنينة ماء وموزة لشدة الجوع والعطش اللذين ألما به، ثم دسّ نفسه في سترة جاد عليه بها أحد ركاب القارب بعدما لاحظ ارتعاشه الشديد.
المشهد الثاني: مركب يقل مسافرين من المغرب نحو إسبانيا، بينهم مواطنون مغاربة في طريق العودة إلى الديار الأوربية حيث يقيمون، وبينما كان الركاب يستمتعون بمنظر البحر الذي يمخرون عبابه، فوجئوا بجثتين تطفوان فوق الماء. وثق ركاب من المهاجرين المغاربة المقيمين في أوربا المشهد بعدسات هواتفهم، فيما تسمع أصوات أطفال يعبرون عن صدمتهم بالمشهد، بلغات أوربية.
المشهد الثالث: قارب ممتلئ بالعشرات من الراغبين في العبور نحو الضفة الأخرى، يوثقون انطلاق رحلتهم بشريط فيديو يطوف جميع أصقاع الدنيا حاليا. المشهد ورغم ما يؤثثه من ضحكات وعبارات ابتهاج، إلا أنه يخلف أسى لامحدودا عند من يشاهده. المركب مزدحم بالشبان والنساء والأطفال، بعضهم يوجه التحية إلى أبناء حيه بمدينة العرائش، وآخر يطلب ممن سيشاهد الفيديو أن يترك عليه علامة «جيم».
إن ما نعيشه حاليا يرقى، دون أي مبالغة، إلى مستوى الكارثة الوطنية، وما المشاهد التي تصدمنا كل يوم، إلا صفعات توقظنا من تغافل مقصود عن هذا الانحدار الذي انطلق منذ سنوات. دعنا من الأرقام التي تمطرنا بها يوميا المنظمات الدولية للهجرة وأجهزة الأمن الأوربية، حول التدفق الانتحاري لأبنائنا على السواحل الأوربية، ولنتذكّر أن أكبر موجة نزوح بشري عاشتها أوربا في العقود الأخيرة، والتي افتتحها اللاجئون السوريون الذين حاولوا الانتقال من السواحل التركية إلى اليونان بهدف الوصول إلى ألمانيا؛ جعلتنا نعيش صدمة اكتشاف أن عشرات الآلاف ممن ركبوا تلك الموجة، كانوا مغاربة.
شبان ويافعون أمطرونا حينها بالصور وأشرطة الفيديو وهم يتقمصون شخصية لاجئين سوريين، ويركبون قوارب الموت من تركيا وليبيا نحو السواحل الأوربية. وحين وصل بعضهم إلى مخيمات اللاجئين في مقدونيا وصربيا، ذاع صيتنا في العالم لأن عددا كبيرا من هؤلاء المهاجرين كانوا شبانا مغاربة يائسين، وصل الأمر ببعضهم إلى الاحتراق بعد محاولتهم القفز فوق أسلاك كهربائية عالية التوتّر، ورغم ذلك اخترنا دسّ رؤوسنا في الرمال.
إن الذين يغرقون في مياه المتوسط والأطلسي ليسوا مجرد مراهقين يائسين من الحياة. إن ما يغرق هناك أمام أعيننا هو الأمل في مغرب عادل ومنصف لأبنائه. بعض هؤلاء الذين يركبون أمواج الموت هذه الأيام، هم الذين خرجوا عام 2011 رافعين شعار «حرية كرامة عدالة اجتماعية»، مطالبين بالإصلاح والقطع مع الفساد والريع، واستحواذ البعض على ثروات الوطن. هؤلاء الذين يغرقون في مياه البحر هم الذين لم يقدّم لهم وطنهم حتى الآن سوى وعود بتكوين مهني غير مقنع، وتجنيد إجباري لم يشرح لهم أحد خلفياته، وهم من تأخذ الدولة من ضرائب آبائهم عشرات الملايير سنويا لتصرفها على تعليم لا يمنحهم فرصة لعيش كريم.
إننا أمام مأساة أكبر من مجرد فئة من الشعب غلبها اليأس، لأن ما أوقف النزيف قبل نحو عقدين هو أمل رافق وصول ملك شاب إلى العرش، حيث أطلق «العهد الجديد»، إلى جانب أوراشه الكبرى، دينامية مصالحة سياسية واقتصادية كبيرة مع الساحل الشمالي للمملكة، وهو الجزء نفسه من الوطن الذي يعيش حاليا نزيفا جديدا في الثقة بين جيل كامل من الشباب والدولة.
الخطب الملكية الأخيرة أعلنت عدم توزيع ثمار النمو بشكل متكافئ بين المغاربة، والأخبار الآتية من البحر هذه الأيام تخبرنا بإحدى نتائج هذا الفشل. ورغم ذلك، يستمرّ البعض مصرا على خيار الاستحواذ، في الاقتصاد كما في السياسة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.