الأمم المتحدة: انخفاض 70% بوجبات غزة والوقود ينفد والرعاية الصحية تنهار    أمطار رعدية مصحوبة بالبرد مرتقبة الثلاثاء والأربعاء بعدد من مناطق المغرب    الصين: لا رابح في الحروب التجارية    شرطة ألمانيا تفكك "شبكة متطرفة"    توتر أمني في طرابلس وسط أنباء عن مقتل مسؤول بارز ودعوات دولية للتهدئة    "كان" الشباب... المنتخب المغربي يستعد لمواجهة مصر بحثا عن التواجد في المشهد الختامي    المغرب الفاسي يثق في منتوج النادي    الرئيس الأمريكي يصل إلى السعودية    توقعات طقس اليوم الثلاثاء بالمغرب    أي سياسة عمومية لمواجهة اعتداءات "المختلين عقليا" على المواطنين؟    وفاة شاب بعد انقلاب سيارته في قناة مائية    نجوم سينمائيون يدينون في رسالة مفتوحة الصمت حيال "الإبادة الجماعية" في غزة    لتضيء نضالات الأمس دروب الغد    مشكلة الوعي الزائف وشروط امكان الوعي الحقيقي    الأغذية فائقة المعالجة تهدد بأعراض "باركنسون" المبكرة    الهيئة المغربية لسوق الرساميل تؤشر على المنشور المتعلق ببيع أسهم "رونو"    المغرب يتربع على عرش صناعة السيارات الأقل تكلفة في العالم    وهبي: يمكننا تحقيق أشياء عظيمة والمهم هو بلوغ النهائي    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    النفط يهبط بفعل مخاوف من زيادة المعروض وحذر حيال اتفاق أمريكا والصين    المصادقة على 4 مراسيم لتحسين أوضاع العسكريين    وزير الخارجية البوروندي: عازمون على ضمان علاقات صداقة وتعاون وطيدة ومستدامة مع المغرب    كيوسك الثلاثاء| برادة يتوعد مثيري الشغب الرياضي بعقوبات صارمة وإجراءات لمحاصرتهم    نقابة تستنكر تدهور الأوضاع في المدرسة الوطنية العليا للفنون والمهن    إحالة محمد شدا البرلماني السابق على الوكيل العام وترقب قرار الاعتقال    وحش السياسة المتخفي خلف قناع الفضيلة    انطلاق مناورات "الأسد الإفريقي" بالمغرب    برشلونة على أعتاب لقب "الليغا" وريال مدريد يودّع أنشيلوتي    عودة الاستعمار القديم الجديد    نبذة عن هشام بلاوي الوكيل العام الجديد للملك لدى محكمة النقض    من هو أمين الشابي سفير المغرب لدى جمهورية باكستان الإسلامية؟    بكين وواشنطن تتفقان على آلية حوار اقتصادي لتفادي التصعيد    حكيمي يعزز استثماراته الرياضية بشراء نادي إسباني    جلالة الملك يستقبل ثلاثة أعضاء جدد بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية    بطولة اسبانيا: ريال مدريد يفتقد لجهود فينيسيوس وفاسكيس للاصابة    من الناظور إلى اسبانيا.. سقوط إمبراطورية الحشيش بقبضة الشرطة وهكذا وضف "الزعيم" عشيقاته لتبييض الأموال    تركيا.. أزيد من 64 مليون مسافر عبروا مطارات البلاد خلال الأشهر الأربعة الأولى من 2025    حريق مهول يلتهم محلاً لمواد التجميل في طنجة (فيديو)    مندوبية السجون توضح بخصوص زيارة الزفزافي لوالده    تزامنا مع عرض مسرحية صينية بالرباط.. السفير الصيني بالمغرب يشيد بمستوى العلاقات الثقافية بين بكين والرباط    رسميا: أنشليوتي يقود منتخب البرازيل    الخزينة العامة للمملكة تكشف المداخيل الجمركية    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    سلطات دار أقوباع تمنع تجار الفخار من احتلال الملك العمومي    حكيمي أفضل لاعب إفريقي في فرنسا    الفنان سعيد الشرادي يحيي حفلا فنيا بمدينة مراكش    مبيعات الإسمنت تجاوزت 4.52 مليون طن عند نهاية أبريل الماضي    نداء العيون-الساقية الحمراء: الدعوة لتأسيس نهضة فكرية وتنموية في إفريقيا    ماذا نعرف عن أسباب وأعراض متلازمة مخرج الصدر؟    "ريمالد" تنشر لعثماني عن الحكومة    ندوة علمية بالحسيمة تسلط الضوء على التراث الثقافي بإبقوين ورهانات التنمية السياحية    البيضاء تحدد مواعيد استثنائية للمجازر الكبرى بالتزامن مع عيد الأضحى    إنذار صحي في الأندلس بسبب بوحمرون.. وحالات واردة من المغرب تثير القلق    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مليونية عرفات وضرورة استحضار ما كان في حجة الوداع..

أحرر هذه الكلمات وأصداء التلبية في عرفات تصل إلى مسمعي، وكأني هناك في عرفات وسط تلك الأمواج من الناس المؤمنين الخشع الذين جاءوا من كل أنحاء الدين تلبية لنداء إبراهيم عليه السلام وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ»، ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله تعالى ملبين، وكلهم يرجو المغفرة والثواب، ويشعر بهذه الأخوة الإيمانية والإنسانية التي تربطه بالناس جميعا وبهؤلاء المؤمنين الذين يقفون معه على صعيد واحد، وتراهم يتسابقون محاولين الوصول إلى ذلك الموقف الذي وقف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعلن للناس في آخر حجة حجها ما يجب عليهم الالتزام به في حياتهم من تعاليم الدين من أوامر ونواهي، ومن أخلاق عالية تسمو بهم إلى درجة الإنسان المكرم الذي يسعى باستمرار لصيانة هذه الكرامة من أن ينال منها نائل. بما يكدر صفوها، أو ينزل بها إلى درك الهوان، فالحج وشعائره ومناسكه إنما هي من أجل شعور الناس أنهم تربطهم رابطة أساس، هي رابطة الإنسانية المكرمة من عند الله وأنهم جميعا من آدم وآدم من تراب، ولا يحق لأي كان أن ينال من هذه المنزلة بأي أسلوب من أساليب النيل، وأن إعلان الإسلام في هذا المنسك عن تحريم كل أنواع الصيد أو القتل لأي مخلوق مهما كان إلا ما استثنى من تلك المخلوقات التي تفتك بالناس، ولعل الناس وهم يشعرون جميعا بهذا الإحساس يستحضرون ما تعيشه جل الشعوب الإسلامية في هذه الأيام من الفتن والأهوال، وما يسفك فيها من دماء بين المسلمين، ويتذكرون هذه الملايين من اليتامى والأرامل ومن المشردين من المسلمين في كل بقاع الأرض، لا لذنب ارتكبوه، ولا لظلم اقترفوه، وإنما هي أهواء وأطماع، وصراع على متاع زائل، ينبعث من النفوس التي تنكبت طريق الحق، وطريق التعاليم الإسلامية السمحة، والتي استطاعت شياطين الإنس قبل شياطين الجن أن توسوس بها في نفوس الناس، فكان هذا الصراع، وكانت هذه الدماء التي تسيل سواقي وانهارا، وكانت هذه الثروات والأموال التي تبذر وتهدر في سبيل القتل وشراء السلاح الذي يقتني من الأعداء والخصوم، هؤلاء الأعداء والخصوم الذين يتبارون في استنزاف الأموال ونهب الثروات من ديار الإسلام والمسلمين لتحريك دواليب اقتصادهم وصناعاتهم المدمرة. وفي نفس الآن يزيحون المسلمين عن أي فرصة أو إمكانية التنافس، أو الوقوف ندا للند على المستوى العالمي.
وإذا كان الناس اليوم في ديار الإسلام يعيشون هذه الظروف الصعبة ويمتحنون في عقيدتهم فإن الموقف في هذه البقعة الطاهرة وفي يوم عيد الأضحى عيد التضحية والفداء يفرض على المسلمين أن يتذكروا ما تقرر في هذا اليوم العظيم من توجيهات وتعاليم ويتذكروا وبعضهم يصوب سلاحه ضد البعض أن الرسالة الأساس في هذا اليوم العظيم والحج الأكبر أن الاعتداء من طرف بعضهم على بعض حرام ولا يجوز وأن القرآن صدع بين الناس في هذا اليوم.
«ولا يجرمنكم شأن قوم ان صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان» هذه الآية واضحة في إنهاء الصراع القديم وما حدث من منع المسلمين من دخول المسجد الحرام، أو عندما يعودون مرة أخرى إلى صدكم من دخول المسجد فهما قراءتان في الآية بفتح همزة "ان" أو كسرها، وهي على أي حال تعلن انه لا يقبل من المسلم مهما حصل أن يعتدي ولكنه يجب عليه التعاون على البر والتقوى وهو جميع أنواع الخير وقد فسر البر في سورة البقرة في قوله تعالى: «ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق...الآية» وهذا في الواقع يخص التعامل مع الناس في كل الأحوال، والتقوى وهي ما يجب على الإنسان من الامتثال والاجتناب امتثال الأوامر، واجتناب النواهي، وإذا كان الواقع مع هؤلاء الذين صدوا المسلمين عن المسجد الحرام، فكيف يقبل أن يعتدي بعض المسلمين على بعض بل كيف يقبل بمنطق العصر والوطنية أو القومية أن يعتدي مسلم من قطر معين على مسلم في نفس القطر ويسفك الدم الحرام ويدمر البيوت وييتم ويرمل أهل الوطن الواحد والدين الواحد إلا أن يكون ذلك بغيا وعدوانا وخروجا عن أحكام الدين وتعاليمه وأنه لمن المؤلم والناس في هذا الاحتفال بهذا العيد عيد التضحية والبذل ان نجد بعض رجال الفقه والعلم ولا أقول الدين يفتون بجواز قتل المسلمين وتكفيرهم وهم يعلنون ان لا إله ألا الله ويدخلون المساجد ويصلون ويصومون، فلا يمكن أن يكون هؤلاء من رجال الدين أولا لأن الإسلام ليس فيه رجال دين ونساء دين فكل المسلمين في الدين سواء ومن اتقى أكثر فتقواه لنفسه وربما كان منها لمجتمعه منها نصيب.
والسياق في هذه السورة يوضح أكثر في هذا الموضوع عندما يقول سبحانه: «ولا يجرمنكم سنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى» فالخصومة والعدوان لا ينبغي أن تحمل الناس على ظلم بعضهم لبعض فالمطلوب من المؤمنين أن يكونوا قوامين بالقسط، ومن هنا ندرك لماذا هذا العيد، ولماذا هذه الوقفة في عرفات، هذه الوقفة التي أعلن فيها الرسول عليه السلام ما أعلن من تعاليم وأحكام كما أسلفنا، والتي يجب أن يتذكرها المسلمون كل يوم الوقفة بعرفات، فهو تذكير وذكرى حتى لا تنتهي هذه التعاليم إلى ما نحن فيه.
يروي أن أحد أهل الكتاب قال لعمر بن الخطاب (ر.ض) عندكم أية لو نزلت علينا نحن اليهود لاتخذنا ذلك اليوم عيدا وتساءل عمر ما هي؟ فأجاب (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا). وأجاب عمر فأنا أعلم اليوم الذي نزلت فيه عرفات وكان عيدا واليوم الموالي وهو عيد، ويمكن أن نستخلص من هذا الجواب أن احتفال يوم عيد الأضحى ليس عيدا فقط لأنه تذكير بما قدمه إبراهيم الخليل عليه السلام من صدق الإيمان وتصديق الرؤيا، وما قدمه ابنه إسماعيل من الامتثال وإخلاص الطاعة لله ولوالده إبراهيم هذه التضحية التي يعز مثيلها بين الناس، ولكنه كذلك عيد يستحق الاحتفال به ومعايشة أحداثه وأيامه لأنه اليوم الذي أعلن فيه كمال الدين وإتمام النعمة، والرضا من الله سبحانه للأمة بإسلامها وإخلاصها لله سبحانه وتعالى، وهو اليوم الذي أعلن فيه الله سبحانه وتعالى لنبيه أن الذين كفروا من مشركي مكة وغيرهم قد يئسوا من النيل من هذا الدين فقال سبحانه «اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون». فهذا إعلان من الله الأمن والأمان والاستمرارية لدين الإسلام وأنه لن ينال منه الخصوم مهما كانوا وفي الوقت نفسه أمر بعدم الخشية من الذين كفروا ولكنه مع ذلك يجب أن نتدبر قوله تعالى اليوم يئس الذين كفروا من دينكم، ولم يعلن أنه يئس من النيل منهم –من المسلمين-، ولكن الدين أصبح النيل منه أمرا لا يستطيعه من أراد مهما حاول لأن القرآن في آية أخرى أكد أن الأعداء والخصوم سيستمرون في المحاولة في الحرب والصد والقتال لغاية أساس و وحيدة هي تحقيق الردة والارتداد عن الإسلام وذلك مصداق قوله تعالى «ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم ان استطاعوا»، هذه الاستطاعة تحققت في جانب من جوانبها عندما تمكن الاستعمار من الحيلولة بين المسلمين وبين الاحتكام إلى شريعة دينهم وتحليل ما أحلته وتحريم ما حرمته، أنهم بالفعل لم يستطيعوا أن ينالوا من عقيدة المسلمين وعقائد الإسلام من صلاة وزكاة وصيام وحج، ولكنهم استطاعوا أن ينالوا من التحاكم إلى الشريعة بل والتحاكم إلى غيرها، وذلك لأن الناس حيل بينهم بين التمعن والتدبر في الأحكام القائمة كلها على العدل والمصالح الحقيقية للناس دينا ودنيا.
فالشريعة كما قال ابن القيم عدل كلها ومصلحة كلها، ومع ذلك فإن الناس عادوا إلى ما كان عليه البعض حتى عند نزول القرآن ووصفهم القرآن حيث قال: « وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ إنما كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» ولعل الصراع اليوم في جانب من جوانبه هو في فقدان التفاهم بين المسلمين على المكانة التي يجب أن تكون للشريعة في دنيا الناس، ولا يمكن حل هذا الإشكال باللجوء إلى القتال وتدمير الأوطان وإنما بالنيل وبالأسلوب الذي أمر به القرآن ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن: فالذي يجب هو الحوار والتوافق على الفهم السليم والصريح لإحكام الشريعة مع مراعاة تطور الأحوال وتغير الأزمنة والأمكنة عن طريق الاجتهاد وفق ضوابطه المحدد والمعروفة ما دام الناس يعلنون جميعا أنهم مسلمون.
* ذ. محمد السوسي
أستاذ الفكر الإسلامي
مستشار برلماني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.