1. الرئيسية 2. المغرب يونس السكوري يُحمّل الفقراء مِمَن يتحصلون على الدعم الاجتماعي مسؤولية تفشي البطالة برفضهم الانخراط في سوق الشغل الصحيفة - خولة اجعيفري الأربعاء 2 يوليوز 2025 - 15:21 منذ أن وعدت حكومة عزيز أخنوش المغاربة في أولى أيام ولايتها بخلق مليون منصب شغل خلال خمس سنوات، وقدمت هذا التعهد كركيزة أساسية ضمن تصورها الاجتماعي والاقتصادي، بدا واضحا أن الرهان على التشغيل سيكون معيارا حاسما في تقييم أدائها، لكن بعد أكثر من أربع سنوات على توليها المسؤولية، تتكشّف ملامح التراجع، وهشاشة الشعارات، ليس فقط من خلال الأرقام المتضاربة، بل من خلال تصريحات رسمية صادرة عن وزراء داخل الحكومة كما هو حال وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري. السكوري، أقرّ من داخل قبة البرلمان صبيحة اليوم الأربعاء بعدم قدرة الحكومة على تحقيق تحول نوعي في محاربة البطالة، وذهب أبعد من ذلك حين حمّل العاطلين أنفسهم مسؤولية فشل السياسات، متهما المستفيدين من الدعم الاجتماعي برفض الانخراط في سوق الشغل المنظم، وكأن الدعم، الذي روّجت له الدولة كأداة للكرامة، قد تحوّل في نظر الوزير إلى عائق يجب التخلص منه. وكشف المسؤول الحكومي، في عرض طويل قدّمه أمام لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب عن معطيات مثيرة حول التحديات التي تواجهها الحكومة في مجال الإدماج المهني، بالأخص تلك المرتبطة بتأثير الدعم الاجتماعي المباشر على سوق الشغل، إذ لم يتردد في القول بوضوح إن "برنامج الدعم الاجتماعي المباشر يفرز تحديات كبيرة أمام جهود الإدماج المهني ومحاربة البطالة"، مضيفا أن "فئة من المستفيدين ترفض الانخراط في سوق الشغل المهيكل تفاديا لفقدان الدعم". وهذا التصريح، رغم بساطته الظاهرة، يحمل اتهاما ضمنيا لفئة اجتماعية هشة بأنها تعرقل برامج الدولة، وهو ما يشكل تحويلا خطيرا لبوصلة المسؤولية من المؤسسات والسياسات نحو الأفراد والضحايا أنفسهم، ففي هذا الخطاب، لا تُطرح الأسئلة حول مدى قدرة الدولة على التوفيق بين الدعم والإدماج، بل يُحمّل الفقراء مسؤولية تعطيل المنظومة، دون إقرار بتقصير السياسات العمومية. الوزير، ذهب أبعد حين قال إن "العديد من المستفيدين من الدعم لا يريدون التسجيل في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ويفضلون الاشتغال في النوار بأجور تصل إلى 23 درهما في الساعة"، مشيرا إلى أن هذا الوضع "ينعكس سلبا على الاقتصاد الوطني"، وهكذا مرة أخرى، يُبنى الخطاب على فرضية أن الفقراء يفضلون الاقتصاد غير المهيكل عن وعي وتحايل، لا لأن السوق المنظم يعجز عن استيعابهم، أو لأن الحماية الاجتماعية ما تزال غير مغرية ولا محمية بشكل كاف، كما لا يشير الوزير إلى ضعف الحوافز أو هشاشة الأجور أو نقص الضمانات، بل إلى نوع من "الكسل المنظم" الذي يجعل فئات معينة تختار العيش على هامش القانون. ثم تأتي لحظة اعتراف نادرة حين يقول الوزير حرفيا: "زبون المعمل حين يأتي من بلاد أخرى، لزيارة المصنع لا يجد العمال بالعدد الكافي والمطلوب، ومثل هذه التحديات تنعكس بشكل سلبي على الأداء الاقتصادي"، وهنا يبدو الوزير وكأنه يتحدث بلسان أرباب العمل المتذمرين من نقص اليد العاملة، دون أن يسائل واقع الأجور أو ظروف الشغل التي تدفع الشباب للعزوف، وهنا يكمن جوهر الإشكال في نظر المسؤول الحكومي وهو ليس هشاشة الاقتصاد الوطني، بل غياب العمال في اللحظة التي يأتي فيها المستثمر الأجنبي ليفتش عن من يشغّلهم. لكن التصريح الأكثر خطورة، والذي يشكّل مدخلا مهما لفهم التوتر بين الحكومة والواقع الاجتماعي، هو حين قال السكوري: "هل الإدارات تلتقط هذه الإشارات؟ الجواب هو لا"، معترفا بأنه أطلق، منذ ثلاثة أشهر برنامجا موازيا للبرنامج الرسمي، يستمع فيه للسياسيين ورجال الأعمال والبرلمانيين والعاطلين، لمحاولة فهم ظواهر لا تتناولها البرامج الرسمية، وبهذا التصريح، يقر الوزير، من موقعه داخل الحكومة، أن أدوات الفهم الرسمي لا تعمل، وأن البرامج المعتمدة لا تلامس الواقع، وهو إقرار صريح بانفصال مؤسسات الدولة عن الميدان، وبأن الفهم الحقيقي لا يتم من داخل الهياكل، بل خارجها، في ما يشبه البحث عن أجوبة في الهامش بعدما أخفقت الأسئلة في المركز. الوزير قدم أيضا وصفا دقيقا لحالة حي الرحمة بمدينة الدارالبيضاء، وأحياء أخرى ذات كثافة سكانية عالية، قائلا إن "الشباب لا يريدون الذهاب للعمل في برشيد أو أكادير لأنهم يفضلون البقاء مع عائلاتهم، ويجدون نوعا من الراحة في ذلك". وأضاف: "لا يمكن للشاب أن يتخلى عن راحته ويلتحق للعمل في مدينة أخرى وسط الطبقة الكادحة"، مشيرا إلى أنه زار بعض المعامل في برشيد ووجدها شبه فارغة من العمال، وهنا يظهر خطاب طبقي صارخ، يوحي بأن اختيار البقاء قرب العائلة ورفض العمل مقابل أجر ضعيف هو شكل من أشكال اللامسؤولية أو الترف، بينما الواقع يقول إن تنقل الشاب من حي فقير إلى مدينة صناعية للعمل لا يعني فقط تغيير المكان، بل يعني كلفة مالية ونفسية واجتماعية لا يتحملها من لا يملك شيئا. ويستمر خطاب المفارقة حين يصرح الوزير أن "انتشار البطالة في الأحياء ذات الكثافة السكانية الكبيرة لا يعني أنه ليس هناك فرص عمل متاحة، بل العكس"، مشددا على أن "في بعض المناطق نجد أن الأجرة لا تغطي المعيشة، لكن في المناطق التي يرتفع فيها الشوماج، مثل جهة الشرق لا نجد مثل هذه الفرص". بهذا، يُعبر الوزير عن تناقض داخلي، إذ يعترف بأن الأجر لا يفي بالحاجيات في بعض المناطق، ثم يستغرب لماذا يرفض الشباب التنقل إليها، وهذا يعني أن الشاب مدعو إلى أن يغادر أسرته، وينتقل إلى مدينة أخرى، ويشتغل بأجر لا يغطي أبسط ضروريات العيش، ثم يُلام إن رفض. ولم يفت السكوري أن يُدرج الحل في مراجعة مدونة الشغل، حين قال إن "خارطة الطريق الحكومية الجديدة في مجال التشغيل خلصت إلى أنه لا يمكن معالجة معضلة التشغيل دون مراجعة مدونة الشغل"، ثم أضاف: "الشباب غير المتعلمين أو الذين لا يتوفرون على شواهد لا يقبلون أجورا ضعيفة إذا لم يكونوا يقطنون بجانب مقرات العمل"، وهنا أيضا يظهر الميل إلى تحميل المسؤولية للفئات الأقل تعليما، وتبرير هشاشة الأجور بمحدودية مستواهم الدراسي، في تجاهل تام لضرورة تعميم العدالة الترابية في الاستثمار، وضمان الكرامة لكل عامل بغض النظر عن مستواه. ولم تخلُ المداخلة من إشارة إلى برنامج الفرصة الثانية لمحاربة الهدر المدرسي، الذي، بحسب السكوري، "مكن فقط من استقطاب 20 ألف مستفيد لحد الآن"، وهو رقم هزيل إذا ما قورن بحجم الفئات المستهدفة، ما يكشف عن ضعف التجاوب مع المبادرات الحكومية، أو عن قصور في المقاربة نفسها، التي يبدو أنها لم تلامس بعد العمق الاجتماعي للتحديات. وهكذا، يظهر خطاب يونس السكوري كمرآة عاكسة لفجوة حقيقية بين منطق الحكومة ونبض الشارع، فبدل أن يُسائل الأسباب العميقة للبطالة، وانعدام العدالة المجالية، وهشاشة الأجور، ومحدودية التحفيزات، اختار التركيز على سلوكيات الأفراد، بلغة تنزلق أحيانا نحو الإدانة الأخلاقية، وتجنح أحيانا أخرى إلى التبرير التقني، دون أن تُظهر الوعي الكامل بحجم الخلل البنيوي في السياسات. وتصريحات السكوري، التي بدت وكأنها محاولة للتهرب من حصيلة هزيلة، كشفت بوضوح أن المشروع الحكومي في مجال الإدماج المهني يعاني من ارتباك عميق، وأن الشعارات المرفوعة في بداية الولاية لم تكن سوى وعود انتخابية لم تصمد أمام اختبارات الواقع فبدل أن يقدّم الوزير تفسيرا شفافا حول ضعف النتائج، اختار أن يستخف بمنظومة الدعم الاجتماعي، ويُحمل الشباب الفقير تهمة التراخي ورفض "التضحية بالراحة" من أجل الالتحاق بمناصب لا تؤمن الحد الأدنى من الكرامة، وبهذه اللغة، تنقلب أدوار الدولة، ويتحوّل ضحايا السياسات إلى متهمين، ويتحول الفقر إلى سلوك شخصي، لا إلى نتيجة مباشرة لخيارات اقتصادية واجتماعية ظلت تعمق الفوارق بدل أن تردمها.