1. الرئيسية 2. سياحة الجبهة كما لا تظهر في الخرائط.. أرض المغامرات الهادئة والضِّيافة الطيبة والشواطئ الساحرة الصحيفة - إسماعيل بويعقوبي الأحد 20 يوليوز 2025 - 0:40 في شمال المغرب، حيث تلامس زرقة المتوسط خضرة جبال الريف، تنبثق "الجبهة" كلوحة طبيعية هادئة، ترسمها الطبيعة وتخطها الريح وتصبغها الشمس بألوان الشروق والغروب، هي خليط من البساطة والعراقة، من البحر والجبل. في بلدة الجبهة لا تسمع هدير المحركات التي تستبد المدن الكبرى، بل همس الموج وهو يربت على صخور الشاطئ، هنا كل شيء يدعوك للهدوء، ولتأمل التفاصيل الصغيرة التي تحيي النفس. طعمُ الخبز الساخن المغموس في زيت الزيتون، عبق السمك المشوي على الفحم، وابتسامة الأهالي التي تسبق أي سؤال. صورة تعكس جمال "الجبهة" التي تبدو مثل لوحة مرسومة بعناية ليست الجبهة وجهة مكتظة بالسياح، وصورها ليست مشهورة على البطاقات البريدية، لكنها تكتفي بأن تمنح زائريها لحظة صدق نادرة، حيث الزمن يتباطأ والطبيعة تعود إلى مكانتها الأصلية، إنها ببساطة، البلدة التي تزورها مرّة، فتظل تحلم بها كلما رأيت البحر أو شممت رائحة الزعتر في الصباح. من "كوربوكلا" إلى "الجبهة".. حكاية اسم يكتبه الجبل والبحر يحمل اسم "الجبهة" دلالة مكانية صريحة، إذ تتخذ البلدة، التي تُعد قيادةً ضمن جماعة "متيوة"، والتابعة ترابيا لإقليم شفشاون بجهة طنجة- تطوان- الحسيمة، موقعا فريدا عند سفح سلسلة من الجبال، وكأنها واجهة بارزة تطل من قلب الريف نحو البحر، وفي اللغة العربية، تعني "الجبهة" مقدمة الشيء وواجهته، وهو ما يعكس طبيعة الموقع الجغرافي للبلدة التي تبرز كجبهة متقدمة مُنحدرة من الجبال نحو الساحل. غير أن الجبهة، التي يقارب تعداد سكانها 4500 نسمة فقط، وفق إحصاء سنة 2024، لم تكن تُعرف بهذا الاسم دائما، فقد أطلق عليها الرومان اسم "كوربوكلا" (Corbucla)، والذي يُترجم إلى "مُخيم" أو "مأوى"، دلالة على الدور الذي كانت تؤديه كمرفأ طبيعي تستريح فيه السفن التجارية العابرة نحو الضفة الجنوبية من البحر الأبيض المتوسط. أما في الحقبة الاستعمارية، وتحديدا سنة 1926، حملت البلدة اسما جديدا هو "ميناء غاباس" (Puerto Capaz)، تخليدا لاسم الجنرال الإسباني أوسبالدو غاباس (Osvaldo Capaz) الذي أشرف على تأسيس النواة الحضرية للمنطقة كمركز مراقبة واستقرار، واستمر هذا الاسم متداولا خلال فترة الحماية الإسبانية، إلى أن استعاد المغرب استقلاله سنة 1956، ليعود اسم "الجبهة" إلى الواجهة، محمَّلا بتاريخ طويل من التعدد اللغوي والثقافي الذي عبر من البلدة. من الأنشطة السياحية البارزة بمدينة الجبهة استعمال القوارب للتنقل وللقيام برحلات بحرية للراغبين في الاستمتاع بساعات غروب المتوسط وخلال فترة الحماية الإسبانية، أصبحت الجبهة موقعا استراتيجيا للمراقبة البحرية، نظرا لقُربها من المعابر البحرية الحيوية التي تربط المغرب بمدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، كما أنها كانت القلعة العسكرية التى بُنيت لتكون بمثابة عينٍ تراقب البحر، وشاهدة على الكثير من التقلبات السياسية والاجتماعية التي مرت بها المنطقة. الطريق إلى الجبهة.. متعة السفر قبل الوصول وبعده الوصول إلى الجبهة رحلة ممتعة بشمال المغرب، تترك فيها صخب المدينة خلفك وتستعد لملاقاة طبيعة نادرة وهدوء لا يضاهى، لكن، إذا اختار الزائر أن يذهب إليها من مدينة طنجة مثلا، بعد أن يصلها من الخارج عبر ميناء طنجةالمدينة أو طنجة المتوسطي، أو من داخل المغرب عبر القطار فائق السرعة، سيكون عليه التخطيط جديدا للرحلة، لأنه إذا لم يكن يتوفر على سيارة خاصة، فسيكون مطالبا أولا بقطع نحو 60 كيلومترا نحو مدينة تطوان في رحلة تمتد لساعة واحد تقريبا، ليصل إلى المحطة الطرقية، حيث سيارات الأجرة التي تقصد تلك الوجهة. ومن تطوان تمتد الطريق الوطنية الساحلية رقم 16 على مسافة تقارب 122 كيلومترا في مدة زمنية تستغرق ساعتين ونصف بواسطة التاكسي أو سيارتك الخاصة، في رحلة عبر منحدرات تحيط بها مناظر بانورامية وتطل على امتداد البحر، الطريق يمر بعدة قرى صغيرة مثل أزلا، واد لاو، اسطيحات، جنان النيش وأمتار، حيث يمكن التوقف للاستراحة والاستجمام وتذوق مأكولات محلية بسيطة، وهو أمر قد يصبح مطلبا مُلحا خصوصا للمسافرين الذين ترهقهم المنعرجات. أما إذا كنت قادما من مدينة الحسيمة، فالمسافة نحو الجبهة تزيد قليلا عن 100 كيلومتر، في مدة زمنية تستغرق نحو ساعتين بواسطة السيارة، تسلك خلالها طُرقا جبلية، حيث المناظر الخلابة التي تسرّ الناظرين، مع فرصة توقف في بعض القرى الجبلية للقاء أهل المنطقة وتذوق المأكولات التقليدية. تتميز "الجبهة" ببساطتها، لكنها تنفرد بجمال ساحر وهادئ ومغرٍ للسياحة العائلية. ويمكنك أيضا أن تصل الى الجبهة اذا كنت قادما من شفشاون، في رحلة عبر الجبال تبلغ 122 كيلومتر، في مدة زمنية تقارب ساعتين ونصف بواسطة السيارة، عبر الطريق الجهوي رقم 412 المتصلة بالطريق الوطنية رقم 2 ثم عبر الطريق الجهوي رقم 4105 المتصلة بالطريق الوطنية رقم 16، وهي رحلة تأخذك بين أحضان الطبيعة الخضراء، مرورا بمدشر مزلافن، وتلمبوط ووادي إفرطن وقاع أسراس، وهي مناسبة لمحبي المغامرات والمرتفعات. أما بالنسبة لمن يفضلون الرحلات الجوية، سواء من داخل أو خارج المغرب، فمطارات سانية الرمل بتطوان والشريف الإدريسي بالحسيمة هي الأقرب إلى الجبهة، وكذلك يمكن الوصول عبر مطار طنجة - ابن بطوطة الدولي، مع توفُّر خدمات تأجير السيارات أو الاعتماد على النقل المحلي كسيارات الأجرة الكبيرة، المتوجهة نحو الجسيمة، والتي تمر عبر الجبهة، إلى جانب وجود حافلات نقل تؤمن بعض الرحلات المنتظمة من تطوانوشفشاون صوب المنطقة. أما من حيث الإقامة في الجبهة فهي حسب ميزانيتك، حيث أن الزائر أمام خيارين واضحين، الأول هو كراء منازل من الخواص، وهذا الحل هو الأفضل بالنسبة للرحلات الجماعية، وتختلف الأسعار حسب الموقع والجودة والفترة، وتتراوح عادة بين 250 و600 درهم لليلة الواحدة، ويمكن العثور على شقة جيدة مكونة من صالة وغرفتين ب400 إلى 500 درهم حتى خلال فترة الصيف، وهذا الخيار مناسب للباحثين عن خصوصية أكبر، وتحديدا العائلات. أما الخيار الثاني فهو الفنادق، حيث تتوفر البلدة على عدة وحدات فندقية، بطاقة استيعابية متفاوتة، وتختلف الأسعار حسب الخدمات المتوفرة، وكذلك حسب المواسم، مع العلم أن فصل الصيف يعد ذروة النشاط السياحي هناك، لكنها تبقى في متناول معظم الزوار، خاصة بالمقارنة مع مناطق ساحلية أخرى أكثر ازدحاما. شواطئ الجبهة.. لكل وجهةٍ سحر وجمال حين تصل إلى الجبهة، ستدرك سريعا أن البحر ليس مجرد خلفية طبيعية، بل هو قلب المنطقة الذي ينبض بالحياة والتنوع، ولأنها بلدة ساحلية بامتياز، فإن شواطئها ليست متشابهة، بل لكل شاطئ منها بصمته الخاصة، وشخصيته التي لا تتكرر. يتميز ساحل "الجبهة" بشواطئه الفريدة المطلة على البحر الابيض المتوسط، والمترابطة مع جبال وهضاب تعطيها الكثير من التميز وباستثناء شاطئ المجاور للكورنيش، والذي تكاد كل منازل المنطقة تطل عليه، فإن الوصول لباقي الشواطئ مغامرة في حد ذاتها، لأن الذهاب إليها لا يكون عبر طريق برية، بل من خلال رحلة بحرية توفرها زوارق الجولات السياحية المتوفرة بكثرة داخل الميناء، مقابل 250 درهما تشمل جولة ل7 أشخاص على الأقل، ذهابا وإيابا. هذه الزوارق هي وسيلة مثالية للاستمتاع بجمالية المنطقة، فالأمر لا يتعلق بمجرد "توصيلة" إلى المكان المقصود، بل بجولة بحرية تشمل مشاهدة الأسماك وزيارة المغارات البحرية الفريدة التي تميز المنطقة، مع إمكانية التوقف في بعض المواقع لالتقاط الصور. أولى المحطات التي لا مفر من التوقف عندها هو شاطئ "مرس الدار" أو "مرسدار" كما يُصطلح عليه محليا، الذي يبدو كأنه مسبح طبيعي مفتوح على البحر، تحوّل مع مرور الوقت إلى علامة مميزة للجبهة ورمزها السياحي الأول، فهو نقطة الجذب التي تأسر الزائر من النظرة الأولى. وإن كنت ممن يفضلون الشواطئ الصغيرة ذات الطابع الحميمي، فما عليك سوى التوجه نحو شاطئي "مونيكا" الأول والثاني، حيث الطبيعة رسمت تضاريس مدهشة تزاوج بين العفوية والمحافَظة، وتُشعرك وكأنك في مكان خاص لا يعرفه الكثيرون. أما محبو الصخور والمياه الصافية، فسيجدون في "الحواض" وجهتهم المثالية، حيث البحر يفتح ذراعيه لعشاق الغطس والسباحة الهادئة في مياه بلورية، هذا الشاطئ هو الأبعد، وهو أيضا الأكثر سحرا وغرابة، فهو ذو طبيعة صخرية ولا يتوفر على أي رمال، والسياحة فيه تتطلب انتعال أحذية خاصة، أو ببساطة اقتناء أحذية بلاستيكية زهيدة الثمن تباع في عين المكان، ثم الاستمتاع بالسباحة وسط المياه العذراء الصافية، بجوار الأسماك حرفيا. وإن رغبت في استكشاف شواطئ أبعد عن أعين الزوار، فهناك "صفوف الحومر"، وهي مواقع شاطئية خالية إلا من الطبيعة، تقدم للزائر تجربة من العزلة والجمال الخالص، ويمكنك التنقل بين هذه الشواطئ إما بسيارتك الخاصة أو مشيا، وإن أردت تجربة أكثر شاعرية، يمكنك الاستعانة بقوارب الصيد التقليدي، والانطلاق في جولة بحرية لن تنساها في عين المكان. الأكل في الجبهة.. مذاقات من البحر وروح المكان ما أن تقترب من ميناء الجبهة حتى تصل إلى أنفك رائحة البحر والسمك الطازج، فرغم صغر حجمه، يُعرف الميناء بأسماك ذات جودة عالية، سواء تعلق الأمر بالأنواع الغالية أو تلك التي في متناول الجميع، لكن الأهم هو أنك حيثما اتجهت في الجبهة، ستجد أن المذاق مختلف، لا يمكن مثلا أن تغادر المنطقة دون أن تتذوق السردين المشوي، فهناك، هذا السمك ليس كما تعرفه، بل هو طبق يتّخذ شكلا ومذاقا خاصا، سواء أُعد على الفحم، أو أُدمج في وصفات محلية، بسيطة لكنها شهية. أما إن أردت تجربة فطور صباحي أصيل، فلا تفوت فرصة شرب كأس من الشاي بالنعناع والأعشاب الطبيعية مرفوقا بخبز ساخن من فرن "محمد البازي" الشهير، الملقب ب"الأستاذ"، مع زيت الزيتون المحلي والبيض البلدي والجبن التقليدي، فطورٌ بسيط، لكن في الجبهة له لذة مختلفة. وقد تصادف وأنت تتجول في الجبهة أعشابا بحرية معروضة على الأرصفة، يجمعها السكان من الشواطئ المجاورة، ويستخدمونها في الطب الشعبي، كما قد تسمع الحكايات القديمة التي يرويها الصيادون عن البحر، والأمواج، والأساطير المحلية التي تجعل من الجبهة أكثر من مجرد مكان. هنا لا تنتهي المتعة عند الشاطئ إذا كنت من عشاق الصيد بالقصبة، فاعلم أن الجبهة ستكون بمثابة جنة صغيرة لك، فقط توجه صوب الأجراف الصخرية، وخذ وقتك في اختيار موقعك، فهنا اعتاد الصيادون المحليون أن يلزموا أماكنهم منذ الفجر، ينتظرون صيد "الميرو" وغيره من أسماك الأعماق، إنها تجربة لا تتعلق فقط بالحصول على صيد، بل بطقوس كاملة تُمارس بصبر وهدوء، وتربطك بالمكان بطريقتها الخاصة. أما إن كنت من هواة الغوص، فيمكنك أخذ عتادك والاتجاه نحو الأعماق البحرية للجبهة، حيث ستكتشف عالما خفيا يزخر بجمال فريد، من كائنات بحرية نادرة، وتشكيلات صخرية خلابة، وألوان تنبض بالحياة تحت مياه لا تزال تحافظ على صفائها ونقائها الطبيعي. ولا تنس، قبل أن تغادر، أن تمنح لنفسك وقتا للاستكشاف البري، حيث أن الجبهة ليست فقط بحرا، بل جبالٌ أيضا، ما عليك سوى أن تتبع إحدى المسالك الطبيعية المحيطة بالبلدة، لتجد نفسك في قلب مشهد بانورامي رائع، حيث تكاد أن تلمس السحاب وأن تطل على البحر من أعلى، والهواء النقي محيط بك، وإذا كنت من محبي التخييم، فاختر موقعا عاليا وانصب خيمتك هناك، ستُكافأ بغروب لا يشبه غيره، وهدوء لا يُقاطعك فيه أحد. وقبل أن تطوي صفحة زيارتك للجبهة، خُذ لحظة صمت، وقف على الشاطئ، والسكينة تحيط بك من الجهات كلها، ستفهم حينها أن هذه المنطقة ليست فقط مكانا لقضاء العطلة، بل ملاذا تُصالح فيه نفسك، وتكتشف من خلاله وجها آخر للمغرب، وجهٌ بسيط، صادق، نقي مثل مياهه، وهادئ كلياليه، وربما، وأنت تغادرها على مهل، لن تفكر كثيرا في الصور التي التقطتها، بل في الأحاسيس التي تركتها فيك هذه البلدة الحميمة بأهلها وبحرها وأجوائها، إحساس بأنك كنت في مكان يشبهك، أو يشبه ما كنت تبحث عنه منذ زمن.. وهكذا، دون أن تشعر، ستكون قد وعدتها بالرجوع.